الفصل الثاني: نظرة افريقية المؤمن وكلمة الله

المؤمن وكلمة الله

1- نظرة عامة
واجبي في هذا العمل هو أن أدخل الجمعيّة العامة في الموضوع من زاوية أفريقية. أما الموضوع فهو: "كلمة الله ينبوع حياة". أما شعار الجمعيّة فهو: "الكلمة صار بشراً لكي تكون لهم الحياة، وتكون وافرة" (يو 1: 14؛ 10: 10). هذا الشعار الكتابي يذكّرنا أن كلمة الله تعطي الحياة بشكل ملموس وكامل، عبر الكلمة المتجسّد، يسوع المسيح، أخينا الأكبر، بكر من قام من بين الأموات (روم 8: 29؛ كو 1: 18). لهذا، سيتركّز تفكيرنا على ينبوع الحياة هذا الذي بدونه تخسر كلمة الكتاب حياتها وملء مدلولها بالنسبة إلينا نحن المسيحيّين.
هذا من جهة. ومن جهة ثانيّة، إن خبر لقاء يسوع مع المرأة السامريّة في سيخار، صار المدخل إلى موضوع هذه الجمعيّة العامّة، كما اختير موضوع تلميذيّ عماوس (لو 24: 13- 35) من أجل الجمعية الرابعة (في بوغوتا، كولومبيا) والتبشير الجديد. إن خبر اللقاء على البئر في سيخار هو مثل يبيّن لنا كيف أن يسوع أعطى الحياة عبر كلمته، إلى امرأة تعيش في وضع اجتماعيّ وثقافيّ ودينيّ خاص. في وقت محدّد من التاريخ. وبشكل يعني الشيء الكثير بالنسبة إلى المرأة نفسها (4: 1- 29)، وإلى شعب مدينتها، إلى السامريين (4: 30؛ 29- 42)، والى تلاميذ يسوع الاقربين (4: 31- 38).
إن الدخول في هذا الموضوع من زاوية افريقيّة، يتطّلب منا أسئلة تدلّ كيف أن كلمة الله تعطي الحياة في السياق الذي نعيش فيه. يظنّ البعض أن هذه الزاوية (وهذا المنظار) مؤمّنة، لأن مقدّم الموضوع هو امرأة افريقيّة، وأنها ستنظر إلى الموضوع بعينين افريقيتين. هذا الاعتقاد يدفعنا إلى أن نوسّع نظرتنا لكي نعرف كيف يحيط الافريقيّ بالواقع. وما هو أهم من ذلك، هو أن هذا الموضوع يدعونا إلى أن نعرف كيف تصبح كلمة الله ينبوع حياة لأشخاص محدّدين حتى وإن اعترفنا بأن مثل هذه الفرديّة تنتمي إلى جماعة اجتماعيّة وثقافيّة معيّنة.
فالموضوع كله يُدرس مع عناصره كامتداد لمسيرة الرابطة من بوغوتا إلى هونغ كونغ حيث ستلتئم الجمعيّة العامة. فهونغ كونغ تعيش فترة انتقال من مستعمرة بريطانيّة إلى جمهوريّة الصين. وهذا الإطار السياسيّ للجمعيّة العامة يلفت انتباهنا إلى جهة ثالثة هامة هو اليوبيل البيبلي. فإحدى سمات اليوبيل البيبلي (ترتاح الأرض، تُلغى الديون، يحرّر العبيد) هو إعادة الأرض إلى اصحابها. وهكذا تعود هونغ كونغ إلى الصين على مشارف يوبيل الألفين.
فإلى أين، بعد هونغ كونغ، ستقود المسيرةُ الرابطة؟ فخدمة كلمة الحياة ستطلب منا أن نعرف ارتباطنا بالله، أن نعرف المصالحة، أن نتحرّر من كل قيود العرقيّة (لا يوناني ولا اسكيتي) والجنسيّة (لا رجل ولا إمرأة)، أن نصبح عملَة نحمل سلام الله إلى الخليقة كلها. فهذا السلام قد حمله سّر التجسّد: حياة يسوع الناصريّ وآلامه وموته وقيامته (لو 4: 18- 19؛ يو 12: 32). هكذا نعيش في هذا المناخ اليوبيليّ، مناخ ربنا يسوع المسيح. ويكون أن موضوع اليوبيل يشكّل رمزاً آخر قوياً لدراسة كلمة الله كينبوع حياة، ويجعل منا متقبّلين لهذه الكلمة وحامليها وخادمين لها.

2- كلمة الله
نبدأ فنتعرّف إلى معنى الكلمات التي نستعملها في حوارنا. نبدأ مع عبارة "كلمة الله".
استعملت عدّةُ مقالات في "نشرة كلمة الله"، عباراتٍ مختلفة حين تحدّثت عن "الرعاية البيبليّة". فقالت: "كلمة الله" و"الكتب" و"الأسفار المقدّسة". هل تترادف هذه العبارات؟ كيف ترتبط بيسوع الناصريّ، إبن الله، الذي ترى فيه الرسالة إلى العبرانيين ذاك الذي به كلّمنا الله (1: 2)، والذي أعلنه يوحنا "كلمة الله الذي صار بشراً" (1: 14)؟ عندما نتحدّث عن كلمة الله، نعني عادة البيبليا المؤلفة من أسفار العهد القديم والعهد الجديد.
غير أن كلمة الله كما ننظر إليها، لا توازي "الكتب المقدّسة". لأن الكلمة هي في جوهرها اتصال بالآخر، أما الكتب فتشير إلى الأفكار. الكلمة هي في جوهرها شيء يُقال. "هذا ما قال الربّ" (كما في الانبياء). فالكلمة المحكيّة تستطيع أن تُكتب لفائدة الذين لم يكونوا حاضرين حين قيلت. ولكن اذا أردنا أن يكون الاتصال فاعلاً، فهي تحتاج إلى أن تستعيد طابعها المحكيّ والديناميكي (لهذا نقول: كونوا في السكوت واسمعوا).
إن قوة الكلمة تكمن بشكل خاص في طابعها الحيّ، طابعها المحكيّ والديناميكي والناشط. تكمن في الاتصال. وهي تقطع. فكلمة الله سيف ذو حديّن (عب 4: 12- 13؛ 1: 16). هذا قد يفسّر أنه في القرون الوسطى وفي العصور الحديثة كانت كلمة الله في الكتب المقدسّة تُتلى بصوت عالٍ. وهذا ما يفسّر أيضاً أن تتعامل الرعاية البيبليّة بشكل أساسي مع إعلان الكلمة.
لماذا يحتاج الوعّاظ أن يُرسَلوا بحيث يسمع الجميع كلمتهم (روم 10: 14- 15)؟ ولماذا أحسّ بطرس وسائر الرسل أنه لا ينبغي أن يتركوا الكرازة بالكلمة، أن يتركوا خدمة الكلمة، ليخدموا الموائد (أع 6: 8)؟ لقد تكلّم الله بواسطة الانبياء إلى آبائنا. وقد كلّمنا في المسيح وبالمسيح، والله ما زال يكلّمنا في حياتنا الفردّية والجماعيّة، وفي التاريخ الذي نعيشه. هذا يعني أن الله حاضر دوماً في كلمته. إنها كلمة شخصية (تتوجّه إلى كل واحد بمفرده). وحين يقولها الرب فهو ينقل إلينا ذاته الالهيّة.
حين رأت الرسالة إلى العبرانيين في يسوع أسمى متحدّث باسم الله، لم تواز التوراة والعهد الجديد بين يسوع و"كلام الله". فيسوع هو أعظم من كلام الله. هذه النقطة مهمّة من أجل حديثنا عن البيبليا "كلام الله" كينبوع حياة. ولقد عرف أغناطيوس الأنطاكي هذه الحقيقة منذ زمن بعيد، حين أعلن أن ملء تعليم الله هو يسوع. هو القاعدة التي بحسبها يتّصل الله بنا. فما كُتب فيه وفي شخصه وفي مواقفه وحركاته، يتجاوز ما كُتب أو لم يُكتب في الأسفار المقدسّة. ولقد أعلن يوحنا في انجيله: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان مع (لدى) الله (ذاتيّته هي في الله)، وكان الكلمة الله" (1: 1). وحين يعلن يوحنا في ما بعد أن "الكلمة صار بشراً وسكن بيننا" (1: 14)، فهو يعني في الواقع "الله صار بشراً"، لا "الكلمة صُنع بشراً". فالفعل في اللغة اليونانيّة يدلّ على مسيرة الله الناشطة نحو البشر.
في يسوع صار الله ككلمة ومبدأ كلمة، كائناً بشرياً لكي ينقل الحياة بشكل فعين إلينا نحن الخلائق الذين من لحم ودم. لكي يعطينا الحياة في ملئها (يو 10: 10). ففي يسوع نحن نرى الله. نلمسه. نحسّ به، نسمعه. ككلمة حياة أو ككلمة تعطي الحياة (يو 1: 1- 4). هذا يعني أننا، إذا أردنا أن نعرف كيف تعطي كلمة الله الحياة بشكل ملموس للبشر في وضعهم الانسانيّ المحسوس، ينبغي علينا أن ننظر قبل كل شيء إلى يسوع الناصريّ كما تعلنه الاناجيل. ففيه يعلن الله (الكلمة في جده البشريّ) كلمات الحياة، وينقل الحياة إلى مختلف الشعوب بطرق متعدّدة وفي ظروف وأوضاع مختلفة. إن كلمته في الأناجيل هي قاعدة القواعد من أجل كلمة الله التي تعطي الحياة.
في عالمنا هناك خطر كبير في "تضخيم" كلام الله (الأسفار المقدسة) كينبوع حياة (هذا ما يسمّى القراءة الأصوليّة، الحرفيّة) على حساب يسوع الذي هو الله (الكلمة) الذي صار بشراً. وهذا الخطر يكمن في التعبّد للحرف (وكأنه صنم) واعتبار الكلمات شيئاً مطلقاً لا يناقش. وهكذا نهمل يسوع المسيح الحاضر في الأسرار ولا سيّما في سر الافخارستيا، في سّر جسده ودمه الحاضرين في القربان. فقد قال لنا: "إن لم تكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه، فلا حياة لكم في داخلكم" (يو 6: 53).
إن خطر التعبّد للبيبليا لم يبدأ في المناخ المسيحيّ. فيسوع عرف المشكلة عينها في أيامه: "تبحثون في الكتب ظناً منكم بأن لكم فيها الحياة الأبديّة... غير أنكم لا تريدون أن تأتوا إليّ فتكون لكم الحياة" (يو 5: 39- 40) نحن لا نستطيع أن نعتبر كلمة الله ينبوع حياة دون علاقة وثيقة بيسوع، ودون أن نحمل الشعب، عبر الكتب المقدسّة، إلى يسوع الذي هو وحده الحياة والينبوع الحقيقيّ لحياة الله. فكلام الله في التوراة هو من أجل يسوع وهو يستقي منه ملء مدلوله وقدرته. هذا أمر مهمّ جداً لاسيمّا وأننا نعيش في وقت يتجدّد فيه الاهتمام بالكتاب المقدّس، وهو اهتمام يؤول بنا إلى اعتبار الكتب المطلق الوحيد في حياة المؤمن المتجدّدة. ولكن يسوع (والله) هو أعظم من كل وحي وصل إلى البشر عبر الكتب المقدّسة.

3- ينبوع حياة
بما أن الكلمة تفرض الاتصال، نفهم الينبوع في جوهره على مستوى العلاقة. فالينبوع يعني الأصل والبداية. وفي سياق كلامنا، يُفهم الينبوع كمصدر تخرج منه الحياة. واستخراج الحياة من كلمة الله يعني أن الكلمة تمتلك في ذاتها الحياة أو هي الحياة. فلا شيء يكون ينبوعاً لما ليس له ينبوع ولما ليس بينبوع. فالنبع يخدم كينبوع مياه لمن يعرف أن يستخرجها منه. ومقدمّة يوحنا تعلن ايضاً عن الله الكلمة: "فيه كانت الحياة والحياة هي نور الناس" (1: 8). وبعد ذلك، سيعلن يسوع عن نفسه أنه الطريق والحقّ والحياة، أنه الطريق الوحيد إلى الآب (14: 6). اذا كان هذا صحيحاً، فاعتباراتنا عن كلمة الله كينبوع حياة تقودنا بالضرورة إلى شخص يسوع الذي وحده يستطيع أن يعطي الحياة التي تدوم.
ويبرز سؤال هام: كيف يستطيع الانسان أن يستخرج الحياة من ينبوع الحياة هذا؟ هل نحتاج إلى دلو (أو: جرة) مثل المرأة السامريّة؟ هل نحتاج إلى مال لنشتري من يدلّنا على الطريق؟ هل نحتاج إلى الآخرين ليقولوا لنا كلمة، وإلا لا أمل لنا بالوصول إلى هذا الينبوع؟ الله نفسه يدعونا: "تعالوا إلى الحياة، أيها العطاش. تعالوا وأن لم يكن في يدكم مال. اشتروا وكلوا تعالوا اشتروا الخمر واللبن دون أن تدفعوا مالاً... اشتروا مجاناً. أصغوا إليّ فيكون لكم طعام تأكلونه. أميلوا مسامعكم وتعالوا إليّ فتحيوا" (أش 55: 1-3).
نستطيع أن نضع قول الله هذا تجاه ما أعلنه يسوع، الكلمة المتجسّد: إن خرافه تسمع صوته، "فتدخل وتخرج وتجد المرعى" (يو 10: 9). في هذا المرعى، هو الراعي ومُطعم الخراف، وهو طعام الخراف. "كما أن الآب الحيّ أرسلني وأنا أحيا بالآب، فمن يأكلني يحيَ فيّ" (يو 6: 57). كل هذا يعني الشيء الكثير بالنسبة إلى أناس التزموا باعلان كلمة الله كينبوع حياة.
ولكن ماذا تعني الحياة في هذا السياق؟ في الإطار الحضاريّ في أفريقيا، الحياة هي اثمن هديّة يمنحها الله للكائن البشريّ. فقيمة الحياة البشريّة عظيمة جداً. وهذا ما يظهر في الرغبة بأولاد يكونون ثمرة الزواج. كما يفسّر أن زواجاً من دون أولاد يعتبر فشلاً كبيراً، إن لم يكن لعنة.
وهذا ما يظهر أيضاً في "الشعائر المقامة إكراماً للآباء الذين ماتوا"، وإن لم تُحسب المرأة بين هؤلاء الآباء في بعض الحضارات. و"عبادة" الآباء شهادة تدلّ على الاعتقاد بأن حياة الانسان التي هي أعظم خير من عند الله، قد تدمّر بالموت. فالذين فشلوا في أن يعيشوا حياة صالحة على هذه الأرض، ينالون عقابهم بأن يُرسلوا بعد الموت ليعوّضوا عن فشلهم السابق. هذه هي جذور التقمّص (أو: التناسخ، يأخذ الانسان جسداً آخر يدخل فيه. هذا يعني أن الجسد هو وعاء للنفس. في المسيحيّة، الانسان وحدة تامة) التي نجدها في بعض الحضارات الافريقيّة.
كلمة الله ينبوع حياة. لا شكّ في ذلك. قال الله: "ليكن... فكان" (تك 1: 1- 2: 4). فالكون كله الذي لا نعرفه كثيراً كان بكلمة الله: السماء، البحر، النجوم، الاوقيانوسات، قد وُجدت لأن كلمة الله أتت بها إلى الوجود. ويسوع الكلمة يعلن أن كلمته، شأنها شأن كلمة الله في العهد القديم، هي روح وحياة (يو 6: 63). ويسوع نفسه ينبّه سامعيه، لأنهم يلاحقونه من مدينة إلى مدينة طلباً لطعام جسديّ، أن لا يطلبوا طعاماً لحياة تزول. بل أن يطلبوا الطعام الذي يهب الحياة الأبديّة، وهو طعام يستطيع وحده أن يعطيه (يو 6: 24؛ 27؛ 49؛ 51). والله نفسه الذي نفخ في آدم (التراب الذي جبله من الأرض) نسمة حياة فصار آدم كائناً حياً، قد قال له: "إنك تراب وإلى التراب تعود" (تك 2: 7؛ 3: 19).
إن مثَل الشاب الغنيّ يدلّ على أنه مهما كانت الحياة الطبيعية مهمّة، فنحن نحتاج إلى التنبّه من خطر يوازي بين حياة تعد بها كلمة الله والترف الماديّ. هنا نتذكر أن. "اللحم والدم لا يرثان ملكوت الله" (1 كور 15: 50). لقد جاء يسوع ليهب النظر للأعمى، والحريّة للسجناء، ويعلن سنة رضى من عند الربّ (لو 4: 18- 19). يمكن أن نقابل هذا المقطع مع يو 10: 10.
غير أن إعلان كلمة الله كينبوع حياة، يحتاج أن يحذّرنا من ميل نعرفه في هذه الأيام، وهو أن نسجن الله في معجزة يصنعها الله. ذاك الإله الذي يعمل ليعوّض عن حاجاتنا ويحلّ مشاكلنا. فالشعب الذي يرى الله بهذا الشكل، لا يستطيع الله أن يكون الله إن لم يعد ويعطي الخير حوله. ولكن في روح الانجيل، المعجزة التي يحتاج إليها انسان ليكون له ملء الحياة، قد تكون نعمة بها نحمل الصليب كل يوم ونتبع يسوع، عارفين أنه حيث يكون يسوع هناك يكون خادمه: في مجد الآب (يو 12: 24- 25؛ رج لو 9: 23- 26 وز).
إذا أردنا أن نستخرج الحياة من كلمة الله، نحتاج إلى أن نعرف أن هذه الكلمة هي سيف ذو حديّن (عب 4: 12). فسواء قطعت في الداخل أم في الخارج، فهدفها أن تعطي الحياة التي تدوم. وسواء رأى الانسان فيها مع ارميا أم لا "مطرقة تحطّم الصخر" (إر 23: 29) تقطع وتهدم وتهلك وتنقض، فهدف الله الأخير هو أن يبني ويغرس (إر 1: 10).
هذه الحياة ليست مرادفة لامتلاك غنى هذه الأرض، ولا لحالة الفقر على هذه الأرض. فيسوع لام الرجل الطمّاع في وسط الجمع، وهو من طلب من يسوع أن يسأل اخاه ليعطيه حصّة من الميراث. وفي الوقت عينه أعطى مثل الغنيّ الجاهل كي يدلّ على أن سعادة الانسان لا تكمن في أن يوسّع اهراءه ويزيد غناه، بل أن يعرف ماذا يعمل بهذا الغنى وهو لن يعيش طويلاً لينعم بهذا الغنى (لو 12: 13- 21). هذه الملاحظات تعني أيضاً العاملين في الرعاية البيبليّة.

4- قوّة الكلمة وواجبنا
من الواضح أن واجبنا في هذا المؤتمر، ليس أن نحدّد إذا كانت كلمة الله ينبوع حياة أم لا، سواء كانت الحياة الطبيعية الزائفة أو الحياة في الروح التي تدوم إلى الأبد. فمن أراد أن يبرهن عن ذلك، يكون كمن يبرهن على أن الشمس شارقة في ظهيرة أحد أيام الصيف. فالكتاب يقدّم لنا يقيناً واسعاً على أن كلمة الله ينبوع حياة. فالعودة إلى تك 1: 1- 2: 4 (ذكرت اعلاه) تجد صداها في مز 33: 6- 9 الذي ينشد عمل الله حين خلق الكون بكلمته. "قال فكان كل شيء، أمر فصار كل موجود". رج مز 104؛ 148: 5. ونفرأ أش 55: 10 عن كلمة الله التي لا تعود فارغة بل تنجح في ما أرسلت له. وهناك إعلان يسوع نفسه: "السماوات والأرض تزول وكلامي لا يزول" (مت 24: 35). فكلمة الله هي كما ذاتها "حيّة وفاعلة" (عب 4: 12).
ولا نقول فقط كلمة الله، بل كلمة الانسان في الكتاب المقدس تخدم أيضاً كينبوع حياة حين تكون جواب الايمان على كلمة الله التي تدعونا. قالت مريم: "ها أنا خادمة للربّ، فليكن لي كما تقول". وذهب من عندها الملاك (لو 1: 38). وكلمة يهوذا (يوضاس) لرؤساء اليهود لتوقيف يسوع واقتياده إلى الموت: "ماذا تريدون أن تعطوني فأسلمّه إليكم" (مت 26: 15؛ 48- 49). فكما تعمل كلمة البشر لتجسّد كلمة الله، فهي تعمل ايضاً لتقود إلى الموت الكلمة الذي صار بشراً (يو 19: 6- 16).
والكلمة البشريّة نفسها تحدّثنا عن قوّة الكلمة، ففي نيجريا كما في افريقيا الواقعة جنوبي الصحراء، حيث نجد الكلمة الشعبيّة، الكلمة الشفهيّة لا المكتوبة، هذه الكلمة هي مهمّة جداً. هي شيء، هي قوّة تملك الحياة في ذاتها. وفي عدد من اللغات تتميّز الكلمة عن الخطاب. فهناك مثلاً الكلمة التي تدخل في حوار. ونعطي مثلاً على ذلك. كان بالامكان ان تصل إلينا كلمة الامانة العامة عبر الهاتف أو الفيديو أو الورقة المكتوبة. وهناك الكلمة التي نتلقّاها في اجتماعنا هذا في هونغ كونغ. نسمع هذه الكلمة ونحفظها فتصبح ينبوع حياة لنا. تجمعنا، تغذينا، ونغتني معاً (والواحد مع الآخر) حين "نكسر" كلمة الله "كما نكسر الخبز"، ونشارك فيها.
تستخرج الكلمة البشريّة قوّتها من المتكلّم، بل من تنفيذها (يعني، إذا نفذّت كانت قويّة). هذا معروف في نيجريا حيث الحكم العسكري يحكم بالقرارات والمراسيم. فالامر الموجّه شفهيّاً يعني الموت حالاً أو الحياة. ولقد عرف قائد المئة هذا الأمر حين قال ليسوع: "أقول لهذا اذهب فيذهب، وأقول لآخر تعال فيأتي" (لو 7: 8). لا نستطيع أن نتخيّل أي مجهود بشري جديّ بدون عمل الكلمة.
وتنتج هذه الظاهرة البشريّة من الدعوة التي نلناها بالنعمة لكي نشارك في حياة الله الذي هو الكلمة. لهذا، يكون من المفيد هنا أن نفكّر في هذه الكلمات البشريّة التي أعطتنا الحياة أو قوَّتنا او شجّعتنا او نشّطتنا واستحثتنا، أو تلك التي حملت الموت إلينا، جرّدتنا من الحياة، أذلّتنا وحقّرتنا. "يجب أن يكتشف الشعب كلمة الله في حياته الشخصيّة". هذا ما تقوله الرابطة.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM