الفصل السادس عشر: التعابير الأولى للايمان بالقيامة

الفصل السادس عشر
التعابير الأولى للايمان بالقيامة

خلال الأربعين سنة التي تفصل موتَ يسوع عن تدوين الأناجيل، سارت بين مؤمني الكنيسة الأولى، عباراتٌ انصبّ فيها الايمان المشترك، إجابة لحاجات حياتيّة. وهكذا تجمَّع جوهر الايمان من أجل تعليم الموعوظين (1 كور 2: 6- 7؛ 2 يو 7- 9) أو من أجل التأكيد على العقيدة، في زمن الاضطهاد (عب 4: 5؛ 10- 23)، أو من أجل إعلان التوافق بين المشتركين في الليتورجيّا. وكان لدى الجماعة نوعان من التعابير: النوع الأوّل يوكّد واقع قيامة المسيح نفسه، والنوع الثاني يعلن ارتفاع المسيح وتمجيده.
كان موضوع عبارات الإيمان الأولى القول: إنّ يسوع هو المسيح. إنّ يسوع هو الربّ وابن الله. وبعد هذا، تركَّزَ التعبير حول الحدث الرئيسيّ في وجود يسوع الناصري، ألا وهو قيامته من بين الأموات. وصُوِّرت قيامة المسيح بشكلين مختلفين: أُعلن واقع القيامة بكلّ بساطة، أو رُبطت القيامة بالموت الخلاصيّ. وهناك اختلاف آخر: نشدّد مرّة على أنّ الله أقام يسوع، ونشدِّد مرّة أخرى على أنّ المسيح قام من بين الأموات. وها نحن ننطلق من هذه العبارات الإيمانيّة لنكتشف سرَّ قيامة المسيح.

1- المسيح قام
حين عاد تلميذا عمّاوس إلى أورشليم وأخبر الأحدَ عشر بلقائهما بالمسيح، سمعا الجواب التالي: "حقّاً، قام الربّ وتراءى لسمعان" (لو 24: 34). نحن أمام عبارة تقليديّة وضعها لوقا في هذا المكان من إنجيله. وسنجد عبارة مشابهة أوردها القدّيس بولس في رسالته الأولى إلى الكورنثيّين (15: 3- 5): "سلّمتُ إليكم قبل كلّ شيء، ما تسلّمتُه أنا أيضاً، وهو أنّ المسيحَ مات (من أجل خطايانا) كما ورديْ الكُتب وأنه قُبر، وقام واليوم الثالث، كما ورد في الكتب وتراءى لكيفا (أي لبطرس)...".
ويذكّر بولس اخوتَه في الايمان، بالبُشرى التي آمنوا بها، وبها يخلصون: كلمة تسلّمها بولس، وهو بدوره يسلّمها. هو لا يريد أن يبرهن على أنّ يسوع قام، بل أن يربط قيامة الموتى بقيامة يسوع. أمّا العبارة المذكورة هنا، فتتضمّن تأكيدين. الأوّل: موت يسوع. والثاني: قيامة يسوع. والتأكيدان يقدّمان الواقع ويفسِّرانه ويشدّدان على الطريقة التي بها حُفظت الوقائع في ذاكرة الناس. ونتحدّث أوّلاً عن القيامة.

أ- قيامة المسيح
هناك فعل: "أيقظ" و"استيقظ". أوقظ يسوعُ من الموت. الربّ أيقظه من رقاد الموت. وهناك فعل: "أقام" و"قام". وقد يكون ليسوع دورٌ فاعل: هو الذي قام وهو تراءى لسمعان. كان نائماً فاستيقظ، كان راقداً فقام. ولكن في الواقع ما يُعلنه النصّ هو أنّ المسيح قام اليوم. المهمّ هو حالة المسيح الجديدة. ما يهمّ الكاتب ليس عملاً من الماضي، أيكون المسيحُ عمله أم الله، بل المسيح الحاضر اليوم.
وهناك إيضاحان تُقدّمهما الكنيسة: تمَّت قيامةُ المسيح في اليوم الثالث، تمَّت كما ورد في الكُتب. حين نقول: "اليوم الثالث"، لا نعني زمناً وتاريخاً محدّداً، لأنّه لم يحضر أحد قيامة يسوع التي ظلَّت سرّاً على الجميع، كما لا نربط القيامة باكتشاف القبر الفارغ. لهذا لا يدلّ "اليوم الثالث" فقط على تذكار تاريخيّ. فهناك تفكير لاهوتّي يرتبط بالأسفار المقدّسة (هو 6: 2). ونحن أمام طريقة ندلّ بها على حدثٍ حاسم وقريب. مثلاً: في اليوم الثالث رأى ابراهيم المكان الذي يذبح فيه ابنه (تك 22: 4). وحين يذكر قانون الايمان "اليوم الثالث"، فهو لا يريد أوّلاً أن يحدّد تاريخاً وزمناً، بل أن يشير إلى أن قيامة يسوع هي الحدث الرئيسيّ، الذي يرتبط بنهاية الزمن.
وفي الاطار عينه نقول: "كما ورد في الكتب". قد تعود بنا هذه العبارة إلى نصّ محدَّد، مِثل مز 16: 10، الذي يرد في أع 2: 27؛ 13: 35: "لن تدع قدّوسك يرى الهاوية". ولكنَّ قيامة يسوع تُتَمِّمُ انتظار اسرائيل الطويل. ولهذا لم يحاول المسيحيّون الأوّلون أن يبرّروا القيامة، مستعينين بهذه العبارة أو تلك، بل أن يحدّدوا موقعها في تدبير العهد الإلهي.
وتذكر العبارة البولسيّة أن يسوع تراءى لكيفا. القيامة هي عمل الله الأخير، وترائي يسوع دخل في لحمة تاريخ البشر فأظهر حضوره بطريقة ملموسة.
ب- موت المسيح
يذكر بطرس الموتَ قبل القيامة فيعلن: شارك المسيحُ الموتى مصيرهم. أُسلم إلى العدوّ من دون رحمة، فصار أسير الموت (أع 2: 24). إذاً، عرف يسوع نهاية حياته كما يعرفها كلّ إنسان. ولكن، ما أن أُعلن هذا الموت، حتى اتّخذ معناه، لا في حدّ ذاته، بل بفضل الإيمان بالقيامة. إنّ نور القيامة ألقى ضوءه على حدَث صلب المسيح المشكّك. لم يمت يسوع بسبب خطاياه الخاصّة، يقول لنا "المؤمن"، بل بسبب خطايانا. مات ليمحو خطايانا. وهكذا، ليست القيامة فقط حدثاً مضى، وما زالت آثاره باقية في الزمن الحاضر لا سيّما في ظهوراته للتلاميذ. القيامة هي جواب الله يعلن فيه أنّ موت يسوع يحمل الفداء إلى العالم. هنا نتذكّر تأكيدات بطرس كما وردت في أعمال الرسل: إنّ عمل الله الذي أقام يسوع هو عمل خلاصيّ يعني جميع البشر: "فَليَعلم يقيناً بيت اسرائيل أجمع، أنّ يسوع هذا الذي صلبتموه، قد جعله الله رباً ومسيحاً" (أع 2: 36؛ روم 13: 33). ويستنتج: "هذا هو الحجر الذي رذلتموه أنتم البنّاؤون، فصار رأس الزاوية. فلا خلاص بأحد غيره، لأنّه ما من اسم آخَر تحت السماء، أعطي لأحد من الناس فنال به الخلاص" (أع 4: 11- 12). فالخلاص هو نتيجة القيامة: "أوصانا الله أن نبشّر الشعب ونشهد أنّه هو الذي أقامه الله ديَّاناً للأحياء والأموات" (أع 10: 42). فالعمل الذي أقام المسيح لا يصل فقط إلى يسوع الناصري، بل إلى جميع الناس الذين يتحرّرون به من خطاياهم.
والموت الفدائيّ، شأنه شأن القيامة، يقع في مخطّط الله، وقد تمَّ حسب ما ورد في الكتب. نحن لا نقول فقط، إنّ الموت تمّ "حسب قصد الله المقرّر" (أع 2: 23؛ 3: 18؛ 4: 28؛ 13: 29)، بل إنّ الطابع الفدائي وجد صدى له في نشيد عبد الله (أش 53: 4- 5، 6- 8، 11- 12). وهكذا ينفتح المؤمن على الفهم العميق لموت المسيح وقيامته.
وتتحدّث العبارة الايمانيّة عن الدفن: إنّه قُبر. يرتبط الدفن بالموت، لا ليشدّد على واقع الموت، بل ليبرز وجهته النهائيّة: حين ينغلق باب القبر على الميت، يتمّ النزول إلى عالم الموتى. وحين نقول: إنّ يسوع دُفن، فهذا يعني أنّه نزل إلى عالم الموتى. ثمّ إنّ الدفن يحفظ هويّة الميت، ولهذا تكرَّم القبور تكريماً خاصّاً، ويُعتبر مصير من لم يُدفن، أسوأ مصير يصيب إنساناً من الناس (إر 8: 1- 4، 16: 4؛ حز 29: 5). ولكنَّ يسوع دُفن في قبر جديد لم يكن قد وُضع فيه أحد (يو 19: 41). "فنظرت مريم المجدليّة ومريم أمّ يوسى أين وُضع" (مر 15: 47). وستأتيان عند فجر الأحد إلى القبر (مر 16: 1- 2). هذا الذي دُفن هو الذي قام.
إذاً، نستطيع القول: إنّ سرّ قيامة يسوع ينكشف في هذا الاعلان الإيماني على مستويين: من جهة، يتلاحق الموت والدفن والقيامة والظهورات، لتدلّ بوضوح، على أنّ هذه الأحداث ترتسم في تاريخ البشرية. ومن جهة ثانية، فهي تجتمع في مخطّط الله الكبير. وهكذا لن يقتصر السرّ على حدث من الماضي، ولو كان انتصار الله على الموت في يسوع، بل هو يعطي معنى لهذا الموت ويفتح الباب أمام حضور دائم وفدائيّ. وإنّ الجماعة لن تتذكّر فقط تاريخاً قديماً، بل التاريخ الحالي للبشر الذين سيرجعون به دوماً، إلى شهادة عن يسوع الذي قام من بين الأموات، وافتدانا من خطايانا.

2- المسيح هو الربّ المرتفع في المجد
توقَّفنا عند العبارة "قام المسيح من بين الأموات". هذا ما يقوله "نؤمن" الكنيسة الأولى، في صيَغ متعدّدة: "إن كنّا نؤمن أنّ يسوع مات ثمّ قام" (1 تس 4: 14). أو: "إذا اعترفت شفتاك أنّ يسوع هو الربّ، وآمن قلبك أنّ الله أقامه (أيقظه) من بين الأموات، تخلص" (روم 10: 9). أو: "تنتظرون من السماوات ابنه الذي أقامه من بين الأموات، ألا وهو يسوع الذي ينجّينا من الغضب الآتي" (1 تس 1: 10). ولكنّنا نجد أيضاً أناشيد تعلن يسوع ذلك الرب الذي مجَّده الله. إذا كان "النؤمن" يعلن واقع قيامة يسوع، فالأناشيد تعلن تمجيد يسوع وارتفاعه وجلوسه عن يمين الآب.
أ- بعض أناشيد العهد الجديد
نذكر أوّلاً، فل 2: 6- 11 الذي يبدو، على الشكل التالي:
"فمع أنّه في صورة الله، لم يعدَّ مساواته لله غنيمة، بل تجرّدَ من ذاته متّخذاً صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفعه الله إلى العلى ووهب له الاسم الذي يفوق كلّ الأسماء كيما تجثو لاسم يسوع كلّ ركبة.... ويشهد كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هو الربّ".
لم يُبنَ النشيد حسب التسلسل: موت، دفن، قيامة، ظهورات، صعود، بل حسب معارضة بين حالتين: الاتّضاع (آ 6- 8)، الارتفاع (آ 9- 11). وهو لا يذكر القيامة ولا الدفن ولا الظهورات. أمّا الارتفاع فهو تمجيد يسوع ووصوله إلى سيادة تشمل الكون كلّه. إلى ماذا يدلّ هذا التعارض بين الاتّضاع والارتفاع؟ قالوا: انّه صورة عن التجسّد. فالمسيح الموجود منذ الأزل، اتّخذ طبيعة بشريّة، طبيعة العبد. ولكن، هذا يعني أنّ يسوع تخلّى مؤقتاً، عن طبيعته الالهيّة ليأخذ الطبيعة البشريّة، وهذا ما لا نقبل به. نحن منذ البداية إلى النهاية، أمام المسيح كما ظهر على الأرض. وقد اكتشفت نظرةُ الايمان في العمق وجودَ المسيح السامي الذي تعبده ربًّا. إنّ النشيد يصوّر يسوع في حالتيه: الحالة (أو الصورة) الإلهيّة التي احتجبت في اتّضاع الحالة (أو الصورة) البشريّة، ثمَّ ظهور الحالة الالهيّة بعد أن تمجّدت على عيون الجميع. إذا أردنا أن نفهم بما يقوم الاتّضاع، يجب أن ندرك المعارضة بين عالم الصليب وعالم اللاهوت السماويّ. لسنا أمام تعافب (أفقي بين حدثين) بل أمام تداخل (عمودي) بين عالمين نعيشهما من خلال الاحتفال بالمعموديّة والافخارستيّا.
ونذكر ثانياً 1 تم 3: 16: "إنّ سرّ التقوى عظيم. ظهر في الجسد، وتبرّر في الروح، وتراءى للملائكة وبُشّر به عند الوثنيّين، وآمن به العالم، وارتفع في المجد". مَن هو؟ هو يسوع المسيح. تتّحد السماء بالأرض، ثمّ تتلقّى السماءُ والأرض البشرى عينها. وأخيراً، يرتفع العالم المؤمن إلى السماء، في يسوع. كلّ شيء حاضر هنا، والسماء والأرض تصالحتا.
لا نجد في هذا النشيد، ذكراً لقيامة يسوع وظهوراته ولا لموته، بل لظهوره في اتّضاع الجسد، وظهوره في مجد الروح.
ونقرأ أف 4: 7- 10: " كلّ واحد منّا أُعطِي نصيبه من النعمة الالهيّة على مقدار هبة المسيح. لهذا قيل: صعدَ إلى العلى وأخذ أسرى وأعطى الناس العطايا. وما المراد بقوله "صعد"، سوى انّه نزل أيضاً إلى أسافل الأرض، فذاك الذي نزل هو نفسه الذي صعد إلى ما فوق السماوات كلّها ليملأ كلّ شيء".
أراد بولس أن يدلّ أنّ كلّ مؤمن نال عطيّة خاصّة فأورد مز 68: 19: لقد صعد يسوع إلى السماء وهو يوزّع عطايا الروح العجيبة. ولكنَّ الصعود يفترض النزول إلى مناطق الأرض السفلى. فما هي هذه المناطق السفلى؟ قد تكون الأرض حيث أخلى يسوع ذاته، كما يقول نشيد الرسالة إلى فيلبي. ولكن يبدو إنّها مثوى الأموات، حيث نزل يسوع.
وإذا عدنا إلى روم 10: 5- 8، نفهم أنّ بولس يريد أن يبيّن أنّ التبرير بالإيمان هو في متناول الجميع، لأنّ يسوع أُعطي لنا. ويبدو يسوع موسى الجديد، بل يونان الجديد. وقد جال في أبعاد الكون السريّة، في الأعالي والأسافل. صعد من الأسافل وكان قد نزل إلى هناك. فالإشارة واضحة: إنّ موت يسوع يقابل نزوله إلى مثوى الأموات، وصعوده يعارض ذاك النزول. هنا يبدو النصّ موازياً لنصّ أف وهو يلقي الضوء على المعنى المعطى للحدث الفصحي. لا يسمّيه بولس قيامة بل انتصاراً، فيدلّ على تسلّط المسيح على كلّ أبعاد الكون. فالمهمّ هنا ليس العمل الذي به أقام الله ابنه من الموت، بل الدور الذي لعبه القائم من الموت.
ب- من أين جاءت رسمة الارتفاع
إذا أردنا أن نعبرّ في جملة واحدة، عن الرسمة التي لاحظناها نقول: "الله رفع يسوع إلى السماء في المجد". أو: "الله جعل يسوع ربّ الكون". والواقع نفسه نجده في يو 20: 17: "أنا صاعد إلى أبي الذي هو أبوكم". أو في البرَكة الأخيرة التي أعطاها يسوع لتلاميذه، قبل أن ينفصل عنهم ويرتفع إلى السماء (لو 24: 50- 51). نحن لا نتعلّق هنا بحدث قيامة يسوع، بل بحالة الحياة الجديدة. من أين جاءت رسمة الارتفاع والتمجيد؟
هنا نتذكّر خبر الرسل عن الصعود (أع 1: 9- 11) الذي تمّ بعد أربعين يوماً، ظهر لهم يسوع خلالها (أع 1: 2- 3). لا يدخل هذا الخبر في عالم التاريخ بل في عالم الظهور (تيوفانيا). نحن لا نشلّ في خبرة التلاميذ الأكيدة بل في تفاصيل الخبر. فالعدد 40 يدلّ على زمن مهمّ، على زمن نموذجي.
ثمّ إنّ السحاب يدلّ على حضور الله أو على مجد الابن (مت 17: 1- 8)، كما يستطيع أن يكون مركبة سماويّة (مت 24: 30؛ 26: 64) أو أن يخفي يسوع الذي صار شخصاً سماويّاً (كما في النصّ الذي نقرأ). أمّا الرجلان اللذان يلبسان الثياب البيض فيقابلان الملائكة الذين يرافقون كلّ تيوفانيا (ظهور إلهي) في التوراة أو في العالم اليهودي.
إنّ الايمان بارتفاع يسوع خلال موته، يستعمل رموزاً انتشرت وسط البشر. هناك رمز "فوق" و"تحت". فالناس يجعلون "فوق"، ما هو صالح، و"تحت"، ما هو أقلّ صلاحاً. فالله هو في الأعالي وقوى الشرّ في الأسافل. ونحن نجعل السماء فوق رؤوسنا، والجحيم تحت أقدامنا. لقد أفاد المسيحيّون الأوّلون من هذا الرمز القديم ليتحدَّثوا عن ارتفاع يسوع. وانطلاقاً من وجود السماء (هي فوق) والأرض (هي تحت) تصوّروا لقاء الله بالانان بشكل مسيرة بين السماء والأرض. أراد الله أن يزور البشر فنزل من السماء (تك 11: 5؛ حز 19: 11- 13؛ مز 144: 5)، ثمّ صعد إلى هناك (تك 17: 22). وكلمة الله تنزل من السماء وتعود إليها (أش 55: 10- 11). وكذلك يفعل الملائكة (تك 28: 12؛ يو 1: 51). وارتبط أيضاً رمز الارتفاع بالنزول إلى الجحيم (أو مثوى الأموات). هنا نقترب من موضوع القيامة التي هي نهوض من الجحيم.
عبرّت النصوص عن الواقع الفصحي بلغة تشدّد على بُعد الحدث السماوي، بَعدَ أن تكلّمت عن القيامة التي هي استيقاظ، كما يستيقظ النائم، أو نهوض، كما ينهض ذلك الراقد أو القابع في ظلام الموت. وهناك عبارة أخيرة: تراءى يسوع، أو جعل الناس يرونه. ففي هذا الترائي تجتمع رسمة القيامة ورسمة الارتفاع والتمجيد. والقيامة لا تأخذ كامل معناها الاّ بالتمجيد. على كلّ حال، هناك أشكال عديدة أفاد منها الرسل ليتحدّثوا عن ظهور الربّ. كلّ هذا يدلّنا على أنّ القالب يبقى وسيلة لا بدّ من تحطيمها لنصل إلى الخبرة الفصحيّة. وأنّ يوحنا الانجيلي أدرك اتّساع هذه المعاني الفصحيّة. إذ أراد أن يتكلّم عن مصير يسوع، استعمل لغة القيامة. ولكن لاهوته فضّل أن يتكلّم عن تمجيد يسوع وارتفاعه. إنّ سرّ يسوع يُفهم على ضوء الفصح، بل على الصليب، ويظهر مجد الله في ابنه في حدث أرضيّ من حياة يسوع هو الموت الذي يجد امتداده في القيامة والصعود.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM