الفصل السادس: الانسان والعالم والكنيسة

الفصل السادس
الانسان والعالم والكنيسة

ما هي نظرة الشهود إلى الإنسان وعلاقته بالحيوان، وإلى الكنيسة التي هي أكبر عدوّ لهم، وإلى العالم الذي يسوده الشيطان، فنهرب منه؟

1- هل النفس خالدة
يرى شهود يهوه أن الإنسان أذكى من الحيوانات. ولكنه مثلها "نفس حيّة". وحين يموت يموت كله، شأنه شأن الحيوانات. لا يبقى شيء منه. ليس فيه مبدأ روحيّ، ولا بذار الخلود. ويستندون إلى نصوص بيبليّة يفسرّونها على هواهم. صنع الله آدم لكي يكون "نفساً حيّة". كوّن أولاً جسماً بشرياً، وفيه نفخ، لا نفساً، بل نسمة حياة تنعش هذا الجسد المائت. وهذا المزيج بين جسد لحمي ونسمة حياة يشكّل نفساً حيّة أو خليقة حيّة. ذاك هو وضع كل ما يتحرّك ويتنفّس على الأرض".
"الحيّة" (الشيطان) هي التي اخترعت الخلود المرتبط بالنفس البشريّة. وهذا التعليم هو أكبر كذبة نشرها الشيطان عبر العصور لكي يضل البشريّة ويستعبدها لديانات تأسّست على مثل هذه الادعاءات".
وبعد أن أنكر الشهود خلود النفس، أعلنوا أنه يكون هناك قيامة. ولكن بما أن لا شيء يبقى منا بعد الموت، في نظرهم، فلا نستطيع التحدّث عن القيامة بالمعنى الذي نعطيه لهذه الكلمة. بل عن خلق كائنات جديدة، تختلف كل الاختلاف عمّا كنّا عليه قبل موتنا. مثل هذا القول يتعارض مع الإيمان المسيحيّ الذي تسلّمناه من الرسل (1 كور 15: 20- 2؛ 1 تس 4: 13- 16). فيسوع الذي قام من بين الأموات وصار بكر الراقدين، قد انتصر على الموت وهو يمنحنا الغلبة معه. وقد قال لنا يسوع: حيث يكون هو نكون نحن (يو 14: 2).
وفي النهاية يتحدّث الشهود عن ثلاث فئات من الناس: الموسومون (أو الممسوحون بالزيت) هم القديسون المكرّسون. ولدهم الروح، وهم 144000. وحدهم يعرفون فرح السماء. و"الخراف الأخرى" (يوناداب) لا يعرفون فرح السماء بل الفردوس الأرضي. هم مجموعة شهود يهوه. و"الذئاب المتخفيّة في الخراف". كل الذين يرفضون المسيح. والكنيسة الكاثوليكيّة. كلهم يعرفون "الموت الثاني" أي الدمار التام.

2- الديانات والكنائس
كل ديانة وكل كنيسة قد تأسّست على الشيطان. فهي فاسدة. "فالديانة هي أن يتمّ الانسان كلّ عمل معارض لإرادة الله القدير. الشيطان هو الذي أدخل الديانة وسط البشر". "الكاثوليك والبروتستانت واليهود يعتبرون أنهم يحملون إلى الشعوب السلام والازدهار. لا شكّ في أنهم يدعون اسم يهوه، ولكنهم في الواقع يجهلون كلمته". ولكن يبقى الهدف الأساسّي لشهود يهوه هو الكنيسة الكاثوليكيّة التي هي ألدّ عدوّ لهم. أول عدوّ منظور لله، وأكبر عدوّ للناس، هو التنظيم الديني الكاثوليكي الروماني. لا تنسوا أبداً أن السلطة الكاثوليكيّة الرومانيّة كنظام دينيّ تسمّى "العاهرة وبابل الكبرى وأم الزنى ونجاسات الأرض". ركبت على مرّ العصور خيل السلطات السياسيّة والعسكريّة.
بماذا يتّهم الشهود الكنيسة الكاثوليكيّة؟ أولاً: نظام البابوية. ثانياً: إختراع عقيدة الثالوث ولاهوت المسيح وخلود النفس. ثم زادت "التقليد" على الكتاب المقدس. ومنعت ترجمة الكتب المقدسة، ونشرت عبادة الصليب والصورة وصلاة الوردية. كل هذا في نظرهم هو عبادة أوثان.
ماذا نقول في هذه العقائد؟ لم تخترعها الكنيسة، بل اكتشفتها في الكتب المقدسة وعبرّت عنها بلغتها. فالثالوث الأقدس يعني الآب والابن والروح القدس، يعني المحبّة التي تملأ العالم. يعني عيلة السماء التي نحن كلنا أعضاؤها. ولاهوت المسيح هو ما نعبرّ عنه حين نقول إنه يغفر الخطايا، ويقدّم الشريعة الجديدة، ويدشّن الملكوت. وخلود النفس يعبرّ عن هدف الله بأن يشركنا في مجده، بأن يشركنا في قيامة ابنه. أما العبادات فليست عقيدة إيمانيّة. هي تعابير صلاة تتوجّه في النهاية إلى المسيح. فمريم هي والدة المسيح. والقديسون خدّامه. وإن كانت الكنيسة مؤلّفة من أبرار وخطأة (مثل كلّ جماعة) فهي عائلة الله، المؤلفة من كل الذين يسعون للسير على خطى يسوع وهي تنظر باحترام إلى سائر الديانات، لأنها طرق يسير فيها البشر وإن لم يكتشفوا بعد من هو الطريق والحق والحياة.

3- العالم
يقول الشهود: هذا العالم هو عالم يسيطر عليه الشيطان. عالم يجب أن نهرب منه. عالم سينتهي قريباً.
أولاً: العالم الذي نعيش فيه يسود عليه الشيطان
الشيطان هو في أصل الشّر الذي نلاحظه. فالعقائد الكاثوليكيّة والإيمان والأعياد تعود كلها إلى الشيطان. وإبليس حاضر في الكنائس، في الدول، في الحكومات. كيف يفسرّون حضور الشيطان في كلّ مكان؟
دخلت الخطيئة إلى العالم بواسطة ملاك سقط هو لوسيفر الذي دُعي إبليس ساعة حكم عليه الله. كانت مهمة لوسيفر أن يعين آدم وحواء على حفظ الوصيّة. ولكنه تمرّد على الله وطلب أن يُعبد كالله. فهو الذي في شكل حيّة دفع حواء إلى العصيان. لهذا حكم عليه بالموت. ولكنه أخّر تنفيذ الحكم ليتيح له ان يكوّن لنفسه ذرية. منذ ذلك الوقت وإبليس والملائكة الساقطون يدفعون البشر للابتعاد عن الله. حتى الطوفان كانوا يستطيعون أن يلبسوا جسداً بشرياً. بعد ذلك أخذ منهم هذا الامتياز ولكنهم ما زالوا يدفعون البشر إلى الشرّ.
مملكة الشيطان هي منظّمة قويّة تضم كائنات غير منظورة (الشياطين) وكائنات منظورة (الأشرار). أما إبليس فهو إله كاذب يحاول أن يقتدي بالله. وقد صار ملك العالم سنة 607 ق. م. ساعة سقوط أورشليم (هي سقطت بالأحرى سنة 587 ق. م.). وظلّ كذلك سبعة أزمنة أي 2520 سنة.
إبليس هو الذي أمات المسيح بواسطة حلفائه على الأرض. في سنة 1914، غلب فانحدر على الأرض. وبما أن لا نشاط له في السماء، بدأ يعمل على الأرض مستعملاً الديانات والكنائس والمنظّمات السياسيّة.
وحين تأتي معركة هرمجدون (أي جبل مجدو حيث كانت معركة بين الفرعودن ويوشيا سنة 609 ق. م.)، يقيّد الشيطان وتبّاعه لألف سنة، ويرمون في الهاوية. خلال تلك الألف السنة لن يستطيعوا أن يغشّوا البشر. بعد ذلك، يفلتون لوقت قصير. وحين تنفيذ الحكم على الخطيئة التي اقترفت في جنة عدن سنة 4025 ق. م.، يعود الشيطان وتبّاعه إلى العدم بشكل نهائي.
ما هو إيماننا؟ إن موضوع الصراع بين النور والظلمة تقليديّ في العالم المسيحيّ (يو 16: 18). والتعارض بين المدينتين، مدينة الأرض ومدينة السماء، عرفه أوغسطينس. ولفظة "عالم" تعني في بعض العبارات: أولئك الذين يرفضون المسيح (1 يو 1: 10)، الشّر الذي جاء المسيح ينتزعنا منه (غل 1: 4)، ملكوت إبليس (أع 26: 18).
ولكن هذا لا يعني أن هناك جيشين في العالم، جيش الأخيار وجيش الأشرار (كما قالت جماعة قمران اليهوديّة). فالصراع بين الخير والشّر يتجذّر في كلّ واحد منا. لا نستطيع أن نعرف من هم لله ومن هم ضدّ الله. "لا تدينوا لئلا تدانوا" (لو 6: 37).
أما شهود يهوه فيؤكّدون أن كلّ الذين لا ينتمون إلى شيعتهم يعملون بقيادة إبليس. فكأن لا خير إلا عند شهود يهوه. لا شكّ في أن الشر موجود. ولكن لماذا لا نعرف أن ننظر إلى قدرة الله التي تخرج الخير من الشّر، وتدعو الخطأة إلى التوبة، وتدعو جميع البشر إلى العدالة والحق والأخوّة؟
ثانياً: نهرب من العالم
بما أن العالم شّرير في جذوره، يجب أن نهرب منه. هذا ما يقوله شهود يهوه ويعدّدون الشرور. يرفض الشاهد كلّ خدمة وطنيّة أو عسكريّة، لا يقترع في الانتخابات، لا ينضمّ إلى نقابة ولا إلى حزب ولا إلى تجمّع حتى لو كان خيرياً.
يرفض الشهود المشاركة في المهمّات الاجتماعيّة والسياسيّة، كما يرفضون الحرب للدفاع عن السلام والعدالة والمضايقين والمتألّمين... فالحبّ الأخويّ في نظرهم يقوم بأن يعرّفوا القريب إلى يهوه. وإن كان هناك من عمل خير فمع شهود يهوه فقط.
ما الذي نؤمن به؟ لقد أحبّ الله العالم حتى وهب له ابنه الوحيد. هو لم يرسل ابنه إلى العالم ليحكم على العالم، بل لكي يُخلّص به العالم (يو 3: 16- 17). فالتعليم المسيحيّ لا يميل بالناس عن بناء العالم، بل يدعوهم إلى العمل من أجل نموّ الأرض. ثم إن المؤمن الذي لا يحارب الظلم هو مؤمن أقلّ من عاديّ، هو صورة مشوّهة عن الله.
ثالثاً: نهاية العالم قريبة
ويعود موضوع في عظات شهود يهوه: نهاية الأزمنة. ويصوّرون هذا الحدث كأعظم ثورة في العالم. وحين تتمّ معركة هرمجدون تكون نهاية العالم الشّرير، نهاية النظام الحاضر للأشياء، والانتصار النهائي لملكوت الله.
اعتبر راسل أنه يعرف هذه النهاية. سنة 1874. ثم سنة 1914. ثم سنة 1918. ولكن شيئاً لم يحدث. فقال روترفورد: 1925 ثم 1930... ثم 1975. بعد هذه السلسلة من الأرقام تريّث شهود يهوه، ولكنهم ما زالوا يعلنون قرب نهاية الأرمنة.
أما نحن فنقول: لا يعرف أحد ذلك اليوم ولا تلك الساعة. وحين نقرأ سفر دانيال وسفر الرؤيا، نفهم أننا أمام نظرة إلى التاريخ الذي حصل، لا ذلك الذي سيحصل. فالكتاب المقدس لا يتضمّن معلومات ترضي فضولنا، بل يدعونا لنعرف حبّ الله لنا، والسعادة التي يهبها للذين يحبّونه. سأل الفريسيون يسوع يوماً: متى يأتي ملكوت الله؟ فأجابهم: "لا يأتي ملكوت الله بالرصد. ولا يقال: هو هنا أو هناك. لأن ملكوت الله في داخلكم" (لو 17: 20- 21). وأورد متّى كلمة أخرى ليسوع: "أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعرفهما أحد" (24: 36).
هكذا نبّهنا يسوع. يبقى أننا ننتظر مجيء المسيح المجيد في نهاية الأزمنة. ونحن نحتفل بهذه العودة ونسبّق عليها في كلّ مرة نجتمع للافخارسحيا. نقول للربّ: تعال أيها الربّ يسوع. فيقول لنا: ها أنا آتٍ عن قريب. بل بدأ مجيئه يوم مات على الصليب وقام من القبر. وهو سيأتي في مجد عظيم ليدين الأحياء والأموات.

خاتمة
تلك نظرة سريعة إلى شهود يهوه، هذه الشيعة التي تركت خراباً كبيراً في الكنيسة وفي العالم. ضحاياها من ضعاف النفوس، ضعاف القلوب، ضعاف الجياب. تقوم بعملية غسل في دماغهم، تأخذهم في براثنها فلا يعودون يفلتون. تضع الخوف في قلوب الناس، وتدعوهم إلى الالتحاق بها لكي ينجوا من الدمار الآتي، وويا ليتها تسعدهم جميعاً. فهناك فقط 144000 نقداً وعداً يشاركون المسيح في سعادة السماء. أما "الشهود" الباقون فيعيشون في فردوس أرضي، يأكلون ويشربون وينامون. وأسلوبها تبسيط الأمور في قراءة حرفيّة للكتاب المقدّس، وتأكيد للمعتقدات التي تبدو واهية، وإعلان بأن الحقيقة وحدها معهم وكأنها شيء يمتلكونه.
خراف عديدة تترك قطيع الربّ. أين هو الراعي؟ أين هم الإخوة لا يلتفتون إلى إخوتهم؟ أين هي الكنيسة بكلّ مؤسّساتها؟ أين هي المنظّمات الرسوليّة؟ ولماذا لا يكون كلّ واحد منا رسولاً؟ لماذا لا نتعلّم إيماننا، ولماذا نبقى جهلَة فنترك أشخاصاً من الشيع يضلّونا ويستغلّون جهلنا؟ ينشر شهود يهوه مجلة اسمها "استيقظوا". يا ليتنا نحن أبناء النور نستيقظ ولا نترك أبناء الظلمة يشتّتون قطيع الله!


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM