تقديم

تقديم
نواصل قراءتنا للرسائل الرعائيّة، تلك التي كُتبت للرعاة، ومن أجل عمل الرعاية. فنصل إلى 2 تم التي يبدو أن بولس كتبها لتلميذه الذي جعله بعده في كنيسة أفسس.
بعد أن خرج بولس من سجنه سنة 62-63 (أع 28)، وبعد رحلة رسوليّة "رابعة"، كتب فيها 1 تم وتي، عاد بولس إلى السجن، في رومة، على أيام الامبراطور نيرون. في ذلك الوقت كتب 2 تم. جاء السجن الثاني مختلفًا عن السجن الأول حيث تمتّع ببعض الحريّة وأقام في بيت استأجره (أع 28: 30) وكان يستقبل من يشاء. أما السجن الثاني فهو قاس بسبب برد تعرّض له السجينُ في الشتاء (4: 13)، وحرّ يصيبه في الصيف. في هذا السجن الثاني، قُيّد الرسول كمجرم (1: 6؛ 2: 9)، فما استطاع أصدقاؤه أن يجدوه إلاّ بعد بحث طويل (1: 17). وفي أي حال، عرف بولس أن ساعته الأخيرة دنت، فسلّم نفسه إلى مشيئة الله. اعتبر أن رسالته انتهت، فقدّمها ذبيحة مرضيّة لله، فشابه المسيح من أعلى صليبه الذي قال: تمّ كل شيء.
وكتب بولس 2 تم لأنه أحسّ أنه وحده. فالعزلة تقتله. تركه جميع مؤمني آسية. بل رفيقه في الرسالة، ديماس، تخلّى عنه وعن الرسالة، وعاد إلى العالم الحاضر. فما الفائدة من تقديم السند لقضيّة خاسرة. وتيطس وتيخيكس بعيدان. فلم يبق مع بولس سوى لوقا وحده. من أجل هذا، كتب إلى تيموتاوس ليأتيه عاجلاً. فهو بحاجة إلى حضوره، وبحاجة إلى ما يقيه برد الشتاء، وبحاجة إلى بعض الكتب ليتابع الرسالة. فهو لا يريد أن يموت إلاّ والكلمة في فمه والقلم في يده. وكتب الرسول، لأنه أحسّ بالخطر يتهدّد الكنائس خلال اضطهاد نيرون، فكتب إلى تلميذه بأن لا يخجل، بأن لا يخاف. ونبّهه لكي يحفظ الانجيل، ويثبت في الرسالة، ويتابع العمل، وينتظر الآلام، لأن من يريد أن يحيا بالتقوى يصيبه الاضطهاد.
هذا ما نكتشفه في هذه الرسالة المليئة بالعاطفة، والتي هي آخر ما كتبه بولس قبل موته. هي رسالة رعائيّة، شأنها شأن 1 تم وتي. ولكن يبدو أنها تختلف عن شقيقتيها. فهي حقًا بولسيّة بمعنى أنها كُتبت بيد بولس فجاءت كوصيّته الأخيرة قبل موته. وإن كتبها أحد تلاميذه، فقد كتبها في وقت قريب من هذا الموت، لأن التفاصيل التي فيها لا يمكن إلاّ أن تُلغى إن طالت المسافة بين حياة بولس في السجن وزمن كتابة الرسالة. أما 1 تم وتي فابتعدتا في الزمن عن بولس. دُوّنتا حوالي السنة 100، ساعة كانت الكنائس تتنظّم في مؤسّسات لها أسقف وشيوخ (أو قسس وكهنة) وشمامسة وشماسات وأرامل. كل هؤلاء تحدّد دورُهم في جماعات توزّعت في مدن آسية الصغرى فاحتاجت إلى كلمة الرسول.
وفي النهاية، 2 تم تقدّم صورة عن بولس الذي هو قدوة لتيموتاوس: قدوة في مسيرته من العالم اليهوديّ إلى المسيح. قدوة في عمل الرعاية والشهادة: على التلميذ أن يكون مثل معلّمه، فيشهد للربّ كما يشهد الآن المعلّم ليسوع، وهو قابع في سجنه. ويجاهد ويستعدّ لكي يتألّم من أجل الانجيل. ويكون بولس قدوة لتيموتاوس في السهر على القطيع، لأن أخطار المعلّمين الكذبة كثيرة، ولأن أخطار الأزمنة الأخيرة آتية. فلا بدّ من التمسّك بالكتب المقدّسة والأمانة للتقليد الذي تسلّمه من الرسل. هكذا تواصل كلمةُ الله مسيرتها، والكنيسة انتشارها، والمسيحيّة شهادتها بعد أن عرفت أن أبواب الجحيم لا تقوى عليها.
إلى قراءة 2 تم ندعو القارئ، وفيها ما فيها من عاطفة رقيقة، وحزن عميق، وألم دفين. وفيها ما فيها من أمور عمليّة تفهمنا أن عمل الراعي سهر طويل. وفيها ما فيها من نظرة تدعونا لكي نفهم أن كلمة الله لا تقيّد ولو كان بولس في القيود. أنها تبقى حرّة طليقة وهي تفعل في المؤمنين واللامؤمنين. فلا يبقى علينا سوى أن نحملها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM