الفصل الحادي والعشرون الكهنوت لدى الآباء الرسوليين

الفصل الحادي والعشرون
الكهنوت لدى الآباء الرسوليين

حين نقرأ مؤلّفات الآباء الأولين، ندهش بسبب المعلومات الضئيلة التي يقدّمونها عن الكهنوت. بعضُ هذه المؤلّفات دونّها أساقفة مثل أغناطيوس أسقف أنطاكية، بوليكربوس أسقف إزمير، ايريناوس أسقف ليون (فرنسا)، قبريانس أسقف قرطاجة. وأخرى دوّنها أوريجانس وترتليانس، وهرماس، ويوستينوس ابن نابلس في فلسطين. كل ما نجده عند هؤلاء الكتَّاب حول الكهنوت هو كلمة عابرة تلقي بعض الضوء. ويجب أن ننتظر القرن الثالث لنجد عند أوريجانس وعند قبريانس، لا نظرية حول الكمال الكهنوتي، بل إشارات عديدة تتيح لنا أن نكوّن فكرة ولو قليلة عن الكهنوت.
كيف نفسّر هذا الصمت؟ إن الآباء لم يكتبوا لنا، بل لمعاصريهم الذين ما كانوا يحتاجون أن يحدَّثوا عن أمور يرونها في الحياة اليوميّة. فما إن وُجدت كنائس حتّى وُجد أساقفة يترأسونها. وبجانب الأساقفة الكهنة والشمامسة. كيف تبدو أصول الأسقفيّة بالنسبة إلى المسيحيين في القرن الأول أو القرن الثاني المسيحيّ؟ ونبدأ مع اكلمنضوس(88- 97) في رسالته الأولى إلى الكورنثيين.
1- اكلمنضوس، أسقف رومة
كتب اكلمنضوس في رسالته إلى الكورنثين (42: 1- 4) ما يلي: "إن الرب يسوع المسيح بعث الرسل كحاملي الأخبار الطيبّة. ويسوع أرسله الله. إذن، جاء المسيح من الله، والرسل جاؤوا من المسيح: ينبثق هذان الأمران من إرادة الله. تزوَّد الرسل بتعليمات ربنا يسوع المسيح، وآمنوا كل الإيمان بقيامته، وتثبّتوا بكلمة الله. فمضوا يعضدهم الروح القدس، ليعلنوا البشارة واقتراب ملكوت الله. كرزوا عبر المدن والقرى، وامتحنوا في الروح القدس باكورتهم، فأقاموهم أساقفة وشمامسة للمؤمنين الآتين إلى الايمان".
تلك كانت البدايات. بعد ذلك، تشعّبت الأمور بعض الشيء بسبب الضعف البشريّ. ولكن تنظّمت قواعد الخلافة حسب إشارات أعطاها بولس الرسول في الرسائل الرعائيّة. إن الأساقفة والكهنة والشمامسة ساسوا الجماعات دون أن تكون هناك صدامات أو خلافات تُذكر. فلماذا يكتب الآباء الأوّلون عن مؤسّسة تسير بشكل عاديّ؟
وطُرحت مسائل. هل يخضع العوام للأساقفة، وإلى أي حد؟ وهل يحقّ للعوام أن يعزلوا الأساقفة من وظائفهم في بعض الشروط؟ وبكلمة واحدة: هل كان الأساقفة وحدهم المحامين المأذونين عن الاورثوذكسية، وهل يحقّ لغيرهم أن يُعطي بعض التعليم؟ وهكذا طُرح موضوعان في نهاية القرن الأول وبداية الثاني: السلطة التنظيميّة والسلطة التعليميّة. ومن خلال هذين الموضوعين نستشفّ المزايا المطلوبة من الكهنة في رومة وكورنتوس وآسية الصغرى وسورية.
لن نتوقّف هنا عند طبيعة القلاقل التي حرَّكت كنيسة كورنتوس سنة 96، ودفعت اكلمنضوس الروماني إلى التدخّل من أجل السلام والوفاق. يكفي أن نذكر أن بعض المحرّكين المتهوّرين الوقحين أثاروا المؤمنين ضد الكهنة الذين عُزلوا من وظائفهم التي قاموا بها بلا عيب ولا لوم (44: 6؛ 17: 4- 7). فذكّر اكلمنضوس مفتعلي الشقاق أنه يجب أن يسود أفضل نظام في الجماعة المسيحيّة، على مثال ما في الكون الذي رتّبه الخالق ترتيبًا عجيبًا. وعلى مثال ما في الجيش حيث يأخذ كل واحد المرتبة التي أعطيت له. وعلى مثال ما في جسم الإنسان حيث تشارك جميع الأعضاء في راحة الجسد كله (20: 1- 11؛ 23: 2- 6؛ 37: 1- 5). ففي الكنيسة رؤساء نطيعهم: هم الكهنة والأساقفة. فعلى المؤمنين أن يخضعوا لهم ويؤدّوا لهم الإكرام الواجب، إذا أرادوا أن لا يسقطوا في ذنوب خطيرة (1: 3؛ 21: 6).
لا تعطينا رسالة اكلمنضوس هذه، معلومات عن تأسيس الكهنوت. بل تكتفي بالقول إن الرسل وضعوا هذه القاعدة: بعد موت الذين أقاموهم أساقفة للمؤمنين وشمامسة، سيأتي أناس مختبرون ويخلفونهم في خدمتهم. وما لا شكّ فيه أن هذه القاعدة اتُّبعت. ففي زمن اكلمنضوس، تابع الكهنة عملهم وما خافوا أن يُطردوا من المهمّة التي كُلّفوا بها (44: 5). وخلفهم أشخاص مجلّون اختارتهم كنائسهم (44: 3). وهكذا ملأت الكنيسة الفراغ الذي حصل بموت الكهنة. ما ميّز اكلمنضوس بين الأساقفة والكهنة. وما تحدّث عن الاحتفال الذي به يتكرّسون كلهم لخدمة الله.
حين يُقام الكهنة في الخدمة، لا يُعزلون عنها. وتلك هي الخطيئة التي وقع فيها الانفصاليّون في كورنتوس. نحن اليوم نميّز سلطة الكهنوت التي تمنح وسمًا لشخص من الأشخاص. وسلطة الولاية على "رعيّة"، التي هي سلطة تُعطى وتُؤخذ. ما قامت رسالة اكلمنضوس بهذا التمييز، ولكنها كانت قاسية ضدّ الذين عزلوا هؤلاء الكهنة من وظيفتهم (1: 1).
في الكنيسة وظيفتان للكهنوت: خدمة الكلمة وتربية المؤمنين. ثم الاهتمام بشعائر العبادة وتقديم الذبيحة. أما التربية فتبدأ على مستوى الأخلاق. كتب اكلمنضوس: "من هو ذاك الذي أقام بينكم وما عرف إيمانكم المتين والغنيّ بالفضائل، وما تعجّب من تقواكم الفطنة والمعتدلة في المسيح، وما اختبر سخاءكم العادي في الضيافة، وما طوّب معرفتكم التامّة والأكيدة؟ فأنتم تتصرّفون في كل شيء بدون محاباة للوجوه. تسيرون بحسب شرائع ا&، خاضعين لرؤسائكم ومؤدّين لكهنتكم الإكرام الواجب لهم. تنصحون الشبّان بالاعتدال والوقار. وتوصون النساء بأن يقمن بواجباتهنّ كلها بضمير لا عيب فيه، بضمير لائق وطاهر. بأن يحببن أزواجهنّ كما ينبغي. وتعلموهن بأن يتّخذن موقف الطاعة ويدبّرن بيتهنّ كما يليق، ويكنّ رزينات في كل شيء" (1: 2- 3؛ رج 21: 6). تحدّث البابا إلى جميع المؤمنين في كورنتوس. ولكنه فكّر بشكل خاص بالكهنة وبالتعاليم التي يعطونها. فإذا كان الشبّان والنساء يعرفون الفضائل التي تجب ممارستها، فهذا يعود إلى ما تلقّوا من دروس من الكهنة. ويتابع اكلمنضوس كلامه: "إخضعوا. إقبلوا التأديب بروح التوبة. احنوا ركاب قلبكم. تعلّموا الطاعة. تخلّوا عن عجرفتكم بما فيها من ترفّع وكبرياء حين تتكلّمون. خير لكم أن تكونوا صغارًا وتُحصون في قطيع المسيح من أن تستبعدوا من الرجاء المسيحيّ وشهرتكم رفيعة" (57: 1- 2؛ رج 54: 2؛ 56: 2).
وإلى مهمّة التربية والتعليم تُضاف خدمةُ الليتورجيا للكهنة: "علينا أن نفعل بترتيب ما فرض الرب علينا أن نتمّ في الأزمنة المحدّدة. فقد فرض علينا أن تُحمل التقادم لخدمة الله، لا عن طريق الصدفة وبدون ترتيب، بل في أزمنة وأوقات ثابتة. فقد حدّد بنفسه وبإكرام سامٍ من عنده، الأمكنة والخدم، لكي يتمّ كل شيء بقداسة حسب رضاه، ويسرّ مشيئته... أعطيت لعظيم الكهنة وظائف خاصة. وللكهنة أماكن محدّدة. وللاويين خدم تختصّ بهم. وارتبط العوام بفرائض تتعلّق بالعوام" (4: 1- 3، 5). بدا اكلمنضوس وكأنه يتكلّم عن الليتورجيا اليهوديّة، عن كهنة العهد القديم. فذكر أن كل شيء ترتّب بدقّة بيد الله نفسه. ولكن فكره يتوجّه في الواقع إلى كهنوت العهد الجديد. فعند المسيحيين أيضًا هناك عظيم كهنة هو يسوع المسيح (36: 1) الذي تحدّثت عب عن وظائفه وامتيازاته. وهناك الشيوخ من كهنة وأساقفة يشرفون على الاحتفالات الليتورجيّة في الموضع المعدّ لهم. وأخيرًا هناك الشمامسة الذين يقومون بالخدمة المخصصّة لهم. أما العوام فلا ينتمون إلى عالم الكهنوت. وليس لهم أن يقدّموا الذبائح. ولكن ما هي الليتورجيا التي يخدمها الكهنة؟ هذا ما لا نجده في رسالة اكلمنضوس إلى الكورنثيين. كل ما نجده هو صلاة طويلة نقرأها في بداية الرسالة تقريبًا، وقد تكون نموذجًا من نماذج الصلوات الليتورجيّة.
2- أغناطيوس الانطاكي
إن رسائل أغناطيوس الانطاكي (+107) تجعلنا نرى الكهنوت في الحياة اليوميّة. فتقول إنه لا جماعة مسيحيّة حيث لا كهنوت: "يجب أن تكرّموا الشمامسة كالمسيح نفسه، والأسقف كصورة الابن. والكهنة كمجلس شيوخ الله وحلقة الرسل: فبدونهم لا كنيسة" (تراليين 3: 1). لقد بدأ التمييزُ بين الدرجات الثلاث. فالأسقف هو في الرأس. إنه تجسيد الكنيسة: "تقبّلتكم كلكم باسم الله في شخص اونسيمس (أسقف أفسس رج رسالة بولس إلى فيلمون)، هذا الرجل الذي ينعم بمحبّة كبيرة، أسقفكم في الجسد" (الأفسسيين 1: 3). وكتب إلى التراليين: "أنظر كنيستكم كلها في شخص بوليبيوس أسقفكم" (1: 1). هكذا يكون الأسقف التجمّعَ المنظور للمؤمنين في موضع محدّد. هو حبّ يتجسّد. هو تجلّي الوحدة المسيحيّة. لهذا يُحكم على الجماعة بقدر ما تكون متّحدة بأسقفها.
والأسقف هو ممثّل يسوع المسيح. فمن أطاع الأسقف أطاع يسوع المسيح (تراليين 2: 1- 3). هكذا تتأمّن وحدة الكنيسة: "يجب أن تكونوا فكرًا واحدًا وحيدًا مع أسقفكم... ومجلس كهنتكم الموقّر الذي يليق حقًا بالله، هو متّحد بالأسقف كالأوتار بالعود. ومن تمام توافق عواطفكم ومحبّتكم، يرتفع نحو يسوع المسيح جوقة مديح. فليدخل كل واحد منكم في هذه الجوقة: حينئذ تأخذون بوحدتكم، في التناسق والوفاق، لهجةَ الله، وتنشدون كلكم بصوت واحد بيسوع المسيح مدائح الآب الذي يسمعكم. وحين يرى أعمالكم الصالحة يرى فيكم أعضاء ابنه" (الافسسيين 4: 1- 2). "الله هو الأسقف اللامنظور. والأسقف المنظور يحلّ محلّه. حين نكرم الأسقف نكرم قدرة الله الآب. وحين نغشّ الأسقف المنظور، فكأننا نكذب على الأسقف غير المنظور" (المغنيزيين 3: 1- 2؛ 6: 2).
كان اغناطيوس إنسانًا متصوّفًا، يعيش منذ الآن في عالم الآخرة. لهذا، ما احتاج أن يذكر كيف أسّس الله الكهنوت، ولا أن يتحدّث عن الخلافة الرسوليّة. فأمامه أساقفة من لحم ودم، وقد أرسلتهم كنائسهم إليه، كنائس هم متّحدون بها ويتوافقون معها كل توافق الفكر والروح. فحيث نجد كنيسة هناك نجد أسقفًا. بعد هذا سيكون من الضروريّ التحقّق من اعتبارات أولئك الذين يسمّون نفوسهم أساقفة وليسوا بأساقفة: جعلوا نفوسهم على رأس شيعة من الشيع وما استطاعوا أن يبرهنوا الأصل الرسولي للجماعة التي "يرئسونها". وحدها الجماعات المسيحيّة الاورثوذكسية لها أسقف وحلقة كهنوتيّة وشمامسة. وحيث الهراطقة، لا تراتبيّة كهنوتيّة حقيقيّة. لقد انقطع الهراطقة عن الكرمة الحقة، فحملوا ثمار الشرّ لأن الآب لم يغرسهم (تراليين 11: 1؛ فيلدلفية 3: 1؛ أفسسيين 10: 3).
وجاء بعض الهراطقة يطلبون من أغناطيوس براهين تسند ما يقوله. ففي فيلدلفية لا يؤمنون إلا ما كُتب في "الوثائق"، في الأناجيل. فأين سيجد أغناطيوس الجواب؟ الروح القدس قال له: "لا تصنعوا شيئًا بدون الأسقف. حافظوا على جسدكم كهيكل الله. أحبّوا الوحدة. أهربوا من الشقاق. إقتدوا بيسوع المسيح كما اقتدى هو بالآب". وأضاف: "بالنسبة إليّ، الوثائق (الأرشيف) هي يسوع المسيح. والوثائق اللامنظورة هي صليبه وموته وقيامته وإيماننا به" (7: 2؛ 8: 2).
كيف يصبح الإنسان أسقفًا؟ هذا ما لا يقوله أغناطيوس، والسؤال لم يُطرح في ذلك الوقت من قبل أناس يرون أسقفهم أمامهم. وإن كان أسقف مغنيزية شابًا، فلا ننسى أننا حين نكرم الأسقف، إنما نكرم الله الاب (3: 1). فليتميّز الكاهن بفضائله: أونسيمس، أسقف أفسس، يتميّز بمحيته (1: 3). دماسيوس، أسقف مغنيزية، يليق بالله (2: 1). بوليبيوس، أسقف تراليس، هو مثال المحبّة التي تملأ أبناء أبرشيّته. وداعته قوّة، واللامؤمنون أنفسهم يكرمونه (3: 2). ويمتدح أغناطيوس أسقف فيلدلفية فيقول: "ما حمله إلى تدبير الجماعة ليست محاولاته، ولا رضى الناس، ولا عاطفة من الغرور الباطل، بل محبّة الله الآب والربّ يسوع المسيح. تواضعه لفت نظري. وحكمته أقوى من الخطب الباطلة. وسلوكه يتوافق مع شريعة الله... لهذا أهنّئه من كل قلبي لتقوى نفسه. قدّرت فضيلته وثباته وهدوءه، وكل هذا يدلّ على تنازل الله الحيّ" (1: 1- 2).
وتعطينا الرسالة إلى بوليكربوس معلومات عن واجبات الأسقف، والفضائل التي يجب عليه أن يمارسها: "برّر موقعك بكل سهر جسدي وروحي... أطلب تمييزًا أكبر ممّا لك الآن... كن معتدلاً كجنديّ الله... كن غيورًا أكثر ممّا أنت عليه الآن. إعرف الزمن... لا يُصنع شيء بدون رأيك. وأنت لا تصنح شيئًا بدون الله" (1- 4). خاف أغناطيوس على هذه الأسقف الشاب، فدعاه إلى الحكمة الروحيّة.
الأسقف هو رجل الوحدة وقد أعطي سلطات ونعمًا من أجل كل ما يُعمل في الكنيسة: شعائر العبادة وتنظيم الجماعة، الدفاع عن الإيمان وتعليم العقيدة، حياة النفوس وعمل الرعاية والإرشاد. ونبدأ بالليتورجيا. "لا تعملوا شيئًا بدون الأسقف، في ما يتعلّق بالكنيسة، ولا تعتبروا شرعًا إلاّ الافخارستيا التي يُحتفل بها تحت رئاسة الأسقف أو موفده... لا يحقّ لكم أن تعمّدوا أو أن تأكلوا عشاء المحبّة خارجًا عن الأسقف. فما يوافق عليه يرضى الله عنه أيضًا. بهذا الشكل يكون كل شيء أكيدًا وشرعيًا" (سميرنيين 8). فالكنيسة جماعة، وعبادتها عبادة جماعيّة. فالمسيحيون الحقيقيون يعرفون أن من رفض أن يأتي إلى الجماعة، ويحصر نفسه في صلاة فرديّة، يدلّ على كبريائه ويعيش في "الحرم" (أفسسيين 5: 2). "كما أن الرب بنفسه، أو بواسطة رسله، لم يصنع شيئًا دون الآب الذي هو واحد معه، كذلك أنتم لا تفعلوا شيئًا بدون الأسقف والشيوخ. لا تحاولوا أن تعتبروا عملاً فرديًا وكأنه معقول: ما هو صالح هو مشترك: صلاة واحدة، تضرّع واحد، روح واحد، رجاء واحد في المحبة، في حياة بارة. كل هذا هو يسوع المسيح وليس أفضل منه" (مغنيزيين 7).
وقال أغناطيوس في رسالته إلى فيلدلفية: "ليس إلاّ جسدٌ واحد لرّبنا. وكأس واحدة لوحدة دمه. ومذبح واحد. كما أن هناك أسقفًا واحدًا في حلقة الكهنة والشمامسة الذين هم رفاقي في الخدمة". كل الأسرار يكون الأسقف حاضرًا فيها حتى الزواج: "الذين يتزوّجون، لا يتزوّجون بدون موافقة الأسقف. ففكرُ الله يشرف على الزواج لا أهواء البشر" (بوليكربوس 5: 2). ويتابع في كلامه إلى الافسسيين: "حين تجتمعون مرارًا تدمّرون قوى الشيطان، وتأثيرُه الشرير يتبخرّ أمام توافق إيمانكم" (13: 1).
هذا بعض ما قاله اكلمنضوس الروماني وأغناطيوس الانطاكي عن الكهنوت. كان بإمكاننا أن نتوسّع أكثر في ما يقوله أغناطيوس عن دور الكهنة والشمامسة. كما كان بإمكاننا أن نذكر تعليم الرسل (الديداكيه)، ورسالة برنابا، وراعي هرماس وهذا ما يقودنا إلى سنة 150 ب م. ولكننا اكتفينا بهذا القدر عالمين أن هذه الوثائق القليلة لا تعطينا كل غنى الكهنوت في القرنين الأول والثاني في حياة الكنيسة. فهناك الشهادات العديدة التي نجدها مثلاً عند أوسابيوس القيصري، وهي تفهمنا عمل الكهنة في الكرازة بالمسيح، في تعليم طريق القداسة، في ممارسة العماد والافخارستيا، في رعاية القطيع على مثال الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن أحبّائه.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM