الفصل الثاني والأربعون:رسائل إلى الكنائس السبع وإلى كنائسنا

 

الفصل الثاني والأربعون

رسائل إلى الكنائس السبع
وإلى كنائسنا

يبدو القسم الأول من سفر الرؤيا بشكل رسالة موجّهة إلى سبع كنائس في آسية الصغرى، أي في تركيا اليوم. سبع كنائس تتوزّع البريد الامبراطوري حول أفسس بشكل دائرة بيضاوية: أفسس، إزمير، برغاموس، تياتيره، سرديس، فيلدلفية، اللاذقية (أو: لاودكية). سبع كنائس تمثّل كنائسنا الموزّعة في العالم. تتعرّف إلى يسوع المسيح في وسط الضيقات التي تعيشها، فتراه في الحياة اليوميّة، وتنتظر مجيئه في شعائر العبادة.

1- رؤية المسيح
"وحي يسوع المسيح" (1: 1). هكذا يبدأ سفر الرؤيا. وهو يتوجّه إلى جماعات تعيش واقعها اليوميّ وصعوباتها. هي كنائس متجسّدة في العالم، ومتجذّرة في محيطها. قبل أن نتعرّف إلى الكلام الذي أرسله يسوع إلى كل منها وبالتالي إلى كل كنيسة من كنيستنا، نتعرّف إلى هذا الوحي، هذا الكشف الذي وصل إلينا.

أ- في ظل الثالوث الأقدس
إن تعليم يوحنا في سفر الرؤيا يتجذّر في قلب الثالوث الأقدس. وكل من الأقانيم (الأشخاص) الثلاثة يظهر أمامنا في رموز غنيّة جدًّا.
الاسم الذي يُعطى لله الآب، يعود إلى سفر الخروج (3: 14). قال موسى لله: "سأقول لهم: إله آبائكم بعثني إليكم. فإن سألوني عن اسمه، فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أنا يهوه". أنا الذي هو. أنا الكائن. انطلق صاحب سفر الرؤيا من هذه التسمية فقال: الكائن (الآن). الذي كان في الماضي، منذ الأزل. الذي سيأتي (1: 8؛ 4: 8). انتظرنا ذلك الذي سيكون، يكون في اليوم والأمس وإلى الأبد. ولكن لا. فالفعلان الأوّلان (الكائن، كان) يحدّدان موقع الله في أزليّته، في تساميه على الزمن. أما الحديث عن مجيئه (يأتي) فيُدخله في تاريخنا. أجل، ليس الله إلهًا يعيش فوق الزمن، في ما وراء الزمن، وكأنّ أمور هذا العالم لا تهمّه. بل هو إله يشمّر عن يديه مع شعبه، يسير معه، يكشف عن ذاته من خلال اللقاء بكنائسه. سوف نرى في ما بعد أن فعل "يأتي" سينطبق على يسوع، لأن الله يأتي إلينا في ابنه الذي هو صورة منظورة للإله غير المنظور (كو 1: 15).
الإسم الذي يُعطى للروح هو "الأرواح السبعة" (1: 4). هناك سبع كنائس. إذن هناك سبعة أرواح. أترى الرّوح تجزّأ؟ كلا. ولكن الرّوح يفيض فيضًا تامًا في كل كنيسة من كنائسنا، كما فاض على الرسل الإثني عشر يوم العنصرة (أع 2: 1-4)، وعلى كنيسة أورشليم (أع 4: 31)، وعلى كنيسة السامرة (أع 8: 17)، وعلى كنيسة أنطاكية (أع 13: 1-4). وعلى كنيستنا. هو الروح في كماله (الرقم 7). هو الروح "المسبّع" العطايا كما يقول أش 11: 2-3: الحكمة، الفهم، المشورة، القوّة، العلم، التقوى، المخافة. وسيُقال عن هذا الروح في رؤ 4: 5 إنه نار متّقدة، وبهاء الله المشعّ.
أما شخص المسيح فقُدّم إلينا بشكل موسّع كما في قانون الإيمان: استعاد يوحنا ثلاثة تعابير من المزمور 89: 28، 38: "وأنا أجعله البكر، والعليّ بين ملوك الأرض (هو الأول. هو أسماهم)... مثل القمر يكون راسخًا إلى الأبد، وشاهدًا في الغيوم أمينًا". أخذ الرائي هاتين الآيتين وطبّقهما على المسيح بعد أن أعطاهما طابعًا مسيحيًا. فيسوع دلّ في موته على أنه "الشاهد الأمين"، وعلى خطاه يسير الشهود والشهداء وأولهم اسطفانس (أع 7: 59- 60). وفي قيامته دلّ يسوع على أنه صار بكر الأموات الذين قاموا (هو أول القائمين وملك ملوك الأرض. إذن، هو وحده "الربّ"، كيريوس. والأباطرة الذين يعتبرون نفوسهم "آلهة" وأسيادًا، يخضعون له.

ب- عمل المسيح
بعد أن جعلنا الكاتبُ في هذا الجوّ الثالوثيّ حيث كلٍُّ مبادرة تنطلق من الآب فتمرّ بالابن وتصل إلينا، إلى كنائسنا، بواسطة الرّوح، أوجز عملَ المسيح بالنسبة إلينا.
كل عمله يتلخّص في فعل واحد: "أحبّنا". في صيغة الحاضر. هو يحبّنا الآن. لا نجد هذه الصيغة في العهد الجديد إلاّ هنا، وهي تدلّ على استمرارية هذا الحبّ. ودعا يوحنا القارئ أيضًا إلى العهد القديم، إلى سفر الخروج (19: 6): "تكونون لي مملكة كهنة وشعبًا مقدّسًا" (أي مكرّسًا لي ولخدمتي). شعب الله مملكة لأنه يخصّ إله الكون. وهو مملكة كهنة لأنه وسيط بين الله والعالم، بين الله والأمم الوثنيّة. عليه أن يحمل اسم الله الواحد. والمسيحيّون هم مملكة، لأن المسيح يملك عليهم. لأنهم يشاركون في ملكه. وهم كهنة لأنهم مستعدّون لأن يضحّوا بحياتهم على مثاله، لكي لا يعبدوا إلاّ الآب. قد تكون لهم الحياة السهلة إن "عبدوا" الامبراطور، وتعبّدوا له فقدّموا البخور لتمثاله وانتظروا "الخلاص" و"الحياة" منه. ولكنهم اختاروا المسيح، اختاروا أن يكونوا من أتباع الحمل (14: 4).
ويعود يوحنا إلى العهد القديم لكي يصوّر لنا شخص يسوع المسيح. هو ابن الإنسان الآتي للدينونة كما يعلنه دانيال (7: 13): "يأتي على سحاب السماء... يُعطى سلطانًا ومجدًا". وهو الملك المطعون بالحربة كما قال زك 12: 10 (ينظرون إليّ أنا الذي طعنوه)، وكما روى يوحنا في إنجيله عن ذلك الجندي الذي طعن يسوع بحربة في جنبه، في قلبه، فجرى منه دم وماء، دم الافخارستيا وماء العماد من أجل بناء الكنيسة (يو 19: 37). وهذه الرؤية، رؤية المسيح المطعون من أجل خطايانا، هي نداء إلى المؤمن المتأمّل ليعرف ما عمله يسوع من أجله، وهي تنبيه وتحذير للذين يرفضون أن يؤمنوا، كما يقول سفر الرؤيا.

2- الكنائس في حياتها اليوميّة

أ- من المسيح إلى المسيحيين
الله هو كلّي القدرة، هو الألف والياء، بداية كل شيء ونهايته. والتّاريخ كله يدخل في مخطّطه الحاضر الآن الذي يتواصل. وتجاه ذلك، كيف يبدو المسيحيون؟ هم يواجهون في قلب صعوبات الحياة، القوى التوتاليتاريّة التي تطلب من الإنسان كل شيء، جسده ونفسه، قلبه وضميره، دمه وروحه، التي تريد أن تأخذ ما هو لقيصر كما تأخذ ما هو لله. التي تصبح إلهًا للإنسان في هذا العالم. يبقى على المؤمنين أن يختاروا أن يكونوا في خدمة الله أو في خدمة هذه القوى. أو بالأحرى هم قد اختاروا مهما كلّفهم ذلك الاختيار من جهاد. الله أولاً وأخيرًا. وباسم الله يقومون بواجبهم في العالم. لقد ربطوا إيمانهم ويقينهم بالله: الله هو الربّ الإله. هو وحده الربّ والسيّد. في ابنه يسوع أحبّنا وخلّصنا. وبالمسيح وبالروح نستطيع أن نرفع إلى الله سجود عالم خُلق من أجل التسبيح والمديح.
ويتوجّه المسيح إلى الكنائس. ليس المسيح هو ذلك الذي عرفناه في حياته العلنيّة على الأرض. إنه المسيح الممجّد في نهاية الأزمنة. وهو الله بأزليّته (الشعر الأبيض)، وهو الأول والآخر. إنه كاهن بلباسه الطويل، وملك بحزامه الذهبيّ. وهو يمسك الكنيسة بيده، وكلمتُه كسيف قاطع. وهو يرسل الرسائل السبع إلى كنائسه. يبدأ فيسمّيها: أكتب إلى ملاك (أي: أسقف) الكنيسة التي في أفسس. ويعلن عن نفسه كما في الفصل الأول: القابض على الكواكب السبعة، الأول والآخر، الذي عيناه كلهيب نار. وفي محطّة ثالثة يبدأ فحص الضّمير: الخير يهنِّئ عليه. ويوبّخ صاحب الشرّ، ويدعوه إلى التوبة. وفي النهاية يعد الغالب بعطيّة خاصة. من غلب فإني أوتيه أن يأكل من شجرة الحياة. مَن غلب فلا يضرّه الموت الثاني. مَن غلب أعطيه المنّ الخفيّ. وتنتهي كل رسالة بهذه العبارة: "من له أذنان فليسمع ما يقوله الروح للكنائس". هو الروح يحمل كلمة المسيح إلى الكنائس. هذا ما قاله يوحنا في إنجيله: "متى جاء روح الحق يرشدكم إلى الحقيقة كلها، لأنه لا يتكلّم من عند نفسه" (16: 13).

ب- الكنائس في حياتها اليوميّة
هؤلاء المسيحيون يعرفهم الكاتب ويعرف ضيقاتهم. كما يعرف هذه الكنائس، ويعرف كم هي متجذّرة في الواقع اليوميّ. كما يرى في هذا الواقع علامة تدلّها على كلمة الله. وهذا ما نراه بشكل خاص في فحص الضّمير الذي يقوم به المسيح مع كل كنيسة: إشارة ملموسة، حدث من حياة الجماعة. في كل هذا ينادينا المسيح نداء خاصًا، يتوجّه إلى كل واحد منّا، إلى كل كنيسة من كنائسنا. وهنيئًا لمن يعرف أن يقرأ مشيئة الله في حياته اليوميّة. هنيئًا لمن يعرف أن يسمع كلمة الله في أحداث الرسالة التي يقوم بها. هذا ما حدث لبولس وهو ذاهب إلى أوروبا. أراد الذهاب إلى بيثينة، ولكن طرأ طارئ. فقال لوقا الذي كتب أعمال الرسل: "ولكن روح يسوع لم يأذن له" (16: 7).
ونعطي بعض الأمثلة المأخوذة من الرّسائل إلى الكنائس. أفسس هي أولى مدن مقاطعة آسية الرومانيّة. يجب أن تكون الأولى أيضًا في إيمانها. يقول الرب للأسقف: أهملتَ محبّتك الأولى. فاذكر من أين سقطتَ، وتُب وعد إلى أعمالك الأولى.
برغاموس هي "عرش الشيطان". يشير النصّ إلى عبادة الامبراطور التي كانت مزدهرة جدًا في تلك المدينة. ولكن الأسقف، ومن خلاله المؤمنون، متمسّك باسم يسوع ولم ينكر إيمانه رغم عمليات الترغيب والترهيب. ليجد في هذا الكلام نداء له فيختار دومًا من يكون السيّد: يسوع أم الامبراطور.
في إزمير، أنشد الشعراء المباني الفخمة التي تحيط بقمّة المدينة، فبدت كتاج لها وإكليل. ولكن الإكليل الحقيقيّ إكليل الحياة، يسوع هو الذي يعطيه. وهو يعطيه للغالب الذي يعرف أن يخسر حياته كي يربحها. وعرفت سرديس في تاريخها غزوات عديدة، فاجأتها فنهبتها ودمّرتها. وها هو المسيح يهدّدها بأنه سيأتي إليها كاللّص. "لا تعلمين في أية ساعة آتيك، أفاجئك". واشتهرت سرديس أيضًا بحياكة الصوف وسائر الأقمشة. فيجب عليها أن تفهم رمز الثياب الذي يقدّمه لها. هناك في سرديس أناس قلائل لم يدنّسوا ثيابهم. مَن دنّس ثيابه لم يعد أهلاً للمسيح ولمشاركته في وليمة الملكوت (مت 22: 11-14). لهذا، سيواكبون يسوع في ملابس بيضاء. لقد انتصروا مع المسيح القائم من الموت، وقاسموه حياته في البرارة والنقاوة.
وكنيسة لاودكية أي اللاذقية التي تقع شرقي أفسس، قد اشتهرت بثلاثة أمور. وسينطلق الرائي منها لكي يستنتج عبرة دينيّة. اشتهرت بغناها. "استغنيتُ ولا حاجة بي إلى شيء". ولكن المسيح حكم عليها. ليست غنيّة، بل فقيرة. "أنت بائس، مسكين... فأنا أشير عليك أن تشتري مني ذهبًا مصفّى بالنار لتصبح غنيًا حقًا". واشتهرت أفسس بمياهها المعدنيّة. فانطلق الرائي من المياه الساخنة التي فيها لكي يحدّثها عن فتورها. "لست باردًا ولا حارًا. ولكن بما أنك فاتر، فقد أوشكت أن أتقيأك من فمي". هكذا دان الربّ أسقف المدينة على أعماله. واشتهرت أفسس أخيرًا بمدرسة الطبّ التي تصنع كحلاً للعيون. ولكن المسيح قد حكم عليها. "أنت أعمى". وتحتاج إلى كحل حقيقي، إلى دواء آخر لعينيك حتى تبصر. هنا نتذكّر كلام الرب في إنجيل يوحنا: الأعمى منذ مولده أبصر. والفريسيون المتملئون من نفوسهم صاروا عميانًا (9: 39).

3- مجيء الرب في شعائر العبادة
وعد المسيح بالمواهب للغالبين. هذه المواهب ترتبط بالحياة الليتورجيّة وشعائر العبادة. فهي ترتبط بسرَيّ المعمودية والافخارستيا، كما ترتبط بالجزاء الذي ينتظر المؤمنين الذين ضحّوا بحياتهم من أجل ربّهم.

أ- أفسس وإزمير
في أفسس، وبّخ الرب أسقفها لأنه ترك حبّه الأول. ووعد بأنه يعطي الغالب أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله (2: 4-7). خطئت هذه الكنيسة، فجدّدت في حياتها السقطة الأولى، سقطة آدم في الفردوس. وكما خسر آدم شجرة الحياة (التي تدلّ على الحياة مع الله) فطُرد، كذلك يخسر الخطأة شجرة الحياة ويُطردون من الفردوس. أما الغالب، فيُعاد إلى الفردوس ليذوق ثمار الخلود كما نجد في نهاية سفر الرؤيا (22: 1-2، ثمار شهريّة وأوراق لا تذبل). بالإضافة إلى ذلك، يرى الكّتاب المسيحيّون في شجر الحياة الأسرار ولا سيّما سرّ الافخارستيا، التي تعطينا الحياة الدائمة مع يسوع.
ووُعد الغالب في كنيسة إزمير بأن يُعطى "إكليل الحياة". الفكرة الأولى التي يفهمها القارئ، هي الجزاء المعطى للمنتصرين في حلبة السباق. يوضع على رأسه إكليل من الغار. هنا نتذكّر بولس الرسول في 1 كور 9: 24 ي حول الساعين في الميدان. "إسعوا لكي تفوزوا". الناس ينالون "إكليلاً يفنى، وأما نحن فإكليلاً لا يفنى". ولكن النصوص المسيحيّة تجعل من الإكليل رمزًا للخلاص المحفوظ للمختارين. وقد اعتادت بعض الطقوس القديمة أن تمنح المعمّد إكليلاً علامة على انتصاره مع المسيح في موته وقيامته، وعربونًا للانتصار الأخير، إما في الاستشهاد والموت، وإمّا في حياة مسيحيّة من الجهاد (1 كور 9: 25). وهكذا لا يصيبه الموت الثاني.

ب- برغاموس وتياثيرة
وُعدت كنيسة برغاموس بـ "المنّ الخفي". هنا نعود إلى عطّية المنّ التي نالها العبرانيّون في البريّة، فدلّت على عناية الله بهم في ما يخصّ الطعام والشراب (هناك أيضًا طيور السلوى، والماء من الصخر). وهذه العناية تدعوهم إلى الثقة التامّة به رغم كل شيء. وفي العالم الجديد الذي ينتظره شعب الله، سيُعطي المسيحُ مرّة أخرى ذاك المن الخفيّ. هذا ما فهمه اليهود حين كثّر يسوع الأرغفة لخمسة آلاف إنسان. فذكروا "المن الذي أكله آباؤنا في البريّة" (يو 6: 31). والمن في النظرة المسيحية يدلّ على الافخارستيا التي هي الطعام الحقيقّي والشراب الحقيقيّ.
وهناك وعدٌ آخر يُعطى للغالب في برغاموس: "حصاة بيضاء مكتوبًا عليها اسم جديد، لا يعرفه أحد سوى الذي يأخذه" (2: 17). نحن أمام اسم الله واسم المسيح. اسم الربّ (كيريوس). هذا الإسم نجده على جباه المختارين (144000، 14: 1؛ 22: 4). ونجد تجاهه اسم الوحش ورقمه (13: 17؛ 14: 11). يحمله الآخرون الذين تنفتح أمامهم أبواب الرزق الماديّة. في المعموديّة يُعلن اسم يسوع كالربّ. وبما أن اسم يسوع يلفظ على اسم المعمّد (أع 2: 38: ليعتمد كل واحد منكم باسم يسوع المسيح لمغفرة خطاياكم)، سمّي العماد "ختمًا" أو "وسمًا ووشمًا". كان صاحب القطيع يضع ختمه على كل خروف ليدلّ على أنه يخصّه. وهكذا يفعل يسوع المسيح. نحن نوسم باسمه لأننا له. على ما نقرأ في 1 كور 6: 2: "اشتريتم بثمن كريم". اشتريتم ودُفع الثمن.
وطبّق يوحنا مز 2: 8-9 (سلني فأعطيك الأمم ميراثًا... ترعاهم بعصا من حديد) على الغالب في تياتيرة. هذا ما يفهمنا أن المسيحي الذي يقبل بأن يعبر في الموت مع المسيح، يشارك أيضًا في ملكه على العالم. وهذه المشاركة بدأت منذ الآن بواسطة الأسرار، ولا سيّما سرّ الكهنوت. لا ننسى هنا ما قلناه عن كهنوت الكنيسة بشكل عام وعلى مستوى الخدمة الكهنوتيّة. ويعطي يسوع أيضًا للغالب "كوكب (نجمة) الصبح" (2: 29). الكوكب يرمز إلى المسيح (عد 24: 17؛ مت 2: 1 ي) كما في رؤ 22: 16 (أنا كوكب الصبح الساطع). فهو يعطي نفسه للمؤمنين في سرّ المعموديّة، لأن العماد هو استنارة (عب 10: 32). وهو يعطي نفسه بشكل خاص في الافخارستيا. حين يعطي جسدَه فهو يعطي ذاته. وحين يعطي دمَه فهو يعطي حياته. ثم إن الجسد والدم يدلاّن على الإنسان كله. هكذا يبذل المسيح نفسه عنّا حبًا بنا.

ج- سرديس وفيلدلفية ولاودكية
يُعطى الغالبُ في سرديس اللباس الأبيض. هو يلبسه في العماد كعلامة عن الخلاص الذي هّيأه الله لأخصّائه. ويسجَّل اسمه في سجل الحياة، سجل المعمودية على الأرض، وسجل المختارين في السماء كما نقرأ في 13: 8 "مَن كُتب اسمه منذ إنشاء العالم في سفر الحياة للحمل المذبوح". أسماء أخصَّائه موجودة في سجلّ يحمله على قلبه، فيا لسعادتنا.
ونجد في كنيسة فيلدلفية الإكليل والاسم الجديد. غير أن هذا "الاسم" يجعل من المسيحي "عمودًا في هيكل الله"، ومواطنًا في أورشليم السماوية، في كنيسة الله. نتذكّر الاسم المكتوب على حصاة والتي تدلّ على معاهدة بين اثنين (تشق الحصاة قسمين، ويحمل كل واحد قسمًا)، بين يسوع والمعمّد. والاسم هو جديد لأنه يرتبط بالإنسان الجديد الذي نناله في المعمودية تاركين الإنسان العتيق. قال بولس الرسول في أف 4: 22-24: "إخلعوا الإنسان العتيق الفاسد بشهوات الغرور، والبسوا الإنسان الجديد". ونتذكّر أخيرًا مز 87: لكل واحد اسم، لكل واحد بلد. ولكن سجلاّت المؤمنين موجودة كلها في أورشليم، لأنهم وُلدوا فيها.
وتستلهم عطية لاودكية نشيد الأناشيد (5: 2: افتحي لي يا رفيقتي، رأسي امتلأ من الندى). فتنتظر الكنيسةُ عريسها، تنتظر عودة ربّها الذي تعرفه قريبًا منها. لهذا فهي تحتفل بعيد الفصح في الليل بشكل مهيب. فسيأتي يوم يجب أن تفتح له سريعًا. ولكنه منذ الآن يأتي في العشاء الافخارستي، فتقول له: ماراناتا، تعال أيها الرب يسوع. فيجيب: "نعم. أنا آتٍ عن قريب" (22: 20).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM