السماوات الخمس

السماوات الخمس

السماء الأولى
(1) ولما أخذني اقتادني إلى الموضع الذي فيه ثبّتت ثباتًا قبّةُ السماء، وحيث يوجد نهر لا يستطيع أحد أن يعبره، حتى ولا نسمة غريبة (عن هذه المناطق) بين كل الذي أقامها الله. (2) ولما أخذني اقتادني إلى السماء، الأولى، وأراني بابًا كبيرًا جدًا. وقال لي: "لنعبره". ودخلنا كأننا محمولون على أجنحة، وسرنا مسافة ثلاثين يومًا من السفر تقريبًا.
(3) وأراني داخل السماء سهلاً. وفيه يقيم هناك رجال بوجوه البقر وقرون العزلان وأقدام المعز أوراك الغنم. (4) وأنا باروك سألت الملاك: "عرّفنى أرجوك، عمق السماء التي سرنا فيها أو مساحتها، أو هذا السهل، لكي أستطيع أنا أيضًا أن أعرّف به بني البشر".
(5) أما الملاك الذي اسمه فمائيل فقال لي: "هذا الباب الذي تراه هو باب السماء. وسماكته كبيرة جدًا بُعد بعد الأرض عن السماء. وطول السهل الذي رأيته هو أيضًا كبير جدًا". (6) وقال لي أيضًا ملاك القوّات: "تعال فأريك أسرارًا أعظم". (7) فقلت: "أرجوك، اشرح لي من هم هؤلاء الرجال". فقال لي: "هؤلاء هم الذين بنوا برج بابل ضد الله، فشتّتهم الربّ".
السماء الثانية
3 (1) ولما أخذني ملاك الرب، اقتادني إلى السماء الثانية. وأراني هناك أيضًا بابًا شبيهًا (بالباب) الأول. وقال لي: "اعبره". (2) ودخلنا بأجنحة على مسافة ستين يوم سفر تقريبًا. (3) وأراني هناك أيضًا سهلاً، وكان مليئًا بالناس. كان منظرهم شبيهًا بمنظر الكلاب، وأقدامهم مثل أقدام الغزلان، (4) فسألت الملاك. "أرجوك يا سيّد قل لي من هم هؤلاء"؟ فقال: "هؤلاء هم الذين أشاروا بصنع البرج. فالذين تراهم دفعوا جموع الرجال والنساء لكي يصنعوا الحجارة. وبينهم امرأة كانت تضع حجارة حين كانت تلد فما سمح لها بالتوقّف عن العمل، فولدت ولدًا وهي تضع الحجارة. وكانت تضع الحجارة وهي تحمل ولدها في القمط. (6) فتراءى لهم الرب وبلبل ألسنتهم ساعة ارتفع البرج الذي بنوه أربع مئة وثلاث وستين ذراعًا. (7) واخذوا مثبقًا، وحاولوا أن يخرقوا السماء قائلين: "لننظر إن كانت السماء مصنوعة من اللبن المطبوخ أو من النحاس أو الحديد". (8) فرأى الله هذا، فما تركهم يفعلون بل ضربهم فانتزع منهم النظر وبدّل لسانهم وجعلهم كما تراهم".
السماء الثالثة
4 (1) وأنا باروك قلت: "أُنظر يا سيّد. أريتني أشياء عظيمة وعجيبة. والآن أرني كل شيء حبًا بالرب". (2) فقال لي الملاك: "تعال، لنتقدّم". (وتقدّمت) مع الملاك انطلاقًا من هذا الموضع. كانت المسافة مئة وخمسة وثمانين يوم سفر تقريبًا. (3) فأراني سهلاً، وحيّة منظرها منظر عجلة. وأراني الجحيم. كان منظره مظلم ودنس. (4) فقلت: "من هي هذه الحيّة؟ ومن هو هذا الوحش الذي يحيط بها". (5) فقال الملاك: "الحيّة هي تلك التي تأكل جسم الذين قضوا حياتهم في الشر، وتغتذي منه(6). أما الوحش فهو الجحيم الذي يكاد يشبهه في أنه يشرب أيضًا ذراعًا من البحر تقريبًا دون أن تنقص مياهه في شيء". (7) فقال باروك: "كيف هذا"؟ فقال الملاك: "اسمع! لقد صنع الرب الإله ثلاث مئة وستين نهرًا، وأهمها جميعًا ألغياس، أبيروس، غير يكوس. وبفضلها لا ينقص البحر". (8) أما أنا فقلت: "أرجوك، أرني الشجرة التي أضلّت آدم". فقال الملاك "هي الكرمة التي غرسها الملاك سمائك، وهذا ما أغضب الرب الاله . فلعنه هو وغرسته وللسبب عينه لم يسمح لآدم بأن يلمسها. ولهذا السبب أيضًا أخذت الغيرة إبليس فطفاه بالكرمة". (9) وأنا باروك قلت: "بما أن الكرمة كانت سبب هذا الشر العظيم، وبما أنها كانت مسؤولة عن اللعنة الإلهية وهلاك الإنسان الأول، فلماذا هي اليوم مفيدة جدًا"؟ فقال الملاك: "ما أحسن سؤالك. حين حرّك الله الطوفان على الأرض، ودمّر كل جسد مع الأربع مئة ألف جبار وتسعة آلاف من الجبابرة، وارتعت فوق خمس عشرة دراعًا فوق أعلى الجبال، دخل الماء الفردوس ودمّر كل الأزهار. ولكنها أزالت بشكل كليّ جفنة الكرمة ورمتها خارجًا. (11) وحين ظهرت الأرض خارج الماء وخرج نوح من السفينة، أخذ يزرع بعض الأغراس التي وجدها. (12) ووجد أيضًا الجفنة. فأخذها وقال في نفسه: "ما هذا اذن"؟ فجئتُ أنا إليه ورويتُ له خبر هذه الغرسة. (13) فقال: "هل أغرسها أيضًا أم ماذا (أفعل)؟ بما أن آدم هلك بسببها، لا أريد أن امتحن غضب الله بسببها". وإذ قال هذا صلّى إلى الله ليوحي له ما يجب أن يفعل بهذه الغرسة. (14) وإذ أطال صلاته أربعين يومًا مع الكثير من التوسّلات والدموع، قال: "أرجوك يا رب، أن توحي لي ما يجب أن أفعل بهذه الغرسة". (15) فأرسل الله الملاك سراسائيل وقال له: "انهض، يا نوح، وأغرس الجفنة، لأنه هكذا تكلّم الربّ: تتبدّل مرارتها حلاوة وتصبح لعنتها بركة، وما يخرج منها يصبح دم الله. وإن كان جنس البشر قد نال بها اللعنة، فمقابل هذا هم ينالون النداء العلويّ والدخول إلى الملكوت، بفضل يسوع المسيح عمانوئيل. فاعلم يا باروك، أنه كما نال آدم بسبب هذه الغرسة اللعنة، وجرِّد من مجد الله، كذلك يقترف اليوم البشر الذين يشربون الخمر التي تأتي منها ولا يشبعون، تجاوزًا أسوأ من تجاوز آدم، فيبتعدون عن مجد الله، ويسلّمون أنفسهم إلى النار الأبدية. (17) فلا صالح يأتي منها. وإليك ما يصنعه أولئك الذين يشربون بإفراط: لا يشفق الأخ على أخيه، ولا الأب على ابنه، ولا الأولاد على والديهم، بل إن شرب الخمر يجرّ (وراء) جميع الشرور من قتل وزنى وفسق وحلف كاذب وسرقة وسائر الشرور التي تشبهها. ولا يمكن لصالح أن يتم بها (= بالخمر)"
5 (1) وأنا باروك قلت للملاك: "أريد أن أطرح عليك سؤالاً يا سيّد: (2) بما أنك قلت لي إن الحيّة تشرب ذراعًا من البحر، فقل لي أيضًا ما هو كبر بطنها". (3) فقال الملاك "بطنها هو الجحيم. وكرصاص يطلقه ثلاث مئة رجل، هكذا بطنها هو كبير فتعال لأريك معجزات أعظم من هذه".
6 (1) ولما أخذني بيدي اقتادني حيث الشمس تشرق. (2) أراني عربة تطلق لهبًا. وعلى العربة رجل جالس يحمل إكليل نار. كان أربعون ملائكًا يجرّون العربة وإذا بطائر يركض أمام الشمس، كتسعة جبال. (3) فقلت للملاك: "ما هو هذا الطائر"؛ فقال: "هو حارس الأرض". (4) فقلت" "وكيف هو حارس الأرض، يا سيّد؟ أعلمني به". (5) فقال لي اعلاك: هذا الطائر يجري بقرب الشمس، وإذ يمدّ جناحيه يعترض على شعاعها الذي بشكل نار. (6) فإن لم يعترضه لا يبقى جنس البشر حيًا، ولا يبقى كائن حيًا. ولكن الله وضع هذا الطائر في هذا الموضع". (7) ومدّ جناحيه فرأيت على جناحه الإيمان حروفًا كبيرة جدًا، كبيرة كأرض البيدر، يسع أربعة آلاف مدّ تقريبًا. وكانت الحروف من ذهب. (8) فقال لي الملاك: "إقرأها". فقرأتها فاذا هي تعني ما يلي: "لا الأرض ولا السماء تعطيني النهار، بل جناحاي اللذان من نار يعطياني". (9) فقلت: "يا سيّد، ما هذا الطائر، وما اسمه"؟ (10) فقال لي الملاك: "فينكس هو الاسم الذي يُدعى به". (11) (قلت): "وماذا يأكل"؟ فقال لي: "منّ السماء، وندى الأرض". (12) فقلت: "هل يضع فراء"؟ فقال: "يضع دودة، وفراء الدودة هو القرفة الذي يستعمله الملوك والامراء. ولكن انتظر فترى مجد الله".
(13) وإذ كان يتكلّم، حصل ضجيج قوي يشبه ضجيج الرعد، فاخز المكان الذي وقفنا فيه فسألت الملاك: "يا سيّد، ما هي هذه الضجّة"؟ فقال لي الملاك: "هو الوقت الذي فيه يفتح الملائكة أبواب السماء الثلاثمئة وخمسة وستين. وفيه ينفصل النور عن الظلام". (14) حينئذ جاء صوت يقول: "يا واهب النور أعطِ الكون النور"! (15) وحين سمعت ضجة الطائر المدلويّة قلت: "يا سيّد، ما هذه الضجّة الصاعقة"؟ (16) فقال لي: هذا ما يوقظ الديوك على الأرض. فالديك، شأنه شأن أفواه البشر، تصل بسكان الأرض بلغة خاصّة به. هيّأ الملائكة الشمس، فصاح الديك".
7 (1) أما أنا فقلت: "وأين تبدأ الشمس عملها بعد صياح الديك"؟ (2) فقال لي الملاك: "اسمع يا باروك. كل ما أريته إياه يُوجد في (السماء) الأولى وفي السماء الثانية. وفي السماء الثالثة، تجري الشمس وتهب النور للكون. ولكن انتظر فترى مجد الله". (3) وإذ كنت أتحدّث معه، رأيت الطائر. ظهر أمامي. نما شيئًا فشيئًا. وأخذ ملء قامته. (4) وكانت الشمس وراءه تشرق، ومعها الملائكة الذين يحملونها. وكان على رأسها إكليل. استحال علينا أن نشاهد هذا المشهد وجهًا لوجه ونحن محافطون على النظر. (5) وفي الوقت عينه الذي فيه شعّت الشمس. نشر فينكس جناحيه. وأنا حين رأيت هذا المجد، حلّ بي خوف عظيم. فهربت واختبأت تحت جناحي الملاك. (6) فقال لي الملاك: "لا تخف يا باروك. انتظر فترى أيضًا غروبهما".
8 (1) ولما أخذني، اقتادني نحو الغرب. وحين جاءت ساعة الغروب. رأيت الطائر أيضًا آتيًا أمامي والشمس آتية مع الملائكة. وفي الوقت عينه، وقت مجيئها، رأيت الملائكة ينزعون الإكليل عن رأسها. (2) أما الطائر فلبث منهوكًا وأغلق جناحيه. (3) وأنا قلت أمام هذا المشهد: "يا سيّد لماذا نزعوا الإكليل عن رأس الشمس، ولماذا بدا الطائر منهكًا إلى هذا الحد"؟ (4) فقال لي الملاك: "حين تنهي الشمس النهار، (يأتي) أربعة ملائكة، فيأخذون الإكليل، ويحملونه إلى السماء، ويجدّدونه لأنه تدنّس مع شعاعاته حين اتّصل بالأرض. وفي أي حال، هو يتجدّد هكذا كلّ يوم". (5) وأنا باروك قلت: "ولماذا يا سيّدي تتدنّس شعاعاته (=الإكليل) حين يتصل بالأرض"؟ فقال الملاك: "لأن (هذه الشعاعات) ترى تجاوزات البشر وشرورهم كالفجور والزنى والسرقة والنهب وعبادة الأوثان والسكر والقتل والمزاحمات والافتراء والتذمّرات والاغتياب والعرافة، وسائر الشرور التي لا ترضي الله. لهذا السبب ينجس (الإكليل)، ولهذا (السبب) يجدَّد. (6) أما الطائر، فإليك السبب الذي يجعله منهكًا: لأنه يحتفظ بشعاعات الشمس عبر النور والحرارة اليوميّة. بسبب ذلك يكون منهكًا. فلو لم يستر جناحاه، كما قلنا إعلان، شعاعات الشمس، لا تبقى خليقة على قيد الحياة".
9 (1) وحين ينسحب هذان سقط الليل، ورافقه في الوقت عينه القمر والنجوم. (2) وأنا باروك قلت: "يا سيد، أرني (القمر) أيضًا. أرجوك. كيف هي مسيرته؟ إلى أين يمضي؟ ما هو شكل مساره"؟ (3) فقال الملاك: "انتظر فتراه بعد قليل من الوقت". وفي الغد، رأيته أيضًا في شكل امرأة: وكان جالسًا على عربة سريعة. وكان بقر أمامه. وفي العربة حملان وعدد كبير من الملائكة. (4) فقلت: "يا سيّد، من هي البقر والحملان"؟ فقال لي: "هم أيضًا ملائكة". (5) فسألته أيضًا:"لماذا يحصل أن تنمو تارة وتفقص أخرى"؟ (6) (فقال): "إسمع يا باروك. (القمر) الذي ترى قد صوّره الله بجمال لا مثيل له. (7) وساعة عصيان الإنسان الأول، تعلّق بسمائيل حين أخذ الحيّة لباسًا. هو (= القمر) ما أختبأ فقط، بل كبُر. فغضب الله عليه وضغطه وقصّر أيامه". فقلت: "ولماذا لا يشعّ الوقت كله، بل في الليل فقط"؟ فقال الملاك: "اسمع فكما أن (نحد) لا يستطيعون أن يتكلّموا بحضور الملك، كذلك لا يستطيع القمر والنجوم أن تشعّ بحضور الشمس. فالنجوم التي هي دومًا معلّقة، تبدّدها الشمس. والقمر الذي هي في صحّة جيدة، تُحرقه حرارة الشمس".
السماء الرابعة
10 (1) ولما عرفتُ كل هذه الأشياء من رئىس الملائكة، أخذني واقتادني في (سماء رابعة). فرأيت سهلاً منبسطًا وفي سط بحيرة ماء. (3) وكانت هناك طيور كثيرة من كل نوع، ولكنها لا تشبه تلك التي هي تحت. غير أني رأيت قامة الكركيّ كقامة البقر الكبيرة. وتفوقت جميع الطيور بكبرها على كبر طيور الأرض. (4) فسألت الملاك: "ما هو هذا السهل، وما هي البحيرة، وما هي الطيور الكثيرة التي تحيط بها"؟ فقال الملاك: واسمع، يا باروك: السهل الذي يتضمّن البحيرة وسائر العجائب، هو موضع تأتي إليه نفوس الأبرار حين يلتئمون فيجتمعون في جوقات متعدّدة. (6) أما الماء فهو ذاك الذي تتقبّله الغيوم فينصب على الأرض وينمي الثمار". فقلت أيضًا لملاك الربّ: "والطيور"، فقال لي: "هي أولئك الذين ينشدون الرب؛ باستمرار. (7) وأنا باروك قلت: "يا سيد، كيف يقول البشر إن ماء المطر يأتي من البحر"؟ (9) فقال الملاك: "ماء المطر الذي يأتي من البحر ومن المياه الأرضية هو هذا أما ذاك الذي ينمي الثمار فلا يأتي من هذا. (10) فأعلم إذن منذ الآن أن ما يُسمّى ندى السماء يأتي من هذا النبع".
السماء الخامسة
11 (1) ولما أخذني الملاك من هذا الموضع اقتادني إلى السماء الخاصة. (2) وكان الباب مغلقًا. فقلت: "يا سيّد، أما يُفتح هذا الباب لكي ندخل"؟ فقال لي الملاك: "لا نستطيع أن ندخل إلى أن يأتي مخائيل، حارس مفاتيح ملكوت السماوات. ولكن اصبر فترى مجد الله". (5) وكانت ضجّة كبيرة كالرعد. فقلت: "يا سيّد، ما هذه الضجة"؟ (4) فقال لي: "هو بالتحديد رئيس القواد مخائيل الذي نزل ليتقبّل صلوات البشر". (5) وإذا بصوت جاء: "لتُفتح الأبواب" ففتحت وكان صرير شبيه بالرعد. فتقدّم إليه الملاك الذي كان معي وسجد أمامه وقال: "أحيّيك يا قائدي وقائد كل فرفتنا". فقال مخائيل رئيس القّواد: "أحيّيك أيضًا، يا أخانا، أنت مفسّر الايحاأت لدى الذين يعيشون في الفضيلة طوال حياتهم". (8) وهكذا، بعد أن صافح الواحد الآخر، وقف. ورأيت مخائيل رئيس القوّاد يمسك كأسًا كبيرة جدًا. ساوى عمقُها المسافة بين السماء والأرض، وعرضها المسافة بين الشمال والجنوب. فقلت: "يا سيّد، ما هذا الغرض الذي يمسكه مخائيل رئيس الملائكة"؟ فقال لي: "هو المستودع الذي إليه تذهب استحقاقات الأبرار وجميع الأعمال الصالحة التي يتمونها..يستعمل لنقلها أمام إله السماء".
بحث ضمن الفصل

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM