الفصل الثاني عشر النصائح الختاميّة والتحية الاخيرة

الفصل الثاني عشر
النصائح الختاميّة والتحية الاخيرة
4: 2- 18

في هذا الفصل نتوقّف عند قطعتين: النصائح الختاميّة (4: 2- 6) ثم التحيّة الأخيرة (4: 7- 18).

1- النصائح الختاميّة (4: 2- 6)
أ- التأليف
قدّم الرسول نصائحه إلى أفراد الاسرة. فاستعاد نماذج من العالم القديم وطبعها بالطابع الانجيلي. لهذا، فهو يستطيع الآن أن يختتم تحريضاته، بل الرسالة كلها.
إن آ 2- 6 هي في الواقع نصائح ختاميّة، لأنها تستعيد المواضع الكبرى في الرسالة. وفي الوقت عينه تفتح المعمّدين على العالم، على الذين ليسوا من الكنيسة، على الذين يسميّهم الرسول "في الخارج". إقفال (آ 2- 4) وفتح (آ 5- 6). وهكذا تختتم هذه القطعة قسم التحريضات ومختلف المواضيع التي توسّعت فيها البراهين.
كيف نكتشف هذه الاستعادة؟ (1) بفضل الصلاة المتواصلة وفعل الشكر، وهذا ما يعود بنا إلى القسم التحريضي (ف 3). (2) بفضل الإشارة إلى القيود واعلان "السرّ" كصدى لما في 1: 24- 2: 5. (3) وعبارة "كما يجب عليّ أن انطق به" تلّمح إلى ضرورة تفرض على الرسول أن يبشّر بالمسيح بدون مساومة مع الضلال (تلميح إلى 2: 6- 23). هكذا على مستوى اقفال الموضوع (آ 2- 4). أما على مستوى الفتح (آ 5- 6) فهو فرض نفسه، لان الرسول يدعو قرّاءه لكي يكونوا في العالم: لا شيء يدفعهم إلى أن يخافوا أو يهربوا من الذين في الخارج. بل عليهم أن يمارسوا اللطف والتمييز. وهكذا تجد الأقسامُ الثلاثة (1: 24- 2: 5؛ 2: 6- 23؛ 3: 1- 4: 1) في الرسالة (مع البراهين التي قدّمت) خاتمةً قصيرة وإيجابية.
ب- التأويل
أولاً: واظبوا على الصلاة (آ 2)
يُدعى المؤمنون إلى المواظبة على الصلاة. هذا يعني أنهم يصلّون من قبل. وأن الصلاة مهمّة في حياتهم. وما يُطلب منهم الآن، هو أن لا يتركوا الصلاة، بل يتمسّكوا بها بقوّة، لانها أداة السهر (ساهرين، اسم الفاعل)، بمعنى أنها تتيح للمعمّد بأن لا ينسى الله الذي منه كل عطيّة.
صلاة (فعل) الشكر هي هذا الموضع الذي فيه تجد حياة المؤمن موضعها لأن بها وفيها تُذكر العطايا والعاطي من أجل فعل اعتراف ونشيد.
ثانيًا: صلّوا لأجلنا خصوصًا (آ 3- 4)
إذا كانت الصلاة (بروسوخي) في آ 2 قد صارت فعل شكر، فهي تترافق هنا مع التشفّع (صلّوا من أجل فلان لكي). نذكر في هذا المجال تماسك لغة كو التي سارت في الخطّ عينه منذ سطورها الأولى: في 1: 3 وجدنا صلاة كلها فعل شكر من أجل ثمار الانجيل. وتواصلت هذه الصلاة في آ 9 بتشفّع لكي تصل هذه الثمار إلى كمالها. هنا، لم يعد على بولس أن يصلّي لأجل الكولسيين، بل عليهم هم أن يسيروا المسيرة عينها: ينتقلون من فعل الشكر إلى التشفّع (والتوسّل) من أجل الرسول. لا يطلب منهم بولس أن يصلّوا من أجل صحّته. فموضوع صلاة المؤمنين هو الجوهر، هو رسالته في خدمة الانجيل. "ليفتح لنا الله بابًا للكلمة".
إن صورة الباب المفتوح (بيد الله) التي استعملت مرتين في الرسائل الكبرى (1 كور 16: 9؛ 2 كور 2: 12؛ رج أع 14: 27؛ رؤ 3: 8)، تدلّ على أن حقل التبشير بالانجيل يرتبط، في نظر بولس، بالله وحده: ليس الرسول هو الذي يقرّر الأمكنة والأزمنة. ما هو إلاّ أداة إرادة الله التي تشاء أن ينتشر "السر" (مستيريون). لهذا، كان لصلاة المؤمنين دور تلعبه: فهم حين قبلوا انجيل السرّ (1: 26؛ 2: 2)، عرفوا الله ومقاصده من أجل البشريّة، وبركاته، وعرفوا أن طلبهم إلى الله سيكون انتشار هذا الانجيل. بل إن هذه الصلاة جوهريّة، لأنها تُدخل الرسول والمؤمنين في طرق الله الذي أراد أن يعرّف سرّه بواسطة بولس. ويبدو أن الله يتركه الآن بحيث لا يستطيع أن يحقّق هذا التبشير بسبب سجنه.
على المستوى النصوصيّ، نستطيع أن نقرأ نهاية آ 3 بطريقتين. إمّا كجملة مستقلة تبدأ مع "ديو" لذلك. وإمّا كجملة موصولية مع "دي هو" (الذي بسببه). نحن هنا أمام ثلاثة خيارات: "على الكولسيين أن يصلّوا لكي يفتح الله بابًا لكلمتنا، لكرازتنا" (1) "(كرازة من أجل) إعلان سرّ المسيح. بسببه (أي بسبب السرّ) أنا في القيود، لكي أبيّنه كما يجب عليّ أن أقوله": إن قيود بولس تشكّل قاطعة. ولكن الخاتمة التي تلي ترتبط بالجملة الغائية الأولى، أو ترتبط، شأنها شأن الجملة الغائية هذه، بصلاة الكولسيين. (2) "(كرازة من أجل) إعلان سرّ المسيح. فإليكم لماذا (ديو كاي) سُجنتُ: لكي أبيّنه كما يجب عليّ أن أقوله": كما في الحلّ السابق، تتوازى الجملة الغائيّة الثانية مع الجملة الغائية الأولى. ولا يتبدل سوى طريقة فهم "ديو" (لذلك) و"دي هو" (الذي بسببه). (3) "كرازة (لكي أعلن سرّ المسيح. فبسببه أنا في القيود لكي أبيّنه كما يجب أن أقوله": إن الغائيّة الأخيرة ترتبط بالجملة التي تتحدّث عن السجن الذي لم يعد عائقًا لنشر السرّ بل وسيلة ضروريّة لإعلانه الاعلان الوافي.
ماذا نختار؟ تبدو القراءة الأولى أقرب إلى السياق: ما يرغب فيه بولس، وما لأجله يجب على الكولسيّين أن يصلّوا، هو أن يُفتح باب لكرازته (أغلق الباب ظاهريًا حين وُضع في السجن)، لكي يستطيع أن يعرّف السرّ كما يجب عليه أن ينطق به.
ونجد صعوبات عديدة في آ 4. (1) يلاحظ الشرّاح أن بولس لا يقول في أي مكان آخر إنه "يكشف، يعلن (فنارون) السرّ" (هناك الانجيل، الكلمة، المسيح. والفعل: تكلّم، أنجل، كرز، بشّر). لا شكّ في ذلك. ولكننا في خطّ البرهان الذي بحسبه (1: 26) خفي السرُّ على جميع الدهور السابقة، وأعلن للمؤمنين. إن المجهول اللاهوتي في 1: 26 (أعلن، هل أعلنه الله؟) يجد مناديًا بشريًا به في 4: 4: بواسطة بولس، أراد الله حتى الآن أن يعلن السرّ، ولكي يستطيع أن يواصل إعلانه (في كل مكان وللجميع، رج 1: 27)، يجب على الكولسيين أن يصلّوا. (2) وزاد بولس: "كما ينبغي، يجب (داي) أن أتكلّم عنه". كما ينبغي أن أنطق به. هل يعني هذا فقط: "مع الكلمات التي تليق" بمثل هذا الموضوع؟ أما يلّمح هذا الرسول بالأحرى إلى قيوده (سيُعلن السرّ بهذه الوسيلة، إن شاء الله) في خطّ التفسير الثالث الذي ذُكر أعلاه؟ أو هل يلّمح إلى جميع الظروف التي يجب أن يخضع لها الرسول لكي يعلن الانجيل (رج 1 كور 9: 15- 23)؟ لا نستطيع أن نختار، بل نحافظ على ما في أسلوب الرسول من تلميح.
ثالثًا: انفتاح على "الذين في الخارج" (آ 5- 6)
أقفل الكاتب مواضيع الرسالة، وها هو يفتح المؤمنين على العالم الذي يعيشون فيه. ما هي علاقاتهم مع الوثنين الذي يقيمون معهم في ذات المدينة؟ لا يطلب منهم بولس أن يعتزلوا العالم ولا أن يهربوا من اللامسيحيين، بل أن يتصرّفوا "بحكمة" تجاههم: "أسلكوا بحكمة تجاه الذين في الخارج، عارفين أن تستغلّوا الظرف" (أو: الوقت الحاضر، المناسب، كايروس). فالحكمة التي يتكلّم عنها الرسول ليست فقط حنكة بشريّة في علاقاتنا مع الذين لا يقاسموننا أراءنا السياسيّة والدينيّة. بل هي نعمة نتقبّلها. هي نتيجة الحياة مع المسيح. نتيجة الملء الذي تقبلناه فيه "هو الذي فيه كل كنوز الحكمة" (2: 3): نتقبّل هذه النعمة لنعرف كيف نشهد لهذا الملء الذي نلناه.
كيف نفسّر الجملة الاسمفاعليّة "تون كايرون إكساغورازومانوي"؟ كدعوة لكي نستغلّ كل مناسبة تعرض لنا (في علاقاتنا مع الذين في الخارج)؟ أو في خطّ العالم الجلياني. كدعوة لاستغلال "الزمن الذي هو زمن النهايّة"، والزمن الملحّ حيث يجب أن لا يتأخّر شيء، حتّى العلاقة مع الذين "في الخارج"؟ هناك عدد كبير من الشرّاح يعتبر العبارة مقولبة (يستغلّ كل الظرف لكي). ولكن في هذه الحال يغيب ألـ التعريف (كايرون بدون تون). رج غل 6: 10. أما الذين يفسّرون العبارة على المستوى الاسكاتولوجيّ، فهم يستندون إلى أف 5: 16 حيث الألفاظ هي هي. وهكذا يمكننا أن نأخذ التفسير المعروف: استغلّوا كل ظرف. أو التفسير الاسكاتولوجيّ.
ويضيف الكاتب: "ليكن كلامكم (لوغوس) أيضًا على الدوام، مصلحًا بملح، لكي تعلموا كيف تجاوبون كل أحد كما ينبغي". نحن هنا أمام خاتمة عرفتها سائر الرسائل والأدب المعاصر.
ج- نظرة عامة
* توجّه بولس من جديد إلى جميع أعضاء الكنيسة ليوصيهم بالمواظبة على الصلاة (آ 2). فالملل يترقبّهم. أو لأن حرارة الصلاة تصبح فاترة. أو لأن الاستجابة تتأخّر. ومع ذلك، فبالصلاة وحدها يستطيعون أن يظلّوا ساهرين. وهي صلاة يبقى فعلُ الشكر شكلها الأول.
وطالب بولس بمكانة له في هذه الصلاة، كحامل الانجيل (آ 3): فالكولسيون يسألون الله بأن يفتح له باب الكلمة. أي يعطيه إمكانيّة ممارسة رسالته. فالكلمة تقدّم هنا كما في 1: 25- 26؛ 2: 2- 3، كـ "سرّ المسيح". وبولس السجين (آ 4) ينتظر من الله الامكانيّة بأن يعرّف به كما يجب.
* ويعود بولس إلى الكولسيين داعيًا إياهم لكي يسلكوا بحكمة مع الذين في الخارج (آ 5)، ولكي يستغلوا المناسبة بالنظر إلى زمن النهاية. فالمؤمنون هم على اتصال دائم مع اللامؤمنين من يهود ووثنيّين، أكانت استعداداتهم طيّبة أم لا. فعليهم أن يدلّوا على حكمتهم، وأن يعرفوا استغلال الوقت المناسب للشهادة للمسيح والتعريف به.
وليتكلّموا دومًا بلطف، ويتجنّبوا كل ما من شأنه أن يصدم الآخرين بدون فائدة. وليتلفّظوا بكلمات "مصلحة بالملح"، أي بعيدة عن كل تفاهة، كلمات تأتي في محلّها، بحيث يسمعها الناس بفرح داخليّ.

2- التحيّة الأخيرة (4: 7- 18)
نتوقّف أولاً عند الممثّلين العاملين (آ 7- 9). عند سلامات مشاركيه في العمل (آ 10- 14). عند سلاماته الخاصة (آ 15- 18) مع التوقيع.
أ- الممثلون العاملون (آ 7- 9)
ونبدأ مع إرسال تيخكس وأونسيمس. ويبدو النصّ بشكل دائري:
أ: آ 17 أ: "أما عن أحوالي كلها فسيخبركم تيخيكس
ب: آ 7 ب: "الأخ الحبيب، والمساعد الأمين، ورفيقي في الخدمة
ج: آ 8: أرسلته لكي تعلموا... ولكي يعزّيكم
ب ب: آ 19 أ: مع أونسيمس، الأخ الأمين والحبيب
أ أ: آ 9 ب: هما يخبرانكم بجميع ما وقع هنا".
لا حديث عن بولس، بل عن معاونيه اللذين سينقلان بشكل شفهي الأخبار التي تخصّ بولس. تجاه هذا، نجد حديثًا عن صفاتهما وامكانياتهما.
ذُكر تيخيكس في أف 6: 21- 22 لأنه قد يكون حمل الرسالتين معًا، والرسائل الرعائيّة تجعل منه رسول بولس (2 تم 4: 12؛ تي 3: 12). وحسب أع 20: 4، هو مع تروفيمس المذكور أيضًا في 2 تم 4: 20. كان تيخيكس هذا من مقاطعة آسية بعاصمتها أفسس. وقد رافق بولس من ترواس إلى أورشليم. هذا يعني أنه كان معروفًا في جماعات آسية كمعاون أمين للرسول، كشخص حاز ثقته لينقل الأحبار والتوجيهات، ليقرأ الرسالة التي يحملها ويشرحها.
هو "الأخ" (أدلفوس). وهكذا نكون على مستوى الأخوّة في الايمان. هو الحبيب (اغابيتوس) وهذا ما يدلّ على عاطفة الرسول تجاهه. والخادم الذي يحمل مسؤوليّة، شأنه شأن الرسول. الأمين (بستوس) الذي هو أهل للثقة، والذي ظلّ ثابتًا فلم يتبدّل. وخادم مشارك (سيندولوس، عبد مع). جعله الرسول على قدم المساوة في هذه الخدمة التي يقوم بها كعبد يسوع المسيح. كل هذا يدلّ على صفات تيخيكس على كل المستويات لدى قرّاء الرسالة.
على تيخيكس وأونسيمس أن ينقلاً الرسالة. وعليهما أيضًا أن يحملاً أخبار الرسول. ما أراد بولس أن يتكلّم عن وضعه الذي لا مخرج منه، لئلاّ يضع الاضطراب في جماعات آسية: ماذا سيصير بنا. لهذا كانت تعزية الكنائس أفضل الكلمات: "يطلعكم على أحوالنا ويعزّي قلوبكم".
ب- سلامات من معاوني بولس (10- 14)
بعد أن وصف بولس حاملَي الرسالة، واصل كلامه في سلسلة سلامات: من معاونيه ثم منه هو. إن السلامات من معاونيه هي بالأحرى جملة مدائح: هي لا تتكلّم عن القرّاء (الذين معي يسلّمون على هذا الأخ أو ذاك) بقدر ما تتكلّم عن المعاونين لتصف عملهم في خدمة الكنائس.
هذه الوحدة الأدبيّة الصغيرة (آ 10- 14) تقسم بدورها إلى ثلاث وحدات، بحسب أصل المعاونين. وكل وحدة تبدأ بفعل "سلّم" (اسبازاتاي) في صيغة الغائب الحاضر.
* في آ 10- 11: أرسترخس (فلم 24؛ أع 19: 29؛ 20: 4). هو رفيق بولس في الأسر. أما في فلم فابفراس هو رفيق الأسر. مرقس لا يعرفه الكولسيون. لهذا احتاج إلى رسالة توصية لكي يستقبلوه. هو نسيب برنابا الذي يعرفه الكولسيون، بل جميع المعمّدين (رج غل 2؛ 1 كور 9: 6؛ أع 4: 36؛ 9: 27؛ 11: 22؛ 11: 30؛ 12: 25؛ 13: 1، 2، 7، 43، 46، 50؛ 15: 2، 12، 22، 25، 35، 36، 37، 39. يُذكر مرقس بدون برنابا في فلم 24؛ 2 تم 4: 11). ويسوع المسمّى يوستوس أي البار. لا يرد هذا الاسم في أي موضع آخر من العهد الجديد. هؤلاء الثلاثة هم من أصل يهوديّ. وقد استفاد بولس من الظرف ليدلّ على أمانتهم. فنادرون هم اليهود المعمّدون الذين عاونوا بولس باستمرار في تبشير الوثنيين، بحيث ما استطاع أن يذكر سوى ثلاثة أسماء. هذه اللائحة القصيرة تعطينا فكرة عن الصعوبات التي لاقاها بولس حتّى لدى مسيحيّين من أصل يهوديّ.
* في آ 12- 13 يُذكر ابفراس. أصله من كولسي. صفته: عبد للمسيح يسوع، على مثال بولس في فل 1: 1. في بداية الرسالة (1: 17)، امتدحه الكاتب وأشار إلى دوره في التبشير بالانجيل وفي التعليم. أما الآن، فهو يتحدّث عن صلاة التوسل التي يرفعها من أجل الذين في كنيسته. وهكذا يدلّ الكاتب بشكل ضمنيّ على المستوى الروحي لابفراس: ففي التقليد اليهوديّ والمسيحيّ، كان الجميع يعرفون أن صلاة الأبرار قديرة على قلب الله (تك 18: ابراهيم؛ خر 32: موسى؛ وص رأوبين 1: 7، يعقوب لرأوبين... 2 مك 15: 14). وهكذا تلتقي صلاة ابفراس مع صلاة بولس في 1: 9 لكي يعرف المؤمنون في كولسي كل المعرفة مشيئة الله، ولكي يوافقوا عليها كل الموافقة.
* في آ 14، لوقا وديماس. لا يُذكر أصلهما لأنهما معروفان لدى القرّاء. يقال عن لوقا إنه "اغابيتوس" أي محبوب، ويقال إنه طبيب. وهكذا، ذكر بولس عمل كل واحد، فدلّ على تواصل بين الأجيال، بين ما فعله بولس ثم ما فعله معاونوه الذين يُطلب منهم أن يسهروا على "حقيقة الانجيل".
ج- سلامات من بولس نفسه (آ 15- 18)
إن السلامات الشخصيّة التى يرسلها بولس إلى كنائس المنطقة، تعطينا معلومات عن الجماعات المحليّة، وعن الطريقة التي بها كانت تنتشر الكتابات الرسوليّة.
إن آ 15 أ (سلّموا على الإخوة الذين في لاودكية) تفترض أن كنيسة كولسي كانت على علاقة مع كنيسة لاودكية، فترسل الواحدة أخبارها إلى الأخرى، إن لم يكن بشكل منتظم فأقله بشكل متقطّع.
في آ 15 ب، هناك من يرى في الشخص المذكور رجلاً (نمفاس)، وهناك من يرى فيه امرأة (نمفا). قد تكون نمفا أرملة غنية. امتلكت بيتًا واسعًا بحيث تلتئم فيه الجماعة المحليّة للاحتفال بعشاء الرب وسائر الأعياد الليتورجيّة. وسواء كان الشخص ذكرًا أو أنثى، فالاجتماع الذي يتمّ عنده لا يفترض أن ربّ البيت هو "رئيس" الكنيسة. هو شخص له تأثيره وامكانيّاته لكي يجمع الكنيسة أو جزءًا من الكنيسة في داره.
وتعلّمنا آ 16 بالطريقة التي كانت تُقرأ فيها رسائل بولس، وتنتقل من كنيسة إلى كنيسة. أن تقرأ الرسالة التي أرسلت إلى كولسي في لاودكية، والعكس بالعكس، يثبت ما قلناه على أن بولس لا يتوقّف عند ظروف محدّدة في مكان معيّن، بل يوسّع أفق كلامه لينطبق على كنائس أخرى. إن لم يقل بولس شيئًا عن طريقة القراءة، فلأنها كانت معروفة: قراءة علنيّة أو تلاوة جمهورية: يجتمع المؤمنون حول الذي حمل الرسالة (هنا تيخيكس وأونسيمس) وقد يكون شارك في تدوينها بشكل مباشر أو غير مباشر.
"الخدمة" (دياكونيا) التي تسلّمها أرخبّس والتي يجب أن يسهر لكي يقوم بها (17)، ليست محدّدة. والسبب هو ما قلناه قبل ذلك: لا يريد بولس أن يشدّد على نوعيّة الخدمة التي تسلّمها أرخبس. لا يهمّ أن تكون هذه الخدمة جوهريّة في حياة الكنيسة أو متواضعة. المهمّ العناية التي بها تتمّ هذه الخدمة، شأنها شأن سائر الخدم في الكنيسة.
ونقرأ في آ 18: "سلامي بيدي أنا بولس". رج 1 كور 16: 21. هل أراد بولس أن يؤكّد على صحّة المقال؟ ولكن لائحة السلامات التي تسبق (آ 10- 17) تجعلنا في خط 1 كور 16: 21. فالسلام الأخير في 1 كور لا يتوخّى أن يدلّ على صحّة الرسالة، بل أن يُعطي عاطفة محبّة بعد رسالة قاسية في بعض أقسامها. أما في كو حيث اللهجة تجاه القرّاء ظلّت حارّة، فهذا "التوقيع" يدلّ على رغبة في حضور شخصي ومحبّ (لجماعة لم تره أبدًا). وفي فلم 9، لعب التوقيع وظيفة أخرى: الاعتراف بدين من بولس إلى فيلمون، لا التأكيد على صدق الرسالة.
"أذكروا قيودي". هل يريد بولس الرسول أن يدلّ على أن سجنه هو نتيجة حبّه وجهاده من أجلهم؟ أو هل يطلب منهم أن لا ينسوا جهاده وأن يؤدّوا الشكر عن كل ما تسلّموه بواسطته؟ أو هل يقول لهم بأن يثبتوا في الايمان كما ثبت هو؟ لا نستبعد واحدة من هذه الفرضيات الثلاث. ولكن قرب التوقيع (أنا بولس أفكّر فيكم) من الطلب (لا تنسوا بولس السجين من أجلكم)، يُبرز صورةَ بولس الحاضر دائمًا وإن كان غائبًا. صورة موت مقبل أو قد يكون حصل.
"النعمة معكم". أقصر عبارة ختاميّة في المجموعة البولسيّة. هنا نتذكّر جواب الله على توسّلات الرسول: "تكفيك نعمتي" (2 كور 12: 9). فماذا يستطيع الرسول أن يتمنّى أفضل من ذلك لجماعة تعيش مواهب الروح لكي تشهد لها؟
د- نظرة عامة (4: 7- 18)
* أعلن بولس للكولسيين أنه يرسل تيخيكس ويحمّله جميع الأخبار التي تعنيه. هو أخ ارتبط به بأوثق الرباطات، فكان جديرًا بكل ثقة (آ 7). ويشدّد بولس على هدف رسالة تيخيكس (آ 8): أن يُعلم الكولسيين بأحواله، ويشجّعهم لكي يثبتوا في الايمان (2: 2). فتيخيكس حامل الرسالة، يرافقه أونسيمس المسمّى هو أيضًا الأخ الأمين الحبيب (آ 9)، لكي تستقبل الكنيسة أفضل استقبال هذا العبد الذي كان في كولسي والذي فرّ من خدمة سيّده فيلمون. لا يضيف بولس شيئًا على ذلك، تاركًا لفيلمون (الذي كتب له رسالة خاصة) الاهتمام بعودة العبد إلى البيت وإلى الجماعة.
* في آ 10، نقل بولس أولاً إلى التسالونيكيّين سلامات بعض الإخوة الذين يقيمون في محيطه. ارسترخس، رفيق السلاح، بل رفيق السجن لهذا القائد المنتصر الذي هو يسوع المسيح. ومرقس، نسيب برنابا، يحيّي كنيسة كولسي، وقد تسلّم رسالة توصية من بولس لكي تستقبله الجماعة. ويُذكر في آ 11 يسوع (يوستوس). ثلاثة من اليهود الذين صاروا مسيحيّين وعاونوا بولس في الكرازة بالانجيل، "في أمر ملكوت الله". هذا ما يدلّ على شجاعتهم تجاه بغض اليهود لبولس وقد لاحقوه من مكان إلى مكان.
* وبعد سلام الإخوة الثلاثة الغريبين عن كنيسة كولسي، ينقل بولس سلام ابفراس الذي هو واحد منهم. إنه عبد يسوع المسيح. وهو في غيابه ما زال يعمل من أجل الكنيسة البعيدة بالصلاة التي لها يتكرّس بكل قواه، كمقاتل في الحرب (آ 12). وهدفه أن يراها كاملة تامة في كل ما يريده الله منها ولها. ويشهد بولس شخصيًا لاهتمام ابفراس بالإخوة الذين في كولسي، كما في لاودكية وهيرابوليس. ويأتي سلام لوقا وديماس (آ 14). وبعد أن نقل بولس سلامات مشاركيه، ها هو يطلب من الكولسيين أن يسلّموا على الإخوة الذين في لاودكية (آ 15)، وأن ينقلوا إليهم هذه الرسالة. وهكذا تظهر العلاقة المتينة بين الكنيستين. وذكر الرسول ارخبّس وخدمته التي تدلّ على كل خدمة في الكنيسة.
وتنتهي الرسالة بالتوقيع كما في 1 كور 16: 21؛ غل 6: 11؛ 2 تس 3: 17. إن بولس هو في القيود، فهل يزيد الكولسيون على قيوده قيودًا بسبب الهموم التي يحمّلونه إياها. أم يثلجون صدره وهو بعيد في سجنه برومة. من أجل هذا يقول لهم: "النعمة معكم". هي نعمة ربنا يسوع المسيح. هي المحبّة المجانيّة التي بها تتصالح الكنيسة مع ربّها فيكون بولس من بعيد شاهدًا لهذه المصالحة، ومتعزيًا في هذه النعمة لا من أجل كنيسة كولسي وحسب، بل كنيسة لاودكية وهيرابوليس، بل أفسس عاصمة آسية كلها.

خاتمة
جاءت هذه الأخبار قريبة ممّا نقرأ في الرسالة إلى فيلمون، فحدّثتنا عن وضع بولس والذين يحيطون به. كما بيّنت لنا التقارب بين كو وفلم. وعادت الرسالة إلى الصلاة كما بدأت. وانتهت فحدّثتنا عن العلاقات بين الكنائس المختلفة (كولسي، لاودكية، هيرابوليس) داخل الكنيسة الواحدة التي أحبّها المسيح وضحّى بذاته من أجلها.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM