الصوم الذي أريده
صلاة البدء
صلاتنا أولاً من أجل جماعتنا التي تحاول أن تنغلق على نفسها وتنسى الآخرين، أولئك الذين ليسوا منها. تنسى الغرباء. وصلاتنا من أجل ممارساتنا التي توقّفت عند بعض أعمال التقوى التي تحاول أن ترضيك ولا تصل إلى القريب. فأنت وسّع قلوبنا، وسّع مدى صلاتنا.
قراءة النص
اصرخ عاليًا ولا تتردّد، وارفع صوتك كالبوق. أخبر شعبي بمعصيتهم بيتَ يعقوب بخطاياهم. يطلبونني يومًا فيومًا ويريدون معرفة طرقي، كأنهم أمّة تعمل بالعدل ولا تهمل وصايا إلهها. يطالبونني بأحكام عادلة، ويريدون التقرّب إليّ يقولون: نصوم ولا تنظر، نتّضع وأنت لا تلاحظ (فيقول الربّ بلسان النبي): في يوم صومكم تجدون ملذّاتكم وتسخّرون جميع عمّالكم. للمشاجرة والخصومة تصومون، وللضرب بقبضة الشرّ. صيام كصيامكم هذا اليوم، لا يُسمعني صلواتكم في العلاء. أهكذا يكون صوم أردتُه يومًا واحدًا يتضع فيه الإنسان؟ أم يكون بإحناء الرأس كالعشبة وافتراش المسوح والرماد؟ صومكم هذا لا يُسمّى صومًا، ولا يومًا يرضى به الربّ. فالصوم الذي أريده، أن تحلّ قيود الظلم وتفكّ مرابط النير، ويُطلق المنسحقون أحرارًا ويُنزع كل نير عنهم. أن تفرش للجائع خبزك وتُدخل المسكين الطريد بيتك، أن ترى العريان فتكسوه، ولا تتهرّب من مساعدة قريبك. بذلك ينبثق كالصبح نورك، وتزهر عافيتك سريعًا. تسير في طريق الاستقامة ويجمع الربّ بمجده شملك. تدعو فيستجيب لك وتستغيث فنقول: ها أنا (اش 58: 1- 9)
نتوقّف بعد القراءة ثلاث دقائق ونطرح على نفوسنا الأسئلة التالية:
- ما موقع الصوم وسائر العبادات في حياتنا؟
- هل ترتبط صلاتنا بحياتنا اليوميّة، أم نعيش انفصامًا بين ممارسة تقويّة نقوم بها وعمل محبّة يُطلب منا؟
- هل نعرف أن الله يسمع صراخ المسكين والمظلوم، وهو يريد أن نسمعه معه فنعمل بيده من أجل تحرير الإنسان؟
دراسة النص:
عاد الشعب من المنفى. ونسوا كلام الرب فجاء النبيّ يذكرهم بخطاياهم، ويبعدهم عن "راحة ضمير" هي الواقع قمّة التفاضي عن الشر والظلم. مارسوا اعمالاً تقويّة، مثل الصوم، وانتظروا مقابل ذلك البركات. غير أن هذه البركات تأخّرت. فاحتجوا لدى الله. وربّما لاموه لأنهم فعلوا لأجله ما فعلوا، على مثال الفريسي في الإنجيل، فأجابهم الرب: ليست أعمالهم التقويّة بشيء لأنها تتوافق مع التعدّي على العدالة والمحبّة. لا يقوم الصوم الحقيقيّ في أعمال خارجيّة من مسوح ورماد ومشية منحنية. بل يقوم في رفض كل ظلم، والتكرّس لخدمة القريب والتضحية براحتنا لأجله عندئذ، وعندئذ فقط، يستجيب لنا الربّ.
دُعي النبي بأن يعمل سريعًا بأن يرفع الصوت كالبوق وكأنه بعلن سنة سبتية ويوبيلاً. وكأنه يعلل الفرح. ولكن هذا الفرح يسبقه إقرار بالخطايا. هل تفرح قلّة قليلة بالعيد على حساب كثرة مظلومة؟ هل ترتاح "نخبة" تعرض أن تصوم وتنسى الباقين الذين يصومون أيامًا بسبب ضيق ذات يوم؟ في يوم الصوم، نستفيد من الظرف ونزيد غنانا غنى على حساب المسكين وهكذا يتعارض سلوكنا الاخلاقيّ مسيرتنا الدينية. لهذا لا تستطيع صلاتُنا أن تُسمع لدى الربّ في العلاء. أنتظاهر بالصلاة وتبغض قريبنا في الوقت عينه؟ ثم نعتبر أننا مؤمنون نعيش بحسب وصايا الله.
الصوم الحقيقيّ يقوم بأن ندمّر كل جور نحلّ قيود الظلم ونفكّ مرابط النير. هذا على المستوى السلبيّ. وعلى المستوى الايجابيّ. نبني العدالة ونعيش المحبّة فتقاسم الآخرين طعامنا وثوبنا وبيتنا. وكل واحد معنيّ بذلك. لذلك يقول النصّ: تفرش أنت، تُدخل أنت. ما عدنا على مستوى كلمات عامة تتوجّه إلى الآخرين، بل إلى نداء يوجّه إليّ فيا ليتني أسمعه!
التأمل
بعد صمت يمتدّ عشر دقائق، نتأمل كيف أن هذا النص يسجد امتداده في مشهد الدينونة الأخيرة: كنت جائعًا فاطعمتموني، كنت عريانًا فكسوتموني (مت 25: 31- 46). كما يسجد امتداده في حياتنا وفي عالمنا، وإلاّ ظلّ كلامًا يتبخّر وحبرًا على ورق.
المناجاة
نعيد قراءة النصّ، فترتفع من قلبنا صلاة ترافق هؤلاء الصائمين المعلين، ويرتفع من قلبنا نداء نوجّهه إلى نفوسنا كي لا تتوقّف صلاتنا عند القول والكلام، بل تصبح واقعًا وحقيقة.
تأوين النصّ
نتذكّر الوضع الذي كُتب فيه هذا النص: وضع الضيق بعد العودة من المنفى. وحاول النبيّ أن يذكّر الناس بواجباتهم، أن يعيدهم إلى ضمائرهم ونعود إلى الوضع الذي تعيش فيه اليوم حيث الجوع والفقر والظلم صار معروفًا بسبب وسائل الإعلام. فهل نغلق قلوبنا ونقبض أيدينا؟ أم ننفتح. ولكن كيف يكون انفتاحنا؟
صلاة الختام
نردّد كلام الرب في أش 58: 9- 11: "إن ازلتَ يا ابني، من بيتك الظالم والاشارة بالاصبع (لتتهم قريبك جورًا) والكلام الباطل (الكاذب والمفتري)، إذا سكبتَ لقمتك للجائع ولبيّت حاجة البائسين يُشرق في الظلمة نورك وكالظهر تكون لي لياليك. أهديك أنا الربّ كل حين، وألبّي حاجتك في الضيق. أقوّي عظامك، وأجعل حياتك كجنّة ريّا ونبع دائم".