الفصل الحادي عشر علاقات جديدة بين المؤمنين.

الفصل الحادي عشر
علاقات جديدة بين المؤمنين
3: 18- 4: 1

ما زلنا في إطار التصرّف الخلقي لدى المؤمنين. بعد فصل أوّل حمل الارشادات العامة، وفصل ثان حول الانسان العتيق والانسان الجديد، نصل إلى نصائح يقدّمها الرسول من أجل الحياة العائليّة: بين الرجال والنساء، بين الوالدين والأولاد، بين العبيد والسادة. بعد التأليف والتفسير، نقدّم نظرة عامة حول فكر معاصر عرفه العالم اليهوديّ والعالم اليونانيّ في القرن الأول المسيحيّ.

1- التأليف
أ- يبدو تأليف هذا الفصل واضحًا: هناك أزواج من الفئات، وفي كل مرّة يبدأ الكاتب من القطب الاجتماعيّ الأضعف: من النساء إلى الرجال (آ 19- 20). من الاولاد إلى الوالدين (آ 20- 21). من العبيد إلى الأسياد (3: 22- 4: 1).
هذه الوحدة تنتمي إلى التحريضات الايجابيّة التي تلي آ 9- 11 ب، وتصوّر تصرّف العمدين تجاه إخوتهم في الايمان. إنها تبدو كجسم غريب في كو على مستوى الألفاظ كما على مستوى تقديم البراهين.
إن الشرعة العائلية تنتمي إلى عالم خلقيّ يعود إلى أرسطو. ونجدها أيضًا في لوائح واجبات الانسان في الاطار الرواقيّ. استعاد الرسول أمورًا تقليديّة وجدها في الكنائس وفي المجتمع وشدّد على بواعثها: خضعت شرعة العائلة في العالم الوثني لأسباب اقتصاديّة وسياسيّة (النظام في العيلة هو شرط حياة متناسقة في المدينة). أما في العهد الجديد، فهي لاهوتيّة. وفي كو، هي بشكل خاص كرستولوجيّة.
ب- وتُطرح اسئلة على مستوى هذه الشرعة في كل الرسائل البولسيّة. (1) هل نرى فيها (مع بعض الشرّاح) علامة عن الانتظار الاسكاتولوجي، وعودة إلى النظام القديم في العالم؟ وهكذا تجد قيمُ العالم ختمَها ووجهها النهائي، ولا سيّما إذا صارت البواعث لاهوتيّة. (2) وظنّ آخرون أن الاعتراف بيسوع المسيح كوسيط الخلق والمصالحة الكونيّة، قد جعل المساكنة (بل المصالحة) ممكنة بين الجماعات المسيحيّة والنظام الاجتماعي في الكون الذي يحيط بهذه الجماعات. (3) وقد نستطيع أن نرى أمورًا دفاعيّة (أبولوجيا) في هذه الشرعة: النظام والسلام في العلاقات اليوميّة بين المؤمنين بالمسيح، يشهدان للكنيسة وللانجيل (4: 5؛ رج غل 4: 5). (4) هذه النصائح (أو التحريضات) هي بداية تبشير متدرّج (لا يتوقّف) للبنى الاجتماعيّة المرتبطة بالحضارات، لا من أجل تعميدها واسنادها إسنادًا غير مشروط، بل لكي ندلّ بفضل البواعث اللاهوتيّة والكرستولوجيّة أنها تقدر (بل يجب) أن تنفتح على الانجيل. إن تنوّع البواعث بين شرعة عائلية وشرعة في العهد الجديد، قد يدلّ على يقظة متواصلة لطبع العلاقات التي تعتبر عاديّة في زمان وفي مكان محدّدين، بطابع الانجيل. (5) ونستطيع في النهاية أن نفسّر هذا الشرعة تفسيرًا كنسيًا: فأمام طلبات النساء والعبيد في الجماعات المسيحيّة (باسم توجيهات بولسيّة حود إظهار الأوضاع الاجتماعيّة في وجهها العتيق، من أجل الدلالة على علاقات جديدة بين المؤمنين)، نصحهم المسؤولون في الكنيسة بالواقعيّة، فذكَّروهم بالقواعد الاجتماعيّة المعمول بها. وطلبوا منهم أن يتبعوها وإلاّ اعتبروا مدمري المجتمع، وأنجلوا (= طبعوا بطابع الانجيل) هذه الشرعة لكي يصبح عيشها ممكنًا في الكنيسة.
ج- وقبل أن نبدأ بتحليل الآيات نطرح سؤالين نحاول أن نجيب عنهما.
* الاول هو سؤال لغوي. في 3: 13، تحدّث النصّ عن الرب (كيريوس) دون أن يحدّد إن كان يشير إلى المسيح أو الرب. أما في آ 24 ب فنقرأ بوضوح "تخدمون الرب المسيح". إذن الرب هو المسيح لا الله الآب. ولكن بعض المخطوطات تزيد "تيوس" (الله) بعد "كيريوس" (الرب). فتصبح العبارة: "تخدمون الرب الاله". لقد أرادت هذه المخطوطات أن تكون منطقيّة مع ما نعرفه عن الله (لا المسيح) الذي لا يحابي الوجوه. إن الله هو الذي يدين.
رأينا في دراستنا 3: 13 أن كيريوس يرتبط بالمسيح لا بالله. وفهمنا كيف أن كو "أغفلت" عمل الله على مستوى الدينونة والخلاص، لتنسب هذا العمل إلى المسيح. هذا لا يعني أننا أمام "ضلال" لاهوتيّ. بل أمام تماسك واضح في كو، يطبّق مبدأ السيادة التامة (التي أرادها وحقّقها الله، رج 1: 13) التي يمارسها المسيح على الكنيسة وعلى كل من المؤمنين.
* الثاني هو سؤال يرتبط بالفاعل. هل جميع الفاعلين في المقطع هم من المعمّدين؟ من الواضح أن جميع الذين يتوجّه إليهم الكاتب هم من المعمّدين بدءًا بالزوجات. ولكن ماذا نقول عن الرجال؟ فالرجال المذكورون هنا، هل زوجاتهم مسيحيات؟ وهل هم أزواج (معمّدون) للزوجات المذكورات في الآية السابقة؟ وهل يسري النصح فقط حين يكون الزوجان مسيحيّين؟ هل يُفرض على المعمَّدة التي تزوّجت رجلاً لا مسيحيًا أن تخضع له؟
وكذلك العبيد الذين طُلب منهم أن يطيعوا هم أعضاء في الكنيسة. ولكن هل أسيادهم أعضاء فيها أيضًا؟ والأسياد المذكورون حالاً بعد ذلك، هل هم بالضرورة أسياد عبيد مسيحيين توجّه إليهم الكاتب: هل يجب على العبد المعمّد أن يطيع سيّدًا لامعمَّدًا؟
نستطيع أن نقول إن ارتداد ربّ البيت في ذلك العصر، كان يجرّ وراءه اعتماد كل أهل البيت من امرأة وأولاد وعبيد (أع 10: 2؛ 16: 15، 31، 34؛ 18: 8؛ 1 كور 1: 16). وهكذا نكون في إطارات علاقات بين معمّدين. ولكن 1 كور تتحدّث عن رجل مؤمن وامرأة غير مؤمنة والعكس بالعكس. هذا يعني أن الوضع كان متشعِّبًا. لهذا يبقى التفسير مفتوحًا. فالكاتب لا يقول مثلاً للرجال: "أيها الرجال، أحبّوا نساءكم لأنهن أخواتكم في المسيح". ولا يقول: "أيها الأسياد، عاملوا عبيدكم بالعدل، لأنهم إخوتكم في المسيح" (رج آ 11).

2- التأويل
أ- النساء والرجال (آ 18- 19)
نحن في إطار العائلة أو البيت، والمعنى مخصّص أوُجد الضمير (هيمون، رجالكنّ أنتن) أم لا. فالنساء لا يُطعن جميع الرجال، بل رجالهنّ. "كما ينبغي في الربّ". إن عبارة "في الرب" ترتبط بـ "ينبغي"، ولا نقول كما قال بعضهم: "إخضعوا في الرب كما ينبغي". إن الباعث (في الرب) يوازي: كما يليق بالمعمّدين، بأعضاء في الكنيسة. ونحن نفهم هذا بطريقتين مختلفتين: (1) ينبغي على المعمّدين أن يحترموا التراتبيّة العائلية المعمول بها. (2) إن الزوجات المسيحيّات يعرفن كيف يُظهرن الاحترام والخضوع لأزواجهنّ، لأن الرب يقول لهنّ ذلك (يعطيهنّ ملء الكلمة والفهم كما في بداية كو). التفسير الثاني هو التفسير المعقول لأنه يسير في خط كو حيث يستند تصرّف المعمَّد إلى خبرة مع المسيح لا إلى نظام اجتماعيّ يأتي من الخارج.
"إخضعن". ميّز النصّ بين خضوع الزوجة (هيبوتاسستاي) وخضوع الأولاد والعبيد (هيباكواين): ليست الزوجة في نظر الزوج في وضع الأولاد (الذين ما زالوا قاصرين) والعبيد (الذين لا حقّ لهم). ثم لا يقال إن الرجل هو "كيريوس" (سيّد) المرأة. وجد الشرّاح نصيّن فقط يُستعمل فيهما فعل "خضع" في ارتباط الزواج. وقد يكون التمييز هنا بين الخضوع والطاعة في خطّ بعض النصوص البولسيّة حيث الخضوع يدلّ أولاً (وليس هذا فقط) على الاقرار بوضع أعلى من وضع آخر (هذا يفترض تراتبيّة، مهما كانت، إلاّ الخضوع لمن هو "أعلى" لـ "رأس" و"رئيس"). لا يتضمّن الخضوع علاقة من القلب إلى القلب (1 كور 15: 26- 27). بخلاف الطاعة التي تفترض فقط موقف سماع ديناميكي (متحرّك)، ونظرة إلى رغبة الآخر للالتصاق بها دون اعتبار (أولاً) لوضعه. هذا لا يعني أن في الخضوع لا موضع للطاعة. الطاعة (هيباكواين) تلزم الشخصَ كله.
في هذه التحريضات (3: 18- 4: 1) ننتقل من علاقة بين وضعين اجتماعين (وضع الزوجة ووضع الزوج) إلى علاقة بين إرادتين (الولد والوالد، العبد والسيد): إن العلاقة من المرأة إلى الزوج ومن الزوج إلى المرآة، لا يُنظر إليها كما يُنظر إلى العلاقتين التاليتين (الاولاد والوالدين، العبيد والاسياد). طلب الكاتب فقط من الزوجات أن يعرفن كمعمّدات (أي مع النعمة التي نلنها من الربّ) أن يجدن مكانتهنّ الصحيحة في مجتمع يبدو فيه وضع المرأة أدنى من وضع الرجل.
لسنا هنا على مستوى مطالبة المرأة بحقوقها بشكل عامّ ولا بشكل خاص. فعبارة "كما ينبغي في الربّ" نداء إلى مسؤوليّة النساء، إلى الطريقة التي بها يستطعن كمعمّدات نلن ملء المسيح يسوع، أن يجدن الطريقة التي بها يدللن أزواجهن على الاحترام الذي يليق بهنّ.
ونقرأ في آ 19: "أيها الرجال أحبّوا نساءكم...". لم يكن النصح للنساء محصورًا فيهنّ، والنصح للرجال محصورًا فيهم. فإن لم يقل الكاتب لهنّ أن يحببن أزواجهن، فهل يعني هذا أن ليس عليهنّ أن يفعلن؟ وماذا نقول عن آ 14 التي تطلب من كل معمّد أن يلبس المحبّة (أغابي)؟
ولكن حين طلب الكاتب من صاحب الوضع الأرفع أن يجبّ الزوج الذي من وضع اجتماعيّ أدنى، فقد ذكرنا بما قال من قبل: ما يملي على المعمّدين سلوكَهم هو التواضع واللطف، لا سموّ وضع إجتماعي (يقود مرارًا إلى العجرفة والغطرسة). لهذا فالعلاقة من الرجل إلى المرأة لا تمليها حقوقُه (وضعه الأعلى)، بل موقف من نوع آخر، يأتي من الداخل، من خبرة الحياة في المسيح. وهكذا، نفهم غياب الباعث.
ب- الاولاد والوالدون (آ 20- 21)
في هذا الزوج الثاني من التوصيات، يبدو التأليف مختلفًا، لأن كل تحريض يتبعه باعث (وإن كان قصيرًا): "فإن هذا مرضيّ لدى الربّ". "لئلا ييأسوا". ولكن كما في الزوج الأول، الباعث المُعطى للشخص الادنى هو كرستولوجيّ. أما الباعث المعطى للأرفع فهو بشريّ.
ما معنى "مرضيّ لدى الرب"؟ نحن هنا على مستوى قيمة اجتماعيّة تُجمع عليها فئة من الفئات. أما هنا، فالمجموعة الكنسيّة (في الرب) هي التي تقرّ بقيمة هذا الموقف: على الأولاد في الجماعة المؤمنة أن يطيعوا والديهم (المسيحيّين). هذا يعني أن الوالدين مسيحيّون والأولاد أيضًا. فعلى الأولاد أن يرغبوا في سماع والديهم. هذا ما يجعلنا في خطّ النصائح السابقة حيث تمنّى الكاتب التعليم والنصح (أو الموعظة والتحريض): فالنموّ في المعرفة والحكمة يأتي منهما. ونطرح سؤالاً: هل كان الكاتب عبرّ عن نصحه في ذات الألفاظ (أطيعوا في كل شيء، حتى عبادة الاصنام) لو لم يكن والدو هؤلاء الأولاد من الجماعة المؤمنة؟ الجواب هو كلاّ.
وطلب الرسول من الوالدين أن لا يغيظوا أولادهم. كانت القساوة معروفة في التربية (هيّئ له القضبان حزمًا حزمًا) ولاسيّما على مستوى الضرب. فعلى الوالدين أن يتفهّموا الأولاد ويعاملوهم بطريقة انسانيّة لكي يساعدوهم على النموّ، ويعطوهم فرح التعلّم والتقدّم في الحكمة. إن روح هذا التحريض هو ذاك الذي نقرأه في آ 12- 17.
ج- العبيد والأسياد (3: 22- 4: 1)
إذا قابلنا هذا الزوج الثالث (العبيد والأسياد) مع الزوجين السابقين بما فيهما من ايجاز، نلاحظ البواعث المختلفة بالنسبة إلى العبيد. نحن لا نرى العبيد وكأنهم يريدون أن يكونوا أحرارًا، أن يبدّلوا وضعهم الاجتماعيّ. هذا يعني أن الكاتب لا يطلب منهم أن يقرّوا بهذا الوضع الذي يتّعداهم. ما يُطلب منهم هو أن لا يسعوا إلى ارضاء أسياد بشر، أن لا يسعوا إلى "رضاهم" ممّا يفتح الباب أمام محاباة الوجوه، ويجعل الأسياد بعيدين عن العدالة والانصاف (4: 1). فالسيّد (كيريوس) الوحيد الذي يجب أن يرضوه هو ربّ السماء (رج 1: 10).
إذن، لا يردّ الكاتب على معارضة وضع بشريّ (العبوديّة) يناقض الحرّية التي أعلنها الانجيل، ويضع في وجهه عائقًا. بل عليه بالأحرى أن يسهر لكي يكون تصرّف العبيد صادقًا، لا يُدفعون إلى العمل برغبة التملّق وتقبّل رضى الناس. بل يتأسّس عملهم على واقع يقول: إن كان العبد لا يأمل أن يصير حرًا (إلوتاروس) في هذا العمل، فكرامته كمعمَّد تجعل منه ابنًا ووارثًا. ويمضي الباعث في آ 5، إلى أبعد من ذلك، لأنه يذكّرنا بأن الرب (المسيح) لا يحابي، لا يدين حسب تراتبيّة الأوضاع الاجتماعيّة: لا امتياز ولا واسطة. لا يهمُّ الوضعُ الاجتماعي، بل القلب والعمل الذي يتفجّر منه.

3- نظرة عامة
* وبعد تحريضات تتوجّه إلى الجميع، نصل إلى العائلة. فبدون انتقالة ظاهرة، يتوجّه بولس الآن إلى أعضاء العيلة المسيحيّة. يحرّض النساء "ليخضعن لأزواجهن"، وأن يقبلن بهذا الخضوع لا احترامًا للاصطلاحات البشريّة، بل في الطاعة للربّ. ولكن الطلب من المرأة أن تخضع لزوجها دون مقابل، يعني تسليمها إلى سلطة ما تعتّم أن تتحوّل إلى تسلّط. لهذا على الزوج واجبات تجاه امرأته.
عليه أن يحبّها (آ 19). يعني أن ينظر دومًا إلى خيرها، ويحاول أن يفهمها. فالمرارة (أو العنف) تجاهها وعدم احتمالها ومسامحتها، يعني أنه لا يحبّها ويجعل خضوعها الاراديّ الذي هو شكل من أشكال الحبّ، أمرًا صعبًا.
وطلب بولس من الأولاد خضوعًا تامًا لوالديهم. هذا هو التصرّف الذي يرضي الله، في عائلة تعيش تحت نظر الرب. ولكن يبقى على الوالدين أن يمارسوا سلطتهم في المحبّة. لهذا كان التنبيه إلى الآباء (آ 21) الذين يمتلكون السلطة. يجب أن لا تكون ظالمة لأنها دقيقة وتتوقّف عند التفاصيل، بحيث تجعل الولد ييأس (وبالتالي يفشل) حين تطلب منه المستحيل.
* وساعة عبّر النصّ عن واجبات النساء والأولاد، وواجبات الرجال والآباء بشكل موجز لا يتوقّف عند التناقضات، فقد عُرضت واجبات العبيد وبُرّرت بعناية خاصة (آ 22). لما طلب بولس من فيلمون العفو عن عبده الهارب أونسيمس (4: 9؛ فلم) تجنّب أن يعتبر نفسه رجلاً يأخذ جانب العبيد ويتسامح مع خيانتهم. لهذا فرض عليهم طاعة بدون تحفّظ لأسيادهم البشر دون الأخذ بعين الاعتبار ما يفرضه عليهم ضميرهم. فنظام العبوديّة لا جدال فيه، ولا هو موضوع تساؤل. ومع ذلك، فإن وضع العبيد المسيحيّين قد تبدّل تبدّلاً جذريًا، لأنهم لم يعودوا أمام أسياد بشر، بل أمام سيّد جديد هو الرب يسوع المسيح.
إن العبيد يخدمون بروح آخر (آ 23). لا غصبًا عنهم، بل بإرادتهم. كان العبيد يرغبون في خدمة أمينة ليراهم أسيادهم. وها إن الايمان جعل باعثًا آخر هو خشية الرب التي لا يفلت منها أحد والتي تطلب طاعة تامة. فالعمل الذي نقوم به لله لا للبشر، نعمله من كل قلوبنا. فلا يكون عمل سخرة لا أمل فيه. بل خدمة شريفة (آ 24) خاضعة لدينونة الرب الذي لا يدفع اجرًا خاصًا، بل يعطي ميراث الحياة الأبديّة.
ولكن خدمة هذا السيّد، هذا الرب، رهيبة. أن نكون عبيد الرب المسيح ليس بالأمر السهل (آ 25). فهو لا يرضى بالشرّ عند العبيد ولا عند الأحرار. فالخاطئ ينال العقاب الذي تستحقه خطيئته. فأمام الرب لا محاباة للوجوه، ولا تفضيل شخص على آخر (4: 1). ولكن العبيد ليسوا مسلّمين إلى نزوات أسيادهم الذين يعاملون الجميع "بالعدل والانصاف". ولكن كيف نعرف ما هو عدل تجاه أناس لا حقوق لهم أمام نواميس البشر؟ تبقى عدالة لا تحدّدها النواميس، بل استعداد القلب. يبقى الانصاف، المساواة "ايسوتيس". فالأسياد المسيحيون يعرفون ما يفرضه "الانصاف" منهم تجاه عبيدهم، لأن لهم "سيّدًا، ربًا"، يدين تصرّفهم ولا يقوم بتمييز على مستوى الأوضاع الاجتماعيّة: فأمامه لا سيّد ولا عبد.

خاتمة
بعد هذه التحريضات العامة (3: 1- 17)، جاءت سلسلة من الارشادات تتوجّه إلى مختلف الفئات التي يتألّف منها "البيت" في المعنى الواسع للكلمة: الزوجة والزوج. الأولاد والوالدون. العبيد والأسياد. سيكون هذا النص فاتحة نصوص عديدة في العهد الجديد (أف 5: 22؛ 6: 9؛ 1 تم 2: 8- 15؛ 6: 1- 2؛ تي 2: 1- 10؛ 1 بط 2: 13- 3: 7؛ 5: 1- 5) وعند آباء الكنيسة (اغناطيوس الانطاكي، بوليكربوس) للتحدّث عن الواجبات البيتيّة. قد يعود أصلها إلى العالم الهليني بشكل عام والرواقي بشكل خاص مع النصائح حول واجبات كل فئة في الجماعة. ولكننا نجدها بشكل خاص عند فيلون الاسكندراني حين فسّر الوصيّة الخامسة من وصايا الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM