خاتمة الرسالة إلى كولسي

خاتمة الرسالة إلى كولسي

رسالة تدلّ على الخبرة المسيحيّة، وهذه هي أصالتها. لا شكّ في أن هناك مواضيع جديدة لا نجدها في سائر الرسائل البولسيّة، لا شكّ في أن الهرطقة تدقّ على باب كنيسة كولسي. ولكن ما يهمّ القارئ بشكل مباشر ليس "الفلسفة". بل إن العودة إلى المسيح، منذ بداية الرسالة حتى الارشادات، وفي كل المحطات، هي موضوع تأمّلنا وتساؤلنا.
كان السؤال الأول حول استعمال كلمة "سرّ" (مستيريون) للدلالة على الانجيل (1: 24؛ 2: 5) مع التشديد على الظروف الزمانيّة والمكانيّة لكشفه، على مضمونه الكرستولوجيّ، على الأشخاص الذين وُجّه إليهم.
والسؤال الثاني يشير إلى تطور المقولات السوتيريولوجيّة (على مستوى الخلاص) والاسكاتولوجيّة (على مستوى النهاية): لقد مات (في الماضي) المعمَّدون. ولكنهم قاموا أيضًا مع المسيح منذ الآن. وهم منذ الآن قد نالوا كل ملء. فوضعُ المؤمنين ليس وضع النقص والانعدام، بل وضع الحياة في المسيح ومع المسيح. من هنا، ومن هنا فقط تأتي كرامتهم. ونقول الشيء عينه على المستوى الاكليزيولوجيّ (على مستوى الكنيسة): لماذا يعبّر عن هذه الوحدة الفريدة بين المؤمنين وربّهم بلفظتي الجسد والرأس؟
ويشدّد جسم كو على السرّ، مستيريون: أي إن المسيح وصل إلى الأمم ولبث لديهم لكي يمنحهم كنوز حكمته (1: 28). إن الطبيعة الكرستولوجيّة للسر، تتوافق مع تشديد الرسول على الكرستولوجيا. وتقدّم لنا كو مركّبات السرّ: هو من أجل الأمم، من أجل الوثنيين. أعطي لهم هم الذين دُعوا إلى الكرامة وإلى الملء المقدّم لمن ينال المعموديّة. والسرّ هو المسيح ينبوع الملء، لكل معمّد، ملء يجعل كل بحث عن رؤى أو ايحاءات (بالمشاركة في العبادة السماويّة) باطلاً وعديمَ الفائدة. وهو المسيح الذي به يصل تصرّف المؤمنين الخلقيّ إلى كماله.
وهكذا نصل إلى أولويّة المسيح وملء المسيح اللَذين يعطيان للمعمّدين: فما عليهم بعد أن يبحثوا عن وحي خارجي، ولا أن يُخطفوا إلى مقام سماويّ لينالوا أسرارًا تتيح لهم بأن يعرفوا المستقبل وينالوا الخلاص. ولا يحتاجون أيضًا إلى قوى سماويّة تفتح لهم السماء وتفسّر لهم إرادة الله وأسراره: فالمعمّدون قد انضموا إلى المسيح في قيامته، في حياته. فماذا يطلبون بعد ذلك؟
ولكن هذه "السيطرة" الكرستولوجيّة قد تطرح علينا أسئلة: أين هو مكان الروح القدس في الكنيسة وفي العالم؟ ثم حين نحدّد الكنيسة فقط بالنسبة إلى المسيح (الكنيسة هي جسد المسيح)، أما ننسى علاقتها بالله (هي شعب الله) وعلاقتها بالروح القدس (هيكل الروح)؟ أما ننسى علاقتها بالعالم؟ هنا نجيب أن كو لا تقدّم التعليم اللاهوتيّ كله، بل وجهة محدّدة تردّ على ضلال عرفته كنيسة كولسي. وهي إذ تشدّد على الكرستولوجيا، تهتّم فقط بتثبيت جذريّة وساطة المسيح التي لا وساطة غيرها.
ويبقى سؤال أخير: لماذا لا تُذكر في كو وساطة الملائكة، على أنها تهديد لوساطة المسيح وبالتالي للملء الذي يُعطى للمعمّدين؟ في الواقع، ما تواجهه كو ليس وساطة الملائكة، بل علاقة سيادتهم ووضعهم بيسوع المسيح الذي تشدّد الرسالة على وساطته في الخلق وأولويته. إذا كانت كو 1: 16 (رج 2: 10، 15؛ رج 1: 13: سلطة الظلمة) تسمّي الكائنات السماويّة باسم وظيفتهم والسلطة التي يمثّلون (عروش، سيادات...)، فليس هذا من قبيل الصدف. فلا يمكن أن يكونوا مزاحمين للابن. فرغم كمالهم ووضعهم ككائنات غير منظورة، لا يشاركون في خلق الكون. فهم قد خُلقوا في الابن، وبالابن، وللابن.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM