الفصل العاشر: تحريض علي الصلاة والعمل

الفصل العاشر
تحريض علي الصلاة والعمل
3: 1- 6
نجد هذه المقطوعة في القسم الثاني من 2 تس 21: 13- 3: 6 وعنوانه: تحريضات. تنحصر هذه الآيات بين الموضوعين الرئيسيين في في الرسالة: كلامات مجيء المسيح، والتوصيات المتعلّقة بالكسالى. لا نجد في هذا القسم تعليماً عاماً ولا براهين. بل وحدات صغيرة فيها الصلوات والتوصيات والطلبات. وكل هذا يتوزّع على مجموعتين. تطرّقنا في فصل سابق إلى المجموعة الأولى (2: 13- 17) التي تتحدّث عن خلاص المؤمنين ومجدهم (2: 13- 14)، وعن الأمانة للتعليم (2: 15). وتُذكر صلاة (2: 16- 17) فيها يطلب الرسول من أجل المؤمنين العزاء والثبات. وها نحن ندخل في المجموعة الثانية وفيها يطلب بولس الصلاة لنجاح رسالته ولكي ينجو من الذين يضطهدونه (3: 1- 22). كما يطلب من أهل تسالونيكي أن يحفظوا ما أوصاهم به (آ 3- 4). وإذ يتمنى لهم البركة (آ 5)، يفتتح توصية جديدة حول العمل واجتناب الكسل (آ 6).
1- صلّوا لأجلنا (3: 1- 2)
أ- وبعد أيها الاخوة (آ 1)
ترد لفظة "لويبون" (يبقى، وبعد) فتدلّ بعض المرات على نهاية رسالة. هذا ما نجده في 2 كور 13: 11 (وبعد أيها الاخوة، كونوا فرحين)؛ أف 6: 10؛ فل 4: 8. وقد تدلّ على تبدّل في الموضوع كما في 1 تس 4: 1 (وبعد أيها الاخوة)؛ فل 3: 1؛ 1 كور 4: 2. لا نستطيع أن نقابل هذه الايات مع 1 تس 4: 1- 2 حيث تبدأ "لويبون" فكرة جديدة. ففي 2 تس 3: 1- 5، نحن أمام وحدة جديدة احتفالية واهتيابيّة: "وأوصيكم أيها الاخوة باسم الربّ يسوع المسيح" (آ 6).
"صلّوا". قد ذُكرت صلاة بولس من أجل المؤمنين في 1: 11 (لا ننقطع عن الصلاة لأجلكم). ولكن الرسول اعتاد أن يطلب الصلاة من أجله (1 تس 5: 25؛ روم 15: 30- 33؛ كو 4: 2، 18؛ فلم 22؛ رج طلب الصلاة في جسم الرسالة، 2 كور 1: 11؛ فل 1: 19). وما يلفت النظر هنا، هو أن بولس يستعيد بالضبط العبارة التي نجدها في 1 تس 5: 25: "صلّوا لأجلنا أيضاً أيها الاخوة". بعد أن صلىّ بولس لأجل التسالونيكيين (2: 16- 17)، ها هو يطلب صلاتهم. وقد جُعلت لفظة "الاخوة" في البداية. موضوع الصلاة هنا: أن تواصل كلمة الربّ جريها. أما في 1 تس 5: 25 فلا نجد موضوع الصلاة. صلّوا، واظبوا على الصلاة، كما تفعلون.
وتكون الصلاة لهدفين. الأول والأهم: أن تنجح مهمّة الرسول. أن تواصل الكلمة جريها. والثاني نجده في آ 2 (ننقذ من الناس الأشرار). إن طريقة التعبير عن الموضوع الأول تأتي في خط "بولسي" محض: حتى تجري كلمة الله وتتمجّد. بالنسبة إلى "كلمة الرب"، رج 1 تس 1: 8 حيث نقرأ: "من عندكم ذاعت كلمة الربّ". وصورة الجري تعود إلى السباق في الميدان. يحود بولس مراراً إلى صورة من يجري في روم 9: 16 (ليس الأمر في الارادة أو السعي)؛ فل 2: 16 (ما سعيت عبثاً ولا تعبت سدى)؛ غل 2: 2؛ 5: 7؛ رج مز 147: 4 حسب السبعينية.
نحن لا نجري بدون مشقّة وتعب. والصورة تدلّ على دخول كلمة الربّ إلى العالم الوثني، كما تدل على السرعة في امتداد الانجيل الذي سينتصر في النهاية. الساعي ينال الجائزة التي يحدّدها القاضي (1 كور 9: 24؛ كو 2: 18؛ 3: 15). هو يُعطي الاكليل (1 تس 2: 19؛ 1 كور 9: 25). هو يكلّل (2 تم 2: 5). ولكن بولس يقول هنا: "يكلّل مجداً"، يمجّد (رج مز 8: 6؛ عب 2: 7- 9). لا يجمع هذان الفعلان (تجري، تمجّد) لى العالم البيبلي إلاّ هنا، غير أن المعنى واضح. فلا تفسّر الآية وكأن كلمة الله ستنال مجدها بنقل المعجزات التي ترافقها. بل أن تجرىِ بمجدٍ. إن كلمة الربّ تستقي من الربّ بُعدها. في الأصل، الربّ هو الذي يمجّد. أما هنا فالكلمة. ولكي تمارس سلطانها، يجب أن نصليّ لأن نجاحها يأتي من الربّ. نحن لا نطلب من الربّ أن لا نجد عوائق ولا صعوبات. بل أن نصل بسرعة إلى الهدف بحيث يصل الانجيل إلى جميع الأمم (مر 13: 10؛ مت 24: 14).
إن بولس يرغب أن تنال كلمة الربّ نجاحاً مجيداً رغم المعارضات التي تواجهها. الفعلان هما في صيغة الماضي. وهذا ما يدلّ على نموّ ثابت متواصل. بل إن كلمة الله لاقت ملء النجاح في تسالونيكي، كما في أماكن أخرى. وقد قال بولس: "كما عندكم".
ب- ونُنقذ من الناس (آ 2)
والموضوع الثاني الذي لأجله يصلّي التسالونيكيون هو أن ينجو الرسل من الناس الأردياء الاشرار. نجد فعل "رواستاي " (1 تس 1: 10): خلِّص، أُنقذ. ينطبق هذا الفعل في 2 كور 1: 10 على الخلاص من الموت، وعلى هذه النيّة يطلب بولس من المؤمنين أن يصلّوا. وفي روم 15: 31 يطلب بولس الصلاة لكي ينجو من الكفرة في اليهوديّة. إن قضية بولس ترتبط ارتباطاً وثيقاً برسالته. وهذه النجاة هي عمل الله وحمايته.
"الناس الأردياء الأشرار". عادة تستعمل "بونيروس" مع "انوموس" (بلا ناموس) (أش 25: 4: مز 139: 1). أما بولس فاستعمل "اتوبوس" الذي يعني "غريب عجيب" ثم "شرير، جائر". ترجمة السبعينية "اون" العبرية بـ "اتوبوس" (أم 30: 20؛ أي 4: 8). فخصومه هم في الواقع يهود كورنتوس. وما يصوّره أع 18 يقابل ما تقوله هذه الآية. لن نفكر بشكل خاص في الطرد من المجمع ولا في القلاقل أمام القنصل غاليون، بل في جوّ العداوة والمضايفات التي يسبّبها اليهود. لقد انطبعت هذه الرحلة الرسولية الثانية بالاضطهاد، وبولس يعيش حالة من التوتّر والدفاع عن النفس. فاليهود هم بحسب 1 تس 2: 15- 16 أكبر أعداء بولس.
"ليس الايمان للجميع". ليس الايمان وضع الجميع. هذا ما يعرفه التسالونيكيون. تتضمّن هذه العبارة أمرين. الأول: كونوا سعداء لأنكم اخترتم الأفضل. فإن يكن الايمان للجميع إلاّ أن عدداً كبيراً لا يقتبلونه. كم يجب أن نحزن أمام الأردياء والاشرار. الثاني: نحن أمام صرخة انسان يرى العالم "طبقتين": المؤمنون واللامؤمنون. فالشيء الوحيد الذي يُحسب له حساب هو الايمان. فالسعيدون في هذا العالم هم المخلّصون. أولئك الذين اختارهم الله ودعاهم رغم الجهاد الذي ينتظرهم. حين نفكّر بجمهور الناس في المدن الكبرى التي زارها بولس، ونقابل به العدد الصغير من المسيحيين، ننمهم يقين الرسول، وعزمه على احتلال القلوب، وحكمه القاطع والمطلق.
إن مجيء ابن الله على الأرض، وملكه كالمسيح، والاستعداد ليوم المجد العظيم، وتنظيم جماعة المؤمنين، كل هذا كان بالنسبة إلى الرسول منعطفاً في التاريخ، كان البداية لهذا التاريخ الحقيقيّ الذي هو أبديّ ويُشرف على مصير كل مؤمن. لقد بدت له المسيحيّة خياراً ضرورياً أمام كلمة الربّ هذه التي "تجري". فمن لا يفتح لها الطريق، الطريق التي تقود إلى المجد، يشارك في شر الاشرار. وبين الذين رذلوا الايمان، أكثرهم خطأ هم المضطهدون، هم اليهود. وعنادهم يبقى المسألة العويصة في لاهوت التاريخ المقدس الذي بدأ مع ابراهيم. ما قاله بولس هنا في خمس كلمات سيعود إليه في روم 1- 3 ليتحدّث عن كفر (لا إيمان) الوثنيات واليهود.
2- نداء جديد إلى الأمانة (3: 3- 4)
ويعود بولس إلى وضع المسيحييّن في تسالونيكي. هم يحتاجون إلى القوّة. وهذا التكرار يدلّ على أن بولس ما زال منشغل البال بهذه الجماعة الفتيّة. هم مضطهدون. هم قد تألموا. ثم كانت شائعات حول المجيء. فظنّوا أن يوم الربّ قد جاء. وهناك منهم من لا يريد أن يشتغل. يطوفون البيوت فيبلبلون الأفكار. هناك صراع بين الخير والشرّ، بين الشيطان والله. هي أعمال قوّة الشر تعمل في الظلمة. فانقبض قلب الرسول عن بعد، فما عاد له من ملجأ إلاّ الربّ. وهو يخاف أن يعود التسالونيكيون إلى عبادة الأصنام بعد الارتداد والحماس الأول. لهذا، نراه يعظّم ايمانهم وينشر ثقته بهم. إنهم سيعملون أيضاً ما كانوا يعملون.
أ- امين هو الرب (آ 3)
ترتبط هذه الجملة القصيرة بما سبقها في وجهات ثلاث. أولاً: تلاعب على الكلمات بين "بستيس" (الايمان) و"بستوس" (الامانة). الله هو أمين. ثانياً: تجاه لا إيمان العدد الكبير تدلّون على إيمانكم. لا يحتاج بولس إلى أن يقول ذلك، ولكنه يعلن حالاً أنّ الربّ هو الذي يحرّك إيمان التسالونيكيين ويسنده. ثالثاً: اذا كنا نحتاج إلى صلواتكم تجاه تصرّفات الاشرار والاردياء، فأنتم تستطيعون أن تجعلوا ثقتكم في ذلك الذي أو أمين، وهو يثبّتكم ويحفظكم من هجمات الشرير.
نقرأ عادة "أمين هو الله" (1 كور 1: 9؛ 10: 13؛ 2 كور 1: 18). أما في 1 تس 5: 24، فيسوع المسيح هو الأمين. وهو يكفل ما بدأ به. كل هذا القسم من الرسالة تشرف عليه صورة انتصار يسوع المسيح. ونجد هنا "بونيروس" الشرّير. صراع ينتهي حين يدوس الربّ الشرير وأعوانه في يوم الدينونة وتمام كل شيء.
يرى بولس أن العالم الشرّير قد انتشرت فيه قوى الشرّ التي هي "أقوى" من البشر. هذا ما نجده في صلاة الربّ. فالعالم واللامؤمنون، بل المؤمنون انفسهم يهدّدون. ويرى بعضهم في صيغة الذكر (بونيروس) أننا أمام إبليس (أف 6: 16؛ مت 5: 37؛ 6: 13). ولسنا ققط أمام قوة شرّ يعبرّ عنها بصيغة الحياد (روم 12: 9).
لا يعد بولس التسالونيكيين بأنهم سينجون من الاضطهاد (1 تس 3: 4)، بل بأنهم سيتقوّون في إيمانهم (1 تس 3: 2) وفي حياتهم (1 تس 3: 13؛ 2 تس 2: 17)، وأنهم سيفلتون من قبضة الشيطان (1 تس 2: 18؛ 2 تس 2: 9). والرسول قد علّمنا أن الأنسان لا يجرّب فوق طاقته. فالله "يجعل مع التجربة مخرجاً لتستطيعوا أن تحتملوا"، تقاوموا (1 كور 10: 13).
ب- لنا الثقة بكم (آ 4)
الربّ نفسه يعطي بولس الثقة بأن التسالونيكيين سيكونون أقوياء، أنهم سيعملون ما أوصاهم به بولس، وسيظلّون كذلك. كما أن بولس هو أكيد ثمن حماية الربّ للمؤمنين، فهو متأكد من نوايا هؤلاء المؤمنين. فالله الذي يساعدهم هو الذي يعطي هذا اليقين لبولس. كل شيء يجري أمام الرب، بفضله، فيه.
أيكون التسالونيكيون كتبوا إلى بولس؟ ربما. غير أن جوابه يبدو قصيراً. ولكنه قال: أنا واثق. وشدّدت صيغة الفعل على أن ثقته تدوم. نثق بكم في الربّ. كان بولس قد قال في آ 3 إن قوة الربّ هي في المسيحيّين. وها هو يقول الان إن ثقته تأتي من المسيح، تتأسّس على المسيح، على التأكد من مساعدته. لسنا أمام ثقة بشريّة. فالعلاقة بين بولس والمسيحيين تمرّ دوماً في المسيح. مثلاً نقرأ في غل 5: 10: "وإني لواثق بكم في الربّ أنكم لا ترتأون شيئاً آخر". وفي روم 14: 14: "إني عالم ومتيقّن في الربّ يسوع" (رج فل 2: 24).
هم يعملون ويظلّون يعملون. صيغة المضارع تدلّ على النموّ المتواصل. بمَ كان يفكّر بولس حين ذكّرهم بهذه الوصايا؟ أبفرائض أخلاقية كما يدلّ على ذلك فعل "بارنغالا" (أوصى)؟ أبيقين الخلاص؟ ولكن الفعل هو لا صيغة الحاضر. نحن بالاحرى أمام إرادة بولس كما عبرّ عنها بكرازته ورسالته حرل التعليم والاخلاق. هي توجيهات.
3- تمنيّات وتوصية جديدة (3: 5- 6)
أ- ليرشد الربّ (آ 5)
استعاد بولس عبارة استعملها في 1 تس 3: 2، فتوتجه إلى الربّ (لا إلى الله)، وهكذا أنهى التحريض القصير الذي يفصل القسم الرئيسي في رسالته (2: 1- 12) عن النصيحة المهمّة التي تنهي هذه الرسالة (3: 5- 15). ليوجّه الربّ قلوبهم نحو المحبّة التي يجعلها الله فيهم، ونحو الصبر الذي يعطيه.
في عشر آيات يتحوّل فكر الرسول إلى صلاة ثلاث مرات. وهذه مي المرّة الثالثة (يرشد الرب قلوبكم). ما يلفت النظر في ديانة بولس العميقة، هو أن الربّ ليس فقط ذلك "المالك" في السماء. إنه الربّ الذي يتدخّل في تاريخ خلاص كل من المؤمنين، في جهادهم وآلامهم. فهو يحيط بهم بحبّه ولطفه الفاعل، فيحميهم من ضربات العدوّ الخفيّ، ويوجّه خطاهم إلى "محبّة الربّ" و"صبر المسيح". لا نظرة ضيّقة في هذه الديانة. لأن يسوع المسيح هو الله.
في 1 تس 3: 11 (ليهدِ طريقنا إليكم إلهنا وأبونا) طلب بولس من الله الآب ومن الربّ يسوع أن يقودا الرسول إلى المؤمنين. أما هنا فتوجّه فقط إلى الابن. في 1 تس 3: 11، كان الفعل في صيغة المفرد، فدلّ على وحدة العمل بين الاب والابن. وهنا، إذ توجّه بولس إلى الربّ (يسوع المسيح) وحده، دلّ في خطّ المقطوعة كلها أن إله المسيحيين بالنسبة إليه هو يسوع المسيح. وإذ كان متيقناً من أمانة الربّ، توسّل إليه لكي يساعد على تنفيذ التوصيات التي أعطاها الرسول للمؤمنين.
"يرشد الربّ قلوبكم". هي عبارة عبرية (هـ ك ي ن. ل ب ب. إل) نجدها في 1 أخ 29: 18؛ 2 أخ 12: 14؛ 19: 3؛ 30: 33. إن عمل الله هو في قلب الانسان. وهو يوجّه ويقود إرادته فيجعل ارتقاءه ممكناً. أما الوجهتان اللتان إليهما تنقاد القلوب فهما محبة الله وصبر المسيح. نجد عبارة محبّة الله في روم 5: 5؛ 8: 32؛ 2 كور 13: 13. وهذه المحبّة ليست محبتنا لله، بل محبّة الله لنا. الربّ هو الوسيط، وهو يقود القلوب حين يفتحها، فيجعلها مستعدّة لتقبّل ما يقدّمه الله لها. أي محبته. فالمسيح يعطي المؤمن أكثر مما يطلب منه، ولا يفرض شيئاً لم يعطه إياه.
"صبر المسيح". هناك ثلاثة شروح لهذه العبارة. فلفظة "هيبوموني" تعني انتظار المسيح. رج السبعينيّة مع كلمة "قوه" (العبرية) التي تعني تاق، ترجّى، وكلمة "ي ح ل" (انتظر، تاق)، وكلمة "ح ك ه" (انتظر بصبر). الله هو رجاء اسرائيل (مز 38: 8). رجاء الانسان. والاتقياء هم الذين ينتظرون الربّ، يتوقون إليه (مز 26: 9- 24). وقد اتخذ هذا الانتظار معنى خاصاً على مستوى الرجاء الاسكاتولوجي (أش 25: 9؛ حب 2: 3). فطوبى للذي ينتظر حتى النهاية (دا 12: 12؛ زك 6: 14).
يعتبر اليوناني أن الصبر الذي لا ردّة فعل فيه هو ضعف. فهو لا يطلب من آلهته أن يحققوا ما لا يستطيعه بنفسه. فالتاريخ هو عمل البشر. أما اليهودي فيحسب حساب مجيء الربّ الذي سيكافئ الاتقياء بناء على العهد الذي قطعه معهم. بهذه العقليّة يرتبط النصّ الذي نقرأ. ونقرأ في المعنى عينه رؤ 1: 9 (صبر يسوع). نحن هنا أمام صبر وثبات في الانتظار والرجاء.
الشرح الثاني: ثبات لكي نترجّى ربنا يسوع المسيح. هكذا نكون أمام تكرار لما نقرأ في 1 تس 1: 3. والشرح الثالث: تحقيق شجاع للأعمال الصالحة (روم 2: 17؛ 2 كور 12: 12) واحتمال صابر للألم (2 تس 1: 4) لا يكون منفعلاً فقط (2 كور 1: 6؛ 6: 4). في هذا المجال نكون أمام ثبات وسط المحن والآلام على مثال المسيح. أو: الصبر الذي يعطيه المسيح. في روم 15: 5 نقرأ عن إله الصبر. هذا لا يعني أن الله هو صبور، بل أنه ينبوع الصبر والثبات، وكل هذا عطيّة من الربّ كما تقول كو 1: 11: "تتقوّون على كل وجه بحسب قدرته المجيدة".
وكما يقود الربّ النفوس إلى الله الذي يصبّ فيها محبته، كذلك يقودها إلى المسيح لكي يعطيها الصبر في الآلام. صبر المسيح عبارة تشبه عبارة محبّة الله. ونجد الظاهرة عينها في 1 تس 3: 11- 13 حيث الله والربّ يثبّتان القلوب أمام الله الاب حين مجيء ربنا يسوع المسيح.
في 2 كور 1: 5، آلام بولس هي آلام المسيح. لا لأنه يحتملها من أجل المسيح فحسب، أو اقتداء بالام المسيح، بل لأن المسيح نفسه يتحمّلها، فيتمّ في أعضاء جسده السريّ ما ينقص من آلام الرأس. ونقول الشيء عينه: صبر المؤمنين هو صبر المسيح. فهو يتحمّل ويصبر في كل واحد منهم.
ب- ونوصّيكم أيها الأخوة (آ 6)
وقدّم بولس توجيهاً جديداً كما في 1 تس 4: 10؛ 5: 14. هي وصايا جديدة أعطاها الرسول حين حمل إليهم البشارة فدعاهم إلى أن يعملوا بأيديهم. لم نعد فقط أمام توصية بل أمام أمر جازم. ولكن بولس خفّف من قوته حين جعل لفظة "الاخوة" (الرابع الاحتفالي ظهر حين عاد الرسول إلى سلطة ربنا يسوع المسيح كما في 1 كور 5: 4؛ 6: 11؛ كو 3: 17؛ أف 5: 20).
وعى بولس أن تحريضاته (التذكير بالوصايا) لم تكفِ أهل تسالونيكي، فعاد إلى سلطته كرسول، وتوجّه إلى الكنيسة كلها، إلى جميع الاخوة، لا كأفراد، بل كجماعة. فالموضوع هو خير الكنيسة كلها. والكلام "باسم الرب" يعني كفالته بحيث تصبح "الاوامر" التي يصدرها بولس وكأن الربّ يصدرها.
"أن تجتنبوا كل أخ". قد يكونون أقليّة. لا يطلب بولس أن يُرذلوا من الجماعة حتى في 1 كور 5: 11 (لا تؤاكلوا مثل هذا الرجل). "الإخوة الذين يعيشون في الكسل، في الفوضى". يلومهم بولس لأنهم لا يعملون. ويزيد: لأنهم يعصون حين لا يعملون، ويهتمّون بما لا يعنيهم. حياتهم تخرج عن القاعدة المتّبعة في الجماعة المسيحيّة. لهذا، نبتعد عنهم.
"ولا يتقيّد بالتقليد". هؤلاء الناس الذين لا يعيشون كما يليق بالمسيحي، لا يتصرّفون حسب التعليمات التي تسلّموها منا. لسنا هنا أمام التقليد كله، بل أمام ما علّمهم الرسول أن يؤمنوا به ويعملوا بموجبه. غير أن التأكيد يبقى عاماً. وبولس قد زرع في هذه الكنيسة الفتيّة طريقة التصرّف بحسب النظام المسيحيّ.
التقليد الذي يتحدّث عنه بولس هنا ليس التعليم الرسولي كله كما في 1 تس 2: 13؛ 1 كور 15: 1- 11؛ غل 1: 11- 12؛ كو 2: 6- 8 الذي يتميّز بارتباطه بالله أو بالربّ ارتباطاً جذرياً، والذي تكفله السلطة الرسوليّة. بل هو مجمل التوصيات الرسوليّة كما في 1 كور 7: 10، 12، 40؛ 9: 14. وتسلّم هذه الفرائض الاخلاقيّة باسم الربّ. فيبقى على المؤمن أن يتقيّد بها.
خاتمة
بعد أن تكلّم بولس عن المضايقات التي يواجهها قرّاؤه الآن وسوف يواجهونها، طلب الصلاة لكي يتتابع عمل الانجيل كما بدأ. كما طلب لقرّائه أن يمتلئوا ثقة بأمانة الله التي لا تتزعزع. وكما حدّثهم الرسول عن صلاته من أجلهم، ها هو يدعوهم لكي ينضفوا إليه في الصلاة من أجل هدفين: أن تتابع كلمة الله جريها. أن ينجو الرسل من الناس الاشرار، من اليهود الذين يحاولون أن يدمّروا العمل الذي قام به المرسلون في تسالونيكي. ولكن ثقة بولس بهذه الجماعة كبيرة، وهي ثقة امتلأت من محبّة الله ومن الصبر الذي ينفحها به المسيح.



Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM