الأيام البيبلية الثانية
 

الأيام البيبلية الثانية

اليوبيل وفرح الخلاص. انه العنوان الذي أرادته الرابطة الكتابية للأيام البيبلية الثانية. نتكلم عن يوبيل الألفين لتجسّد المخلص، تجسّد استحقّ للإنسانية فرح الخلاص، وكيف يمكن أن يكون لنا فرح دون خلاص. ومن أين لنا الخلاص لولا التجسّد؟
يوبيلنا هو إذًا الرب نفسه، وفرحنا الحقيقي هو تدخّله اللامحدود لخلاصنا.
وهكذا، يقودنا اليوبيل إلى عمق إيماننا، عمق سرّ الخلاص الذي يشكّل سرّ فرحنا لأنه سرّ حياتنا الحقَّة. فبين الخلاص وفرحه تندرج كل حياتنا ويأخذ اليوبيل معناه الحقيقي. ودون مفهوم صحيح لهذا الخلاص يبقى اليوبيل عيد الإعلام والاستهلاك، وينتهي بانتهاء مدَّة العروض التجارية.
فما هو خط الخلاص الصحيح الذي أراده الله لنا منذ البدء؟ وعن أي خلاص نتكلم؟ وما معنى هذا الخلاص؟
ليس صدفة أن نربط الخلاص بتجسّد الرب، وليس صدفة أن يرتبط اليوبيل بعيد الميلاد. فالخلاص ليس فكرة مجردة أو عقيدة لاهوتية، إنه خبرة حياتية أولاً وآخرًا. لقد قضى المسيحيون عشرين قرنًا في التفكير والتعمق بسرّ يسوع المسيح، لكنهم لم يكتفوا يومًا بسرد حياته "في تلك الأيام" دون أن يشهدوا لخبرتهم الشخصية والجماعية مع يسوع المسيح. نحن لا نعرف المسيح إلاّ بالعودة إلى خبرة آنية تتجدد باستمرار، خبرة يسوع الذي "من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء".
صحيح إن لهذا الخلاص بيسوع المسيح تاريخًا طويلاً من التحضيرات. فخلاصنا ليس إيمانًا نتناقله، إنه تاريخ مسلسل أحداث طبعت تاريخ شعب اسرائيل. إنه تاريخ حقيقي واقعي، قصة حروب وسلام، تهجير واستقرار، جوع وشبع، قصة استعباد وتحرر. إنه تاريخ أحداث رأى فيها الشعب المؤمن يد الله الذي اختاره وقاده عبر الزمن، تاريخ مدهش طبع فيه الله خلاصه من خلال تحرير شعبه، وتجليه له، وعهده معه. مواضيع ثلاثة شهد لها الشعب ورمز إليها من خلال حدث الخروج الذي صار رمزًا لكل الأحداث الخلاصية.

الخلاص تحرير
عاش شعب اسرائيل خبرة الخلاص أولاً كتحرير من العبودية، وكغلبة على الشر وكل قوات الموت التي اختبروها فعليًا، فكان الخلاص هو التحرر من كل ما يقهر إنسانية الإنسان. لقد اختبر اسرائيل أنه مهمّ في عيون خالقه، أنه حرٌ، وأن الهه يحارب في سبيل حريته. ومقابل ذلك، اكتشف أن الهه يريده أن يكون مغايرًا للشعوب الأخرى فيحيا بحسب منطق احترام الحريات "لا تقمع النزيل... فقد كنتم نزلاء في أرض مصر" (خر 23: 9).
أن نحيا الخلاص هو أن نكتشف أننا مهمّون بنظر الرب فنصبح قادرين بدورنا أن نخلص الآخرين.

الخلاص تجلي الله
انطلاقًا من النقطة الأولى، نفهم أن الخلاص هو أن نتعرف إلى الله الذي يتجلّى لنا. فمن خلال عمله والكلمة التي تشرح هذا العمل يكشف الله عن ذاته: "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من مصر" (خر 20: 2). من خلال تدخّلاته، يعرّف عن ذاته، من خلال عمل "أنا إلهك الذي..."، أو من خلال علاقاته بالإنسانية "أنا اله إبراهيم..." (خر3: 6)؛ انه إله اليوم، لأنه إله الأمس والغد، "إله آبائك... أكون معك" (خر 2: 12، 14). ونحن الذين لا نعرف الله من خلال ما يعمل، نبقى عاجزين عن معرفته الحقّة لأن عمله مستمر. إنه إله المستقبل، إله التاريخ.

الخلاص عهد
ومن خلال التحرير، نصل إلى الموضوع الجوهري في خبرة الخلاص. إنه موضوع العهد. فقرار الله بالارتباط بالإنسان هو قلب الوحي، هو أساس التحرّر وثمرته بالوقت عينه. فان كان الله يحرّر اسرائيل لأنه شعبه، فإنه يحرّره أيضًا لكي يكون شعبه: "لا لأنكم أكثر من جميع الشعوب، بل لمحبة الرب لكم ومحافظته على القسم الذي أقسم به لآبائكم، أخرجكم الرب بيد قوية، وفداك من دار العبودية من يد فرعون، ملك مصر. فاعلم أن الرب إلهك هو الله الأمين، يحفظ العهد والرحمة لمحبّيه والعاملين بوصاياه إلى ألف جيل" (تث 7:7-8). وإن كان الاختيار المجاني أساسي أكثر من خبرة الاستعباد "رأيت مذلة شعبي" (خر 3: 7)، بحيث إن إسرائيل كان محبوبًا حتى قبل أن يُستعبد (هو 11: 1)، فالعهد هو الهدف، وجوهر الخلاص هو العلاقة الجديدة التي يبنيها الله: "افتداه ليجعل منه شعبًا له" (2 صم 7: 23).
إن خبرة الخلاص هي خبرة التعرّف إلى إله يبحث عن الإنسان ليجعل منه شخصًا منتصبًا أمامه، شريكًا له في العهد، وقادرًا على الانفتاح على كل عطاءاته.
لكن الدعوة لم تجد عبر العصور من يلبّيها بنجاح، فتكرّر الفشل جيلاً بعد جيل، وبقي التحرّر جزئيًا، والتجلي لم يصل إلى ملئه، والعهد لم يُحترم. فكان أن قرّر الله، وبمبادرة محبة لا محدودة، أن يرسل ابنه ليكون واحدًا منا ويستطيع الإنسان أن يحقق خلاصه بذاته، فيعود بنفسه إلى أبيه ويتم الخلاص. نزل الابن، فأخذ طبع الخاطئ دون أن يأخذ خطيئته، أخذ طبع الابن الضال والخروف الضائع وتمَّم العودة إلى الآب ناقلاً الإنسان من حالة الخاطئ إلى حالة إلهية، أو كما يقول يوحنا: "انتقل من هذا العالم إلى أبيه" (يو 13: 1).
من هذا المنطلق يشكّل التجسّد كمال الخلاص، ليس من أجل إيفاء دين، بل لأن إنسانًا هو ابن الله يستطيع وحده الوصول إلى الآب وتحقيق مشروع الخلاص لأنه "لم يصعد أحد إلى السماء إلا ابن الإنسان الذي نزل من السماء" (يو 3: 13).
واليوم نحن نبحث عن الخلاص دون ملل. لقد عاد لاهوت التحرير إلى بلورة فكرة الكتاب المقدس الأولى التي تؤكّد أن الله يخلص الإنسان بكلّيته وليس نفسه فقط، وان الخلاص يطال حياته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لتكون له الحياة وافرة كما أراده الله أن يكون، محرّرًا من كل ما لا ينمي إنسانيّته. نحن نبحث حتى اليوم عن كيفية خروجنا من أرض العبودية، ولكن هل لنبقى في صحراء إنسانية بحتة بعيدة عن الله، أو لندخل الأرض الموعودة بإيماننا بالله المخلص؟
طريق اليوبيل وفرح الخلاص عبر تحرير الإنسان فيّ وفي غيري، هي طريق اللقاء بالله الحيّ، عمانوئيل الباقي معنا مدى الدهور.
الأخت باسمة الخوري

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM