القسم الرابع: خبرة حوار مع شهود يهوه

الفصل الثالث عشر
مقدّمة عامّة

يتعرّض مجتمعنا لصعوبات عديدة، وذلك بسبب الضائقة الاقتصاديّة التي أثّرت في بيئتنا تأثيراً تدميرياً. فأصبح الأب يهتمّ أولاً بتأمين متطلّبات الحياة، ولو بحدّها الأدنى، لاستمرار عائلته. وانتشر اليأس في وسط الشباب الطموح، ليحدّ وليحطّم طموحاتهم. فلا يقدرون على تأسيس نفوسهم ليتزوجوا ويكوّنوا عائلة. وطال الئأثير الحياة الروحيّة بمجتمعنا، ويظهر ذلك في الاتجاه نحو الماديّة. فتناثرت القيم والمبادىء يميناً ويساراً ليحلّ محلّها المال. وسقطت الحياة الروحيّة أمام السعي لاستمرار الحياة، ونسي مجتمعنا أن كلام الله هو الحياة الحقيقيّة..
وتكاثف ضعف ثقافة الرعايا الدينية مع الضغوط الاقتصادية. وولّدت عندنا ممارساة ليتورجيّة (حضور القداس) خارجيّة (ولا نقصد الكلّ بالطبع)... واتجّهت الأنظار نحو الكنيسة وممتلكاتها، فلماذا لا تساعدنا، وأيضاً نحو الكهنة يراقبون كلّ أخطائهم (وطبعاً نحن نشرح وضعاً نفسياً وليس معطيات). وولّد هذا الأمر حقداً نحو الكنيسة وكهنتها عند البعض.. ورأوا أنفسهم في ضياع نفسي وروحيّ يكاد يبلعهم، فبحثوا في غمرة يأسهم على خشبة خلاص تنقذهم من الضياع النفسي والروحيّ، فلم يجدوا أمامهم إلاّ بعض البدع والفلسفات التي تطرق أبوابهم، فاستسلموا لها... ومن هؤلاء جماعة شهود يهوه.
إن لانتشار هذه البدع عوامل عديدة أهمها: عدم الثقافة الكتابية (عدم قراءة الكتاب المقدس) لدى الرعايا، وثانياً عدم الاهتمام بالرعايا (وذلك لمشغوليّات الكاهن العديدة). فضعف معرفتنا، وحياتنا المسيحيّة والتزامنا بالكنيسة يعرّضنا للضياع والانسياق إلى ما يسدّ نفوسنا ويشبعها نفسياً عند البدع. فالفرد الذي يشعر بالوحدة وبعدم تقبّل أفكاره، وغياب الكينونة والاعتبار، ينساق إلى البدع التي تدخله في بيئة تحضنه وتؤمّن المحبّة والعناية له، فيجد مجتمعاً يعتبره ويقيّمه كفرد منهم. فما إن يدخل أمكنة اجتماعاتهم، حتى يبادر الكثيرون بالتعرّف إليه والاهتمام به. وأحياناً يستطيع عرص آرائه، فيقدّرونها. وإن تخلّف عنهم مرة، يزورونه ويسألون عنه. ومن جهة أخرى يعمل أفراد هذه البدع على اشعال نار التذمّر والعدائية نحو الكنيسة وذلك عبر زعزعة ثقة المؤمن بالمرجعيّة، فينتقدون رجالات الكنيسة (سيارة المطران- أملاك الكنيسة- الرهبان وغناهم- المال الذي يأخذه الكاهن عند أي مناسبة...).
وهكذا يقلبون التاريخ، ويقيّمون الأخطاء المتراكمة، ويضعونها مرّة واحدة أمام الفرد. متعمّدين عدم ذكر الظروف والخلفيّات، ومتغاضين عن الكثير من الأمور الحسنة.
وهكذا يصوّرون الكنيسة في وضع مأساوي ينتشر فيها الفساد والضياع... والهدف هو تشويه مصداقيّة المرجعيّة الكنسيّة ليستبعدوا تفسيرها للكتاب المقدس، فيقولون إن المرجعيّة الأساسيّة ليست البشر، بل الكتاب المقدّس. وهكذا ينتشلون الشخص من حضن الكنيسة وتفسيرها السليم للكتاب، إلى تفسيراتهم الخاصة للكتاب المقدس. وبالتالي إلى حضن هيئة شهود يهوه- بروكلين.. فهم أيضاً لهم مرجعيّة، ولكنهم لا يذكرونها. فعندما يُخرجون الكتاب المقدس من حضن الكنيسة وتفسيرها السليم له على ضوء روح الله، يصبح كتاباً فيه حروف وكلمات يرصفونها لتخدم أفكارهم ومعتقداتهم الخاصّة. لأن الكتاب المقدس وإن كان واضحاً وجلياً في الأمور السلوكيّة والأخلاقيّة، إلاّ أنه يحتاج إلى درس عميق من جهة الأمور العقائديّة والتفسيريّة، وذلك لأنه ابن بيئته، وكُتب في فترات زمنيّة متعدّدة، تفصلنا عنها مئات السنين. فنحتاج إلى معرفة بيئته وخلفيّاته الثقافيّة والتراثيّة والأدبيّة والاجتماعيّة والدينيّة والتاريخيّة الخ...
آنذاك نستطيع أن نفهم فكر الكاتب، ومن ثم كلام الله. وذلك بديهي جداً. ومن خلال معرفتنا لهذه الجماعة نرى أن كلّ تعاليمها تقريباً عقائديّة بالإضافة إلى الأمور الأخلاقيّة. فهم يتحدّثون عن ملكوت حرفي وماديّ وبمجيء المسيح ثانية سنة 1914، وموت الأشرار وبقاء جماعتهم لوحدها على الأرض. وحكومة ستحكم العالم... كل هذه تفاسير وليست بأخلاق وسلوك، فمن أين أتوا بها؟ لذلك هم يستخدمون آيات الكتاب من دون نصوصه وخلفيّاته ومعناه الاصلي، ليجمعوها ويكوّنوا بها صورة تخدم معتقداتهم الخاصة. وبذلك يصبح الكتاب وسيلة لانتشار آرائهم، وليس هدفاً روحياً... ثم يقولون إنهم يفسّرونه تفسيراً سليماً، وإن مرجعيّتهم هي صادقة ومن الله. ولكن من خلال اطّلاعنا على كتاباتهم تبيّن لنا الكثير من الأخطاء الجوهريّة على الصعيد التاريخي وعلى صعيد الكتاب المقدس نفسه. وسنورد لاحقاً البعض منها.
والفرد منهم لا يكتشف ذلك بسبب عصف الكتب والكراريس الشهريّة، ومتطلّبات قراءتها. منهم يتلقّون المعلومات بكثافة خلال اجتماعاتهم التي تصل إلى ثلاثة اسبوعياً، ما عدا التبشر المطلوب منهم. وبذلك تقلّ وتنعدم قدراتهم التحليليّة وتنهار مناعتهم الفكريّة أمام كثافة المواد وتشعباتها إلى أن تُغسل أدمغتهم. فحتى إن رأوا الحقيقة يمنعهم من تبيانها عاملان، وهما: غسل الدماغ الذي يتعرّضون له. ووضعهم المأساوي قبل الانضمام إليهم، فلن تعود حياتهم كما كانت سابقاً. من هنا علينا الانتباه إلى هاتين الحقيقتين، ومعالجتهما بالمحبّة.
أي شخص منا يتحاور مع شهود يهوه عليه القيام بالأمور التالية:
- أن يتثقّف تثقّفاً روحياً وكتابياً، عبر الدرس والقراءة للكتاب المقدس. وننصحه بوضع تفاسير وشروحات جيّدة أمامه. ويكون فاهماً إيمانه قبل أن يتكلّم عنه. ثم تكوين حياة روحيّة وملتزمة، بالصلاة والتأمّل الدائم بالكتاب المقدس في بيته. وذلك ليصل إلى الاختبار المسيحي في حياة المحبّة والعطاء والأخلاق المبنيّة على المحبّة. فيكون نوراً للعالم. فان كانت تنقصه المحبّة، فلماذا يتحاور مع شهود يهوه؟
- الانضمام إلى جماعة أو حركة كنسيّة تحيا حياة المحبّة والتضامن، حتى إن دعينا إلينا أي فرد من شهود يهوه يجد له بيئة تحبّه، ولا يعود إلى حياته السابقة التي هرب منها. لذلك علينا أن نحبّ أفراد شهود يهوه ولا نكنّ لهم البغض أو الكره، بل ننظر إليهم كأفراد يَنشدون الحبّ والوجود الكياني، وقد انساقوا إلى من أمّنها لهم.
- عندما نكون في حوار، نكون اثنين اثنين على الأقل. واحد لتكلّم، والآخر يصلّي ويساند رفيقه بالمراجع والنصوص. ويساعد الموجودين في فتح الكتب المقدسة والعثور على النصوص. وهنا ننبّه إلى أنه يجب أن نأخذ معنا كتباً مقدسة لإشراك الموجودين في النقاش والبحث ليروا بأنفسهم الحق.
- بعد انصراف شهود يهوه، علينا متابعة أصحاب البيت أو الناس عبر زيارتهم، وتعليمهم وتقديم تعاليم وتفاسير الكنيسة الصحيحة، وذلك لنزع الشوائب والشكوك التي زرعوها في رؤوسهم. ومن ثم دعوتهم للالتزام بالكنيسة، وحثّهم على الانضمام لحركات وجمعيّات كنسيّة يخدمون فيها.
وهنا، نقدم بعض مبادىء للحوار مع شهود يهوه وهي مبنيّة على خبرة طويلة عشناها في لقاءاتنا وحواراتنا معهم. ونورد ملاحظة مهمّة وهي أننا لا نحاول استعراض معلومات، فمراجع الكنيسة كثيرة. بل أسلوبنا يعتمد على كيفيّة استخدام المراجع والمعلومات بطريقة تفيد هدفنا. وكيفيّة الحفاظ على جوهر النصوص وتفاسرها السليمة كنسياً بالوقت نفسه. وأخيراً نوجّه دعوة محبّة نحو أعضاء شهود يهوه. فإن أخطأ أخوك... ماذا تفعل؟


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM