أقوال فوكيليد - مدخل إلى أقوال فوكيليد

أقوال فوكيليد

مدخل إلى أقوال فوكيليد

هذا المقال هو قصيدة تعود إلى زمن يسوع. هي ترتبط بالعالم اليهوديّ فتقدّم تعاليم متعدّدة. ارتبطت بفوكيليد الذي كان شاعرًا يونانيًا عاش في القرن السادس ق م، في ميليتس (تركيا الحاليّة). وذكره في من ذكره ستوبايوس في القرن الخامس ق م. وُجدت هذه القصيدة على اسم فوكيليد. وبما أنها ليست منه، كما سوف نرى سُمّي الكتابُ: أقوال فوكيليد المزعوم.
اشتهرت "أقوال فوكيليد" جدًا في القرون الوسيطة. وما يشهد على ذلك عدد المخطوطات الكبير. واعتبر القرّاء أن هذه الأقوال قد دوّنها حقًا ذاك الشاعر الوثنيّ. ولكن أحدًا لم يطرح السؤال: كيف عرف هذا الشاعر الوثنيّ نصوص العهد القديم؟ فكان الجواب: اكتشف بـ "العقل الطبيعيّ" كل هذا، فجاء كلامه متوافقًا مع كلام الله كما أوحي به في العهد القديم. وطُرح سؤال ثان: أخذ هذا المقال نصوصه من السبعينيّة التي بدأت تُترجم في القرن الثالث ق م. فكيف عرفها؟ هنا ظلّ السؤال بلا جواب. ورغم ذلك، ظلّ الكتاب مشهورًا خلال القرن السادس عشر. طُبع للمرّة الأولى في البندقيّة (إيطاليا) سنة 1495، وعدّة مرات خلال القرن السادس عشر وبعده. فكانت لنا 40 طبعة. ولماذا الاهتمام بمثل هذا الكتاب؟ لأنه اعتُبر مفيدًا لتربية الشبّان. فهو يقدّم خلقيّة تتوافق مع الكتاب المقدّس. وهكذا صار الكتاب المفضّل في المدارس: يقرأ الطالب اللغة الإيونيّة، وهي لغّة يونانيّة قديمة، فيتعلّم اللغة وتتهذّب أخلاقه.
ولكن منذ سنة 1591، بدأ الشك يساور البحّاثة حول علاقة هذا الوثنيّ بالكتاب المقدّس. فكان أكثر من جواب. الأوّل، كانت قصيدة قديمة فعلت فيها يدٌ يهوديّة أو يد مسيحيّة بحيث تتطابق مع نصوص العهد القديم. وقال آخرون: كان لفوكيليد معلّم عرف اللغة العبريّة، على مثال ما حصل لفيتاغوراس. وبسبب هذا الشكّ، خفّت طبعات هذه الأقوال التعليميّة.
في القرن التاسع عشر، بدأ البحث حول طبيعة هذا النشيد وأصله. فتحدّث برنايس سنة 1856، عن ارتباطه بالسبعينيّة اليونانيّة وأفكارها. وكانت مقابلة بين النصوص. غير أن هذا الباحث طرح سؤالاً: إذا كان الكاتب مرتبطًا بالكتاب المقدّس، فلماذا تكلّم عن الآلهة أكثر من مرّة. وإذا كان يهوديًا، فلماذا لم يحارب عبادة الأوثان كما فعل كتّاب التوراة بشكل خاص بعد العودة من السبي؟ وجاء جواب: عرف الكاتب بعض الوصايا فأوردها، ولكنه لم يعرف جميع الوصايا. وقال برنايس: دُوّن هذا المقال، لا في ميليتس، بل في الإسكندرية، حيث كانت جالية يهوديّة كبيرة تمرّست بالحضارة الهلينيّة. فكتبت فيما كتبت سفر الحكمة، ونقلت التوراة، وخرّجت "فيلسوفًا" اسمه فيلون الاسكندراني. وتواصلت الدراسات في الخط عينه.
في بداية القرن العشرين، وجد الباحث لنكي تقاربًا بين فوكيليد والأسيانيّين كما تكلمّ عنهم فيلون ويوسيفوس. كما قابل، سنة 1909، هذه القصيدة مع الديداكيه أو تعليم الرسل الاثني عشر. أما زيبارغ فقال: نحن أمام تعليم يتوجّه إلى مهتدين جدد إلى اليهوديّة. ثم جاءت يد مسيحيّة فحوّلت بعض النصوص التي أشارت إلى العماد. أما كلاين فشدّد بالأحرى على الطابع اليهوديّ لهذا المقال.
وكانت دراسة بلترامي خطوة جديدة. اكتشف ست قصائد موضوعها: الواجبات الدينيّة، العدل، العفّة، الانسانيّة، السيطرة على الذات، الواجبات نحو الأولاد. وقسم النصّ أبياتًا شعريّة تقابل أفكارًا نجدها عند فيلون ويوسيفوس. عرف هذا الباحث أن الكاتب يتجذّر في العالم الهلنستي، وأن الكاتب إسيانيّ تأثّر بالفكر اليونانيّ وحضارته. وطرح السؤال الأساسي: هل الكاتب يهوديّ أم لا؟
ورأى لاويس أن الكتاب دفاع يهوديّ. مواضيعه: الله، الانسان، المثال الخلقيّ، العلاقات الاجتماعيّة. ونُشر الكتاب أكثر من مرّة، وكُتبت عنه المقالات ولا سيّما في أكثر من دائرة معارف.
ُنقلت "أقوال فوكيليد" إلى الانكليزيّة والالمانيّة، ولا أدري له ترجمة في الفرنسيّة. وها نحن نقدّمه في العربيّة في إطار "الأدب الفلسفيّ والحكميّ"، وفي سلسلة "على هامش الكتاب".

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM