الفصل الثاني عشر: التوصيات والبركة الأخيرة

الفصل الثاني عشر
التوصيات والبركة الأخيرة
3: 13- 18
يرد هذا المقطع في القسم الثالث من الرسالة فيشكّل نهايته كما يشكّل نهاية الرسالة كلها مع البركة الأخيرة والتحيّة: "نعمة ربّنا يسوع المسيح معكم أجمعين".
بعد أن حرّض بولس أهل تسالونيكي على الصلاة والعمل، ونبّههم من هؤلاء الاخوة الذين لا يريدون أن يعملوا، وأعطاهم في نفسه قدوة، أنهى كلامه بتوصية إيجابيّة حول فعل الخير، وتوصية سلبيّة حول موقف الذين يرفضون هذه الرسالة: لا تخالطوهم. هكذا يخجلون من نفوسهم ويعودون.
1- التوصيات الأخيرة (3: 13- 15)
أ- وأما أنتم أيها الاخوة (آ 13)
نحن هنا في القسم الثالث من التحريض البولسي. في آ 6، نوصيكم. في آ 10، نوصيكم. وها هو بولس يعود أيضاً إلى الجماعة كلّها. فبعد التعليم، تأتي العقوبة المهدّدة. اعتبر بولس أن كلمته ستُسمع، وأنه يكفيه تنبيه قاسٍ وأبويّ معاً ليردّ الضالين. وحين يجد نفسه في حالات لا يمكن تصحيحها، يتصرّف بشكل حازم. هذا ما فعله بالزاني في كورنتوس: لا تأكلوا معه "1 كور 5". أما هنا فيجب أن يبقى المتكاسلون أخوة لنا.
ولكن قد لا تُقابل التعليمات بالطاعة المطلوبة. ماذا يفعل بولس في هذه الحالة؟ ليس الأمر بخطير بالنسبة إلى الجماعة، شرط أن تبقى حارّة في إيمانها، ولا تبلبلها بلبلة المضلّين. إذن، بدأ بولس فأوصى بالأمانة والغيرة والحياة المسيحيّة العميقة والتقديس والمحبّة. كل ما هو صالح، يفعلونه الآن وسوف يفعلونه. ويهدّد بولس الذي هو أب. من لا يطيع كلمات هذه الرسالة تميّزوه. هل يكتبون اسمه ويعلنونه في الاجتماعات الليتورجيّة، أم يكتفون بأن يلاحظوا تصرّفاته؟ المهمّ هو الأمر المعطى للجماعة بأن تمارس سلطة رادعة على الاعضاء "العاصين". وإذ يكرّر بولس أمره لهم بأن لا يخالطوه، فهو لا يتوخى للجماعة أن تحفظ نفسها أو تدافع عن تماسكها، بل أن يخجل ذاك الرافض. هذا يعني أن الرافضين لم يكونوا كثراً. وهكذا يحصل موقف الجماعة على ما لم تستطع أن تحصل عليه الأوامر والتوصيات. وهكذا يعود "المذنب" إلى الهدوء والنظام.
قد ندهش حين نرى بولس يهتمّ كل هذا الاهتمام بعدد صغير من المتكاسلين المشوّشين. ولكن يجب أن نتذكّر أن همّ بولس الاكبر هو المحبّة الأخويّة. وأن لا شيء يسمّم مجموعة دينيّة مثل زمرة لا تعمل شيئاً وتريد أن تفرض نفسها. لا بدّ من المدافعة عن السلام والفرح لدى الآخرين. من هنا كانت قساوة الرسول. ولكن محبّة الرسول العظيمة خففتها. فهذا الرجل المندفع يعامل أبناءه كما تفعل الأم مع ثمرة حشاها. فالابن وإن ساءت تصرّفاته يبقى ابناً. فلا يجب على المؤمنين أن يستبعدوا "الضالين" ويحسبوهم "أعداء". يحاولون إقناعهم. يلومونهم بمحبّة. ويدعونهم إلى أن يمارسوا ما تمارسه الجماعة. يكون الجميع قلباً واحداً وروحاً واحداً.
"لا تملّوا من فعل الخير". نجد الفعل "انكاكاين" في لو 18: 1 حيث يعني لا تملّوا من الصلاة. نقرأ في غل 6: 9: "لا نملّ من عمل الخير"؛ رج 1 كور 4: 1، 16؛ أف 3: 18. نجد عبارة "عمل الخير" في 1 كور 7: 37- 38؛ فل 4: 14.
ب- إن كان أحد لا يطيع (آ 14)
تبدأ الآية بالشرط: إن كان أحد لا يريد أن يطيع حقاً. "ما نقول" (أي: كلامنا). أي إنجيلنا (رج 1 كور 1: 18). في كلمة يتلفّظ بها بولس في الربّ يسوع بمهابة وسلطة. وهي موجودة في هذه الرسالة. أي من لا يريد أن يطيع ما تقوله هذه الرسالة...
كان العصيان للكتبة في العالم اليهودي يسبّب الاستبعاد من الجماعة بشكل موقّت أو نهائي. فيُمنع المؤمنون من التعاطي مع المبعد. ولكن يسمح لهم بأن يوجّهوا إليه تنبيهات ونصائح لكي يعودوا به إلى الطاعة. وقد مارست جماعة قمران "الحرم" فقالت: "كل من يتجاوز بوقاحة أو بحيلة كلمة من شريعة موسى، يُطرد من مجلس الجماعة ولا يعود. فلا يتّصل به أحد من الناس القديسين على مستوى الخيرات أو النصح أو أي أمر كان إذا كان قد تصرّف بدون وعي. فليُبعد من الطاهرين ومن المجلس وليُنظر في أمره".
في العهد الجديد، نجد زاني كورنتوس (1 كور 5: 1- 13) وهيميناوس والاسكندر اللذين أسلمهما بولس إلى الشيطان لتأديبهما. إستبعدهما بولس ثمن الجماعة المسيحيّه لكي يتوبا. بيد أننا نجد في مت 18: 15- 18 قاعدة الاصلاح الأخوي والحكم الذي تلفظه الكنيسة: أبدأ وحدي فأعاتب الأح الذي أخطأ. ثم يكون اللوم أمام شاهدين أو ثلاثة. "إن رفض أن يسمع لهم فقل للكنيسة. "وإن رفض أيضاً أن يسمع للكنيسة، فليكن لك كالوثنيّ والعشّار". وتابع متّى فكرته ذاكراً سلطان الربط والحلّ: "كل ما يكون مربوطاً على الأرض يكون مربوطاً في السماء".
"لا تخالطوه". يعود الفعل في 1 كور 5: 9، 11؛ رج هو 7: 8؛ حز 20: 18. لا تخالطوا الزناة، الأشرار. لا حياة حميمة معهم. لماذا؟ لكي يخجل. رج 1 كور 4: 14؛ تي 2: 8.
ج- لا تنظروا إليه كعدوّ (آ 15)
العبارة الأولى (لا تنظروا إليه كعدو) هي الأهم. والعبارة الثانية هي نتيجة (بل عظوه كأخ). فمهما كان الأمر، فليس بحيويّ بالنسبة إلى الجماعة. جاءت المقطوعة قاسية اللهجة: "الذي لا يريد أن يعمل، لا يأكل أيضاً". تميّزوه. راقبوه. ولكن كل هذا يجب أن يخفّف. لا يُطرد الأخ قبل أن نعمل ما بوسعنا لنعيده. وقساوة المسيحيّين ليست كبرياء وأنانيّة وإكراهاً. فالهدف هو الاصلاح. وليس من خطيئة إلاّ وتغفر حتى وإن اعتبرنا أن المذنب سيعود إلى خطيئته. بهذه الطريقة تحتفظ الجماعة من تأثير هؤلاء الناس، لئلاّ يشكّلوا أي خطر على الأفراد. أجل، نوبّخ العاصي ولكن نوبّخه كأخ.
2- الخاتمة، التحية والبركة (3: 16- 18)
أ- الخاتمة (آ 16)
زاد بولس على عادته خاتمة وتحيّة وبركة. أما الخاتمة فتوازي ما في 1 تس 5: 23. ولكنها أقصر. وهي لا تتكلّم عن التقديس ولا عن المجيء. هي تمنّ وتحريض معاً. في روم 15: 20 ذكر بولس إله السلام كما في 1 تس 5: 2. هنا توجّه إلى ربّ السلام. أمّا فل 4: 19 فتوكّد للمؤمنين عطيّة العون الإلهي. في غل 6: 10؛ 1 كور 15: 26؛ 2 كور 13: 11؛ أف 6: 10 ينهي بولس كلامه مشجّعاً المؤمنين. نشير هنا إلى أن خاتمات الرسائل الخاصة حتى نهاية القرن الأول المسيحي تضمّنت تمنيّات بالصحّة كان يعبّر عنها كلّ واحد بطريقته.
السلام (إيريني). رج 1 تس 1: 1؛ 5: 23. ما يخالف الحرب. وخصوصاً البركات من أجل الشعب والفرد. وفي العهد الجديد، السعادة المسحياوية التي تتضمّن جميع خيرات الخلاص بالمسيح. هناك سلام القلب، سلام مع الله، سلام بين البشر. وحين يجتمع السلام مع النعمة "خاريس" (عطية الله وحمايته)، فهو يعني الازدهار الروحي التام والتنعّم بخيرات الله.
"كيريوس" (الربّ) هو المسيح. عادة نقرأ: سلام الله. في هذه الآية نقرأ سلام الربّ الذي هو المسيح. وهكذا نجد هنا أيضاً تركيزاً على شخص يسوع المسيح. "يعطيكم السلام". رج عد 6: 26؛ أش 26: 12.
وإذ تمنّى بولس أن يكون الربّ مع جميع الإخوة، فكّر بالاخوة "الأشرار". "معكم أجمعين". هذا ما نجده في 1 كور 16: 24؛ 2 كور 13: 13؛ 1 تس 5: 25.
ب- التحيّة (آ 17)
تضمّنت خاتمة الرسائل اليونانيّة تحيّات وتمنيّات. هناك رسائل غير موقّعة. كان صاحبها يذكر اسمه في المقدّمة. ولكن كان بعضهم يملي رسالته، فيكتب آخر السطور فيها.
"السلام بخط يدي". رج 1 كور 16: 21؛ كو 4: 18. هي عبارة خاصة ببولس تدل على صخة نسبة الرسالة اليه. هذا ما يحلّ محكّ الختم في الوثائق الرسمية. "هكذا أكتب". هنا بولس يلمّح إلى طريقة كتابته التي كانت ضخمة كما يقول في غل 6: 11. الرسالة إلى فيلمون قد كتبها بولس كلها بخطّ يده. نقرأ في آ 19: "أنا بولس أتعهد بذلك بخط يدي".
ج- البركة (آ 18)
تضمّنت الرسائل الدنيوتة عبارة ة كن معافى. رج 2 مك 11: 34- 38. أما عند بولس، فيصبح التمني مباركة مسيحيّة، حيث النعمة التي وُضعت في العنوان تستعاد على أنها أثمن خير يعطى لجميع المسيحيين. "نعمة ربنا يسوع المسيح". هكذا تنتهي جميع رسائل بولس وإن اختلفت التعابير. أقصرها في كو 4: 18: "النعمة معكم". وزادت 2 تم 4: 22؛ 1 تم 6: 21؛ تي 3: 15: "أجمعين". فقالت: "النعمة معكم أجمعين". وأحلّ الرسول النعمة محلّ ما نجد في الرسائل اليونانيّة (رج أع 15: 9: كونوا معافين). نجد العبارة التالية في روم 16: 20: نعمة ربنا يسوع المسيح معكم أجمعين.
وزادت 1 كور آ 1: 23: "محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع"، فصارت البركة الختاميّة: "نعمة الربّ يسوع معكم. محبّتي معكم أجمعين في المسيح يسوع". أما في 2 كور 13: 13 فصارت العبارة مثلّثاً يتألف من النعمة والمحبة والشركة، وفيها يتدخّل الروح القدس. "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله (الآب)، وشركة الروح القدس معكم آجمعين".
وتنتهي الرسالة في بعض المخطوطات بلفظة "أمين". وهذا ما يدلّ على أنها كانت تقرأ في الاحتفالات الليتورجتة. وقراءة النصوص في الليتورجيا وفي مجمل الكنائس المسيحيّة كان الدليل على أن هذه الرسالة هي قانونيّة أي ملهمة، أنها كلمة الله تتوجّه إلى المؤمنين كقاعدة حياة لهم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM