القسم الأول: مدخل إلى الرسالة وبدايتها

القسم الأول
مدخل إلى الرسالة وبدايتها

يرد هذا القسم في فصلين:
1- مدخل إلى الرسالة الأولى إلى تيموتاوس
2- عنوان الرسالة، 1: 1- 2.

الفصل الأول
مدخل إلى الرسالة الأولى
إلى تيموتاوس

نجد في قانون العهد الجديد رسالتين توجّهتا إلى تيموتاوس، تلميذ بولس. ولكن الواحدة لا تذكر الأخرى كما هو الأمر بالنسبة إلى 1بط و2بط (2بط 3: 1). وحين نقول الرسالةَ "الأولى" لتيموتاوس، هذا لا يعني أنها دُوّنت قبل "الثانية"، بل أنها أطول من "الثانية". ثم إن 1تم قريبة جدًا من تي. ولكن أيّة رسالة كُتبت قبل أختها، هذا ما لا نعرفه.
أما نحن فندرس ما يُسمى الرسائل الرعائيّة (1تم، 2تم، تي) حسب الترتيب الذي جاءت فيه، في العهد الجديد. وبالتالي نبدأ بالرسالة الأولى إلى تيموتاوس فنتوقّف عند إطار الرسالة قبل أن نصل إلى التصميم والمسائل المتعلّقة بالعالم البولسيّ الذي أنبت 1تم، 2تم، تي.

1- إطار الرسالة: شخص تيموتاوس
نستطيع أن نستخرج بعض التفاصيل السرديّة، حول تيموتاوس، من سفر الأعمال وسائر الرسائل البولسيّة. فهي مفيدة وقد تكون كوّنت الصورة التي رسمها الكاتب عن ذاك الذي أرسل إليه رسالته. عاش تيموتاوس في لسترة، في الجنوب الشرقي لآسية الصغرى. اهتدى إلى الايمان، على ما يبدو، حوالي سنة 46، حين بشّر بولس تلك المنطقة. ولما عاد الرسول إليها، انضمّ إليه تيموتاوس، كمرسل متنقّل، ومعاون أمين. وسيظلّ فيما بعد في خدمته.
حسب أع 16: 1- 3، كان والد تيموتاوس وثنيًا. غير أن أمّه كانت مسيحيّة من أصل يهوديّ. إذن، ختنه بولس لئلاّ يشكّك اليهود. خلال الرحلة الرسوليّة الثانية، سنة 50- 52، رافق تيموتاوس بولس في فريجية وغلاطية، وحتى أوروبا (فيلبي، تسالونيكي، بيريه). فبعث به الرسول إلى التسالونيكيّين لكي يشجّعهم. ثم انضمّ إلى بولس في كورنتوس وهو يحمل الأخبار السارّة (1تس 3: 6؛ أع 18: 5). وهكذا جُمع اسم تيموتاوس مع اسم بولس في 1تس 1: 1.
هناك شرّاح يرفضون دقّة أع 16: 1- 3، مستندين إلى غل 2: 3 حيث يعلن بولس أنه رفض أن يختن تيطس. ولكن تيطس كان من الأمم، ووالده وثنيان. أما تيموتاوس فقد وُلد من امرأة يهوديّة فاعتُبر يهوديًا. ثم إن جدّته كانت يهودية واسمها لوئيس حسب 2تم 1: 5، واسم أمه أفنيكة. وهكذا نقول إن لا شيء في كتابات بولس يدلّ على أنه اعتبر أنه لا يجب أن يُختن اليهود. فالوثنيّون وحدهم لا يُختنون، لأن الختان لا يضيف شيئًا إلى من آمن بالمسيح. نشير هنا بشكل عابر إلى أن اسم تيموتاوس جُعل مع اسم بولس في فل 1: 1 وفلم 1 اللتين أرسلتا من أفسس، على ما يبدو.
عاون تيموتاوس بولس في حمل الانجيل إلى كورنتوس (2كور 1: 19). بعد ذلك، لا نعرف شيئًا عنه ساعة عاد بولس إلى قيصرية وأورشليم وأنطاكية سورية (أع 18: 18- 19) لينطلق أيضًا في رحلة رسوليّة ثالثة، إلى أفسس عبر غلاطية وفريجية. خلال إقامة بولس في أفسس، سنة 54- 57، كان تيموتاوس معه بعضَ الوقت، وهناك كتبا فل وفلم. في نهاية سنة 56 أو بداية سنة 57، أرسل الرسول تلميذه من أفسس إلى مكدونية لجمع المال الذي سيُحمل إلى أورشليم (أع 19: 22؛ 1كور 4: 17؛ 16: 10)، بحيث يذهب تيموتاوس في النهاية إلى كورنتوس. يبدو أن تيموتاوس وصل إلى هذه المدينة، حالاً بعد أن وصلت 1كور التي ما لقيت ترحيبًا كاملاً. لهذا، عاد عاجلاً إلى أفسس ليحمل تقريره إلى بولس.
وكان تيموتاوس مع بولس حين ترك الرسول أفسس خلال صيف 57. فحين حمل تيطس الأخبار السارّة حول حلّ شريف للمسألة الكورنثيّة، أرسل بولس وتيموتاوس 2كور (2كور 1: 1) من مكدونية. قضى تيموتاوس الشتاء، في كورنتوس، مع بولس، سنة 57- 58، ساعة أرسلت روم (16: 21). ويقول أع 20: 4- 5 إن تيموتاوس كان مع بولس في بداية السفر من كورنتوس إلى أورشليم، قبل فصل سنة 58. ثم سبقه وانتظره في ترواس. هنك يُذكر تيموتاوس للمرّة الأخيرة في سفر الأعمال.
خلال الحقبة التي فيها دُوّنت الرسائل البولسيّة الكبرى (سنة 51- 58)، يرد اسم تيموتاوس أربع مرّات في 1تس، فل، فلم، 1كور. وجُعل أيضًا مع اسم بولس في كو 1: 1. وبما أن هذه الرسالة (كو) كُتبت في رومة، على ما يقول عدد من الشرّاح، نظنّ أن تيموتاوس كان مع بولس خلال إقامته في سجن رومة سنة 60- 63.
على مرّ السنين، كتب بولس أقوالاً فيها المديح والمحبّة، حول تيموتاوس. قال عنه في 1تس 3: 2 إنه أخ وخادم لله في انجيل المسيح. ودوّن في فل 2: 19- 23: "ما وجدتُ أحدًا مثله". فقد كان لبولس بمثابة إبن في خدمة الانجيل. لم يطلب منفعته الخاصّة، بل اسم المسيح. وفي 1كور 4: 17؛ 16: 10- 11، تيموتاوس هو الابن الحبيب والأمين لبولس. لا نقدر أن نستخفّ به (لحداثته) لأنه يُتم عمل الربّ.
كيف تدخل في هذه اللوحة، معلومات سيرويّة نكتشفها في 1تم؟ إن 1تم (و2تم) قريبة جدًا من الرسائل الكبرى، في موقفها من تيموتاوس: تيموتاوس هو إبن حبيب لبولس، وخادم &. لقد تعلّم من بولس أن يكون قدوة للمؤمنين. لهذا، لا يستخفّ به أحد. ثم إن 1تم تصوّر تيموتاوس كشاب (4: 12؛ 5: 1، خبرة قليلة) نال موهبة "عن طريق النبوءة وبوضع أيدي الكهنة" (4: 14). هو يتألّم من معدته وأمراضه المتواترة (5: 23). حين دُوّنت 1تم، كان التلميذ في أفسس حيث تركه بولس لكي يمضي إلى مكدونية (1: 3)، راجيًا أن يزوره أيضًا في أفسس، في وقت قريب (3: 14- 15؛ 4: 13). هذه المعلومة لا تتوافق مع رحلة بولس وتيموتاوس التي استندت إلى الرسائل الكبرى وسفر الأعمال. مثلاً، حين ترك بولس أفسس ذاهبًا إلى مكدونية، سنة 57، مضى تيموتاوس معه. لهذا طرح عدد من الشرّاح، بالنسبة إلى 1تم كما إلى تي، مبدأ يتحدّث عن رحلة جديدة قام بولس بعد خروجه من سجن رومة سنة 63. واعتبروا أن بولس عاد إلى أفسس (رغم ما في أع 20: 25، 38 حيث يقول للشيوخ إنهم لن يروا وجهه)، وترك هذه المدينة حوالي سنة 60، وانفصل تيموتاوس، وعاد إلى مكدونية.

2- تحليل الرسالة
حين نقسم 1تم بحسب مضمونها، نرى أن هناك أكثر من تكرار. ما قاله بولس في البداية (التعليم الكاذب، بنية الكنيسة) يقوله في النهاية. تارة يقول لتيموتاوس ما عليه أن يفعل (1: 3- 20)، وطورًا يتحدّث بشكل مباشر عن مشاكل الجماعة. هناك من اعتبر أن تعليمات بولس إلى تيموتاوس تندرج في قسمين رئيسيّين حول نواة من النصوص النبوية والأناشيديّة (3: 14- 4: 5). الأول (1: 3- 3: 11) والثاني (4: 6- 6: 21). أما التصميم الذي اتّبعناه في دراستنا، فهو يقع في أربعة أقسام: تيموتاوس وإعلان الانجيل (1: 3- 20). تيموتاوس وتنظيم العبادة (2: 1- 15). تيموتاوس والخدم في الكنيسة (3: 1- 16). تيموتاوس ومهمّته الرسوليّة (4: 1- 6: 19).
غير أننا في هذه المقدّمة نتبع الأب براون، فندرس الرسالة في ثلاثة رؤوس: البنية الكنسيّة، التعليم الكاذب، الايمان والعلاقات داخل الجماعة.

أ- البداية والنهاية
العبارة التي تفتتح 1تم (1: 1- 2) هي أقصر ممّا في تي حيث وجدنا "خادم الله". أما هنا، فنرى أن الرسول يقدّم نفسه كمكلّف بمهمّة من قبل الله مخلّصنا، والمسيح يسوع رجائنا. وهكذا شيّد دعامة يستطيع أن يجعل عليها تعليماته في شأن الكنيسة.
وفي الخاتمة (6: 20- 21)، لا نجد السلامات التي اعتدنا أن نجدها في مجمل الرسائل البولسيّة، بما فيها 2تم، تي. كل ما وجدناه هنا، نداء ملحّ إلى تيموتاوس بأن يحفظ الوديعة. وقد رأى بعضُ الشرّاح أن نهاية 1تم المفاجئة تشكّل تهيئة لما في 2تم، كما كانت عبارة الافتتاح في تي مدخلاً للرسائل الرعائيّة الثلاث، بحيث اعتبرت تي أولى الرسائل الرعائيّة على المستوى الزمني. ونعود إلى جسم الرسالة (1: 3- 6: 19) ونبدأ كلامنا عن البنية الكنسيّة أو النظام في الجماعة (3: 1- 13؛ 5: 3- 22أ).

ب- البنية الكنسيّة
توقّف هذا الموضوع في تي عند تسمية الشيوخ والأساقفة في كريت. ولكنه جاء أكثر تشعّبًا في 1تم. فمعالجة بنية الكنيسة في أفسس يمتدّ على مقطعين ابتعد الواحد عن الآخر في الرسالة: الأول (3: 1- 13) يصوّر الأسقف (المراقب، المشرف) والشمامسة. والثاني (5: 3- 22أ) يذكر الأرامل والشيوخ (الكهنة، القسوس). رأى بعضهم هنا تعليمات لنموذجين كنسيّين مختلفين: توجّه الأول إلى كنيسة محليّة في عالم الأمم الوثنيّة، في أفسس، والثاني (ولا سيّما في ما يتعلّق بالشيوخ) إلى كنيسة مؤلّفة من يهود. ولكن لا شيء يؤكّد ذلك. فنحن لا نستطيع أن نفترض أكثر من بنية كنسيّة أساسيّة في جماعات بولس في أفسس، وإن كانت هذه البنية أكثر تشعّبًا ممّا في كريت. فالمسيحيّة في أفسس تعود إلى الخمسينات. أما في كريت، فغُرست فيما بعد. وإذ تشير 1تم 5: 19- 20 إلى محاكمة أحد الشيوخ المتّهم، فهذا يفترض أن هذا النظام وُجد منذ بعض الوقت. وما يُقال عن الشيوخ الأساقفة في تي 1: 5- 9، أي معلّمي الجماعة، يقال في الأسقف (3: 2، في صيغة المفرد) في 1تم 3: 1- 7. فيبدو، والحالة هذه، أن هؤلاء الأساقفة كانوا "شيوخًا". ولكن بما أن 5: 17 تتضمّن أن بعض الشيوخ فقط التزموا الكرازة والتعليم، فجميع الشيوخ لم يكونوا أساقفة (بعد ذلك الوقت، سيكون لأحد الشيوخ سلطة على الآخرين. وهذا ما نقرأه في رسائل أغناطيوس الأنطاكي). والقول "من اشتهى الأسقفيّة اشتهى عملاً صالحًا" (3: 1) يدلّ على كرامة هذه "الوظيفة". نقرأ في 3: 1: "ما أصدق هذا القول". ولكن اختلافة تتحدّث عن "كلمة بشريّة" وهذا ما يدلّ على أن اشتهاء الأسقفيّة يعكس قيمًا بشريّة تحتاج إلى من يعترف بها. هنا نفهم التنبية الموجّه إلى الأسقف بأن لا يستكبر (3: 6).
ووُجد، في أفسس، بجانب الشيوخ/الأساقفة، شمامسة (3: 8- 13) يمتلكون صفات مماثلة: يكونون أهلاً للاحترام. لا يشربون الخمر. لا يطلبون المكسب الخسيس. تزوّجوا مرة واحدة فكانوا والدين صالحين وأرباب بيوت. أما البيت الذي له شيوخ/أساقفة وشمامسة، فليس بواضح. كل ما يقال في 3: 10 هو أن الشمامسة يُختبرون قبل أن يُسمح لهم بالخدمة. إذن، يمثّلون مجموعة من الشباب (تجاه الشيوخ). وقد تكون هناك تمييزات اجتماعيّة أو اقتصاديّة، لا نعرف الكثير عنها. لهذا، لا نستطيع إلاّ أن نقدّم فرضيّات: مثلاً، لم يكن الشمامسة أغنياء يقدرون أن يفتحوا بيتًا كبيرًا تلتئم فيه الجماعة المسيحيّة، إذ إن امتلاك مثل هذه "المساحة" كان جزءًا من واجبات الضيافة المرتبطة بالأسقف. فالفعل "دياكونانين" يدلّ على الخدمة. فربّما كان الشمامسة يومّنون خدمة دنيا، بالنسبة إلى الشيوخ/الأساقفة (كما نقول اللاويين بالنسبة إلى الكهنة في العهد القديم). ونلاحظ أن الشمامسة الذين يخدمون حسنًا "ينالون قدرًا ساميًا" (3: 13). نستطيع أن نفهم بهذا الكلام أنهم يرتفعون من "درجة" إلى "درجة"، من "الشماسيّة" إلى "شيوخ/أساقفة". وهكذا نفهم أن تكون الصفات المطلوبة هي هي في الحالين.
وقد وُجدت أيضًا شماسات (3: 11). يكنّ كريمات، عفيفات، أمينات. بعد أن تكلّم النصّ عن الشمامسة في 3: 8- 10، قال "وكذلك النساء". هذا يعني النساء الشماسات (لا امرأة الشماس، كما نقول امرأة الخوري، الخورية). فستُذكر امرأة الشماس في 3: 12 في دور آخر. ثم من الواضح أن "دياكونوس" يعني الشماس والشماسّة. هنا تحدّثت روم 16: 1 عن أختنا فيبة التي هي "دياكونوس" في كنيسة كنخرية. كانت هؤلاء الشماسات يخدمن الخدمة التي يقوم بها الشمامسة. وقد يكنّ اهتممن بشكل خاص بالنساء (ولا سيّما في جرن المعموديّة) كما اهتمّ الشمامسة بالرجال. غير أننا لا نعرف شيئًا واضحًا في هذا المجال، لأن 1تم لا تقول كلمة واحدة عمّا ينبغي على الشمامسة أن يفعلوه للجماعة المسيحيّة.
في أع 6: 1- 6، عنى فعل "دياكوناين" خدمة الموائد. فاعتبر بعضهم أن الشمامسة كانوا يقومون بخدمة الموائد وتوزيع الطعام. ولكن حين نجعل اسطفانس وفيلبس في مثل هذا العمل، نكون أمام تفسير خاطئ للتاريخ. إن "خدمة الموائد" لغة رمزيّة تدلّ على أشخاص مسؤولين عن أموال الجماعة وتوزيعها (رج أش 22: 22- 23 والذي يحمل مفتاح البيت). وإذا أردنا أن نستعمل لغة خارجة عن وقتها وقد استُعملت فيما بعد، لكي نتحدّث عن الهلينيّين السبعة المميّزين الذين كانوا مسؤولين عن تدابير الجماعة وأموالها، وعن الكرازة بالانجيل، نقول: كانوا في دور أساقفة تجاه العنصر الهليني. وهكذا يمكن أن يكون لوقا الذي كتب سنة 85 سفر الأعمال، قد استلهم ما وجد في الكنائس في الثمانينات، لكي يتحدّث عن الدور الذي لعبه اسطفانس وفيلبس، ولا سيّما في الكرازة والتعليم.
وشكّلت الأرامل (5: 3- 16) في أفسس مجموعة أخرى. كان لهنَّ وضعٌ قانونيّ محدّد في الجماعة. ولكنّنا لا نعرف إن كُنّ تسلّمن مهمّة في الجماعة أو شكّلن هيئة خاصّة. ميّز بولس بوضوح بين أرامل هنّ أرامل فقط لأن زوجهن مات، وأولئك اللواتي يلعبن دورًا خاصًا في الكنيسة فيُطلب منهنّ صفات خاصّة، كما طُلب من الأسقف والشمامسة. ففي الفئة الأخيرة يكون عمر الأرملة أقلّه ستين عامًا، وما تزوّجت سوى مرّة واحدة (هذا يعني أنها تلتزم حياة العزوبيّة) فظلّت أمينة لزواجها الأول (كما نجد في عدد من المدوّنات)، أنها ربّت الأولاد، وعُرفت بأعمالها الصالحة. فإن كانت هؤلاء بدون مال شخصيّ (5: 5، 16)، تساعدهنّ الكنيسة من الصندوق العام (أع 6: 1). فدورهنّ في الكنيسة يتضمّن بشكل خاص الصلاة نهارًا وليلاً (رج لو 2: 36- 37 وما فعلته حنة ابنة فنوئيل، فكانت مثال الأرامل في الكنيسة الأولى). ثم ممارسة الضيافة بأعمال متواضعة جدًا (غسل أرجل القديسين، مساعدة المحتاجين). هل اختلف دور الأرامل عن دور الشماس والشمامسة؟ هذا ما لا نعرفه.
ما نلاحظ في كلام بولس، في هذا المجال، هو اللهجة القاسية تجاه أرامل يجب أن لا يدخلن في مجموعة الأرامل. مثل هؤلاء يُطلب منهنّ الاهتمام بأولادهنّ وأحفادهنّ. بل إن بولس يخاف من أن تصبح هذه الأرامل الشابات، تابعات لشهواتهنّ بحيث يملن عن دعوتهن، فيتجوّلن من بيت إلى بيت، وينقلن الكلام بين الناس، ويبحثن عن زوج آخر بحيث ينقضن عهدهنّ الأول. بعد أن فكَّر بولس، طلب منهنّ أن يتزوّجن فيكون لهنّ أولاد، وهكذا لا يكنّ سبب شكوك في الكنيسة: "فإن بعضًًا منهنّ انحرفن إلى اتّباع الشيطان" (5: 15). واعتبر بعض الشرّاح أن هؤلاء النسوة (لا الأرامل فقط، بل المطلّقات أو العوانس) طالبن بحريّة أكبر على مستوى الكلام في الكنيسة. لهذا، جاء كلام بولس قاسيًا بالنسبة إليهنّ (2: 11- 15). فطلب منهنّ الخضوع. وبما أنهن يُخدعن بسرعة، لا يحقّ لهنّ أن يعلّمن الرجال. كل هذا نعود إليه في معرض الحديث عن التعاليم الضالّة (1: 3- 20؛ 3: 14- 4: 10؛ 6: 3- 5).

ج- التعليم الصحيح والتعليم الضالّ
يُذكر التعليم الضالّ في أكثر من موضع في هذه الرسالة. غير أننا لسنا أكيدين أننا دومًا أمام الخطر عينه. فالوصف هنا، كما في تي، هو وصف هجوميّ (6: 3- 5، منتفخ، أعمته الكبرياء). لهذا يصعب علينا أن نعرف الضلال الأساسيّ معرفة دقيقة. فبولس يشير في 1: 13- 16 أنه هو في الماضي، كان مجدّفًا ومضطهدًا، ولكنه اهتدى بنعمة المسيح ورحمته، فجاء اهتداؤه تشجيعًا ضمنيًا للذين ما زالوا حتّى اليوم يعارضون التعليم الصحيح: إنهم يستطيعون أن يهتدوا، لأن المسيح جاء إلى العالم لكي يخلّص الخطأة. وتيموتاوس عرف، رغم شبابه، "النبوءات التي قيلت في الماضي عنه" (1: 18). تبع التعليمَ الصحيح، وهو قادر أن يكون خادمًا صالحًا للمسيح (1: 19؛ 4: 6) فيقف في وجه المعلّمين الكذبة.
وقالت الرسالة أيضًا عن هؤلاء "المعلّمين": "أرادوا أن يكونوا معلّمين في الشريعة" (1: 7). وهكذا نكون أمام خصوم يرتبطون بالعالم اليهوديّ: هم يتعلّقون بخرافات وأنساب (1: 4؛ 4: 7). كيف نحكم على هؤلاء المعلّمين على مستوى الممارسة؟ ننطلق من خطاياهم التي تعارض الوصايا العشر (1: 8- 10). هذا بشكل عام. ولكن بعضَ النقاط التي تستحقّ النقد هي خاصّة ومحدّدة: إن الخصوم يمنعون من الزواج، ويحرّمون بعض الأطعمة (4: 3). وإذ هم يعلّمون، يدلّون على تعلّقهم بالمال يربحونه (5: 5، 10). وهكذا نجد السؤال الذي يُطرح في تي: فالتعليم الذي تشير إليه الرسائل الرعائيّة، يعود بنا إلى إطار أسفار يهوديّة منحولة، أو غنوصيّة يهوديّة، هي شبه غنوصيّة ومعرفة كاذبة (6: 20)، أو الاثنتان معًا.
ورأى آخرون أن بولس شدّد على القيم التقليديّة، وهذا ما يدلّ على أنه "يقاتل" أفرادًا متكبّرين يرتبطون بالفلسفة الكلبيّة: تعلن أنها لا تعرف شيئًا عن الله، وترفض الكلام عن المعتقدات التقليديّة، وتمتدح من يرفض الزواج وإيلاد البنين. إلى أي مدى يقود هذا التعليم الكاذب؟ هنا نتميّز في الجماعة، الأعضاءَ الذين يؤثّر عليهم هؤلاء المعلّمون الضالّون (2: 1- 15؛ 4: 11- 5: 2؛ 5: 22ب - 6: 2؛ 6: 6 - 19). هذا ما نتطرّق إليه في ما يلي.

د- العلاقات في الجماعة والايمان
يتداخل هذا الموضوع مع الحكم على التعليم الضالّ في 1: 8- 11. نجد في هذه الرسالة (كما في تي 2: 1- 10) شرعة عائليّة. غير أن عناصرها مبعثرة. ففي 1تم 5: 1- 2 مثلاً، نجد تعليمات حول العلاقات المتبادلة بين الشيوخ والشبّان، بين العجائز والفتيات. وفي 2: 8- 15، تعليمات للرجال والنساء حول سلوكهم خلال شعائر العبادة. وفي 6: 1- 2، يقال للعبيد أن يحترموا أسيادهم سواء كانوا مسيحيين أم لا (لا يقال شيء للأسياد). وفي 2: 1- 2، تُطلب الصلاة "لأجل الملوك وذوي المناصب".
إن الأوامر الموجّهة إلى الرجال والنساء في شأن العبادة، بدت قاسية جدًا في ما يخصّ النساء. يشدّد النصّ أولاً على التواضع والحشمة في اللباس. بعد ذلك، يُطلب من النساء السكوت والخضوع خلال التعليم (2: 9- 12): "لا أبيح للمرأة أن تعلّم ولا أن تتسلّط على الرجل". مثل هذا الكلام يعود بنا إلى إطار عباديّ. ولكن يمكن أن يتجاوز هذا الإطار (ما يدلّ على ذلك، الاشارة إلى حوّاء). تُقرأ هذه الآيات بشكل عاديّ كموقف عام بالنسبة إلى النساء. وفي السياق الحاليّ، نرى تطرّفًا في الحدّ من دور المرأة. وهذا يبدو واضحًا إن قرأنا 2: 8- 15 مع 5: 11- 15 والموقف القاسي تجاه الأرامل الشابات.
غير أن بعض الشرّاح قدّموا تفسيرًا آخر لهذا المقطع (2: 8- 15) في إطار هجوم على التعليم الكاذب. نحن هنا أمام نساء غنيّات، والكلام واضح عن الذهب واللالئ والحلل الفاخرة (2: 9). وهذا ما يقرّبنا من النقد القاسي للأرامل اللواتي لا شغل لهنّ سوى التنقّل من بيت إلى بيت (5: 6- 3. رج أيضًا الهجوم على الغنى في 6: 9، 17). فإذا كان المعلّمون الضالّون قد جعلوا من هؤلاء الناس هدف تعليمهم، نفهم هجوم الرسالة على البحث عن الغنى (رج 2تم 3: 2، 6- 7، والكلام عن هؤلاء المعلّمين الذين يحبّون المال، فيلجون البيوت ويسبون نساء ضعيفات). إذن، لا يشير النصّ إلى النساء بشكل عام، بل إلى هؤلاء اللواتي حملن مشعل الضلال وسقطن فيه: هؤلاء يُمنعن من التعليم ولا يمارسن سلطة من السلطات (2: 12؛ رج تي 2: 3 حيث يُطلب من العجائز أن يكنّ معلّمات). ومع ذلك، يبقى تعبير الرسائل الرعائيّة، ولا سيّما 2تم 3: 6- 7، جارحًا. فيجب أن نفهمه انطلاقًا من نظرة حول الوضع الاجتماعيّ في ذلك العصر. الكلام يقف على المستوى الحضاريّ، لا على المستوى الايمانيّ حيث لا رجل ولا امرأة.
حين تنتقل هذه النسوة من بيت إلى بيت، فهنّ ينشرن الضلال. حينئذ يشبَّهن بحواء التي أضلّت آدم (2: 13- 14). أما الخلاص الذي تناله هذه النسوة بالأمومة (2: 15؛ رج 5: 14 والنصيحة إلى الأرامل الشابات بأن يلدن البنين)، فهو يستند إلى تك 3: 16، فيشكّل ردًا على المعلّمين الذين يمنعون الزواج (1تم 4: 3). ففي سياق نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني، يبدو هذا القول معقولاً. ففي "الاعمال" المنحولة، التي دوّنت في القرن الثاني، نجد تعليمًا يمنع أكل اللحم وشرب الخمر والعلاقات الجنسية. هناك نساء ألّفن بعض هذه "الأعمال" (أعمال يوحنا، بطرس، بولس، اندراوس، توما)، فجاءت 1تم 4: 7 ردًا على مثل هذا التقليد وانتقادًا لمثل هذه الخرافات الدنيويّة. في هذا المجال، اعتبر بعض الشرّاح أن نظرة بولس كانت مؤاتية للمرأة. فجاء من صحّح إرثه في إطار سيطرت فيه نساء مسيحيات (أرامل أو عوانس) وقدّمت مثل هذا التعليم الذي لا يمكن إلاّ أن يقود إلى الضلال.
ونقرأ في 1تم حذرًا من الغنى في 6: 5- 10، 17- 19 مع القول المشهور "أصل كل الشرور محبّة المال" (6: 10). كما نقرأ أناشيد تُسند التعاليم الأخلاقيّة في هذه الرسالة. وأشهرها 3: 16 الذي يصوّر سرّ التقوى في معرض حديثه عن مصير الابن المتأنّس. ونقرأ نشيدًا في 6: 7- 8 وآخر في 6: 15- 16 الذي هو مباركة ليتورجيّة.

3- من كتب 1تم ومتى
هناك آراء ثلاثة في هذا المجال، وتحديدُ الكاتب يرتبط بتحديد الزمان. الرأي الأول يعتبر أن بولس نفسه كتب 1تم، كما كتب الرسالتين الرعائيتين الأخريين أي 2تم، تي. ذاك هو الرأي التقليديّ، الذي لم يناقشه أحد مبدأيًا قبل القرن التاسع عشر. استندوا إلى النقد الخارجيّ، أي ارتباط 1تم بنصوص أخرى، وإلى النقد الداخليّ، أي قراءة النصّ. وآخر الآراء يقول: لا تذكر 1تم سقوط أورشليم سنة 70 ب م. إذن، دُوّنت قبل هذه السنة، وربّما سنة 55. ودُرست التلميحات إلى الأشخاص والأحداث والتذكّرات. فاقتربت 1تم من تي. وظلّت 2تم وحدها، وقد ارتبطت بسجن بولس في رومة سنة 61. أما الرسالتان الأخريان، فجاءتا قريبتين من روم، فدوّنتا بحسب هذه النظرة في ربيع سنة 58.
والرأي الثاني يقول إن أحد تلاميذ الرسول كتب، بإشرافه، هذه الرسالة. وهكذا نصبح في تيّار بولسيّ سوف يمتدّ حتّى بعد موت بولس. فكما كان كلام عن المدرسة اليوحناويّة التي تأمّلت في نصوص سابقة ارتبطت بيوحنا الرسول، كذلك هنا كلام عن المدرسة البولسيّة التي يبدو أنها كتبت فيما كتبت الرسالة الثانية إلى تسالونيكي والرسالة إلى أفسس وربما الرسالة الثانية إلى تيموتاوس والرسالة إلى تيطس. وفي إطار هذه المدرسة تُجعل الرسالة إلى العبرانيين التي قد تكون دوًّنت في الثمانينات.
وهكذا نكون في الرأي الثالث، الذي انطلق من ثلاثة أمور ليقول إن 1تم لا يمكن أن تكون من يد بولس. بل هي دُوّنت في الثمانينات. كان أولاً تدارس المعطيات التاريخيّة (1: 3؛ تي 3: 12- 13؛ 2تم 4: 9- 21). فهي لا تتوافق مع معطيات أكيدة نقرأها في سفر الأعمال. ثم، كان تدارس لتعليم الرسائل الرعائيّة، ولا سيّما التنظيم الكنسيّ. هذا ما يجعلنا في حقبة متأخّرة. وأخيرًا، هناك خصائص على مستوى الاسلوب واللغة، لا يمكن أن ننسبها إلى الرسول. وإذا أضفنا نظرة إلى الخصوم الذين يرتبطون من قريب أو بعيد بالغنوصيّة اليهوديّة، وتوقّفنا عند لاهوت يجعل من تجسّد المسيح تجليًا، ومن شخص يسوع مخلّصًا، نفهم أننا في الجيل المسيحيّ الثاني، وربّما الثالث. وما يحدونا إلى هذا القول، هو أنه مضى زمان طويل على تكوين الجماعات، واختيار الخدّام (3: 6، 10). وأن الكنيسة بدت مهدّدة من قبل المعلّمين الكذبة: بيوت تدمَّر (5: 15). وهناك أشخاص يرفضون متابعة المسيرة، كما هو الأمر في الرسالة إلى العبرانيين التي تتحدّث صراحة عن جيل ثان من المدبّرين (عب 3: 17). وأخيرًا. إن الكنيسة أخذت تتنوّع على المستوى الاقتصاديّ والعائليّ والاجتماعي، فاهتمّت بعلاقاتها بالخارج (2: 1ي)، بمجتمع ما زال في أكثريّته وثنيًا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM