تقديم

تقديم
حين كنت على مقاعد الدراسة. تعرّفت إلى كتاب فرنسي عنوانه: نظم العهد القديم ومؤسّساته. ومنذ ذلك الوقت، ومواضيعه تتحرّك فيّ: من عالم الكهنوت إلى عالم القدسيّات بما فيها من ذبائح ومحرقات. من الملكيّة وتطوّرها إلى الحياة الاجتماعيّة اليومية. من الحياة في زمن السلم إلى الحرب المقدّسة التي فُهمت فيما بعد أنها حرب من نوع آخر، أنها حربٌ، ساعةَ لم يعد الشعب يستطيع أن يقوم "بحرب تحرير". حرب على العالم الوثني وعلى أوثانه.
وها أنا أعود إلى هذه المواضيع بعد عقود من السنين. وأبدأ بالكتاب الأول في هذا الاتجاه: الكهنة والكهنوت في الكتاب المقدس. ولكنني ما توقّفت عند العهد القديم والعهد الجديد. بل توغّلت في عالم الشرق القديم، في الأدب الذي يقع بين العهد القديم والعهد الجديد والذي يُسمّى أدب البيهدين. بل رحت بعض الشيء إلى عالم أباء الكنيسة. فهم أقرب منا إلى هذا العالم الكتابيّ، وقد حاولوا أن يجعلوا من كتاباتهم امتدادًا لأسفار الكتاب المقدس.
وهكذا كان هذا الكتاب في سلسلة "محطات كتابيّة" في إطار نظم الكتاب المقدّس ومؤسّساته. وقد جاء في خمس محطات: الكهنوت في الحضارات الشرقيّة القديمة. الكهنوت في العهد القديم. الكهنوت في أدب ما بين العهدين. الكهنوت في العهد الجديد. الكهنوت عند آباء الكنيسة.
لسنا هنا أمام دراسة لاهوتيّة وروحيّة. بل دراسة علميّة ترجع إلى النصوص تتبحّر فيها. دراسة تنطلق من هذا الشرق الواسع فتتعرّف إلى غناه، وتغرز جذورها فيه لكي نفهم أن ما نعيشه اليوم من نظم يعود إلى زمن بعيد جدًا. لا شكّ في أن الكهنوت الذي تمارسه المسيحيّة اليوم يختلف عن كهنوت مصر أو بلاد الرافدين. ولكن المناخ الحضاريّ والديني يبقى هو هو مع دور الكاهن كوسيط بين الله والبشر في رفع الصلوات والتضرعات، في تقدمة القرابين، في إقامة صلة، في جمع شعب الله في يوم معيّن أو في عيد من الأعياد. وإلاّ يكون الشعب، كما يقول الكتاب، كخراف لا راعي لها.
هذا ما أردنا أن نقدّمه في هذا الكتاب الذي نريده بداية قد نتابعها نحن أو يتابعها غيرنا. والهدف منه ومن الكتب التي ستتبعه هو اكتشاف غنى الشرق القديم بشكل عام، والكتاب المقدس بشكل خاص. لا، لن نستطيع أن نبقى جاهلين لهذا التراث العريق الذي ما زلنا نغرف منه، بل ما زالت تغرف منه دياناتنا على اختلافها. فلا يبقى لنا سوى العودة إلى هذا العالم الكتابيّ، إلى ما قبله وإلى ما بعده، فنعرف أكثر، ونتصرّف أفضل، ونفكّر في مستقبل يصل بنا إلى ما يُسمّى اليوم "عولمة" دون أن ننسى جذورنا التي تغرز عميقًا في التاريخ.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM