الفصل الثامن :الشمامسة

الفصل الثامن
الشمامسة
3: 8- 16
بعد الكلام عن الأساقفة، هو كلام عن الشمامسة (خدّام الربّ) والشماسات (خادمات الربّ). فهمُّ بولس تدبير الكنيسة التي هي بيت الله. أما صفات الشمامسة فتشبه إلى حد بعيد صفات الأساقفة: صفات عرفها العالم المعاصر، ولا سيّما في الخطّ الرواقي، فأخذت بها المسيحيّة: يجب أن يكون الشمّاس فوق كل الشبهات، فيحترمه الأقربون والأبعدون. يجب أن يتحلّى بصفات تؤهّله من أجل الخدمة: هناك فترة اختبار يكتشف فيها تيموتاوس كلَّ واحد منهم ويتحقّق من مؤهّلاته. ومع الشمّاس، تُذكر الشمّاسة.
وترد ثلاث آيات (3: 14- 16) لا ترتبط بما سبق، لا على المستوى الغراماطيقيّ، ولا على المستوى التعليميّ، كما لا ترتبط بما يلي. تجعلنا ننتقل من المواضيع التعليميّة الكبرى (الصلاة، الخدمة في الكنيسة) إلى القواعد العمليّة المتعلّقة بتيموتاوس والأرامل والشيوخ. هذه الآيات الثلاث هي قمّة في 1تم ومفتاح الرسائل الرعائيّة. نجد فيها فكرتين: الأولى، الكنيسة التي هي في طبيعتها بيت الله، تتوخّى أن تكون عمود الحقّ وأساسه (آ 15). تلك هي رسالتها. والثانية، تعليم الكنيسة هو المسيح الذي تجسّد من مريم العذراء، وتمجّد في القيامة والصعود (آ 16). تلك هي الكنيسة التي يخدمها الأساقفة والشمامسة من جهة، والأرامل والشيوخ من جهة ثانية. هذا يعني مسؤوليّة الجميع. ومن تهرّب سقط في العار. أما من أحسن الخدمة، فيُحرز لنفسه مكانة رفيعة وثقة عظيمة في الايمان بالمسيح يسوع.
1- شمامسة وشمّاسات
تُستعمل لفظة "دياكونوس" مرارًا في العالم اليونانيّ، فتدلّ على الخادم. أما الفعل »دياكوناين« فيدلّ على خدمة المائدة. في هذا المعنى قال يسوع لرسله: "من هو الأكبر: الجالس للطعام أم الذي يخدم؟ أما هو الجالس للطعام؟ وأنا بينكم مثل الذي يخدم" (لو 22: 27).
إن الجذر "دياكون" نادر في السبعينيّة. فاتّخذ أهميّة في العهد الجديد مع خدمة الموائد (أع 6: 1- 4) في إطار عشاء الربّ. لا تدلّ اللفظة في حدّ ذاتها على كرامة محدّدة، بل تشير إلى ارتباط جذريّ بالربّ. هكذا سمّى بولس نفسه "خادم العهد الجديد" (2كور 3: 6). "خادم الله" (2كور 6: 4). لقد استحقّ لقب "خادم المسيح" بسبب آلامه الرسوليّة، أكثر ممّا استحقّه معارضوه في كورنتوس (2كور 11: 23).
في عنوان الرسالة إلى فيلبي، جُعل الخدم (الشمامسة) مع الأساقفة. وبما أن هذه الرسالة موجّهة إلى الفيلبيين تشكرهم فيها على عونهم المالي (فل 4: 20)، هل نستطيع أن نفترض أنه كان للشمامسة مسؤوليّة خاصّة في الاهتمام بالمال الذي يُعطى للفقراء، كما سيكون الأمر بعد ذلك؟ فرضيّة ضعيفة. فمنظّمو الاعانات التي شغلت بال بولس سُمّوا "مرسلي" (ابوستولوي) الكنيسة (2كور 8: 23)، لا "دياكونوي".
في الرسائل الرعائيّة، بدا الشمامسة مجموعة محدّدة، كُلّفت بمسؤوليات في الجماعة. يجب أن يتميّزوا بصفات شبيهة بتلك المطلوبة من الشيوخ (براسبيتاروي). إذا كان الكاتب فرض عليهم فترة اختبار، إلاّ أنه لم يحدّد الطريقة التي بها يعيّنون في وظيفتهم.
وبجانب الشمامسة نجد الشماسات. نقرأ في 3: 8- 23 والكلام عن الشمامسة، ملاحظة تتعلّق بالنساء: "وكذلك النساء. فليكنّ أديبات، غير نمّامات، صاحيات، أمينات في كل شيء" (آ 11). قد يعني النصّ نساء الشمامسة، وهنّ ينضممن إلى خدمة أزواجهنّ. ولكن وجب وجودُ الضمير: نساؤهم (هم). لهذا، يبدو من المعقول أننا أمام نساء يمارسن خدمة شبيهة بخدمة الشمامسة. فإن فيبة سُمّيت "دياكونوس" في كنيسة كنخرية (روم 16: 1) دون تحديد لدورها الخاص. لا شكّ في أنها كانت تستقبل الجماعة في بيتها، فتلعب دورًا مماثلاً لدور مسيحيّة لها تأثيرها، هي خلوة التي مضى خَدمُها إلى بولس وأخبروه بالصعوبات التي تتعرّض لها كنيسة كورنتوس (1كور 1: 11).
في الكنيسة القديمة، عُرفت الشماسات، خصوصًا في سورية وآسية الصغرى. وشهادة بلينوس الأصغر التي جاءت غير مباشرة، مهمّة جدًا، لأنها تحدّثنا عن عبيد عُذِّبوا ليخبروا بما تقوم اجتماعاتُ المسيحيّة المحرّمة: "ظننتُ أنه من الضروريّ أن أستخرج الحقيقة من عبدتين تسمّيان "شماستين"، فأخضعتهما للتعذيب. ما وجدتُ إلاّ خرافة لا معقولة وغير متّزنة".
يبقى أن نعرف الصفات المطلوبة من الشمامسة. هي تلك المطلوبة أيضًا من الشيوخ: صفات ربّ البيت الذي يحترمه جيرانه. دلّت الخبرة على الخطر في اختيار مسيحيّين جدد لم يُختبروا بعد (3: 6): هذا يفترض بلا شكّ أن للجماعة ماضيًا بعيدًا وراءها، لأن بولس اختار "الباكورة" أي أول المهتدين، من أجل توجيه الجماعات الفتيّة (1كور 16: 15).
في لائحة المزايا هذه، لا نجد ما يميّز الانجيل بشكل خاص على مثال ما في 1بط 5: 1- 4، حول صفات الشيوخ. لهذا تساءل الشرّاح: أما اكتفت الرسائل الرعائيّة بأن تورد لائحة كانت معروفة، فحدّدت فيها بعض الشيء. ما نلاحظه هو الاهتمام بالمزايا الاجتماعيّة ثم وظيفة التدبير ووظيفة التعليم، ولا سيّما بالنسبة إلى الأسقف. أما الشمامسة، فطُلب منهم "أن يحفظوا سرّ الايمان بضمير نقيّ" (3: 9). هذا ما يجعلنا قريبين من "سر التقوى" (آ 16) الذي جاء في نشيد فصحيّ عرفته جماعةُ أفسس.

2- دراسة النصّ
في الدراسة النقديّة، في آ 14، قرأ البازي "إن تاخاي". وهناك أيضًا "تاخيون" (عاجلاً). وجعلت الشعبية "بروس سي" أمام "إلتاين" لا بعدها. ولكن البعض أغفلها. في آ 16، نحافظ على الموصول المذكّر "هوس" (كما في السينائي والاسكندراني...) بدل الموصول الحيادي "هو" (صُحّح النصّ بسبب "ميستيريون، في الحياد).
نبدأ بالشمامسة. ونصل إلى الشماسات. وننتهي في النظرة اللاهوتيّة التي ُتشرف على 1تم كلها.

أ- الشمامسة (3: 8- 10)
إن ارتباط الأدوار في الكنيسة، يُفهمنا وجود "هوساوتوس" (وكذلك، 2: 9). فكما بالنسبة إلى الأساقفة، كذلك بالنسبة إلى الشمامسة: يجب أن يكونوا هم أيضًا أصحاب أدب وكرم (سامنوس). هذا ما يميّز المسيحيين (2: 2) والأساقفة (3: 4) في نظر العالم. لا يكونون "ديلوغوس": من يكرّر، من يقول الشيء عينه مرّتين. رج أم 11: 13؛ سي 5: 9، 14؛ 6: 1؛ 28: 13. هو بلسانين. هذا يعني أن لا صدق في فمه. أما الشمّاس فكلمته واحدة. نعم نعم ولا لا. وإن قال كلمة وقف عندها. رج 2كور 1: 17- 22؛ 2كور 2: 17.
الاعتدال في الشرب، هو المطلوب من "الشمّاس" في العالم الهليني، ومن جميع خدّام المذبح (لا 10: 8- 11)، وبالتالي الأسقف (آ 3). ولكن يبدو هنا كأنه مخفَّف. فالشمّاس يزور البيوت، يخدم الموائد، فتكون له أكثر من مناسبة لكي يشرب. "المكسب الخسيس" (أيسخروكارديا) يُمنع عن الأسقف وعن المعلّمين الكذبة (تي 1: 7، 11): جشع مع سرقة. فالرعاة قد يصبحون مرتزقة فيستغلّون القطيع (1بط 5: 2؛ يو 12: 6). وهناك الكتبة الذين يأكلون بيوت الأرامل (مر 12: 40). طُلب من الأسقف أن يتجرّد عن المال (افيلارغيروس، آ 3). ولكن الشمامسة يوزّعون الاعانات (أع 6: 3)، فقد يستفيدون من الظرف لكي يجمعوا المال.
الضمير الطاهر (آ 9؛ رج 1: 5) هو الكمال الخلقيّ البعيد عن الرذائل التي ذُكرت من قبل. هو ضروريّ من أجل خادم الكنيسة، الذي أودع "سرّ الايمان" ليوزّعه (1كور 4: 1). السرّ هو الايمان. رج آ 16؛ 1كور 15: 51. والايمان هو الطريق (أع 19: 9، 23)، هو الحقيقة (3: 1؛ 4: 3) والديانة. ليس "السرّ" فقط مجمل الحقائق الخفيّة التي كشفها الله (روم 16: 25؛ كو 1: 16)، بل الخلقيّة الجديدة التي تُلهمها المحبّة وتتضمّن الموت عن ذاتنا (2كور 5: 14- 15؛ غل 2: 19- 20). فالشمّاس، خادم المحبّة، لا يمكنه أن يمارس خدمته المسيحيّة إلا إذا كان لا يطلب مصلحته الخاصّة (1كور 13: 5). فهمَ افرامُ السرياني "سر الايمان" عن الافخارستيا. لهذا جُعلت العبارة في كلام التقديس.
بالإضافة (كاي... دي) إلى كل هذا (2تم 3: 12؛ روم 11: 23). إذا وجب على المرشّحين للشماسيّة أن يُختبروا (هناك امتحان للنجاح والقبول)، فلأنهم كانوا يتقدّمون بكثرة، فلا بدّ من الاختيار (كان القليلون يتقدّمون إلى الأسقفيّة). "دوكيمازاين": نتحقّق من معرفة (روم 1: 28). نتميّز الأمور (فل 1: 10). نختبر شخصًا لنرى إن كان أهلاً لخدمة أو وظيفة. لهذا يقولون "أكسيوس". هو أهل.
في الأصل، الله هو الذي يختار. هو يتحقّق (مز 17: 3؛ 26: 2؛ حك 11: 10). وسلطان الرسول يأتيه من الله (1تس 2: 4؛ 2كور 10: 18). وحسب 1كور 16: 3، الجماعة هي التي عيّنت المسؤولين عن حمل الإعانة للقدّيسين: استحسنوهم. وجدوهم أهلاً. وتيموتاوس ينتظر بعض الوقت لكي يرى إن كان الشمّاس بلا لوم (تي 1: 6- 7) قبل أن يوكله بخدمة في الكنيسة.

ب- الشماسات (3: 11)
"النساء" (غينايكس): هنّ نساء من أفسس. بعض الشرّاح رأى فيهنّ نساء الشمامسة. يرافقن أزواجهنّ في الزيارات الرعائيّة، ويتحلّين بذات الصفات. ولكن للشمّاس امرأة واحدة (آ 12). فلماذا صيغة الجمع هنا. ثم، لماذا يطلب بولس من زوجات الشمامسة ما لم يطلبه من زوجات الأساقفة. لهذا اعتبر الآباء اليونان (تيودورس...) وغيرهم أننا أمام شمّاسات تجاه شمامسة. هذه الخدمة الكنسيّة تقوم بها المرأة كما يقوم بها الرجل. تبدأ آ 11 مع "هوساوتوس"، كذلك. رج آ 8. هناك الأساقفة. وكذلك الشمامسة. وكذلك الشماسات. هي ثلاث خدم: الأسقف، الشمّاس، الشماسة. يُطلب منهنّ ما يطلب من الأسقف (آ 4) والشمّاس (آ 8) على مستوى الصفات الأدبية التي تفرض الاحترام. وبالإضافة إلى ذلك، يبتعدن عن النميمة، عن كل كلام يسيء إلى الوحدة الأخوية. وتطلب منهنّ الأمانةُ (بستوس) والدقّة في تتميم وظيفتهنّ رج 5: 10.

ج- صفات الشمّاس (3: 12- 13)
أشار الكاتب إلى الشمّاسات، ثم عاد إلى الشمامسة. فما يُطلب من فئة يُطلب من فئة أخرى. والمزايا المطلوبة من هاتين الفئتين هي التي طُلبت من الأسقف (آ 2، 4). فمن عاش بهذه الروح، نال ثمرة، نال جزاء من الربّ (مت 19: 29). كانت الخدمة محتقَرة في العالم القديم. كانت إذلالاً للانسان. ولكن في كنيسة المسيح، الخادم يكرم (يو 12: 26). ترد في آ 13 مرّتين لفظة "حسن، جميل" (كالوس). من يجازي الخادم؟ لا البشر. بل الله. رج 1كور 15: 32- 33؛ غل 6: 7- 9؛ 2تم 4: 8؛ يع 5: 7- 8.
بين الذين يخدمون (اسم الفاعل، صيغة الاحتمال، عدد كبير، مر 10: 45؛ لو 10: 40) هناك فئة تفانت في الخدمة فاستحقّت كل مديح. "باريبويايو". نال، أحرز. نعمَ بخير كبير. "باتموس" قدر، درجة، رفعة. بالاضافة إلى تقدير من الرب لهؤلاء الخدّام، فممارستهم لا تجعل منهم أناسًا خائفين، غير مسؤولين، بل تعطيهم ثقة وجرأة وافتخارًا في خدمتهم.

د- سرّ التقوى (3: 14- 16)
يدعو الرسول تلميذه إلى ممارسة مسؤولياته، ويُسند هذا التصرّف العمليّ إلى الايمان بيسوع المسيح.
أولاً: بيت الله (آ 14- 15)
أكتب إليك (غرافو). رج 1: 3، 18. هذا ما يدلّ على مضمون الرسالة. يوجّه بولس كلامه إلى الكنيسة، بيت الله (آ 4، 5، 12)، إلى الجماعة بكل أعضائها، ولا سيّما الخدّام منهم (داي، ينبغي، آ 2، 7). يأمل بولس في أن يأتي إلى تيموتاوس. ولكنه يجهل متى. لهذا، أرسل له كتابة ما استعدّ ليقول له شفهيًا. هكذا لا يتردّد التلميذ في السلوك الواجب اتّخاذه.
سأل تيموتاوس بولس: ماذا أفعل، كيف أفعل؟ فجاءه الجواب "أناسترافو" تصرّف. هو في الأصل سلوك خلقيّ شخصيّ (أم 20: 7؛ أف 2: 3؛ عب 13: 18). ثم تصرّف المسيحيين في بيت الله. هناك فئات في الكنيسة، ولا بدّ من التعامل معها.
"في بيت الله" (عب 10: 21؛ 1بط 4: 17). البيت (أويكوس) هو البناء وهو الجماعة. هو بيت يقيم فيه الله (عب 3: 2، 5). هو معبد (1كور 3: 16؛ 6: 19؛ أف 2: 22). يأتي إليه "شركاء (أبناء بيت) الايمان" (غل 6: 10)، "شركاء (أبناء بيت، أوكايوي) الله (أف 2: 9). "أي" (هيتيس، الذي هو) الكنيسة. كنيسة الله (1كور 1: 1؛ 11: 22؛ 1تس 2: 14). رج عد 16: 3؛ تث 7: 6 (ق هـ ل. ي ه م ه): الشعب المختار بأعضائه، تجاه الوثنيين. الله الحيّ. رج روم 9: 26؛ 1تم 4: 10؛ 1تس 1: 9. هو في العهد القديم، يقف تجاه الأصنام الميتة.
أول وظيفة من وظائف الكنيسة في الرسائل الرعائيّة، هي المحافظة على الايمان من كل ما يشوّهه ويهدّده. هو "عمود" (ستيلوس). واقف. منتصب. يمكن أن نستند إليه. "قاعدة"، دعامة" (هادرايوما). يرتبط بالصفة "هادرايوس"، ما يُسند. رج 1كور 7: 37؛ 15: 58؛ كو 1: 23. يقابل "ط و ر" في العبريّة (حز 46: 23). إن الربّ يؤسّس على الصخر كنيسة تقدر أن تقاوم أبواب الجحيم (مت 16: 18). فالحقيقة التي تدافع عنها الكنيسة وتحافظ عليها، هي الانجيل "كلام الحقّ" (أف 1: 13) الذي يكرز به الرسل (تي 1: 1)، وموضوعه خلاص كُشف وتحقّق في يسوع المسيح (2كور 4: 2؛ أف 4: 21؛ يو 1: 4، 17).
ثانيًا: نشيد فصحيّ (آ 16)
إن الايمان المشترك الذي يعلنه "المختارون" (تي 1: 1، 4)، يبدأ بعبارة احتفاليّة ودينيّة. "هومولوغومانوس". ظرف يدلّ على توافق تام، على عدم خلاف. كلهم يُقرّون به. أجل، لاخلاف على مستوى هذا الايمان الذي تردّده كنيسة أفسس في صلاتها الاسبوعيّة حول المسيح الذي تجسّد وتمجّد. "السرّ" (ميستيريون) هو مضمون الايمان. نحن على مستوى الدين (اوسابايا). نتكلّم عن الله الذي كشف عن ذاته فوصل إلينا هذا الكشفُ. لا مرّة واحدة، لا غير. بل بشكل متواصل. ووظيفة الكنيسة تقوم في مواصلة هذا الاعلان. في العالم اليونانيّ، السرّ يقودنا إلى الديانات السرانيّة التي تعدُ بالخلاص الفرديّ والخلود. أما في العهد الجديد، فالسرّ هو سرّ الله الذي كشُف وانتشر في العالم كله. هو البشرى. لهذا قيل "سر الانجيل" (أف 6: 19، أي السرّ الذي هو الانجيل). وارتبط السرّ بالحقيقة. أليتايا: ما ليس بخفّي ولا مخبّأ. هذا السرّ تجلّى (فانارون، آ 16؛ روم 16: 26).
كُشف (أبوكالبتاين، 2تس 2: 6- 7). عُرف (غنوريزاين). رج أف 1: 9؛ 3: 3، 10. السرّ يُقال: لاغاين (1كور 15: 51). لالاين (1كور 2: 7؛ 14: 2؛ كو 4: 3).
تحدّث العهد القديم عن "الاسرار" (دا 2: 28، 47). أما بولس فتحدّث عن "السر" (في صيغة المفرد) بالنسبة إلى الخلاص (سوتيريولوجيا) والخدمة الرسوليّة: نظّمت حكمةُ الله خطّة خلاص شامل. جهلها البشر، وظلّوا يجهلونها حتى كشفها الله لهم (روم 16: 25- 26؛ 1كور 2: 7). المسيح هو مركز هذا السرّ (أف 1: 9- 10؛ 3: 3- 9؛ كو 2: 2- 3). وكرازة الانجيل هي إعلان عمل هذا المخلّص، الذي هو رجاء المجد (كو 1: 26- 29) بواسطة الرسل (1كور 4: 1) والكنيسة (3: 16) التي تجعل الجميع يعرفون ويؤوِّنون هذا السرّ الذي هو الموضوع الجوهريّ للايمان (آ 9).
بعد هذه المقدّمة عن "السرّ" (آ 16أ). نقرأ نشيدًا، نتلو اعلان ايمان في الليتورجيا. نُنشد ايماننا بالمسيح القائم من الموت (رج أف 5: 14). نجد فيه ست عبارات متناسقة ومتوازية: بشر (ساركس، جسد). روح (بنفما). العالم (كوسموس). المجد (دوكسا). الملائكة (أنغالوي) الأمم (إتني). وتبدأ كل عبارة مع فعل في صيغة المجهول، في الاحتمال. في الغائب (هو). كُشف. بُرِّر. أظهر. بُشِّر به، أومن. رُفع. نحن أمام نشيد يُتلى في الكنيسة. يُرفع المسيح فيُكشف الله الأزليُّ وبرّه في القيامة. تُعلن هذه الرفعة أمام الملائكة وأمام العالم. يجلس في المجد فيملك على الأرض كما في السماء. ومن يفعل هذا؟ الله. لهذا، جاءت الأفعال في صيغة المجهول (المجهول الالهي).
تجلّى في الجسد. فالمسيح القائم من الموت والممجَّد ليس خيالاً. كان من لحم ودم (لو 24: 39). هذا هو أساس إيمان الرسل والكنيسة (1كور 15: 3- 11). "شهد". حرفيًا: برِّر، أعطي الحقّ بعد أن اتّهم باطلاً. فالبارقليط يتدخّل في قيامة يسوع ليدلّ أن ذاك الذي حُكم عليه بالموت، هو البارّ القدوس. لهذا، كانت خاتمة مرقس في أحد المخطوطات: "إكشف برّك الآن".
في العالم السماويّ، رأى الملائكة المسيح الممجّد. رؤي. سُمح لهم بأن يروه. شعّ نور من القائم من الموت كما من كوكب مضيء. وتجاه الأرواح، نجد الأرض، الأمم الوثنيّة (اتني) التي هي بعيدة عن الله. ومع ذلك، وصلت إليها البشارة وقبلتها. أما اليهود، القريبون، ومع أنهم خاصّة المسيح، فلم يقبلوه. خلاص شامل. وصل إلى البشريّة كلها (كو 1: 23). فالوحي ليس ظهورًا عابرًا وحسب. إنه إعلان للانجيل. هذا يعني أن الرب أرسل من يعلن الانجيل (أف 3: 8)، أَبعد من أورشليم، فيصل إلى أنطاكية وأفسس. إن مسيح الشعب اليهوديّ، صار مخلّص الكون كله، بفضل الكرازة الرسوليّة.
ونقرأ الانتصار النهائي في الخاتمة. رُفع في المجد. "أنالمبانو". أُخذ من الأرض إلى السماء. من تحت إلى فوق. رج مر 16: 19؛ أع 1: 2، 11، 22. الرب تدخّل. وهو الذي رفعه (صيغة المجهول). بالقيامة والصعود، استعاد المسيح حالة المجد التي كانت له قبل التجسّد، وأخفاها فترة، فصار "حينًا" دون الملائكة (عب 2: 9).

3- قراءة إجماليّة
في مقطوعة أولى، بدأ الرسول فأورد الصفات المطلوبة من الشمامسة. الذين يشاركون الأسقف مشاركة مباشرة. لهذا، ما طُلب من الشمامسة، هو تقريبًا ما طُلب من الأساقفة. وطلب أيضًا من الشمّاس أن لا يكون صاحب لسانين، فيقول شيئًا لهذا وآخر لذاك. والزيارات التي يقوم بها، يمكن أن تكون مناسبة لمثل هذا الكلام، الذي قد يصل إلى النميمة مع الشمّاسات (آ 11).
يكون الشمامسة راكزين، صادقين، أعفّاء، مجرّدين. يحفظون بضمير طاهر "سر الايمان" أي التعليم القويم. وانجيل الخلاص في يسوع المسيح. ويفسّرون هذا الانجيل بحسب التقليد الذي تسلّموه. هذا السرّ الذي هو مخطّط رحمة الله، قد عرفه البشر، بعد أن حمله الرسل إلى العالم اليهودي، وبولس إلى الأمم الوثنيّة. كلهم مدعوّون إلى الميراث. مدعوّون ليكونوا أعضاء في جسد المسيح، أن ينعموا بالوعد الذي حمله الانجيل (أف 3: 6). السرّ هو مخطّط الخلاص الذي أراده الآب، وتحقّق في المسيح، وقبلناه في الروح القدس. هذا يعني أن الشمامسة يتحاشون المتاجرة بالانجيل والتساهل في متطلّباته لكي يُرضوا الناس، لا الله (غل 1: 10).
إذا كان الراغب في الأسقفيّة يحتاج إلى شهادة عن تدبير بيته وعن سمعة حسنة بين الوثنيين، إلاّ أنه لم يكن يحتاج إلى وقت اختبار، شأنه شأن الشمّاس. فرغم كفالة تتحدّث عن سلوك لا عيب فيه، وعن إدارة الأمور البيتية إدارة لا غبار عليها، فهو لا يُقبل في الخدمة الشماسيّة إلاّ بعد أن يُختبر. من يختبره؟ لا يقال من. لا شكّ في أن الشيوخ يأخذون القرار الأخير. يبقى على الجماعة أن تبحث في أعضائها عن مرشّحين لخدمة الموائد فتقدّمهم للرسل. والرسل هم الذين "يرسمونهم" في هذه الخدمة (أع 6: 3). وهذا ما سوف يعمله بولس. وتيموتاوس، بعد بولس، أو في غيابه.
وتنتهي التعليمات في آ 8- 13، بتأكيد يعلن أن الشمّاس الذي يقوم بوظيفته على أكمل وجه، ينال مركزًا مرموقًا في قلب الجماعة، ولو لم تكن خدمته "رفيعة" في المعنى البشريّ. هذا لا يعني أنهم »يتقدّمون«، يرتفعون من درجة إلى درجة، كما هو الوضع الآن. فلا ننسى أن الشمّاس يُرسم لكي يكون شماسًا كل حياته: يحمل كلمة الله. يهتمّ بالفقراء. إن هو خدم حسنًا، لن يخجل أمام الله، ولا أمام البشر. ويقدر أن ينتقل من الخدمة الماديّة إلى الخدمة الروحيّة. من خدمة الموائد إلى خدمة الملائكة. هذا ما كان عليه اسطفانس وفيلبس اللذين تكرّسا لنشر كلمة الله. والثقة (أو الجرأة) التي يشعر بها "الخادم" تعرّفه أنه يقدر بالايمان بيسوع المسيح، أن يقترب من الآب السماوي وينعم بحضرته. هنا نتذكّر ما قاله بولس لأهل أفسس: "ولنا فيه الجرأة، بالايمان به، على الدنوّ من الله في ثقة" (أف 3: 12). لهذا، لا نضعف.
ونصل في قلب هذه الرسالة، إلى قمّة تسند كل ما قيل في 1تم. سأل تيموتاوس: كيف يتصرّف في غياب بولس؟ فجاء الجواب خلال الصلاة العلنيّة، ليدلّ كيف يتصرّف الأساقفة والشمامسة وجميع المؤمنين في الكنيسة التي هي عيلة الله الحقّة، بيت الله الحيّ. وهذا البناء الذي يشكّل الكنيسة هو عمود الحقّ وأساسه. لا شكّ في أن يعقوب وبطرس ويوحنا اعتُبروا "عُمدًا" (غل 2: 9). وأن المؤمن الذي ينتصر هو عمود (رؤ 2- 3). ولكنّنا لا نستطيع أن نقول إن تيموتاوس عمود يستطيع المؤمنون أن يستندوا إليه. فالكنيسة ككل هي عمود، وهي دعامة تحمل البناء، وتقدّم إلى العالم هذه الحقيقة الحيّة التي هي المسيح المخلّص. فبالحقّ يحرّر يسوع البشر من عبوديّة الخطيئة. وفي النهاية، ما تقدّمه الكنيسة للعالم، على أنه نور ومنارة في الليل، هو وحي السرّ الذي سبق وتحدّثنا عنه.
من أجل هذا، استعاد بولس لفظة "سرّ"، فأنشد مضمون مخطّط الخلاص في يسوع المسيح. لهذا، عاد إلى الليتورجيا المسيحيّة في أفسس. في مقطع أول، نجد المقابلة بين الجسد (اللحم والدم) والروح: هو سرّ الاله المتجسّد. إله حقّ وانسان حقّ. فإنه قد ظهر لجميع الذين استطاعوا أن يروه خلال حياته على الأرض، في واقع لحمي، بشري. ظهر في بشريّتنا (روم 1: 3). أخذ حالتنا الانسانيّة "فوُجد كإنسان في الهيئة" (فل 2: 7)، فرأيناه، وسمعناه، ولمسناه (1يو 1: 1). صار بشرًا (يو 1: 14)، فصار ملموسًا، منظورًا. تجاه الطابع الضعيف لبشريّة يسوع، جاء لفظ "بالروح" فدلّ على الطبيعة الالهيّة التي تجلّت في مجد القيامة. حيث لا ترى العينُ البشريّة سوى انسان مثل كل الناس، يجعلنا الروح نكتشف، بعمله القدير في يسوع، من هو المسيح في الحقيقة. إنه ابن الله.
قدّمت القطعة الأولى، في شخص يسوع، لقاء بين عالمين، عالم الله وعالم البشر. وها هي القطعة الثانية تقدّم سرّ المسيح الذي يُعلن لعالمين: عالم السماء وعالم الأرض، العلوّ والعمق. عالم السماء يمثّله الملائكة. والثاني يمثّله البشر، ولا سيّما الأبعدين، الوثنيين (أف 2: 17013). لن نبحث عن الظروف الملموسة في حياة يسوع العلنيّة، التي فيها نال الملائكة وحي السرّ (في المذود، في التجارب، في القيامة). فموضوع النشيد هو تمجيد المسيح القائم من الموت. إذن، يجب أن نفهم التجلّي للملائكة كاعلان عظيم لسيادة يسوع (يسوع هو ربّ) الذي به يجد السرّ الفصحيّ كماله. والقطعة الثالثة تقدّم هي أيضًا نقيضة بين العالم والمجد. فهذان الموضوعان يتداخلان في الانجيل الرابع، مع العلم أن العالم يشير إلى الشرّ ومعارضة النور. فالعالم والمجد، والجسد والروح، والملائكة والوثنيون. ثلاث نقائض تدلّ على أن تجلّي السرّ وبُعده وصلا إلى المسكونة كلها. فالمسيح ينال إكرام المؤمنين في العالم كله، بل في السماء والأرض.

خاتمة
في إطار كلام عن الأساقفة والشمامسة والشماسات. وبانتظار كلام عن الأرامل والشيوخ (أو الكهنة)، قُدّم لنا نشيدٌ فصحيّ طبع 1تم بطابع الايمان، وأدخلنا إلى سرّ الايمان، سر التقوى. نشيد ينظر منذ الآن إلى اهتداء الكون إلى المسيح، وكأن هذا الاهتداء تمّ. في الواقع، ما زال أمام الكنيسة طريق طويل تسير فيه قبل أن »تعلن بشارة الملكوت هذه في العالم كله« (مت 24: 14). فالكنيسة التي هي كعمود يُسند البناء ويُبرز يسوع نور العالم، كما على منارة، ستعلن للعالم سرّ التقوى، سرّ يسوع المسيح. غير أن هذا لن يكون ممكنًا بدون مشاركة في حياة يسوع وموته. ونلاحظ أن هذا النصّ الذي قرأناه (3: 14- 16) لم يتحدّث عن آلام يسوع الخلاصيّة، بل انتقل حالاً من تجلٍّ بالجسد إلى ارتفاع في مجد القيامة والصعود. وهكذا في إيجاز رائع دلّ على الطبيعة البشريّة المنظورة، كما دلّ على الطبيعة الالهيّة، غير المنظورة. هذا الذي لمسته أيدينا، يسوع الذي عاش في التاريخ، هو المسيح الممجَّد الذي نعرفه بالايمان بعد أن قام من القبر، وصعد إلى السماء، بانتظار أن يعود ليدين الأحياء والأموات.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM