الفصل الخامس الكهنوت في الحقبة السابقة

الفصل الخامس
الكهنوت في الحقبة السابقة للملكية

حين نعود إلى النصوص الأولى في التوراة، نكتشف محاولات عديدة تتحدّث عن الكهنوت والكهنة. في سفر التكوين مع ملكيصادق، في الخروج مع موسى، في سفر القضاة وكتاب صموئيل مع جماعة لاوي. كل هذا استعدادًا للكلام عن الكهنوت في زمن الملوك.
1 - المعابد
ارتبط الكهنوت بحراسة المعبد، وقد تعبّد الساميّون لمقامات حضر فيها الآلهة. ولكن يبقى علينا أن نعرف نوعيّة "البناء" الضروريّ لكي نستطيع أن نتكلّم حقًا عن الكهنوت. هناك من لا يرى عائلات كهنوتيّة (موظّفة) إلا في هيكل أو مذبح مرتبط بهيكل. فالهيكل بطبيعته يُعتبر موضع إقامة الله، وتُوضع فيه الأواني التي ترمز إلى حضور الله. ثم إن هذه المعابد لم تكن كثيرة. فإذا وضعنا دان جانبًا، فهي تتوزّع بين عراد وعفرة. ويجب أن نميّز المذبح المنعزل (لا يكون في الهيكل) الذي لا يُستعمل إلاّ للذبائح، والذي يستطيع أن يخدمه كل واحد في إسرائيل. فالمذابح كانت أكثر عددًا من الهياكل، وموزّعة في طول الأرض وعرضها. وارتبطت المشارف (باموت، الأماكن المشرفة، رؤوس التلال والجبال) بالمذابح لا بالهياكل. وأخيرًا، يجب أن لا نمزج بين الهياكل والنطاق العبادي.
وهناك رأي آخر يميّز بين المذبح المتنقّل الذي يُصنع من تراب، والمذبح المحفور في الصخر أو المبنيّ بناء محكمًا لكي يبقى ثابتًا. نقرأ مثلاً في خر 20: 24: "ابنوا لي مذبحًا من تراب، واذبحوا عليه محرقاتكم". ثم في آ 25: "وإن بنيتم لي مذبحًا من حجارة فلا تنحتوها". في الحالة الأولى، نحن في عالم البدو المتنقِّلين الذين "يهدمون" مذبحهم ساعة يرحلون. وفي الحالة الثانية، في عالم الحضر. فالبيوت ثابتة والمذبح كذلك. أما "باموت" فلا نستطيع أن نفصلها فصلاً تامًا عن الهياكل. كما لا نستطيع أن نعارض الهياكل بالنطاقات العباديّة التي لا سقف لها. كل هذا يدفعنا للعودة إلى التقاليد القديمة.
2 - تقاليد التكوين
تُستعمل لفظة "ك هـ ن" دومًا للكهنة الغرباء. فتدلّ على ملكيصادق، كاهن ايل عليون (تك 14: 19)، وعلى فوطيفارع، كاهن أون وحمي يوسف (تك 41: 45؛ 50؛ 46: 20)، وترد لفظة "ك هـ ن" ثلاث مرات أخرى لتتحدّث عن "أرض الكهنة" التي أعطاها الفرعون لبني يعقوب بقرار ملكي.
ما عرفت الحقبة الآبائيّة الكهنوت بمعنى طبقة من الخدّام المتخصّصين في شعائر العبادة. مثل هذا التخصيص يفترض تنظيمًا اجتماعيًا أكثر تطوّرًا. أما الآباء فقدّموا الذبائح بصفتهم رؤساء عائلات أو رؤساء بيوت، ونقلوا البركة من الآباء إلى البنين. في تك 22، نرى ابراهيم يقدّم ابنه اسحاق. وفي 31: 54 "ذبح يعقوب ذبيحة في الجبل". وفي 46: 1 ذبح يعقوب "ذبائح لإله أبيه اسحاق". أما على مستوى البركة، ففي تك 27 بارك اسحاق يعقوب. وفي 48: 15- 20، بارك يعقوب ابني يوسف. وفي 49: 1- 8، بارك بنيه.
ويشير التكوين إلى أماكن بُنيت فيها مذابح. في 12: 7- 8 نقرأ: "تراءى الرب لأبرام... فبنى هناك مذبحًا للرب". بناء المذبح في مكان يرتبط بحضور الله في هذا المكان. وفي 13: 18 بنى ابرام مذبحًا للرب قرب حبرون. وفي 26: 25 تراءى الرب لاسحاق في بئر سبع "فبنى مذبحًا ودعا باسم الربّ" وفي 33: 20 بنى يعقوب مذبحًا قرب شكيم شكرًا لله الذي أعاده سالمًا (رج 35: 7). نحن هنا أمام طريقة تعلن أن الآباء وضعوا يدهم على المعابد التي وُجدت قبلهم. وهناك نصّان يتضمّنان وجود معبد مع خدّامه. الأول، حيث راحت رفقا تسأل الله (25: 22). والثاني، بيت إيل، حيث وعد يعقوب بأن يدفع العشر "إن كان الله معي وحفظني في هذه الطريق التي أسلكها... كل ما يهبه لي أعطيه عشره". النصوص قليلة، وهي تحاول أن تركّز في تقاليد الآباء عادات جاءت فيما بعد.
والنصوص حول لاوي لا تتيح لنا أن نستنتج وجود مجموعة اللاويين المرتبطين بالعبادة. لاوي هو الابن الثالث لليئة في التقليد الكهنوتي (تك 35: 23) كما في التقليد القديم (29: 31-35). وهو يرتبط بشمعون المقيم في الجنوب. شاركا في "غزوة" في جوار شكيم (ف 34)، فكان العقاب لهما كبيرًا (49: 5- 7). ما العلاقة بين ف 34 وف 49؟ هناك خلاف على مستوى الدراسات. ويبدو أن اسمَي لاوي وشمعون أضيفا فيما بعد. وجاء من اعتبر أن اللاويين الذين ظلّوا على قيد الحياة (بعد العودة من مصر) امتدوا حتى قادش في منتصف القرن الرابع عشر وصاروا كهنة. عاشوا مسيرة الخروج والاحتلال في نهاية القرن الثالث عشر. ولكن تك 49: 5-7 يعكس ظروفًا لم تعد ظروف الآباء، بل بداية الملكيّة. إن المسألة اللاوية ستُطرح بطريقة أخرى في المراحل اللاحقة.
3 - الكهنوت في الحقبة الموسويّة
نبدأ فنطرح سؤالين. الأول: هل وُجدت طبقة من "المحترفين" شعائرَ العبادة في زمن موسى؟ الثاني: هل مارس موسى نشاطًا كهنوتيًا؟
السؤال الأول يتعلّق باللاويين الذين تبدو أصولهم غامضة: يرى البعض أن ادخال لاوي في لائحة "آباء" الأسباط الاثني عشر، جاء متأخّرًا. فالقول بقبيلة لاوي كقبيلة دنيويّة بين القبائل خدعة أدبيّة. فاللايون لا يتحدّدون بانتماء إلى قبيلة، بل بتخصّصون في شعائر العبادة وفي وضع قانوني أدنى. ونستطيع القول أيضًا إن هذه القبيلة تشتّتت على أثر حدث نجهله، وتخصّصت شيئًا فشيئًا في وظائف العبادة. لا شكّ في أنه كان هناك أكثر من نزول إلى مصر، كما كان أكثر من خروج. لهذا كان من الطبيعيّ أن يوجد لاويون في مصر وأن يكون بعضهم تسمّى باسم مصري.
في التقليد البيبلي، ارتبط موسى بلاوي (خر 2: 1). ولكن الشكوك تحوم حول هذه المعلومة، كما حول إقامة اللاويين في مصر. فالفجوات في وثائقنا تفتح الطريق أمام بعض الافتراضات. في أي حال، هناك رباط روحيّ بين موسى واللاويّين، هو الغيرة في عبادة يهوه. يرى الشرّاح في اللاويين أناسًا من "قبائل" مختلفة، تخلّصوا من الرباطات العائليّة وكوّنوا نخبة يوحّدها قسَمُ أمانة، بقيادة رئيس سياسيّ ودينيّ هو موسى. لا ننسى أهميّة تقاليد البرّية، واتصال مجموعة موس بمجموعات أخرى. فأحداث البريّة، ولاسيَّما أحداث قادش، طبعت بطابعها التوسّع اللاحق في الخدمة اليهويّة.
إذا كان موسى قد ارتبط باللاويين، فهل كان كاهنًا؟ هذا هو موضوع السؤال الثاني. حاول بعضهم أن يرى في لقاء موسى مع يترو مناسبة تنشئة كهنوتيّة. وظنّ آخرون أن موسى أخذ لقب كاهن دون أن يكون كذلك في الحقيقة، لأن لفظة "ك هـ ن" لم تكن موجودة في اللغة العبريّة الأولى. فلفظة لاوي هي التي استُعملت لدى العبرانيّين القدماء لتدلّ على خادم المعبد. ولكنّنا نحتاج إلى بعض التحفّظ. ارتبط موسى بالمعابد والعبادة (دوره كبير في الوحي، خر 33: 7- 11؛ عد 12: 4- 9)، ولكنّه يتجاوز جميع المقولات بما فيها المقولة الكهنوتيّة.
نجد نصوصًا عديدة لافتة، ولكنها لا تتضمّن القول بأن خدمة موسى كانت خدمة كهنوتيّة. فالحاشية حول سؤال الله في خر 18: 15 (يجيء إليّ الشعب ليعلموا إرادة الله)، تربطنا بالعالم النبويّ (د ر ش) أكثر منه بالعالم الكهنوتي (ش أ ل). والإشارتان إلى تعليم الفرائض والشرائع (خر 18: 16 ب- 20) تجعلاننا نفكّر في وظيفة كهنوتيّة على مستوى التعليم. ولكن يمكن أن تكونا أضيفتا فيما بعد. فلا ننسى أن مجمل خر 18: 13- 27 يدلّ على ظروف هي الظروف الملكيّة، ربّما خلال إصلاح القانون في أيام يوشافاط (873- 849 ق م). لهذا فهو لا يعطينا المعلومات الكثيرة حول الحقبة الموسويّة. وحسب خر 18: 12 (وقدّم يترو محرقة وذبائح لله)، لا نستطيع أن نكتشف الوجه "الكهنوتي" لموسى: نحن أمام احتفال بعهد يقطعه شخصان متساويان، على مثال ما في تك 31: 44- 45 (يعقوب ولابان). حين ربط تقليد خر 24: 3- 8 موسى بالمذبح والدم، قرَّبه من الوظائف الكهنوتيّة اللاحقة. رشّ موسى أيضًا، شأنه شأن الكهنة، الدمَ على الشعب. وهذا العمل هو احتفال بعهد يُقطع. وهكذا يبدو موسى هنا كرئيس مجموعة لا ككاهن. وفي التقليد الكهنوتّي، موسى هو الذي "يرسم" الكهنة (خر 38- 39؛ لا 8- 9). فيمارس كهنوته "مدّة أسبوع". وهكذا يقبل بعضهم أن موسى كان كاهنًا كما يصوّره التقليد العبريّ الاولاني. في أي حال، نبقى متحفّظين في استنتاجاتنا حول موسى والحقبة الموسويّة.
4 - كهنوت لا ئيش - دان
ما كان النظام الكهنوتي ثمرة ولادة تلقائيّة في زمن الملوك. فأخبار إقامة الشعب العبري في كنعان، تعطينا معلومات ضئيلة حول حياة المعابد وتنظيم كهنتها. ولكن ما نعرفه عن قبيلة دان يُفلت من القاعدة. بل إن النموذج الذي تقدّمه قد يصلح لجميع القبائل.
أ - خبر قبيلة دان
إن الأرض التي أعطيت في الأصل لأهل دان، كانت على حدود أرض يهوذا الذي استفاد فيما بعد من ذهابهم ليستعيد بعض مدنهم. نقابل لوائح يش 19: 40- 48 مع لوائح يش 15: 33 ي. عرف يهوذا في أرضه إقامات لاويّة يحدّدها بعضهم في مدينتي لبنة وحبرون، ويشير في الوقت عينه إلى عشائر المحليّين والموشيّين والقورحيّين (عد 26: 58 هي عشائر لاوية). وجدَ الدانيون صعوبةً في الإقامة (قض 1: 34: حاصر الاموريون بني دان في الجبل)، فهاجروا إلى الطرف الشمالي لفلسطين واحتلوا لشم (يش 9: 47). فتأثّروا بالصيدونيّين بحيث إن خدّام المعبد اللاوييّن أخذوا بلفظة "ك هـ ن" كما في العالم السامي الغربيّ.
نجد الخبر في ملحق لسفر القضاة (ف 17- 18). فهذا الملحق يؤمّن مع بداية 1صم، انتقالاً بين حقبة لم يكن فيها ملك (17: 6: في تلك الأيام لم يكن لاسرائيل ملك، 18: 1؛ 19: 1؛ 21: 25) والحقبة الملكيّة. تذكر هذه النصوصُ بعض المراكز الهامة. دان، بيت ايل، شيلو. وتفحّصُ المفردات يدلّ على أن لفظة "لاوي" لا ترد إلا في ملحق سفر القضاة (ف 17- 21): 17: 7، 9، 10 ،11، 12، 13؛ 18: 3- 15؛ 19: 1؛ 20: 4. ونجد لفظة "ك هـ ن" في خبر تأسيس معبد دان (قض 17- 18).
لا نستطيع أن نشكّ بقدم هذا التقليد. أما تدوين قض النهائي، فظلّ حذرًا من هذا المعبد الذي جُعل معبدًا ملكيًا في عهد يربعام الأول. ولكن رأيًا آخر اعتبر أن الحذر من هذا المعبد (الذي هو في الأصل معبدان) جاء من محيط يربعام الأول. إن الخبر الذي يتوسّع في ثلاث أقسام (17: 1-6؛ 17: 7- 13؛ 18: 1- 31)، يعالج ثلاثة مواضيع رئيسيّة: الأواني العباديّة، اللاوي، تأسيس معبد دان. تتداخل هذه المواضيع، ولكنّنا نستطيع أن نكتشف هنا أربع معطيات ثمينة من أجل تاريخ الكهنوت.
ب - تفضيل اللاوي
في حقبة القضاة، لم يُحصر حقّ الكهنوت في شخص أو عائلة، لأن ميخا استطاع أن يقيم أحد أبنائه لحراسة المعبد (17: 5). ولكن إن تقدّم لاوي، اعتبر ميخا أنها نعمة من الله أن يكون له هذا اللاويّ كاهنًا (17: 13). جاء اللاوي من بيت لحم في يهوذا حيث يعيش في وضع "ج ر" أي الغريب. وهذا يفترض أنه لا ينتمي إلى قبيلة يهوذا. إذا كان اللاويون استطاعوا أن يقيموا مع اللبنويّين والحبرونيين (عد 26: 58)، فهناك آخرون ما زالوا يبحثون عن موضع إقامة. فالقبيلة ككلّ لا أرض لها. وعلى اللاويين أن يعملوا لكي تقبلهم سائر القبائل في أحضانها. لهذا ظلّ وضعهم القانوني موقتًا ووضعهم الاجتماعي أيضًا. كل ما لهم أنهم يفضَّلون من أجل الوظائف العباديّة. فهم ينعمون بتعلّقهم باليهوية وبمشاركتهم في الخروج من مصر. لا شكّ في أننا لا نستطيع أن نوفّق بين معطيات قض 17: 7 التي تتحدّث عن لاوي في عشيرة يهوذا. لجأ الشرّاح إلى تشذيب النصوص وإلى النقد الأدبيّ تجاه هذه الصعوبة. فإذا جعلنا جانبًا وجود قبيلة دنيوية، هي قبيلة لاوي، يدلّ "لاوي" على وظيفة. عند ذاك نستطيع التحدّث عن قرابته بيهوذا. وهكذا نفهم أن يُقبل اللاوي في يهوذا كما لدى الدانييّن.
ج - اللاوي يتسلّم وظيفته
لن نجد في تلك الحقبة نصّ "رسامة" اللاوي. غير أن النصّ يتضمّن عدّة عبارات تدلّ كيف يصبح الواحد كاهنًا (17: 5؛ 17: 10، 12، 13؛ 18: 4- 9). العبارة الأولى التي استُعملت لابن ميخا كما للاوي هي "ملأ اليد" (17: 5، 12؛ رج خر 28: 41؛ 29: 9؛ لا 8: 33، يملأ يده بذبيحة تقدّم). هناك خلاف حول المعنى الأصلي للعبارة. ولكنها تدلّ في الواقع على إقامة الكاهن. ومهما يكن من مصير هذه العبارة في الاستعمالات اللاحقة التي ستصبح "مخصّصة"، فهي ترتبط بأجر يُعطى للكاهن (قض 17: 10؛ 18: 4). حين يتمّ الاتفاق يصير اللاوي كاهنًا للذي طلبه، سواء كان ميخا أو قبيلة دان. لا نجد عبارة "هـ ي ه. ل.ك هـ ن" (صار كاهنًا) إلاّ في هذا المقطع (17: 25، 10، 12، 13؛ 18: 4- 19). في 17: 10؛ 18: 19 يسبق لقب "الاب" لفظة "كاهن".وهكذا ارتبط الكاهن بمن "استأجره"، بالذي يؤمّن له الطعام لقاء خدماته. ويلفت نظرنا أن لقب "كاهن" في قض 18 يحلّ محلّ تسمية "لاوي" (11 مرة مقابل مرتين).
د - الكاهن حارس المعبد
ترتبط إقامة الكاهن بإقامة معبد. وقبل أن يملأ ميخا يد ابنه ويجعله كاهنًا، صنع له الأفود والترافيم. وهكذا يبدو الكاهن مرتبطًا بالأواني المقدّسة. حمل الدانيون الكاهن معهم، ولكن الكاهن هو الذي اهتمّ بالافود والترافيم والصنم (18: 20). ليس الأفود هنا لباسًا كهنوتيًا بل شيئًا عباديًا نستطيع أن نحمله (1صم 2: 28؛ 14: 3)، أو نمسكه باليد (1صم 23: 6)، أو نأتي به إلينا (1صم 23: 9؛ 30: 7). هو يُسلّم إلى الكهنة ويستعمَل في طلب قول إلهي. ففي قض 17- 18 و1صم 15: 13 وهو 3: 4، ارتبط الافود بالترافيم فاستعملا معًا من أجل العرافة.
النشاط الوحيد الذي قام به هذا اللاويّ هو الردّ على سؤال الدانيين حول نجاح محاولتهم (18: 5- 6). مثل هذه الاستشارة طلبًا للقول النبويّ، نجدها في بيت ايل حيث كان كهنوت يرتبط بهارون (قض 20: 26- 28). كما نجدها مرارًا في تقاليد سابقة للملكيّة (1صم 14: 37؛ 22: 10؛ 23: 2).ونجد تعبيرًا واضحًا عن الافود والترافيم والاستشارة في 1صم 30: 7- 8.
هـ - الكهنوت الموسوي في دان
يبقى علينا أن نتفحّص تقليدًا قديمًا نقرأه في قض 18: 30- 31، فنجد فيه أمورًا مفيدة. يقول لنا إن مؤسّس الكهنوت، يوناتان، يرتبط بموسى عبر جرشوم. نحن هنا في الجيل الثالث. يجب أن نقرأ في النص "موسى" بدلاً من "منسّى". أما يوناتان المذكور هنا فهو اسم اللاوي الشاب الذي تحدّث عنه الخبر السابق. فقد مارس أبناء يوناتان الكهنوت حتى المنفى، أي حوالي 723 أو 722. ويمكن أن تكون الحاشية الأخيرة التي تعارض صنم دان ببيت الله في شيلو، قد تضمّنت حكمًا من كاتب من الجنوب على هذا المعبد الذي أقيم في الشمال.
والتقليد القديم الذي نجد أثره في عد 26: 58، يجعل القورحيين بقرب الموشيين. وهناك من يرى في دان رئاسة كهنوت موسوي (أو موشي)، يساعده كهنة لاموشيّون هم أبناء قورح.
5 - كهنوت شيلو
نبدأ فنقول إن المصادر ليست متناسقة كل التناسق. فحسب نصوص يش، يتمّ توزيع الأراضي في شيلو حيث كانت خيمة الاجتماع. ألقوا القرعة أمام الربّ عند مدخل الخيمة وأعطيَ دورٌ مميّز لالعازر ويشوع ورؤساء البيوت (يش 18: 1- 10؛ 19: 51). وهناك أيضًا توزّعت المدن اللاوية (يش 2: 1). في شيلو التأمت جماعة بني اسرائيل حين انفصل عنهم رأوبين وجاد ونصف قبيلة منسّى. وسار وفد بقيادة فنحاس ابن العازر.
لا تتوافق بداية 1صم مع هذه المعطيات. فبدل خيمة الاجتماع، نجد هيكلاً يُشرف عليه كاهن اسمه عالي. وإن لم يكن لهذا المعبد أهميّة وطنيّة، فأهميّته تتعدّى نطاق القبيلة، لأن فيه تابوت عهد الله (1صم 3: 3).في شيلو نجد للمرّة الأولى عبارة "يهوه صباؤوت" التي تبقى أصولها غامضة. حين دوَّن الكاتب 1صم 1- 3، أدرج نشيد حنّة (2: 1- 10)، والقول النبويّ (2: 27-36)، ومزج تقاليد تتعلّق بطفولة صموئيل مع تقاليد تتحدّث عن شر ابني عالي، فكان له نصّ معبّر في التعارض بين الوجهين. فخبر ابني عالي يرتبط بخبر تابوت العهد الذي ما زال تحديده مثار جدال.
أ - عائلة عالي الكهنوتية
يظهر عالي فجأة في النصّ، ولا يُذكر نسبه ولا بداية خدمته. هو رئيس كهنة. وابناه كاهنان في هذا الكهنوت (1: 3). وحين يتحدّث النص عنه يُسبق لفظة "كاهن" بـ ال التعريف (هـ.ك هـ ن، 1: 9؛ 2: 11؛ رج 2: 12، ،14، 15). يستند انتماء بيت عالي إلى اللاويين، بشكل غير مباشر، إلى تأكيد يتحدّث عن إقامة أبيه في مصر (1صم 2: 27)، وإلى الصيغة المصريّة لاسم ابنيه. فمن المعقول أن يكون هذا البيت جزءًا من عشيرة موشيّة. حاول بعضهم أن يشرح الصراعات الطويلة بين العائلات الكهنوتيّة، فقدّم رأيًا يقول بأن كهنوتًا موشيًا ازدهر في معبدَي شيلو ودان، فتحالفوا مع كهنوت حليف من الموشيّين والقينيّين المقيمين في المعبدين المحليين في عراد وقادش، ضدّ كهنوت هارون في بيت إيل وأورشليم. هذا ما سنعود إليه فيما بعد. إن سلالة عالي لم تنطفئ بعد موت ولديه. فإن أحيّا الكاهن في زمن شاول، يتحدّر من عالي بواسطة فنحاس واحيطوب (1صم 14: 3- 18). أما أحيمالك، والد أبياتر، فهو أيضًا ابن أحيطوب (1صم 22: 9؛ 20). بعد ذلك، سيربط المؤرّخ أحيمالك بهارون عبر إيتامار (1 أخ 24: 3).في هذا المعبد، نجد مع الكاهن صبيًا (ن ع ر، 2: 13- 15). هو صموئيل الفتى الذي يخدم الرب بحضور الكاهن عالي (2: 11- 18؛ 3: 11). بما أنه يلبس أفود الكتان (2: 18)، ويقدم الذبائح (1صم 7: 9 ي؛ 16: 1- 5)، ويشارك في الولائم المقدسة (9: 13- 22)، وقد أعطاه المؤرّخ جدًا لاويًا (1 أخ 6: 18)، رأوا فيه الكاهن. هو لا ينال لقب كاهن سوى مرّة واحدة (مز 99: 6) حسب 1صم 1: 1- 2. إنه إفرامي المولد. وتشعّبُ التقاليد حول صموئيل لا تتيح لنا أن نحدّد موقعه بدقّة. في شيلو، يلعب دور خادم المعبد، بتصرّف الكهنة، وبالتالي بتصرّف الله. هناك من رأى فيه لاويًا بالتبنّي لا بالمولد.
ب - النشاطات الكهنوتيّة
حين نقرأ 1صم 1- 3 نستنتج ملاحظتين. الأولى (سلبيّة). لم يتحقّق الرباط بعد بين الكاهن والذبيحة. فالسياق هو سياق ذبيحة سنويّة (ز ب ح. هـ ي م ي م) وهذه الذبيحة العائليّة أو العشيرية (1صم 20: 6) لم ترتَّب في البنتاتوكس. وهناك طقوس عديدة تتمّ خلال الزيارة إلى المعبد: نصلي، نسجد أمام الرب، ننذر له نذرًا. ألقانة هو الذي يقدّم الذبيخة (1: 3، 4، 21؛ رج 1: 25) ويقسمها (1: 5- 6). أما 2: 27 (نصّ متأخّر) فهو أكثر وضوحًا. الملاحظة الثانية (إيجابية). الكاهن يحرس المعبد وبشكل خاص تابوت العهد. وابنا عالي يرافقان تابوت العهد في القتال (1صم 4: 4). الكاهن يستقبل الآتين إلى الله ليسألوه، أو ليقدّموا النذور. وهو ينقل أيضًا البركة (1صم 2: 20). أما الحاشية الغريبة التي تقول إن عالي قضى في اسرائيل أربعين سنة (4: 18 ب) فتُعتبر إضافة اشتراعيّة. ولكن تث 17: 8- 13 يقرّ بأن الكهنة اللاويين مارسوا وظيفة قضائيّة.
ج - دور كهنوت عالي
ما هو تأثير نظام مثل كهنوت عالي؟ في 1صم 1- 3، بدت الوظائف العبادية أكثر منها سياسيّة. فالكهنة يعيشون من ذبائح يقدمّها المؤمنون (2: 12- 17)، فيهتمّون بزيادة حصّتهم منها، أكثر من احتمالهم بلعب دور في المجتمع. وهكذا ضاعت سلطة عالي (2: 22- 25).
ومع ذلك، فقد كان لمعبد عالي شهرته. وحضور تابوت العهد فيه منحه نفوذًا في نظر القبائل. ارتبط بصموئيل وهو الشخص الرئيسيّ في هذه الحقبة التي رأت إقامَة الملكيّة. وسيحتلّ المتحدّرون من هذا الكهنوت مواقع هامة: أحيا في زمن شاول (1صم 14: 3). أحيمالك في نوب (1صم 21- 22). أما أبياتر فيلجأ إلى داود (20: 20). ونجد قرب يربعام الأول نبيّ شيلو (الشيلوني، 1مل 11: 27- 39؛ 14: 1- 18). وهكذا بدا كهنوت شيلو قوّة ضغط خلال الملكية الموحّدة (بين الشمال والجنوب).
خاتمة
في نهاية حقبة القضاة، هدّد الفلسطيون يومًا بعد يوم قبائل اسرائيل. وجاءت مغامرات تابوت العهد فقضت على معبد شيلو. تجاه هذه الضرورات الملحّة، تثبّت النظام الملكي بشكل تدريجيّ. ووجد تابوت العهد، مع تقاليد معبد شيلو، ملجأ في العاصمة الجديدة، أورشليم. وهكذا تحوّلت المؤسّسة الكهنوتيّة. كان الخبر في 1صم 1- 3 يعارض بين ابني عالي وبين صموئيل. والقول النبويّ في 2: 27- 63 (جاء متأخرًا) قابل بين كهنوت عالي وكاهن أمين (هو صموئيل). ما الذي يلقي الضوء على كل هذا؟ تاريخ الكهنوت في زمن الملوك.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM