مدخل إلى موشّحات سليمان

مدخل إلى موشّحات سليمان
حين نتحدّث عن موشّحات سليمان، نشير إلى مجموعة مؤلّفة من اثنتين وأربعين قصيدة، ألّفها في السريانيّة شاعرٌ عاش في بداية المسيحيّة. جاءت هذه القصائدُ من الشرق، وذكرها كتّابٌ قدماء. ولكنها اعتُبرت ضائعةً حتّى بداية القرن العشرين. إنّما وُجد النصّ عن طريق الصدفة في المكتبات. جاءت هذه النصوص متماسكة في رموزها، وقريبة من فكر يوحنا في لغتها، ومستلهمة تقليد الحكماء في الكتاب المقدّس وصاحب المزامير.
نصوصٌ صعبة، وتبدو فريدةً داخل الأدب المسيحيّ الأوّلاني. فالفنُّ الشعريّ نادرٌ في هذا المجال. لهذا لا نستطيع أن نقابلها مع نصوص تُشبهها. ثم نحن لا نعرف شيئاً عن المحيط الذي وُلدت فيه، وعن الشاعر الذي كتبها. هل هو رجل إسيانيّ اهتدى إلى المسيحيّة؟ هل هو أحد الغنوصيّين الذين يشدّدون على المعرفة السريّة التي يمتلكها الكمّال، فتُغنيهم عن معرفة ينالونها بواسطة التقليد الرسوليّ؟ أما التقليد فينسب هذه الموشّحات إلى سليمان، الذي هو نموذج الملك الحكيم في العهد القديم، كما نَسب بعضَ المزامير إلى سليمان فدُعيت "مزامير سليمان".
عنوان هذه المجموعة يجد أكثر من سنَدٍ في التقليد الخارجيّ. ولكنه غاب من مخطوطين سريانيّين. أما الكاتب الذي لا يمكن أن يكون سليمان "التاريخيّ" الذي عاش في القرن العاشر ق.م.، فقد اتّخذ صفات ذاك الملك الحكيم التقليديّة. هو كتب ما كتب، وتخفّى وراء سليمان، كما اعتاد الأقدمون أن يفعلوا، وقد توخّى أن يأخذ بعضاً من سلطته، ووُجهةً من حكمته.
مضى القرن التاسع عشر ولم نكن نعرف من هذه القصائد سوى العنوان (الموشّحات) في لوائح يونانيّة للكتب المقدّسة تعود إلى الحقبة البيزنطيّة: "إزائيّة الكتاب المقدّس"، "حوار شعريّ" حيث نجد: "مزامير وموشّحات سليمان. 2100 آية". في هذه اللائحة الأخيرة، ضُمَّت الموشّحات إلى مزامير سليمان ووُضعت بين يشوع بن سيراخ وسفر استير. في لوائح أخرى، ذُكرت مزامير سليمان وحدها، ونُسب إليها 950 آية. وهكذا بقيت 1150 آية للموشّحات، وهذا ما يقابل مساحة كل كتاب من هذين الكتابين. ونحن نجد إيراداً صريحاً من الموشحة 19: 6- 7 في "النظم الالهيّة"، وقد أورده مؤلِّف الكتاب ليُسند التعليمَ حول بتوليّة مريم العذراء: "قال سليمان في الموشحة التاسعة عشرة: "ضعُف حشا العذراء ونال الجنين. فصارت حبلى وأماً بتولاً في رحمة عظيمة".
أوّل اكتشاف لنصّ الموشّحات كان في القبطيّة، في مخطوط "الإيمان الحكمة" الذي هو مؤلَّف غنوصيّ يعود إلى القرن الثالث. أما المخطوط فيعود إلى القرن الرابع وقد نُسخ على الرقّ. اشتراه المتحف البريطاني سنة 1785، واكتشف فيه فريدريك مونستر، سنة 1812، إيرادات من موشّحات سليمان التي اعتُبرت كتاباً مقدّساً، شأنها شأن المزامير. في ف 18 نقرأ موسل 5: 1- 11؛ في ف 49، نقرأ موسل 1؛ في ف 65، نقرأ موسل 6: 8- 18؛ وفي ف 69، موسل 25: 1- 12؛ وفي ف 71، موسل 22: 1- 12. تلا ترجمةَ هذه النصوص، تفسيرٌ يحاذي السطور، فيقدّم الشرح من أجل الجماعة الغنوصيّة التي يتوجّه إليها.
سنة 1909، تعرف هاريس إلى نصّ موسل في مخطوط سريانيّ جاء من العراق. دُوّن على الورق، في القرن الخامس عشر، على ما يبدو، وتشوّه في البداية والنهاية، وهكذا ضاعت الموشَّحتان الأوليان، كما ضاع عنوانُ المؤلَّف. وبعد الموشّحات وردت مزسل. نشر هاريس النصّ حالاً، ونقله إلى الفرنسيّة باتيفول ولابور.
سنة 1912، كُشف مخطوط آخر يَضمّ الموشّحات ومزسل. اكتشفه بوركيت في المتحف البريطانيّ: مخطوط دُوِّن على الرقّ، في القرن العاشر على ما يبدو، وجاء من دير السريان في وادي النطرون، في مصر. وصل هذا المخطوطُ إلى المتحف البريطاني سنة 1843، فتضمّن موسل 17: 7 ب- 42: 20. عندئذ بدأت المقالات والدراسات فوصلت سنة 1914، أي بعد خمس سنوات للنشرة الرئيسيّة، إلى 165 مقالاً، كما قال كيتال.
سنة 1950، نُشرت الموشحة الحادية عشرة في اليونانيّة، التي وُجدت بين مراسلة بولس والكورنثيين المنحولة ورسالة يهوذا. أما الكتابة فتعود إلى القرن الثالث.
أما نحن فانطلقنا في ترجمتنا من النصّ السريانيّ كما نشره تشارلسورث، واستعنّا بما سبقنا من ترجمات في الفرنسيّة، في الانكليزيّة، ولكننا لم نلجأ إلى العربيّة مع أن هناك أكثر من ترجمة، لكي نبقى أحراراً في أسلوبنا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM