الفصل السادس عشر الكهنوت في التراجيم وأدب الرابينيين

الفصل السادس عشر
الكهنوت في التراجيم وأدب الرابينيين

الترجوم (جمع تراجيم) هو نقل للكتاب المقدس إلى اللغة الأراميّة، ولكنه ليس بالنقل الدقيق. فهو يزيد أو ينقص، يلغي أو يتوسّع. بحيث يصبح النص "عظة" قريبة من النص الأصلي على شكل توسيع وإسهاب. والرابينيون هم المعلمون (رابي) اليهود الذين تركوا معارفهم في المشناة والتلمود.
1- التراجيم
لا دراسة إجمالية عن الكهنوت في التراجيم. لهذا نكتفي بترجوم البنتاتوكس أو الأسفار الخمسة.
أ- مكانة الكهنوت
نلاحظ أولاً أن الترجوم يخصّص الألفاظ ليميّز بين المقدس والدنيوي. فيترجم »الوهيم« »بالأصنام« كل مرّة نكون أمام الآلهة الكاذبة (ق دا 3: 12 حسب السبعينية). مع أن »الوهيم« يدلّ على الله. إن لفظتي "م د ب ح" و"ك هـ ن" تدلاّن على مذبح الاله الحقيقي وكاهنه. ويستعمل الترجوم ألفاظًا أخرى للحديث عن الكهنة الوثنيين وشعائر العبادة في الوثنية. فكاهن الآلهة الكاذبة هو دومًا "كومرا" لا "ك هـ ن" (ترج تك 47: 22 نيوفيتي ويوناتان)، وإن حصل له أن يلعب دورًا إيجابيًا كما هو الأمر في خبر يوناتان (ترج تك 39: 20 يوناتان).
إن الترجوم يعتبر الكهنوت اعتبارًا كبيرًا. ففي مباركة يعقوب للأسباط، يُسمّى بنيامين "قبيلة قويّة" لأن "على أرضه سيُبنى الهيكل وعلى ميراثه يقيم مجد سكن (شكينه، حضور) يهوه" (ترج تك 49: 27 نيوفيتي). وتُذكر بعد ذلك تقدمة الحمل الدائمة التي يقوم بها الكهنة مع "المنحة". في مواضع عديدة من الترجوم، يُستعمل موضوعُ الكهنوت ليصف اسرائيل: "تكونون أمامي ملوكًا تعتمرون التاج وكهنة خدّامًا وشعبًا مقدّسًا" (ترج خر 19: 6 يوناتان). وفي مواضع أخرى نجد تشديدًا على "النبيّ الكاهن". قال يهوه ليعقوب: "آمن وتكاثر. أمّة مقدّسة وجماعة أنبياء وكهنة يأتون من أبناء ولدتَهم. ثم يخرج منك ملكان" (ترج تك 35: 11 يوناتان).
يتحدّث الترجوم مرارًا عن عظيم الكهنة حين لا يتكلّم النص البيبلي إلاّ عن الكاهن. في لا 14: 16 قال يوناتان المزعوم: "عظيم الكهنة يأخذ من دم العجل إلى خيمة الاجتماع". أما نيوفيتي فتحدّث فقط عن الكاهن. ونجد الظاهرة عينها في ترج لا 6: 15. في خر 21: 14 سمحت الشريعة بأخذ القاتل ولو التجأ إلى المذبح. فأضاف يوناتان المزعوم: "حتى لو كان كاهنًا يخدم مذبحي". وقال نيوفيتي: "حتى لو كان عظيم كهنة يقف على خدمة مذبحي".
ب- الوجوه الكبرى
بما أننا نتحدّث عن الكهنوت، هناك أشخاص عديدون يستحقّون اهتمامًا خاصًا: لاوي، موسى، هارون، ملكيصادق، فنحاس.
أولاً: لاوي
عند عبور سيل يبوّق، أوقف يعقوبَ ملاكٌ لأنه لم يدفع عشر كل شيء كما وعد. عندئذ عدّ أبناءه بدءًا بشمعون. فكان العاشر لاوي الذي صار هكذا "حصّة سيّد الكون" (ترج تك 32: 25، يوناتان). اشترك لاوي مع شمعون، فأعملا السيف بأهل شكيم. وبرّر الرجلان عملهما الشنيع أمام والدهما فقالا: "ما كان يليق أن يقال في مجامعهم ومدارسهم: نجّس اللامختونون عذارى، والمشركون بنت يعقوب. بل يليق أن يقال في مجامع اسرائيل وبيوت الدرس فيه: قُتل لامختونون بسبب عذراء، ومشركون لأنهم دنّسوا دينة، بنت يعقوب" (ترج تك 34: 31 نيوفيتي). إذن بدا لاوي شخصًا عنيفًا، اهتمّ بسلامة أخته. وسيُظهر بعض المرّات عنفه بدون سبب. شمعون ولاوي "أخوان في المؤامرة" وقد عرضا أن يقتلا يوسف أخاهما (ترج تك 37: 19 يوناتان).
حين بارك يعقوب أبناءه، كانت خطيئة رأوبين السبب الذي لأجله أعطي الكهنوت لقبيلة لاوي. حُفظت ثلاث حصص لرأوبين: البكورية والملكية والكهنوت. عادت البكورية إلى يوسف، والملكية إلى يهوذا، وإلى لاوي الكهنوت الأعظم (ترج تك 49: 3- 4، يوناتان ونيوفيتي. رج أيضًا حول خطيئة رأوبين 1أخ 5: 1 وترج تث 33: 17 يوناتان). تذكّر يعقوب مقتل أهل شكيم، فعرف أن لا ملك ولا أمر يقف أمام شمعون ولاوي. إذن انفصلا. وتشتّتت قبيلة لاوي وسط جميع قبائل اسرائيل (ترج تك 49: 5- 8 يوناتان). فالترجوم الذي أخذ حذره من عنف لاوي، قبلَ مع ذلك عنفَ المسيح الذي يخرج من بيت يهوذا ويقتل الملوك والأمراء (ترج تك 49: 8- 12، نيوفيتي ويوناتان). فرأى الكتبة معلّمو الشريعة نفوسهم في هذا الجوّ: "لا ينقص ملوك وأمراء في بيت يهوذا، ولا كتبة معلّمو الشريعة من نسله إلى أن يأتي الملك المسيح" (ترج تك 49: 10 يوناتان).
وبارك موسى بدوره القبائل. وحسب نصّ تث، جاءت مباركة لاوي موسّعة أكثر من مباركة يهوذا. لهذا جاء تث 33: 10- 11 في ترجوم يوناتان المزعوم كما يلي: "هم (أي من قبيلة لاوي) يكونون مؤهّلين ليعلّموا فرائضك للذين من بيت يهوذا، وشريعتك للذين من بيت اسرائيل. إخوتهم الكهنة يجعلون البخور المعطّر في المباخر ليضعوا حدًا للوباء، في يوم غضبك، بشكل تقدمة كاملة ومرضيّة فوق مذبحك. فبارك يا ربّ خيرات بيت لاوي الذين يعطون عشر العشر، واقبل برضاك تقدمة إيليا الكاهن، التي قدّمها على جبل الكرمل. حطّم حقوي آخاب خصمه، ورقبة الأنبياء الكذبة الذين وقفوا في وجهه، فلا يبقى لأعداء يوحنان، الكاهن الأعظم، رِجل يقفون عليها".
إن التأويل الذي نكتشفه في هذا الترجوم يجمع إيليا، مثال النبيّ الحقيقيّ الذي يعارض المعلّمين الكذبة، مع يوحنا هركانس الذي أبغضه أعداؤه (الفريسيون). هذا رأي. وهناك رأي آخر يقول إننا لسنا أمام معارضة بين هركانس والفريسيين، بل أمام صراع ضد اليونان ساعة لعب هركانس دورًا مميّزًا.
عاش لاوي 137 سنة، أي حسب ترج خر 6: 16 (يوناتان) "ما يكفي ليرى موسى وهارون،محرّري اسرائيل". أظهر أبناء لاوي غيرة جديرة بغيرة أبيهم. فلاحقوا الذين من بني اسرائيل أرادوا العودة إلى مصر بعد القتال مع عماليق، وقتلوهم (ترج تث 10: 6 يوناتان). وفي حادثة العجل الذهبي، وقفوا بجانب موسى وقتلوا ثلاثة آلاف من المشركين (ترج خر 32: 27-28 نيوفيتي ويوناتان). ويذكر يوناتان المزعوم هذه الغيرة مرّة ثانية في تث 10: 8- 9: "وضع يهوه جانبًا قبيلة لاوي (لأنهم دلّوا على غيرة من أجل اسمه، قادتهم إلى الموت من أجل مجده) لتحمل تابوت عهد الرب، لتقف في حضرة الرب، لتخدمه وتبارك اسمه إلى هذا اليوم. لهذا لم يكن لقبيلة لاوي حصّة ولا ميراث مع إخوتهم: فالعطايا التي يمنحها لها يهوه هي ميراثها". وحول الأربع وعشرين عطيّة لبني لاوي، رج ترج لا 2: 13 (يوناتان)؛ رج تث 18: 2 (يوناتان). وما يعود إلى الكهنة، رج ترج لا 7: 32- 35 (يوناتان)؛ ترج عد 15: 13- 20 (يوناتان).
ثانيًا: موسى وهارون
بين الأكاليل الأربعة التي كرِّم بها موسى، هناك إكليل الكهنوت "الذي كان له طوال سبعة أيام تنصيب الكهنة" (ترج تث 34: 5، يوناتان؛ ترج لا 9: 1، يوناتان). فأبناء هارون الكهنة يُدعون "تلاميذ موسى الذين دعوا بالنظر إلى اسمه، في اليوم الذي فيه مُسحوا لكي يتولّوا الخدمة" (ترج عد 3: 3، يوناتان). وبجانب موسى نجد هارون "مترجمه" (ترج خر 4: 16، نيوفيتي، ويوناتان). هو كموسى وكمريم "رئيس أمين" (تك 40: 12 نيوفيتي) وراع أمين (ترج تك 40: 12، يوناتان).يعيَّن موسى مع أبنائه والشيوخ لكي يقضي في الشعب (ترج خر 18: 18 يوناتان). وقد توسّع في تكريسه وتنصيبه ترج لا 8 (يوناتان)؛ رج ترج خر 28، حول ملابس هارون وأبنائه؛ رج ترج خر 19 حول تكريسهم.
وواجه الترجوم مشكلة مع حادثة العجل الذهبيّ. كان اتجاهه العام بأن يخفّف من مسؤوليّة هارون. إن ترج خر 32: 5 (يوناتان) و 32: 22- 24 (يوناتان) يقدّم بعض أعذار أوردها شقيق موسى. يقول ترج خر 32: 25 (نيوفيتي) بوضوح: "لأنهم لم يسمعوا كلام هارون، خلقوا لهم اسمًا سيّئًا لأجيال الأجيال". وتُذكر حادثة العجل الذهبي أيضًا في ترج لا 8: 3 (يوناتان) ساعة التنصيب والتكريس. فهارون وبنوه يُغتسلون بالماء (آ 6) ويُلبسون (آ 8 ي)، وموسى يذبح عجل ذبيحة خطيئتهم (= هارون وأبنائه) (آ 14). بعد ذلك، لا يحقّ لابليس أن يفتري على هارون بسبب العجل الذهبيّ (ترج 9: 2، يوناتان). بل هو يخاف، لأن قرون المذبح تذكّره بتمثال العجل (آ 7، يوناتان). ومع ذلك سوف يكفِّر (آ 8- 24، نيوفيتي ويوناتان). هارون الرجل "التقيّ" (ترج تث 10: 6 يوناتان) هو في الواقع انسان "امتحنه الله فثبت أمام المحنة" (ترج تث 33: 8، نيوفيتي). وسيجد نفسه كاملاً بعد التجربة (ترج تث 33: 8، يوناتان). في ساعة موته قيل أنه: "الرجل التقيّ الذي لأجل استحقاقاته أحاط غمامُ المجد باسرائيل" (ترج عد 21: 1، نيوفيتي). وساعة مات، اختفى عمود الغمام (ترج تث 10: 6، يوناتان). فأعلن موسى أنه (= هارون) "عمود صلاة اسرائيل" (ترج عد 20: 29، يوناتان). انتقل الكهنوت الأعظم إلى أبنائه الأربعة، ناداب، أبيهو، ألعازر، ايتامار (ترج عد 3: 1، نيوفيتي). وعند موته مارس رئاسة الكهنوت ابنه ألعازر الذي ارتدى ملابسه (ترج تث 10: 6 نيوفيتي).
ج- ملكيصادق
يتماهى ملكيصادق في الترجوم مع سام (ترج تك 14: 18، نيوفيتي ويوناتان). تميّز التقليد الشعبي بإعطاء اسم لمن لا اسم له في الكتاب المقدس، وبمماثلة شخص بشخص (سام = ملكيصادق؛ لابان = بلعام؛ يوباب = أيوب) أو حتى الخلط بين اسم وآخر. وبعد أن تماهى ملكيصادق مع "سام الكبير" قيل أنه "ملك أورشليم" الذي "يمارس الكهنوت الأعظم أمام الله العليّ" (ترج تك 14: 8، نيوفيتي).
د- فنحاس
إن عد 25، هو مناسبة لتوسّعات طويلة من قبل يوناتان المزعوم. يعدّد اثنتي عشرة معجزة رافقت عمل فنحاس "ضد الاسرائيليّ والمدياني" (ترج عد 25: 8، يوناتان). ويفسَّر العهدُ مع فنحاس كما يلي: "ها أنا أقطع معه عهد سلام فأجعله ملاك العهد ويحيا إلى الأبد ليعلن الفداء في نهاية الأيّام. وبما أنهم أهانوه قائلين: "أما هو ابن فوتي المدياني"؟ فها أنا أرفعه إلى كرامة رئاسة الكهنوت. وبما أنه أمسك الحربة بيده وضرب المدياني في بطنه، في الأعضاء التناسليّة، وصلّى بفمه من أجل شعب بيت اسرائيل، ينال الكهنة عطايًا ثلاثًا: الكتف والفك والكرش" (25: 12-13).
جعل ترجوم نيوفيتي وترجوم يوناتان المزعوم من فنحاس كاهنًا أعظم. وشدّدا أيضًا على غيرته. وسوف نراه ينطلق مع كالب بأمر موسى ليجسّ مكبار: "احتلاّ قراها وأفنيا الأموريين الذين فيها" (ترج عد 21: 32، يوناتان). وطار في الهواء ليلحق ببلعام الذي استعمل هذه الحيلة ليهرب، وقتله (ترج عد 31: 8، يوناتان). إذن، هو مثال الكاهن الغيور كما يقول ترج عد 25: 11 (يوناتان).
2- الأدب الرابيني
يتحدّث الأدب الرابينيّ مرارًا عن الكهنوت وعظماء الكهنة والكهنة واللاويين. وتشكّل المشناة وتوسفتا ويوسيفوس ينبوع معرفة الكهنة قبل سقوط أورشليم سنة 70 ب م ودمار الهيكل.
يتحدّث الأدب الرابينيّ مرارًا عن عظيم الكهنة. فالمقال "يوما" في المشناة، يعود إليه مرارًا بسبب الدور الذي يلعبه في يوم التكفير. وهناك مقالات عديدة تهتم بحقوقه وواجباته. المشناة، سنهدرين 2: 1، تلمود أورشليم سنهدرين 20أ؛ توسفتا، سنهدرين 34: 1. إن مقال يبموت يتساءل عن النساء اللواتي يستطيع أن يتزوجهنّ عظيم الكهنة (المشناة، يبموت 6: 3- 4؛ 7: 1؛ توسفتا، يبموت 7: 3). وتُعرض شروط ارتباطه بالموتى (المشناة، نزير 7: 1). وأخيرًا هو يدين ولا يُدان (المشناة، سنهدرين 2: 1).
من المسائل المعلّقة مسألة موقع عظيم الكهنة. من المعلوم أنه يحتلّ مكانة مرموقة. ولكن مال النصّ بعض المرات إلى المبالغة بحقوقه. إذن، نتذكّر أن إقامته تتم برأي محكمة الواحد والسبعين (توسفتا، سنهدرين 3: 4). لاشكّ في أنه في خدمة التوراة التي هي أرفع منه: "دراسة التوراة أعظم من الكهنوت والملك: نصل إلى الملك بعشرين درجة، وإلى الكهنوت بأربع وعشرين درجة، والتوراة بثمان وأربعين هي الدرس، الاصغاء بالاذن... (المشناة، أبوت 7: 5). وينتظرون من الكاهن الأعظم أن يعرف قراءة التوراة وتفسيرها (هذا لم يكن الوضع دائمًا): "إذا كان عظيم الكهنة حكيمًا، يعرض (الكتب المقدسة). وإلاّ عرضها أمامه تلاميذه الحكماء. إن كان متضلّعًا من الكتب المقدّسة يقرأ، وإلاّ يقرأونها أمامه" (المشناة، يوما 1: 6).
في المبدأ، كان عظيم الكهنة أسمى من جميع الكهنة (تلمود أورشليم، يوما 39: أ). وفي العادة، يتفوّق على إخوته بالجمال والقوّة والغنى والحكمة والمظهر (توسفتا، يوما 1: 6). ولكن احتفظ الناس بذكرى مريرة ومخيّبة لتدخّلات السياسة في تسمية عظماء الكهنة، بحيث يفقدون شرعيّتهم. "منذ تكاثرَ الملوكُ، قرّروا أن يجعلوا من الكهنة البسطاء، عظماء كهنة، ويبدلوهم كل سنة" (توسفتا، يوما 1: 7). وتذكر المدارش جرائم اقترفها بعض عظماء الكهنة: نعرف أنه خرج من فنحاس في زمن الهيكل الأول 18 عظيم كهنة، وفي زمن الهيكل الأخير 80 كاهنًا: "فبما أنهم كانوا يشترون هذه الكرامة بالدم، صارت أيامهم قصيرة" (سفره على عد 25: 12- 13، المقطع 131). وتحدّث تلمود أورشليم (يوما 38 ج) عن عظماء الكهنة الذين اشتروا وظيفتهم بالمال.
إن العائلات الكبرى الأربع، بوئيتوس، حنان، كنتيراس، فيابي، لم تترك ندمًا لأنها زالت. نشير إلى رثاء أبّا شاول (عاش في أورشليم قبل سنة 70) باسم أبا يوسف بن حنين: "ويل لي بسبب بيت بوئيتوس، ويل لي بسبب عصيّهم! ويل لي بسبب بيت حنين (حنان). ويل لي بسبب مؤامرتهم الشريرة! ويل لي بسبب بيت كاتروس (كنتيراس). ويل لي بسبب قلمهم! ويل لي بسبب بيت يشماعيل بن فيابي، ويل لي بسبب قبضة أيديهم! كانوا عظماء الكهنة. وكان أبناؤهم حافظي الخزانة، واصهرتهم المدبّرين، وكان خدمهم يضربون الشعب بالعصي" (تلمود بابل فصحيم 57 أ). ونجد نصًا مماثلاً في توسفتا منحوت 13: 21 التي تزيد عائلة أليشاع.
كانت المقاومة عنيفة بين الارستوقراطيّة الكهنوتيّة حيث يُؤخذ عظماء الكهنة، والكهنة العامة الذين ما كانوا يصدّقون بشرعيّة هؤلاء الرؤساء. وقد احتفظ التلمود بصدى لهذا الصراع بمناسبة النعال: "علّمنا معلّمونا: في الماضي كان يضعون جلود حيوانات الذبائح في قاعة الفروة. وفي المساء، كانوا يقتسمونها بين رجال الفرقة الذين خدموا في ذاك النهار. ولكن أصحاب الأذرع القويّة كانوا يأخذون أكثر ممّا يحقّ لهم. فقرّروا بأن تكون القسمة ليلة كل سبت، ساعة يكون "حرّاس" الأسبوع حاضرين، وينالون حصصهم معًا. وهذا لم يمنع "العظام" بين الكهنة من أن يأخذوا بالقوة. عند ذاك بادر المالكون (حسب راشي: الكهنة. حسب آخرين: مقدّمو الذبائح) إلى تكريسها "للسماء" (تلمود بابل، فصحيم 57أ). إن سياسة التخويف هذه التي قامت بها عائلات عظماء الكهنة، قد أكّدها يوسيفوس، فروى في العاديات أن خدّام رئيس الكهنة سرقوا العشر المتوجّب للكهنة عن بيادر الفلاّحين (20: 181، 206ي).
وتحدّث المؤرّخون عن الخلافات بين رؤساء الكهنة الصادوقيين والمسؤولين الفريسيين. نقرأ في برايتا من تلمود بابل (يوما 71 أب) عن مواجهة بين عظيم كهنة من جهة، وشمعيا وأبطاليون من جهة ثانية. اختلف يوحانان بن زكاي عن سمعان ابن جملائيل الأول الذي كان من أجل التقارب، فكان مناوئًا كل المناوءة للصادوقيين. ويرون أن هذا العداء كان السبب في توقّف شعائر العبادة مع سقوط الهيكل. كان من الممكن أن تتواصل تلك الشعائر كما حدث بعد دمار الهيكل الأول سنة 587، وقبل بناء الهيكل الثاني.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM