الفصل الثالث: نشكر الله من أجلكم

الفصل الثالث
نشكر الله من أجلكم
1: 1- 5

في سنة 51، كتب بولس إلى المسيحيّين في تسالونيكي حيث عاد منها تيموتاوس حاملاً الأخبار السارّة: فالجماعة ثابتة في إيمانها رغم الصعوبات والاضطهادات. لهذا بدأ بولس رسالته بفعل شكر حارّ امتزج بتذكّرات شخصيّة، فشكّل الجزء الأساسي في الرسالة (1: 2- 3: 13). بعد هذا، ترد بعض التحريضات وهي: المحافظة على التقاليد (4: 1- 2). اتباع مشيئة الله (4: 3- 8). العمل (4: 9- 12). تذكّر متطلّبات الحياة في الجماعة (5: 12- 22). ويأتي مقطع موسّع بعض الشيء حول نهاية الأزمنة (4: 13- 5: 11) فيسبق هذه التوصيات الأخيرة. وتنتهي الرسالة بصلاة (5: 23- 28): "ليقدّسكم إله السلام تقديساً كاملاً".

1- عنوان الرسالة (1: 1)
بدأ بولس رسالته فاستعاد الأصول الرسائليّة في أيامه. ولكنه أعطى هذه الأصول مضموناً مسيحياً. وجمع إليه في هذه الرسالة سلوانس وتيموتاوس. هي رسالة "فريق رسوليّ". لا يزيد بولس كما سيزيد في سائر رسائله لقب "رسول". فسلطته لا تلقى هنا أية معارضة.
أ- "كنيسة التسالونيكيين التي في الله الآب وفي الربّ يسوع المسيح"
كانت لفظة "كنيسة" (اكلاسيا) معروفة كل المعرفة لدى التسالونيكيين. فهي تعني في العالم اليونانيّ جماعة الشعب التي يدعوها المنادي للالتئام. غير أن المسيحيين أعطوا هذه اللفظة معنى ورثوه من العهد القديم. كانت التوراة اليونانيّة قد ترجمت "ق ه ل. ي ه و ه" (في العبريّة): جماعة الله. أي مجموعة الشعب الذي يدعوه الربّ "للحرب المقدّسة" أو لشعائر العبادة. الذي يدعوه ليكون شعبه الخاص وميراثه. هذا هو العنصر الأول وهو هام: كنيسة الله لا تكوّن نفسها بنفسها، بل تجيب على دعوة، على نداء. إن "اكلاسيا" تضمّ كل الذين لبّوا النداء (كلاسيس).
سار المسيحيّون الأولون على خطى يسوع فاختاروا هذه الكلمة مع كل تاريخها ليدلّوا على جماعتهم. نقرأ في مت 16: 18 عن بناء الكنيسة على الصخرة، وفي 18: 17 عن هذه الكنيسة التي تتوجّه إلى الضالين. وإذ فعلوا ذلك، دلّوا على أنهم وعوا أنهم يشكّلون الشعب الجديد في نهاية الأزمنة والوارث الشرعي لشعب الله في العهد القديم. هو وارث لشعب العهد القديم، ولكنه يختلف عنه: ليس هو فقط في الله، بل "في الربّ يسوع المسيح أيضاً".
هذه الجماعة الجديدة هي امتداد للشعب الذي خرج من عهد سيناء، ولكن الذي يدعوها الآن هو يسوع. من الصعب أن نحدّد الامالة الدقيقة لحرف الجر "إن" (في الله). ومع ذلك، فما هو أساسيّ هو أن الكنيسة تتحدّد على أنها مسيحيّة في علاقتين يكوّنانها: الإيمان بالله الذي انكشف أباً في يسوع المسيح. والايمان بيسوع المسيح، الربّ الذي تعبده الجماعة وتخدمه.
ولكن إن دلّت لفظة "كنيسة" على مجمل الشعب الجديد الذي هو واحد وفريد، فما هو معنى "كنيسة التسالونيكيين" (وسيقول بولس: كنيسة الكورنثيين أو كنيسة الرومانيين)، ومعنى لفظة "كنائس" (في صيغة الجمع) (كما في 1 كور 7: 17: هذا ما أرسمه في جميع الكنائس)؟ لا تمتزج كل كنيسة خاصّة بالكنيسة الجامعة، وليست هي جزءاً من رابطة كنائس. بل هي تجعل الكنيسة الجامعة حاضرة في مكان ما: إن كنيسة المسيح هذه حاضرة حقاً في كل تجمّعات المؤمنين، شرط أن تكون تجمّعات محليّة وشرعيّة. فهؤلاء المؤمنون الذين يتّحدون برعاتهم، يتقبّلون هم أيضاً اسم "كنيسة". فهم في أرضهم الشعب الجديد الذي دعاه الله في الروح القدس "وبكمال اليقين" (آ 5).
إذن، نحن أمام الكنيسة الوحيدة الواحدة، التي هي حاضرة في تسالونيكي أو في مكان آخر. ونلاحظ أن بولس يحيّي الكنيسة ولا يحيّي المسيحيّين بشكل مباشر. فشخص المسيحي تلامسه المهمّة الرسوليّة في داخل الكنيسة وبفضل انتمائه إلى الكنيسة. تلامسه ملامسة النعمة والخلاص دائماً في وسط اخوته وبارتباطه معهم.
ب- "نعمة لكم وسلام"
بدأ بولس جميع رسائله بهذه التحيّة (ما عدا 1 تم، 2 تم)، شأنه شأن 1 بط (1: 2: النعمة والسلام لكم بوفرة) وسفر الرؤيا (1: 4: نعمة لكم وسلام من الكائن). لسنا أمام تحيّة عاديّة كما نقول "مرحباً" أو غيرها من تحيّاتنا البشريّة، بل أمام مباركة لا يتلفّظ بها إلا الذين يستطيعون أن يعطوها فاعليّتها. وهكذا نفهم أن تكون هذه "التحية" قد زالت بعد الزمن الرسوليّ: فلسنا أمام شيء نستطيع أن نهبه نحن. بل الله هو الذي يهبه، والذين تسلّموا هذا السلطان منه.
نجد هنا دمجاً بين العالم اليونانيّ والعالم اليهوديّ. تأتي النعمة (خاريس) من العالم اليوناني، والسلام (شلوم، ايريني) من العالم العبريّ. لكن تمّ الدمج في العالم اليهودي، في عالم قمران وسفر اخنوخ، وذلك في علاقة مع المباركات التي نجدها في عد 6: 24- 27: "يبارككم الربّ ويحفظكم. يضيء الربّ بوجهه عليكم ويرحمكم. يرفع الربّ وجهه نحوكم ويمنحكم السلام".
تتضمّن لفظة "شلوم" محتوى غنياً جداً. هي مثال السعادة الماديّة والتناسق الاجتماعيّ. بل هي تشتمل بعد النبيّ هوشع على إعادة بناء الانسان بعد أن دمّرته الخطيئة وقطعت كل علاقة بين الانسان والطبيعة، بين الانسان والانسان، بين الانسان والله. هذا السلام هو الاسم المحسوس للعهد الجديد كما في أش 53: 5 (سلامنا أعدّه لنا وبجرحه شفينا)؛ مي 5: 4 (عظمته ستمتد إلى أقاصي الأرض ويكون سلامه سلاماً).
إذن، جعل بولس من هذا السلام بعد أن ضمّ إليه النعمة (ح ن، حنان)، موضوع رغبته العاديّة وتمنّيه، لأنه ثمر الروح، شأنه شأن الفرح والحبّ. نقرأ في غل 5: 22: "ثمر الروح هو سلام مع الله بربّنا يسوع المسيح" (رج 11: 6؛ 14: 12).
هذا السلام الذي "يفوق كل معرفة" (فل 4: 7) هو "الرباط الذي يحفظ وحدة الروح" (أف 4: 3). وهو "نهاية النداء الذي جمع المسيحيين في جسد واحد" (كو 3: 5). السلام في النهاية هو المسيح كما تقول أف 2: 14: "إنه سلامنا".

2- شكر بولس (1: 2)
أ- نظرة عامة
إن فعل الشكر يمتدّ إلى 3: 13. ولهذا، فنحن نستفيد من نظرة إجمالية إلى هذا المقطع الكبير. أولاً، شكر بولس من أجل الماضي (1: 2- 2: 13) من أجل حياة التسالونيكيين المسيحيّة التي هي ثمرة تقبّلهم لكلمة الله، هذه الكلمة التي كرز بها بولس. هذان الموضوعان يعطيان هذا القسم تماسكه. إن 1: 1- 10 يصوّر تقبّل الكلمة. و2: 1- 12 يدلّ كيف يعمل الله في الوعّاظ. وتأتي عبارة شاملة (2: 13: نحن أيضاً لا ننفكّ نشكر الله) فتوحّد بين هذين النشاطين في فعل الشكر.
ثانياً، على مدّ الطريق التي تقود من تقبّل الإيمان إلى مجيء الربّ يسوع (2: 14- 3: 13) تسطع ديناميّة الكلمة في قلب المؤمن (2: 14- 16) وفي قلب الواعظ (2: 17- 3: 10).
ثالثاً، يوجّه بولس إلى الله صلاته (3: 11- 13) من أجله هو الواعظ (3: 11) ومن أجل المؤمنين (3: 12- 13) لينموا كلهم في الحب ويثبتوا في القداسة بانتظار الربّ يسوع.
ب- "في كل وقت نشكر الله"
إن حركة الشكر هي الموقف الأساسي الذي يجعله الكتاب المقدس يلج إلى قلوبنا: يجعلنا نعيش حياتنا كلها في الاكتشاف والشكر، في اليقين بأن كل ما نحن وكلّ ما نعمل يخصّنا نحن، وفي الوقت عينه يُعطى لنا من قبل الله.
ج- "من أجلكم"
نحن هنا في خطّ معاكس لروحانيّة تدفعنا إلى أن "نخلق الفراغ فينا" لكي نلتقي بالله. فبولس يبيّن أن صلاة الراعي (مثل صلاة ربّة البيت، وصلاة العامل) تحمل في طيّاتها كل الذين هو مسؤول عنهم. وحين دخل موسى وإيليا في أعظم حياة حميمة أعطيت لإنسان، لم يكن لهما إلا صلاة واحدة على مثال جميع المتصوّفين: "أيها الربّ، اهتمّ بشعبك" (خر 34: 6- 9؛ 1 مل 19: 14). "على الدوام". أجل، بولس يذكر هؤلاء المسيحيين على الدوام. وعمله هذا هو امتداد للذكرانة الافخارستية، لتذكّر السر الفصحيّ، هذا السّر الذي يواصله المسيحيّون اليوم في حياتهم.

3- الفضائل الثلاث (1: 3)
الايمان والرجاء والمحبّة: لقد اجتمعت هذه الفضائل منذ الرسالة الأولى من رسائل القديس بولس الذي أوردها معاً بشكل طبيعيّ: إذن، كان تجمّعها في وحدة مثلّثة أمر معروف. والمهمّ في هذا الإيراد البولسيّ هو الصفات التي يضمّها الرسول إلى كل من هذه الفضائل. فهو قد عرفها. ونصح بها أهل تسالونيكي. ولكنه يُعجب بها الآن ويتأمّلها تتحقّق في حياة هؤلاء المسيحيّين.
أ- عمل إيمانكم
جاءت هذه العبارة موازية للعبارتين التاليتين. إذن، لا نستطيع أن نفهم هذا "العمل" وكأنه نتيجة الايمان، كأنه العمل أو الأعمال التي ينتجها الإيمان. نحن أمام صفة لهذا الإيمان نفسه الذي هو فعل: إنه تعلّق بالله، تعلّق بالمسيح. ليس هو فقط معرفة عقليّة، بل تعلّقاً ناشطاً ينتقل في الحياة كلّها.
ب- تعب محبّتكم
وننتقل بطريقة لا شعوريّة من الإيمان إلى المحبّة، لأن الإيمان يعمل بالمحبّة. قال بولس في غل 5: 6: "في المسيح يسوع، ليس الختان شيئاً ولا الغرلة (عدم الختان)، بل الإيمان العامل بالمحبّة". وهذا الإيمان ليس "شعراً ننشده". بل يرافقه التعب والعناء. هكذا يتميّز عن الصداقة التي لا تأتي وكأنها "طلبيّة تجارية" نشتريها. أما الحبّ فيفرض علينا بعض الإرادة. "إذا كنتم لا تحبّون إلا الذين يحبّونكم، فماذا تصنعون أكثر من الوثنيين". ذاك ما قاله يسوع في مت 5: 46- 47.
ج- ثبات رجائكم بربنا يسوع المسيح
إن اللفظة اليونانية "هيبوموني" (الثبات) تضمّ عناصر عديدة. غير أن العهد الجديد يعطيها معنى مسيحياً كاملاً. لسنا هنا أمام خضوع رواقيّ للأحداث (حرفيا: نقف تحت الأحداث لكي نتحمّلها ولا نتزحزح)، بل أمام صلابة نجد ينبوعها خارجاً عنا. نجده في آخر هو المسيح. وقد تكون هذه الفضيلة خاصّة بالمسيحيّ. وعالمنا الذي يكتشفها اليوم يلتقي مع القديس بولس. إنها في الواقع تقسم البشر فئتين. هؤلاء الذين ينعمون بالرجاء وأولئك الذين لا رجاء لهم (4: 13).


4- اختاركم الله
إذا كان بولس يرفع آيات الشكر، فلأنه يعرف عبر ما تفعله هذه الفضائل الثلاث، أن هؤلاء التسالونيكيين، هؤلاء الأخوة أحبّاء الله، قد اختارهم الله، انتخبهم. والكلمات التي تشير إلى الدعوة والنداء هي غنيّة جداً عند القديس بولس. فهي تعود إلى جذرين اثنين: الاختيار (اكلاغوماي، اكلوغي، اكلكتوس)، والنداء (كاليو، كلاسيس، كلاتوس). الفعل، الاسم الصفة. اختار، الاختيار، المختار؛ نادى، النداء، المنادى (أو دعاء، الدعوة، المدعوّ). لا نستطيع أن نفهم هذه الكلمات إن لم نجعلها في مجمل مخطّط الله كما عبرّ عنه العهد القديم.
إن الله اختار شعباً يكون له "مقاماً" في العالم، يكون علامة حضوره وحبّه. وحين طبّق المسيحيّون على نفوسهم هذا المعنى، دلّوا على أنهم وعوا أن هذا الاختيار الالهي لم يصر باطلاً حين رفض اسرائيل أن يتعرّف إلى المسيح: بعد اليوم صار الشعب المسيحي حاملَ هذه الدعوة.
هل نستطيع أن نميّز بين "الاختيار" (أو: الاصطفاء، الانتخاب) و"النداء"؟ حين نقرأ النصوص البولسيّة الكبرى (خصوصاً روم 8: 28- 30؛ أف 1: 1- 12) نستطيع القول إن "الاختيار" يعبرّ بشكل خاص عن اختيار الله لشعب منذ الأزل. أما "النداء" (أو الدعوة) فيعود إلى النداء التاريخيّ الذي يلامس البشر بشكل محسوس بواسطة الكرازة بالانجيل.
إن الاختيار يصبح ملموساً لكل واحد منا بالنداء الذي يصل إليه (كلاسيس). ومجمل الذين يجيبون على هذا النداء (أولا: الدعوة) يكوّنون الكنيسة (اكلاسيا). ولكن لا يبدو هذا التمييز ثابتاً وإن كان واقعياً: ففي المقطع الموازي من 2 تم 1: 9 نجد لفظة "كلاسيس". أما هنا فنجد "اكلوغي". وفي 2 بط 1: 10 نجد اللفظتين في الجملة الواحدة.
مهما يكن من أمر، يبقى أنه هو الذي يختارنا ويدعونا، ونحن نتجاوب معه. فنحن لا نختار الله كما نقرأ في يو 15: 16: "لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم". هو يخطو الخطوة الأولى ونحن نقابل هذه الخطوة بجواب حرّ من قبلنا. غير أن هذا الاختيار الذي هو سّر الله، لا يُعرف إلا في العلامات التي يحرّكها. وبولس يحتفظ بعلامتين ينشدهما على مدّ فعل شكره: تقبّل المسيحيّة لكلمة الله. والطريقة التي بها بشّر الرسول بهذه الكلمة.

5- طريقة الكرازة علامة اختيار المسيحيين (1: 5)
أ- "لم يكن انجيلنا كلاماً فقط"
ليس الانجيل فقط إعلاناً كلامياً أنيط بالرسل. لم يكن كرازة وحسب. بل هو واقع نكرز به. هو التعليم الذي يتواصل حول هذا الواقع وحول نظام الأمور الذي كان هذا الواقع في أصلها: إنه تحقيق تدبير الخلاص كما دشّنه الربّ يسوع. في هذا النصّ يبدو الانجيل مشخّصاً، يبدو شخصاً حياً. إنه حضور شخصيّ (حضور يسوع المسيح) في وسط أهل تسالونيكي ومن أجلهم.
ب- "بالقوة، بالروح القدس، بالملء"
لقد صار إليكم هذا الانجيل بالقوة، بالروح القدس، بالملء. في العهد القديم تدلّ القوّة (القدرة) على عمل الله بالذات. وقد ظهرت في التاريخ عبر "العجائب" التي حقّقها الله من أجل شعبه، كما تلك التي حقّقها في الخليقة. وقد اهتمّ بها اليهود اهتماماً كبيراً فصارت مثل "شخص" (أو قل: اقنوم) إلهي حول شخص الكلمة والحكمة.
والقدرة تظهر في العهد القديم بشكل خاصّ في لوقا كمرادف للروح القدس. فهل نرى هنا أن "روح" (بدون أل التعريف) يدلّ على الاقنوم الثالث من الثالوث الأقدس، أو أن النصّ يعبرّ بشكل غامض عن قدرة الله ونسمته الخلاّقة؟ هنا لا نستطيع أن نفرض جواباً. ولكن إذا قلنا إن الروح هو الروح القدس، فالقدرة قد تدلّ على يسوع المسيح، ومعجزاته ما زالت حاضرة في الكنيسة.
ومهما يكن من أمر، فهذا الانجيل الذي يكرز به بولس وسائر المبشرين على خطاه، يمتلك قوّة في ذاته. وهي تأتيه لا من صفات الواعظ الشخصيّة، بل من قدرة روح الله بالذات. ولهذا يستطيع الانجيل أن يُعلن في ملء عظيم، أن يعلن ملء الاعلان. كيف نترجم هذه الكلمة اليونانيّة "بليروفوريا" التي تدلّ على اليقين والتأكيد كما تدلّ على الملء والفيض؟ لا شكّ في أنه يجب أن نشير إلى ملء الجرأة لدى الوعّاظ الذين تحملهم قدرة تفوقهم، بعد أن امتلأوا من عاطفة رفيعة تعلمهم أنهم عمّال في عمل يتجاوزهم، لأنه عمل الله نفسه.
وهكذا يدعو بولس كل الذين تسلّموا مهمّة نشر الانجيل على أي مستوى كانوا، يدعوهم لأن يشكروا الله من أجل هذه الخدمة الفائقة ويتمتموا مع ذلك الواعظ في قرية مغمورة: "يا للعجب أن نستطيع اليوم أن نفعل ما لا نمتلكه في ذاتنا. يا لمعجزة حلوة من أيدينا الفارغة".

خاتمة
بعد أن حيّى بولس قرّاءه، توجّه في صلاته إلى الله، فكانت صلاة شكر طويلة امتدّت حتى الفصل الثالث. في هذه الصلاة عبرّ بولس عن فرحه وعرفان جميله لعمل الله في قلب الجماعات المسيحيّة، ولتجاوب هؤلاء المسيحيين الجدد مع نداء الانجيل. هؤلاء المسيحيون هم المختارون في شعب الله الجديد، لا بفضل استحقاقاتهم الخاصة، بل بنعمة من لدنه تعالى. إن هذا الاختيار يجد ينبوعه في حبّ الله الخلاصيّ. أجل قدرة الله هي هنا لا في المعجزات وحسب. ففي كرازة الانجيل تظهر هذه القدرة فتعمل في المؤمنين بروح الله الذي هو الوسيلة المميّزة لهذا العمل. عمل الله الآب. قدرة الابن. ملء نصل إليه في الروح القدس. وهكذا نكون أمام الثالوث الأقدس. كما أمام ثالوث الفضائل، الإيمان والمحبّة والرجاء.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM