تقديم

تقديم
بعد مزامير سليمان، ها هي موشّحات سليمان التي هي صلوات وتسابيح. وبعد صلوات تُليت في المجامع اليهوديّة، وفي قلب الجماعة المؤمنة، ها هي نصوص أدبيّة متنوّعة، تُخرج الكتابَ المقدّس من سجنه الذي جُعل فيه بفعل من اعتبر أن كلام الله هو له وحده دون سواه، بحيث لا يحقّ لأحد غيره أن يلمسه، تخرجه وتجعله يتفاعل مع الحضارات واللغات التي يعيش فيها. كانت المحاولة الأولى حين نُقل نصّ العهد القديم من العبريّة، اللغة "الالهية"، اللغة "المقدّسة"، إلى اللغة اليونانية، لغة الثقافة العالمية بعد فتوحات الاسكندر التي تركت وراءها قوّاداً يهمّهم نشر الحضارة الهلينيّة (= اليونانيّة) ولغتها، لكي تتحرَّر الشعوبُ من "بربريّتها" وتتعرف إلى التمدّن. من عرف اللغة اليونانيّة. تميَّز تمييزاً كلياً عن ذاك الذي يجهلها. ونُقل الكتاب المقدس إلى الأراميّة فالسريانيّة وسائر اللغات القديمة. فلم يعد وقفاً على لغة من اللغات، بعد أن كان انتقالُه أكثر من نقل حرفيّ، جعل مترجميه يكتبونه بلغتهم، ولا يكزّون كلماته كزاً فتضيق وتخنق قارئيها ولا تمنحهم الحياة التي ينتظرون.
وخرج الكتاب المقدّس أيضاً من موقعه العباديّ، حين حاول مؤرّخون يهود عرفوا اللغة اليونانيّة، أن يكتبوا تاريخاً، شأنه شأن كل كتاب تاريخ. ومثلهم فعل الشعراء وكتّاب المسرح والملاحم. بهذه الطريقة، وصل مضمونُ العهد القديم إلى خارج الإطار اليهوديّ، ليصل إلى كل انسان مثقّف، منذ القرن الثالث ق م.
أمّا موشّحات سليمان، وعددها اثنتان وأربعون موشّحة (أو: أوذيّة كما قال العالم اليوناني)، فترتبط بالعالم المسيحيّ الآتي من عالم اليهود. كانوا يقولون إنها دُوّنت في العبريّة أو اليونانيّة. ولكن لا نقرأها كاملة إلاّ في السريانيّة. وهذا ما دفع العلماء إلى القول بأن اللغة الأصليّة للموشّحات هي السريانيّة. استندت هذه الموشّحات إلى المزامير القانونيّة، "مزامير داوود"، وتلامست مع كتابات قمران، واتّصلت اتّصالاً وثيقاً بالكتابات اليوحناويّة، كما برسائل اغناطيوس الانطاكي التي تعود إلى بداية القرن الثاني ب م. وما يميّز هذه "التسابيح" مناحُ من الفرح يُحسّ به المؤمن الذي يشارك، منذ الآن، بالخلاص بعد أن جاء المسيح.
ذكرتْ الموشّحاتُ عناصر من حياة يسوع، مثل السَير على المياه، والمعمودية، وصورة الصليب، ومولود الابن ولادة بتوليّة.كما شدّدت على صلاح الله وحنانه، ووحدة الآب والابن. أما الكرستولوجيا أو التعرّف إلى شخص المسيح، فترتبط بما نجد في رسالة بولس إلى أهل فيلبّي (2: 5- 11): ذاك الذي هو في صورة الله، أخذ صورة العبد فوصلت به الطاعة إلى الصليب. ولكن الله رفعه. والبشريّة، في هذا الكتاب، تنقسم قسمين كما في العالم الخلقيّ اليهوديّ: الضالّون، والتابعون طريق الحقّ ومعرفة الله، لا على المستوى الخلقيّ وحسب، بل على المستوى الكونيّ أيضاً.
وهكذا تتواصل معلوماتُنا عن العالم اليهوديّ الذي جاء أدبُه بين عهدين: العهد القديم مع إله ابراهيم واسحق ويعقوب، والعهد الجديد مع الله أبي ربنا يسوع المسيح الذي باركنا، في المسيح، بكل بركة روحيّة فاختارنا وتبنّانا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM