الفصل التاسع: تحريض علي الثبات

الفصل التاسع
تحريض علي الثبات
2: 13- 17
تعود هذه المقطوعة إلى القسم الثاني وعنوانه: كلمات تشجيع. وهو ينقسم إلى مجموعتين. الأولى التي ندرسها الآن هي تحريض على الثبات. والثانية التي نعود إليها في فصل لاحق هي تحريض على الصلاة والعمل.
تبدو هذه المجموعة الأولى ي ثلاث محطات: فعلل شكر (2: 13- 14) ترتبط به رسمة قصيرة عن تاريخ الخلاص. في المحطة الثانية (2: 15) نجد تحريضاً يدعو فيه بولس المؤمنين لكي يحافظوا على التقاليد التي تسلّموها، وهو يرتبط ارتباطاً ضمنياً بالآيات السابقة التي تحدّثت عن الإنجيل. وفي النهاية (3: 16- 17) نقرأ صلاة يطلب فيها بولس من أجل التسالونيكيين العزاء والثبات الروحي.
كان بولس قد تكلّم عن الأشقياء الذين عملوا بأيدهم من أجل خرابهم. فشكر الله لأن المؤمنين اختارهم الله، فاستندوا إلى هذا الخيار لكي يعيشوا في القداسة والحق، في الخلاص والمجد (آ 13- 14). واستنتج الرسول: يجب أن تكونوا ثابتين. يجب أن تتمسّكوا بالتقاليد التي وصلت إليكم مشافهة أو مراسلة (آ 15). وتنتهي هذه المقطوعة بتمنٍ حارّ: لتكن معكم قوة الربّ وعزاؤه (آ 16- 17).
1- فعل شكر (2: 13- 14)
أ- أما نحن فيجب علينا (آ 13)
تأتي عبارة "أما نحن" في البداية، فتبدأ تعارضاً بين مصير الكفرة والاشرار (آ 8- 12) واختيار التسالونيكيّين. صوّر بولس مصير هؤلاء الأشقياء، وها هو يشكر في هذه "الخاتمة" الله على سعادة المؤمنين، على سعادة الاخوة المحبوبين من الربّ. فالخيرات التي نالوها من الله مهمّة وعديدة: دُعوا فصاروا موضوع قرار إلهيّ أبديّ. أعدّوا للخلاص وعمل التقديس والايمان، وعمل الروح وقبول الحقّ. وأخيراً، فعل هذا القرار الإلهي فعله حين دُعوا إلى الانجيل الذي هو طريق المجد.
"أيها الاخوة أحبّاء الربّ". عرف العالم القديم لفظة أخوة فدلّ على الانتماء إلى بلد واحد (وإلى قبيلة واحدة). وانتقلت اللفظة إلى الجماعات الدينيّة. هذا ما نجده في العالم العبرانيّ (إر 22: 18). وانتقل هذا الاستعمال إلى العهد الجديد (مت 5: 22- 24؛ 7: 3 ي؛ عب 2: 12؛ 7: 5). ولقد شدّد يسوع على الاخوّة بين التلاميذ (مت 23: 8؛ لو 22: 32. وهذه الاخوّة لا تستند إلى رباط الدم ولا إلى الصداقة الطبيعيّة. بل إلى التعلّق بإله هو أب، ومسيح هو الربّ الذي يجعلنا شركاء في بنوّته. واستعمل بولس هذه اللفظة استعمالا واسعاً (10 مرات في روم؛ 20 مرة في 1 كور؛ 3 مرات في 2 كور؛ 9 مرات في غل؛ 6 مرات في فل؛ 14 مرة في 1 تس؛ 7 مرات في 2 تس؛ مرة واحدة في فلم؛ ولا مرة في أف وكو).
حين يستعمل بولس "الاخوة" يشدّد على عاطفة المحبّة (1 كور 5: 11؛ 6: 5- 8...). كما يشدّد على علاقة المؤمن بالله والمسيح (روم 8: 14- 17). وتأتي "أحبّاء الله" فتبرز هذا المعنى.
"اختاركم". فعل "هايروماي". يرد فقط ثلاث مرات في العهد الجديد (فل 1: 22: لا أعرف مادْا أختار؛ عب 11: 25). نحن هنا أمام اختيار الله من أجل التسالونيكيّين. رج تث 26: 18: "اختارك الله اليوم لتصير له شعباً". هي المرة الوحيدة التي فيها يستعمل بولس "هايروماي" بدل "كاليو" (دعا) ليدلّ على هذه المحبّة. وحبّ يسوع هذا يصبح ملموساً في اختيار الله من أجل الخلاص.
"من البدء". إن لفظة "ارخي" تدل على بداية الزمن أو الصفّ والقوة والملك والوظيفة. هذا في اللغة الدنيويّة. أما السبعينيّة فجعلتها مرادفة لـ "راش". في العهد الجديد تعني اللفظة البداية الزمنيّة. و"من البدء" قد تعني بداية الخلق (عب 1: 10؛ مت 19: 4، 8) أو بداية حياة يسوع (لو 1: 2؛ يو 15: 27) أو بدايات الكنيسة (1 يو 2: 24؛ 3: 11؛ 2: 7). أما هنا فالرسول يحيلنا كما في 1 تس 1: 4 إلى مخطّط الله، إلى الاختيار الأول والدعوة الأولى.
"للخلاص في تقديس الروح والايمان الحق". هناك توق إلى شيء أو إلى شخص وذلك منذ الأبد. الينبوع هو في اختيار الله. الهدف هو المجد. والواسطة هي الخلاص. بالنسبة إلى الخلاص (سوتيريا)، رج 1 تس 5: 8. لسنا هنا فقط أمام خلاص الجسد بالقيامة. فالخلاص يحلّ محل ملكوت الله عند القديس بولس. ولقب يسوع هو المخلّص "سوتير" ولا سيّما في الرسائل الرعائيّة. الخلاص هو مفهوم عام يحدّد موقع تعليم بولس ويغطّي الماضي (الصلب والقيامة) والحاضر الذي فيه نتّحد بعمل المسيح والمستقبل الاسكاتولوجي. فنحسّ أن الخلاص يشير إلى خير نحصل عليه في المستقبل. نحن ننتظر الخلاص (فل 3: 20). يجب أن "نصنع خلاصنا" (1 تس 5: 9؛ فل 2: 12).
"الإيمان الحق". رج فل 1: 27؛ كو 2: 12. ونجد لفظة "بنفما" (الروح). كيف نفسّرها؟
أولاً: تدل على الروح القدس. هذا ما يقوله عدد كبير من الشرّاح (رج 1 تس 4: 3- 8؛ 5: 23؛ 1 بط 1: 2). إن تقديس المؤمن يتمّ بالروح الذي يُعطى له. لسنا أمام شهادة قداسة يعطيها الروح في الجماعات، بل في قلب المؤمن. فهو يتقدّس لا بفعله أو بل بفعل الروح الحالّ فيه. بهذا يصبح الخلاص حاضراً منذ الآن. والقداسة ليست عطيّة آليّة (سحريّة): يجب أن نكون آمنّا. أن نؤمن الآن ونظل في الايمان. وهذا الايمان يحوّل المؤمن إلى الحقيقة المسيحيّة. حينئذ تصبح الحقيقة (أو: الحقّ)، شأنها شأن الروح، ينبوع عطاء كامل للذات للتدبير الجديد، فتؤمّن الخلاص.
بهذه العبارة نجد كل سيرة الخلاص: هو عمل الروح وهو أيضاً عمل الانسان. الروح يساعد، والانسان يتجاوب. لا يحتاج بولس إلى شرح هذه الحقيقة. فقد دلّ بما فيه الكفاية على نتائج الرفض. وهو يلاحظ الآن الخير الذي يرافق القبول. فالمسيحيّة ليست فقط اختيار الله بل هي أيضاً اختيار الانسان. قال بولس لأهل فيلبي: الله يصنع فيكم الارادة والعمل. ولكن عليهم هم أن يستخلصوا النتائج ويشاركوا في هذا العمل (فل 2: 12- 18). هذا هو دور الروح القدس في تقديس المؤمن (1 تس 4: 3- 8؛ روم 15: 16؛ 1 كور 3: 16- 17).
ثانيا: هناك من يجعل من "بنفما" نشر الانسان على ما في 1 تس 5: 9. هنا نقابل بين الذين يستسلمرن للشرّ وأولئك الذين يتقدّسون داخلياً. عند ذاك يكون "الايمان" مرتبطاً بمضمون التعليم المسيحي (الايمان بالحقّ) أو الايمان الذي يعطي الحقّ. في هذه الحالة الأخيرة كما أن الروح هو عامل التقديس، الحقيقة هي عامل الارتباط بالله.
ب- إلى هذا دعاكم (آ 14)
وتواصل آ 14 تصوير مسيرة الخلاص. فعمل الله له هدف محدّد وهو الخلاص. وهو يتضمّن وسيلتين: التقديس والايمان. عطيّة الروح وعمل الانسان. والوسيلتان تكوّن وحدة هدفها الأخير هو المجد. اعتبر بعضهم "وإلى هذا" على أنها مرتبطة فقط بالخلاص، أو بالايمان، أو بالاثنين معاً. يخص الاساس، بولس يفكّر في خيار الله الذي يشمل الخلاص والتقديس والايمان. فمخطّط الله يتحقق بكشكل ملموس في النداء (دعاكم، كالاين) الذي هو عنصر عام في الارتداد. لقد أشار بولس إلى ذلك في 1 تس 2: 13؛ 4: 7؛ 5: 24؛ 2 تس 1: 11. وسيجد فكل بولس التعبير النهائي في روم 8: 30 (سبق فحدّدهم إياهم دعا، والذين دعاهم إياهم برّر). فبين هذا النداء التاريخي الذي ظهرت نتيجته في الارتداد والجزاء النهائي في المجد، هناك كرازة الانجيل التي تبرّر تبريراً يحمل المجد.
"إلى اقتناء مجد ربنا يسوع المسيح". إن حرف الجرّ (ايس، إلى) يدلي على النتيجة الأخيرة للاختمِار والدعوة، وتفسير الخلاص الذي يكمن في امتلاك مجد ربنا يسوع المسيح. والاقتناء (بارسبوياسيس) نقرأ عنه في 1 تس 5: 9 (لاقتناء الخلاص). كلمة نادرة. وهي تدلّ على ما اقتنيناه، على الخير والملك. رج 1 بط 2: 9 (شعب صار ملك الله)؛ أف 1: 14 (افتداء ملكه). وفي عب 10: 39: اقتناء. في المعنى الفاعل (أنا أقتني) والمعنى الذاتيّ (أصبح اقتناء).
إن مجد ربنا يحيلنا إلى 1: 9؛ و1 تس 2: 12 حيث يُذكر مجد الله الذي يُدعى إليه المؤمن. هذه الفكرة نجدها في 2 تم 2: 10؛ 1 بط 5: 10. فالربّ يسوع يمتلك المجد. تلك هي صفته كالربّ: فالقدرة في البهاء تسطع في يومه أي حين يأتي ملكوته (مت 19: 28؛ 25: 31؛ لو 24: 26؛ فل 2: 9- 11؛ تي 2: 13). والاقديسون ينعمون بهذا المجد (1: 10). إنه ميراث المسيح الذي أشركنا فيه الله (1 كور 15: 23). لأننا شركاء معه (روم 8: 17)، نستطيع أن نمتلك الخلاص. ونستطيع أن نمتلك المجد. لا نكون جامدين بل نشارك الله في هذا الامتلاك، في هذا الاقتناء. هو المعنى عينه الذي نجده في "الإيمان الحقّ". فالحياة الحاضرة والحياة المقبلة ترتبطان معاً في فعل واحد. منذ الان مجد المسيح حاضر ولكنّه لا يتمّ إلاّ حين يثبت فيه المؤمنون إلى الأبد.
2- أمانة للتعاليم (2: 15)
يبدو أن هذه الاية تقطع تسلسل الأفكار. فبعد الشكر يجب أن ننتقل إلى الصلاة (آ 16- 17). غير أن امتلاك المجد وذكر "انجيلنا" جعلا بولس يعطينا نصيحة يدعونا فيها إلى الأمانة: اثبتوا، تمسّكوا. لا يرتفع بولس إلى المخطّط الإلهي إلاّ ليطلب من المؤمنين ثباتاً أكثر وسهراً في المحافظة على التقليد. إذن، التفت إلى إخوته وحرّضهم بمجّة: قد اختارهم الله ودعاهم. والروح والحقّ جعلاهم قديسين ومؤمنين. وهم يسيرون الآن إلى الخلاص والمجد. ولكن من أجل هذا، يجب أن يكونوا ثابتين. وكيف يكون هذا الثبات؟ بالتعلّق بالتقاليد. فالخطر الكبير لكنيسة تسالونيكي هو أن تحرّكها البلبلة. فليكن المؤمنون أقوياء في الاضطهادات، لأن المهم بالنسبة إلى الكنيسة هو الأمانة للتعاليم التي تسلّمتها. هذه هي القاعدة الصحيحة إذا أرادت أن تمتلك المجد وتخلص.
* إن تعاليم بولس هنا تُعتبر تقاليد. وهكذا ننظر إلى بولس كلاهوتيّ التقليد. هنا نميّز نوعين من النصوص. النوع الأول: بتماهى التقليد مع التقليد الرسولي، مع الانجيل (1 تس 2: 13؛ 1 كور 15: 1- 11). النوع الثاني: نحن أمام عادات مسيحية صارت شريعة، صارت تقالبد دينيّة (1 كور 11: 2؛ 2 تس 3: 6؛ 1 تس 4: 15). ولكن هل هناك مسافة بعيدة بين الاثنين؟ أما تنبع التقاليد من التقليد الرسولي؟
* إن الكرازة حول يسوع المسيح تتمّ في حركتين من التسليم والقبول. في 1 تس 2: 13، شكر بولس الله لأن المؤمنين تقبّلوا كرازته بالطاعة، لا على أنها كلمة بشرية، بل أنها كلمة الله. وفي نهاية 2 تس سوف يطلب من المؤمن أن يتجنّبوا الاخوة الذين لا يوافق سلوكهم ما تسلّموه منه من تقليد (3: 6). كان قد توسّل إليهم لكي يسلكوا سلوكاً يليق بالله كما تعلّموا منه (1 تس 4: 1). وها هو يطلب منهم الآن أن يثبتوا في التقاليد الشفهيّة والمكتوبة.
* التقليد البولسي هو هو. 1 كور 11: 2: "تحفظون التقاليد كما سلّمتها إليكم". لقد تسلّم بولس من الرب ما صنعه يسوع وقاله في العشاء السّري (آ 23). وإن 1 كور 15: 1- 5 تتضمّن التقليد الكبير حول آلام يسوع وموته وقبره وقيامته وظهوراته. ونقرأ في روم 6: 17: "أطعتم قاعدة التعليم". وفي فل 4: 9: "وما تعلّمتموه، وتسلّمتموه وسمعتموه مني، ورأيتموه فيّ فمارسوه".
وخلاصة القول، تسلّم الرسل أمراً بالكرازة. غير أن بولس يعتبر الكرازة والتعليم والانجيل والشهادة على أنها تقاليد يجب أن نقبلها على أنها كلمة الله لا وصايا البشر (رج مر 7: 8- 9).
تسلّم بولس وحياً وتقليداً تسلّمه من الربّ ومن الكنيسة. وسلطانه يأتي من صفته كرسول وشاهد وكواعظ أوكل بهذه الرسالة. هي سلطة مطلقة وغير مشروطة. وكلامه لس كلاماً بشرياً بل كلام الله. والتقليد هو شكل من الشهادة الرسولية. ليس هو بالضرورة شهادة وصلت بالأذن والعين. إنه شهادة واعتراف. رلكن هذا الاعتراف بالمسيح والانجيل يتخذ قيمته من الرسالة التي تسلّمها بولس من المسيح. وهكذا صار التقليد تعليماً وقاعدة.
3- صلاة وتمن (2: 16- 17)
أ- وربنا يسوع نفسه (آ 16)
شجاعة وقوة. خيران للمضطهدين والذين يأخذون على محمل الجدّ متطلّبات الانجيل. فهؤلاء المرتدّون الجدد الذين اجتذبهم الشر كما اجتذب البشريّة، احتاجوا إلى عون ليثبتوا ويحافظوا على تعليمات الرسول، فحياتهم وعملهم وكلامهم لن تكون صالحة إلا إذا عاونهم الله. ولكن الله هو الربّ يسوع والله الاب. وهما واحد. حبّهما واحد، وعطاؤهما واحد. وكذلك تشجيعهما وقوّتهما. لقد أحبَّانا، فكان لنا هذه الفوّة وهذا الرجاء.
نجد الدعاء إلى المسيح والله في 1 تس 3: 11- 13. ولكن المسيح ذُكر هنا أولاً، وفي 1 تس ذُكر الله ثم المسيح (رج غل 1: 1 و2 كور 13: 13). نلاحظ أن 2: 13- 3: 5 مطبوعة جداً بالطابع الكرستولوجي. يُذكر اسم المسيح 8 مرات في 10 آيات. ولا يُذكر اسم الله إلاّ 3 مرات. ولن نتعجّب بعدما قرأنا 2: 1- 12. فيسوع هو الصورة المركزيّة في دوره كالربّ (كيريوس) الذي يُذكر كذلك 7 مرات.
"محبّنا". الذي أحبّنا (رج 1 تس 3: 11). المسيح أحبّنا، والله أحبّنا. فبولس يتحدّث مراراً عن حبّ الله (3: 5؛ روم 5: 5؛ .: 39؛ 2 كور 13: 13) وحبّ المسيح (روم 8: 35- 37؛ 2 كور 5: 14). والربّ هو أساس كل تعزية (روم 15: 5؛ 2 كور 1: 3). والمسيح كذلك (فل 2: 1). الله هو أساس كل ثبات (روم 15: 5) والمسيح هو أساس رجاء المجد (كو 1: 27).
لقد ظهرت محبة الله باختياره ودعوته، غير أن حبّ الله هذا قد تجلىّ في آلام يسوع وموته. فبألم المسيح وموته صرنا أحبّاء الله.
"وأعطانا". فالتشجيع الذي أعطاه الربّ والآب يتجاوز الزمن الحاضر ويصل إلى الآخرة. وهكذا نكون في عالم الاسكاتولوجيا، في نظرة تتجاوز هذا العالم وتتجاوز الزمن. فالروح الذي أعطي للمؤمنين ويخلق فيهم الشجاعة لا يخضع للتبدّل ولا للضعف. والمسيحيون متيقّنون أن ما كان سيكون، لأن هذه الشجاعة خير نجد نهايته في الابديّة. إنها تقود إلى مجد المسيح. ونقول الشيء عينه عن الرجاء الذي يعطي الثبات، ويساعدنا على أن نحتمل كل شيء للحصول على الخيرات السماويّة. هذا الرجاء يمتلكه المسيحيّون (روم 8: 23) بعطيّة الروح القدس. وهو لا يخيب أحداً. لأن محبّة الله لنا قد أفيضت في قلوبنا بالروح الذي أعطي لنا (روم 5: 5).
ب- يعزّيان قلوبكم (آ 17)
إن آ 17 تعبّر عن طلب بولس: ليعزِ يسوع المسيح (والله) القلوب ويثبّتها في كل عمل صالح وفي كل قول صالح. نجد العبارة "تعزية القلب" في كو 4: 8 (يعزي قلوبكم)؛ أف 6: 22؛ رج سي 30: 23. كل مظاحر الحياة المسيحيّة حاضرة في هذه الصلاة. كل عمل وكل قول. الجماعة صالحة ولكن هناك بعض الخوف. لهذا يدعونا بولس إلى النموّ (1 تس 5: 7- 18؛ روم 2: 7)، والى النموّ بقلب كبير.
خاتمة
حرّض الرسول المسيحيين في تسالونيكي لكي يثبتوا ويحافظوا على التقاليد التي تسلّموها. فالمطلوب منهم هو أن يبقوا ثابتين في الانجيل الذي بشّروا به دون أن تخدعهم هذه الحقائق الكاذبة التي تطوف البيوت حول عودة الربّ. ولكن كيف يكون التسالونيكيون أمناء في إيمانهم وفي رجائهم إلا بذلك الذي هو وحده أما، إلاّ بالله.
وهكذا تنطلق الرسالة في صلاة. بولس هو الذي يصليّ. ويدعو التسالونيكيين إلى الصلاة أيضاً. فما يحتاج إليه المسيحيون هو الشجاعة والقوة. فليطلباهما من الله. نلاحظ هنا أن الصلاة تتوجّه في الوقت عينه إلى الاب وإلى المسيح، وهكذا تصل إلى الينبوع الإلهي الوحيد الذي منه تأتي النعمة المطلوبة. بيد أن بولس ينسب إلى الله أبينا الاختيار وإعداد المسيحيين إلى المجد.
وعى بولس هذه الدعوة، ونظر إلى المكافأة الأخيرة، فوجد فيهما كفالة الصلاة التي يتلوها فيطلب فيها التعزية والثبات في الايمان. قد مُنحت هاتان النعمتان في الماضي. ولكن بولس يطلبهما أيضاً من أجل ثبات التسالونيكيين في كل قول وفي كل عمل. في كل تصرّفهم المسيحي. فخصبُ الايمان يدلّ على صدقه. فبين الاختيار والتمجيد، هناك الحياة المسيحيّة التي تترجم ديناميّة الايمان بثمار القداسة.


Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM