الفصل الثالث: مواجهة شهود يهوه

الفصل الثالث
مواجهة شهود يهوه

يقوم نجاح شهود يهوه على تقاعسنا وغيابنا، لا على تعليمهم الذي "يحرّر". تعليمهم يقيّد الإنسان فيصبح عبداً للجمعيّة فلا بدّ من أن نعمل على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول، قراءة الكتاب المقدّس: فنحن نجهله ونكرر الأمور التي تعلّمناها عن طريق التقليد دون أن نفقه معناها.
المستوى الثاني: ثقافة دينية، إذ إنّا ظللنا مرّات عديدة على مستوى ما تعلّمناه مع المناولة الأولى. صرنا دكاترة في العلوم البشريّة وبقينا جَهلةً في العلم الإلهيّ.
المستوى الثالث: ممارستنا للإنجيل: نحن نفنخر بالإنجيل وتعاليمه، فهل نضعه موضع العمل؟ أما سيطرت تقاليدُنا وعاداتُنا على كلمة الله التي هي سيفٌ ذو حدّين.

1- وسائل العمل
سنعود إلى هذه المستويات، ولكننا قبل ذلك نتوقّف عند وسائل العمل: نتعرّف بشكل خاص، إلى تقنية شهود يهوه في "إقناع" الناس، والمراحل التي يأخذونها لكي يقودوا الإنسان إليهم.
أولاً: تقنية العمل
هناك تقنية تسير في أربع مراحل تساعد الأشخاص على "الارتداد" وتبديل الحياة والالتحاق بجماعة الملكوت: التهوبل، الإدانة والشجب، الاستقطاب، الترميم والإصلاح.
* التهويل: في هذه العمليّة، نسرد خبراً ونُظهره بشكل خطير جداً بحيث جعل الناس يخافون. يبدأ الشاهد بسؤال بسيط: "كيف الحال"؟ وهذا السؤال له معنيان. شهود يهوه، هم بأحسن حال. أما في العالم، فالأمور بأسوأ حال. فإذا وافقت على هذا الإثبات عن يقين أو بعاطفة تهذيب، تتحرّك الانتقادات ضدّ الكنيسة والدين وتُسَرد الكوارث التي نراها في العالم: المجاعات، الحروب، المضايقات، المرض، ولاسيّما السرطان والسيدا، والبطالة... كل هذه الأحداث تدق ناقوس الخطر. وهي تدلّ على أن "هذا العالم الحاضر" هو رديء، شرّير.
لا شكّ في أن هناك "شروراً" في العالم تأتي من ضعف الانسان أو من شّر قلبه. وكلّنا مسؤولون عن الشّر الذي في العالم. شهود يهوه وغيرهم. إلاّ إذا كان "الشهود" قد صاروا في "الملكوت" في "السماء" منذ الآن. ثم لماذا لا نرى كلّ الخير الذي يتمّ في العالم: كل أعمال المحبّة والتعاون. كلّ المحاولات من أجل السلام، كل الاكتشافات الطبيّة لكي نحارب المرض... إذا رفضنا أن نحارب عدوّاً يجتاح أرصنا كما يفعل شهوه يهوه، أنكون فعلنا حسناً؟ إذا رفضنا أن ننقل الدم من إنسان إلى إنسان كما يرفض "الشهود"، ألا نساعد تفاقم المرض على المريض فنقوده إلى الموت كما حصل أكثر من مرّة في لبنان وفي غيره من البلدان؟
* الإدانة والشجب: هنا ينصبّ اللوم على الآخرين لا على الشهود. نشجب أعماهم وتصرّفاتهم ونظهرها بالمظهر البشع. ندينهم لنبعد التهمة عن نفوسنا، مع أن الربَّ قال لنا: لا تدينوا لئلا تدانوا، لئلا يدينكم الله ويحكم عليكم.
ويصل "الشاهد" إلى هذه العمليّة الثانية إذا وافقته القول. إذا كان العالم شريراً، فهذا يعني أن الشيطان هو الذي يقوده. فقد كُتب أن إبليس هو "سلطان هذا العالم". وكُتب أنه أبو الكذب. والشيطان ذكي جداً وهو يتقنّع بالأقنعة العديدة، ومنها ثلاثة خطرة جداً: الأول: الدول. فهي تحلّ محلّ الله، تريد أن تسوس الكون بدل الله. القناع الثاني: الكنائس، ولا سيّما الكاثوليكيّة. خانت الكتاب المقدّس وخانت العالم وتعاهدت مع إبليس. والقناع الثالث: الأفراد الذين ينسون وضعهم كمخلوفات في هذا العالم.
* الاستقطاب: هنا يدخل الإنسان في هذا "التحرّك" الذي يقدّمه الشهود. يركّزون الانتباه والنشاط على أمر واحد، على موضوع واحد، في اتجاه واحد، فلا يسمحون للشخص أن يفكّر في شيء آخر. هذا ما نسمّيه غسل الدماغ. يدخل الإنسان فتصبح المجموعة علّة وجوده الرئيسيّة، بل علّة وجوده الحقيقيّة. لا يعود له أن يفكّر أو يخطّط. ويُطلب منه وقته وإمكاناته واستعداده. وكل يوم يزداد الطلب. يساندونه، يشجّعونه، يهنّئونه كلّ مرة يوظّف إمكانياته... كما يلومونه أو يوبّخونه في هذا المجال أو ذاك... أجل، لقد صار الشخص لعبة بين أيديهم بعد أن تخلّى عن إرادته وملَكة التفكير عنده. ويحاصرونه ويحاصرونه حتى يسجنوه، ويمنعون عنه كلّ ما يستطيع أن يحرّره.
وإن كان هناك من صراع بين ما يشكّل حياتك اليومية والتزامك في المنظّمة فالأمر بسيط: أترك كل ما يعيق التزامك. هل يعيق عملُك اليوميّ عمل التبشير؟ أترك عملك وكن رائداً بين الرائدين. هل تزعجك العائلة؟ لا تسمح للعائلة بأن تسجنك. إدفع الضرائب وما يتوجّب عليك من مشاركة، وكن صادقاً في معاملتك للناس. ولكن لا تسمح بأن يزعج التحاقك بالحركة أيُّ مزعج. لا شيء يجب أن يوقفك عن عمل الوعظ وبيع مطبوعات المنظّمة.
* الترميم والإصلاح: وهكذا نصل إلى العملية الرابعة: الترميم والإصلاح بحسب نظرة شهود يهوه. بمَ تقوم هذه العملية؟ هي مجيء الملكوت، مجيء الفردوس الذي نتحرّى بدقّة وعناد عن الزمن المضبوط الذي فيه يأتي. في الأساس، هو حنين. من لا يحلم بأرض لا بغض فيها، ولا صراع ولا مرض، ولا موت. ويدعوننا شهودُ يهوه إلى خلقٍ جديد كلّي يسمّونه "قيامة". يدعوننا لكي نصبح آدم وحواء بفضل الفدية التي دفعها يسوع. وهذا الخلاص الذي طلبوه بشدّة، وذكّروا به بحماس، وامتدحوه أي امتداح، هو في الواقع عودة إلى الفردوس الأرضيّ، حيث يكون كلُّ شيء جميلاً، حيث يكون كلّ إنسان لطيفاً.
كلّ ما يقدّمونه هو سعادة الإنسان على الأرض، وحياة لا نهاية لها على الأرض. ومتى أشبعت الأرضُ قلب الإنسان؟ أليس الإنسان مخلوقاً لله، وسيظلّ قلبه فلقاً إلى أن يتّحد بالله في حياة تشبه حياة يسوع بعد الموت، وفي جسد ممجّد مثل جسد يسوع بعد القيامة.
ثانياً: مراحل الارتداد
كيف ينجرّ الشخص إلى جماعة شهود يهوه؟ إليك سبع مراحل:
1- يأتي إليك شهود يهوه (عادة شخصان)، يقرعون الباب، يلحّون، في النهاية تدخلهم لكي ترتاح من لجاجتهم أو تهذيباً، وعملاً بقواعد الضيافة. بعد مقدّمة مهيّأة تهيئة تامة، يعرضون عليك شراء بعض منشوراتهم. وإن رفضت أن تشتري قدّموها لك مجاناً.
الحلّ: لا تقبل زيارتهم، لا تُدخلهم بيتك أبداً، لا تفتح الباب لهم، فقد صاروا معروفين. فإن فتحت الباب وقعتَ في الفخ. وإن قبلت بعض منشوراتهم، كانت لك تلك المنشورات كالطعم في الصنارة. ولا تشترِ شيئاً منها لئلا تشجع على اننشارها بمالك.
2- زاروك في المرة الأولى فاستقبلتهم وأخذت من منشوراتهم. سوف يعيدون الكرّة، سوف يقومون بزيارة ثانية تكمّل الأولى. ثم يدعونك ويشجّعونك لكي تتابع دراسة المنشور الذي تسلّمته.
الحلّ: الخطر الكبير هو في المدن الواسعة، حيث يعيش الإنسان وحده، يفرح بزيارة مثل هذه الزيارات. يحسّ أن أحداً يهتمّ به، ولكنه لا يحسب حساب "الآخرة" التي سيقع فيها. ولكن لماذا نكون وحدنا؟ لماذا لا يكون لنا أصدقاء نفتح قلوبنا لهم وهم يفتحون قلوبهم لنا؟ ثم، لماذا لا نجعل من البناية، من الشارع، من الحيّ، عيلة كبيرة متماسكة نساعد فيها بعضنا بعضاً في السرّاء والضرّاء، في الفرح والحزن؟ وحين تأتي الحاجة الماديّة، يقدّم لك الشهود مالاً ومساعدة فتصبح مديناً لهم. ولا تعتّم أن تصبح عبداً مقيّداً بهم بعرفان الجميل وتنتهي في شباكهم. فماذا ينغ الإنسان إن ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟
3- زاروك فاهتممت بهم، وأخذت بعضاً من منشوراتهم. زاروك مرّة ثانية فاستقبلت وفرحت بتشجيعهم لك. حينذاك، يعرضون عليك درساً اسبوعياً في الكتاب المقدّس يشرحونه بحسب ترجمتهم وعلى طريقتهم. ويدخلون في حياتك فيصبحون قطعة منها. حينئذٍ تصبح حاجتك إليهم ماسّة. وهذه الدروس "البيتيّة" تضمّ بعض الأشخاص. وهدفها أن تجرّد "الشاهد" العتيد من أفكاره القديمة عن الله، عن الدين، عن الكنيسة... وسبق وشرحنا التقنيّة التي يستعملونها والتي لا تقيم أي احترام للإنسان ولكرامته ولحريّته. المهم أن "يستجلبوه" إليهم مهما كانت الوسائل. والكتب التي يستعملونها قد نشرها "برج المراقبة". أما الكتاب المقدّس فهو سندٌ بسيط، لا أكثر ولا أقلّ، في خدمة منشوراتهم وتعاليمهم. وهكذا يضلّون الناس ويوهمونهم أن ما يقولونه يستند إلى "كلام الله".
4- في المرحلة الرابعة، يدعون المتعاطف معهم إلى اجتماع درسٍ مع أشخاص سبقوه في هذا المضمار. يدرسون الكتب. أو بالأحرى، تُفرض عليك، وتُعطى الجواب. فما عليك إلا أن تتقبّله وتردّده.
5- بعد ذلك يُدعى "المنضوي" الجديد إلى المشاركة في اجتماع الأحد. فالاجتماع مفتوح للجميع. هناك يدرس جريدة الحركة، "برج المراقبة". فيكتشف جمعيّة شهود يهوه وتنظيمها.
6- في المرحلة السادسة، يُدعى "المنضوي" إلى "اجتماع الخدمة". هناك يهيّأ مع رفاقه للخدمة الناشطة: بيع المنشورات، الوعظ والتبشير، الدقّ على الأبواب... استعمال الطريقة التي استعملها الآخرون معه.
7- في المرحلة الأخيرة يعمّد المنضوي بالغطس، عماداً يكرّسه بشكل رسميّ شاهداً جديداً في مهمّته كواعظ وكخادم يهوه.

2- العمل المسيحي
ماذا يكون موقفنا في هذه الحالة، وكيف نعمل؟ نعمل على ثلاثة مستويات: قراءة الانجيل، ثقافة دينيّة، ممارسة الانجيل.
أولاً: قراءة الكتاب المقدّس
ما نقوله بالنسبة إلى شهود يهوه، نقوله بالنسبة إلى سائر الشيع: إن جهلنا للكتاب المقدّس يجعلنا مشدوهين أمام "عملهم الواسع". فهذا الكتاب هو في أيدينا كما في أيدي غيرنا. فلماذا يكون سلاحاً في أيديهم ولا يكون شيئاً في أيدينا؟ هذا يعني أنّا مخطئون جداً في هذا المضمار، أنّا معرّضون للخطر، أن المؤمنين "التقليديّين" حولنا هم معرّضون للضياع واللحاق بالأنبياء الكذبة.
أما الحلّ، ففي ثلاثة أمور:
* أن نقرأَ الكتاب المقدّس. أن نقرأه كلّه. أن نقرأَه مع رفيق يساعدنا على اكتشاف معانيه وعلى التعمّق في متطلّباته. فالكتاب المقدّس هو قصّة عهد، قصة صداقة بين الله والبشر. وكل سفر في الكتب المقدّسة يقدّم لنا وجهة من وجهات الوحي. فلا نهمِلْه. أهملنا دراسة سفر دانيال الذي هو نظرة إلى التاريخ القديم على ضوء الأزمنة الحاضرة، الذي هو نظرة إيمان بالله الحاضر في العالم ليقوده إلى القداسة والخلاص، فاستغلّته الشيع وحاربتنا به بعد أن قرأته على طريقتها وجعلتنا نعيش في الخوف. وأهملنا دراسة سفر الرؤيا الذي هو كلام تشجيع يقدّمه يوحنا للمسيحيّين المضطَهدين في نهاية القرن الأول، وليس "تبريجاً" وعرافة لما سيحدث في نهاية العالم، أي الآن، لأن هذه الشيع ترى أنّا في نهاية العالم، وتدلّ على من هو التنّين والوحش. بينما التنّين هو إبليس والشيطان الذي لا يزال يعمل لكي يقودنا إلى الخطيئة. والوحش هو السلطة السياسيّة التي تضطهد الكنيسة. أما نهاية العالم فقد بدأت مع موت يسوع وقيامته. فنحن نعيش الآن النهاية الحقيقيّة مع يسوع المسيح، إبن الله، الحاضر معنا حتى نهاية العالم.
* أن نقرأ الكتاب المقدّس قراءة صحيحة، لا قراءة أصوليّة حرفيّة تجعلنا نضيّع معناه. لا قراءة حرفيّة كما نجد عند الشيَع، وقد قال عنهم بولس في فل 3: 19: "إلههم بطنهم ومجدهم خزيهم". وقال في روم 16: 18: "لا يعملون للمسيح ربّنا، بل لبطونهم، ويضلّون القلوب السليمة بمعسول كلامهم وتملّقهم". هؤلاء "يثيرون الشقاق ويعيشون فساداً بخروجهم على التعليم الذي أخذتموه" (روم 16: 17). أجل، يتابع القديس بولس في 2 تم 4: 2- 5: "سيأتي يوم لا يحتمل فيه الناس التعليم الصحيح، بل يتّخذون طائفةً من المعلّمين وفق شهواتهم لما فيهم من حكّة في آذانهم فيصمّون مسامعهم عن الحقّ ليُقبلوا على الخرافات".
كلّ سفر في الكتاب المقدّس، كلُّ حدَث، قد كُتب في إطار معيّن. ونحن نفهمه بحسب فنّه الأدبيّ. لا نجد في الكتاب المقدّس دروساً في الرياضيات، أو في العلوم، ولا نجد روزنامة بالأحداث التي ستحصل في الآتي من الأيام. لا نطلب من الكتّاب الملهمين إلا ما طُلب منهم أن يوصلوه إلينا: محبّة الله المخلّص لا تفترق عن محبّة الله الخالق. فالعالم لا يسير إلى الفساد، بل هو يلتقي مع تجلّي أبناءِ الله.
* نقرأ الكتاب المقدّس ونجعله يلتقينا في حياتنا. ليست الديانة المسيحيّة "ديانة كتاب"، بل ديانة تستند إلى كتاب، تستند إلى شخص يسوع المسيح الحاضر اليوم في العالم. والكتاب المقدّس يكشف لنا في وضعنا الحاضر ما نحن مدعوّون إليه لنعيش. حياتنا هي تاريخ مقدّس. ونحن نكتب اليوم "خبراً طيّباً" وإنجيلاً بأقوالنا وأعمالنا وحياتنا. نحن الشهود الحقيقيّون ليسوع المسيح، وبالمسيح نحن شهود لمحبّة الله الثالوث في العالم. "هكذا أحبّ الله العالم حتى إنه أرسل ابنه الوحيد".
ثانياً: الحاجة إلى ثقافة دينيّة
يأتي شهود يهوه إلى أناس يجهلون إيمانهم. يتوقّفون عن القشور ويضلّونا لأنّا لا نعرف إيماننا. لأنّا لا نميّز ما هو عادة بشريّة من التقليد الحقيقيّ الذي تسلّمناه من الرسل. ماذا يعني عيد الفصح والقيامة، العيد الكبير؟ هو تذكّر موت يسوع وقيامته، قبل أن يكون مجمل ممارسات تتّصل بالمجتمع قبل أن تتّصل بالديانة الحقّة. وعيد الميلاد هو قبل كلّ شيء تذكّر تجسّد يسوع المسيح وولادته بالجسد. لقد صار يسوع منا، صار شبيهاً بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. هو الذي كان في صورة الله، أخذ صورة العبد وأطاع حتى الموت، والموت على الصليب. ولكن يقول شهود يهوه: الكنيسة تضلّ المؤمنين حين تحتفل بعيد الميلاد في 25 كانون الأول (أو في 6 كانون الثاني حسب بعض الطقوس الشرقيّة)، لأنّا لا نعرف متى وُلد يسوع بالضبط. ما نعرفه بالتأكيد هو أن يسوع وُلد في الجسد. وإذ نعيّد لميلاده في 25 كانون الأول، إنما نعيّد لمن هو شمس البرّ. ففي هذا اليوم يبدأ النهار يطول. على كل حال هو اتفاق عملّي ولا يستند إلى لاهوت وعقيدة. ويتابع شهود يهوه: إذا كانت الكنيسة، تضلّكم في أمر صغير، فهي ولا شكّ تضلّكم في أمور أكبر. مثلاً: خلود النفس، ألوهيّة المسيح، عقيدة الثالوث.
فشهود يهوه يستندون إلى جا 3: 19- 21: "مصير البشر هو مصير البهائم. مصير واحد. كما تموت هي يموت هو. ولكليهما نسمة واحدة، روح واحدة. فليس للإنسان فضلٌ على البهيمة لأن كليهما باطل. كلاهما يذهبان إلى مكان واحد (مثوى الأموات أو القبر كما يقول الفينيقيّون). كانا كلاهما من التراب وكلاهما يعودان إلى التراب". شدّد سفر الجامعة على الموت الذي ينهي نسمة كلّ حيّ على الأرض. وهذا صحيح، ولكننا نقرأ في جا 12: 7: "يعود التراب إلى الأرض حيث كان، ويعود الروح إلى الله الذي وهبه". وقال حك 3: 1: "نفوس الصديقين هي في يد الله، فلا يمسّها العذاب، ظنّ الجهّال أنهم ماتوا وحُسب خروجهم من العالم شقاء. ولكنّهم في سلام ورجاؤهم مملوء خلوداً". وقد تمنّى بولس أن يموت لكي يكون مع المسيح. وقال لنا: المسيح قام، إذن نحن نقوم.
وإذا كان شهود يهوه ينكرون ألوهية المسيح، فلم يعودوا مسيحيّين ولو استعملوا الكتاب المقدّس سلاحاً في أيديهم ومن أجل خدمة قضيّتهم. وإذا اعتبروا الثالوث الأقدس بدعة شيطانيّة فرضتها الكنيسة ونسوا أنّا معمّدون باسم الآب والابن والروح القدس، فلم يعودوا مسيحيّين. فأساس إيماننا هو سرّ الثالوث. هو سرّ الابن الذي صار إنساناً وافتدانا بآلامه وموته وقيامته.
تجاه هذا الخطر الذي يطرق أبوابنا، لا يجوز أن نبقى على جهلنا، وحين نعرف، لا نقبل أن نتعلّم من شيعة وُلدت منذ مئة سنة، وهي تحاول بكل الوسائل أن تسبي حرّيتنا التي في المسيح. نحن يجب أن نعلّم. ولا ننتظر ما سيُقال لنا وكأنه "منزل". نحن نبدأ الحوار ونعلّم إيماننا. أو بالأحرى، لماذا الحوار مع أشخاص يرفضون كلّ حوار، لأنهم محدودون في ما يعرفونه ولا يريدون أن يخرجوا منه، بل يحاولون أن يفرضوه إن وجدوا أناساً جهّالاً يفرضونه عليهم. فلماذا لا نتعلّم إيماننا؟ لماذا لا نطالع؟ هناك المعاهد الدينيّة. هناك الكتب العديدة. إلى متى سيكون أبناء الظلمة أكثر نشاطاً من أبناء النور؟
ثالثاً: ممارستنا للإنجيل
قال أحد الآباء: في نهاية حياتنا سوف ندان على المحبّة. هذا هو ملخّص الإنجيل. "إعمل هذا فتحيا"، كما قال يسوع للشابّ الغنيّ. ونحن نعيش الإنجيل داخل كنيسة. ونعيشه من أجل العالم.
* نعيشه في كنيسة: لماذا نعيش الإنجيل في كنسية؟ لأنّا فيها نستقي الغذاء الروحيّ الضروريّ لكي نواجه بوضوح الوضع الذي نعيش فيه. فشهود يهوه يزورون القرى كما يزورون ضواحي المدن. هم قريبون من الأشخاص الذين يعيشون وحدهم، الذين يعيشون على هامش المجئمع، هم قريبون من الفقراء. يساندون المرضى بحضورهم ومالهم. هل هذه المساعدة هي مجرّدة من كل غاية؟ كلا ثم كلا؟ فهناك غاية في قلب يعقوب، كما يقال. وفي النهاية، هم يريدون أن يستميلوا الناس إليهم. ولكن لماذا لا نهتمّ نحن المسيحيّين بالضعفاء والمرضى والفقراء؟ نهتمّ بهم بروح المسيح، بروح مجانيّة: أليس هناك أشخاص ما زارهم أحد في حياتهم، ولا سيّما في المدن؟ أين هو كاهن الرعية؟ أين هم أعضاء المنظّمات الرسوليّة؟ أين هو فريق العمل الرعويّ؟ يجب أن لا يبقى أحدٌ وحده. بل نكون بقربه بكل محبّتنا، بكل قلبنا، بيدنا، بمالنا، بكل ما نملكه من مقدّرات. هكذا نكون كنيسة، هكذا نكون جماعة أبناء الله.
* نعيش الإنجيل من أجل العالم: قال يسوع: أنتم في العالم، ولكنكم لستم من العالم. لسنا من العالم، أيّ لا نأخذ بروح العالم بما فيه من نداء إلى الخطيئة والعنف والظلم والكفاح من أجل الحياة. ولكنّا في العالم، وعلينا أن نخلّص العالم الذي أحبّه الله. لا شكّ في أنّا نجد "علامات الأزمنة" في الأحداث، كما قال المجمع الفاتيكانيُّ الثاني، ولكنها علامات عن النهاية التي بدأت كما قلنا مع موت المسيح وقيامته. فلماذا الخوف والرهبة؟ نحن أبناء الله. منذ الآن، نحن نمتلك سعادة أبناء الله. وعند موتنا ستظهر هذه السعادة في كلّ حقيقتها. نحن الآن، على الأرض، نرى كما في مرآة، أما حينذاك، بعد ساعة الموت، فوجهاً إلى وجه.
يبقى علينا ونحن في العالم أن نحوّل العالم، أن نقدّس العالم بأقوالنا وأعمالنا وحياتنا. لهذا نلتزم بالعمل الاجتماعيّ والسياسي والحضاريّ، وهكذا نكون كالخمير في العجين، وكالملح في الطعام، وكالنور في العالم. لا ليس العالم بشرير. خلقه الله ورآه حسناً. ولكن بخطيئة الإنسان تشوّه. غير أن المسيح قد افتدى الإنسان وافتدى العالم، فيبقى علينا أن نجعل هذا الفداء منظوراً في حياتنا، فاعلاً في مجتمعنا.

خاتمة
بعد هذه الجولة في عالم شهود يهوه، ماذا نقول للمسيحيّين؟
أولاً: لا تفتحوا الباب لهم. لا تستقبلوهم. لا تأخذوا شيئاً من كتبهم.
ثانياً: إذا تواجدتم معهم صدفة، لا تتركوهم يتكلّمون. بل أعلنوا أنتم تعليمَ الكنيسة، تعليمَ الإنجيل في سرّ الثالوث، في شخص المسيح الذي هو إله وإنسان، في سرّ الكنيسة التي تجمع المؤمنين. وتعلّموا البراهين. أنتم علّموهم ولا تنتظروا منهم أن يعلّموكم.
ثالثاً: لا تقبلوا انتقاداتهم وكأنكم متّهمون، وكأن الكنيسة متّهمة، وكأن المسيحيّين متّهمون. في كل مكان هناك أناسٌ طيبون وأناس خطأة. والمسيح جاء من أجل الخطأة. فمن اعتبر أنه لم يخطأ فهو كاذب، كما يقول يوحنا في رسالته الأولى. فإن شدّد شهود يهوه على الخطأ عند المسيحيّين، فلكي يبعدوا عنهم الشبهة. كلُّنا يعرف قصص النصب والاحتيال التي حصلت في البقاع لدى أعضاء شهود يهوه. كفانا تدجيلٌ ونفاقٌ! كلنا يعرف الطرق التي بها يسيطرون على الإنسان ويسلبونه ما له من أجل القضية، وأية قضيّة! شهود يهوه جماعة سرّية لا نعرف عنهم إلا الواجهة البرّاقة. كم يجب على المسيحيّين أن يكونوا واعين!
رابعاً: نعود إلى إنجيلنا نطالعه، ندرسه، نتعمّق فيه. نعود إلى الكتاب المقدّس كلّه. نطلب مساعدة الكتب. ندخل في معهد تعليم. فالمسيحي الذي يملأه المسيح لا تفعل فيه دعاية شهود يهوه. على كلّ حال، هو يهرب منهم كما يهرب الإنسان من الآكلة (2 تم 2: 17).
خامساً: نتعمّق في إيماننا. ندرس، نسأل، نقرأ. في الماضي كنا نقول: المطارنة، الكهنة لا يعلّمون. أما اليوم فهذا الكلام مرفوض ويدلّ على التقاعس والكسل. لا نريد أن نبقى قاصرين على مستوى الإيمان. هنا نتذكّر كلام الربّ في إر 31: 34: "جميعهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم".
سادساً: عيش الإنجيل هو أكبر شهادة.
بطريقة فردية: ليضىءْ نورُكم للناس فيروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات.
بطريقة جماعيّة: نعيش الأخوّة على مستوى القرية والشارع والحيّ. على مستوى الكنيسة حيث إذا تألّم عضو تألّمت معه سائر الأعضاء، وإن امتُدح عضوٌ امتُدحت معه سائر الأعضاء. المكافحة ضدّ الظلم والقهر والعنف من أيّ مكان جاء. بهذه الطريقة نبني ملكوت الله على الأرض. وهذا الملكوت يكون الأرض الجديدة والسماوات الجديدة، حيث "لن يعود للموت وجود ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للكلام". يكون العالم القديم قد زال لأن الربّ قال: "أجعل كلَّ شيءٍ جديداً".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM