حياة أخنوخ

حياة أخنوخ

ظهور الملائكة
1 (1) قال أخنوخ: "في ذلك الوقت، حين اتممت 365 سنة، في الشهر الاول، في اليوم المذكور من الشهر الأول، كنتُ في بيتي وحدي، باكياً بعينيّ وحزيناً. (2) كنت مرتاحاً على سريري فرقدت. فظهر لي رجلان كبيران جداً، ما رأيت مثلهما على الأرض: كان وجهاهما كالشمس المضيئة، وعيناهما كمصابيح تشتعل. وخرجت نار من فميهما. كانت ثيابهما من الريش المتنوّع وأذرعهما كأجنحة ذهبيّة على رأس سريري. (3) نادياني باسمي فأستيقظت. ووقف الرجلان حقاً بقربي. (4) نهضتُ بسرعة وسجدت أمامهما. فتغطّى وجهي بالجليد من الرعب. (5) فقال لي الرجلان: "تشجّع يا اخنوخ، ولا تخف! فالرب الأزلي أرسلنا إليك، وأنت اليوم تصعد معنا إلى السماء. (6) قل لأبنائك ولأهل لتك ما يجب عليهم أن يصنعوا على الأرض. فلا يبحثْ عنك أحد من بيتك إلى أن يعيدك الرب إليهم". (7) أطعمتهما، ودعوت إبنيّ متوشالح ورجيم، وأخبرتهما بكل ما قال لي الرجلان:

تعليمات أخنوخ إلى ولديه
2 (1) "لا أعرف يا ولديّ، إلى أين أذهب ولا ماذا يحصل لي. والآن يا ابنيَّ لا تبتعدوا عن الرب واحفظوا أحكامه (2) لا تخفّضوا ذبائح خلاصكم، والرب لا يقلّص عمل أيديكم. لا تحرموا الرب من التقدمات، والرب لا يحرمكم من أهراء عطاياه (3) باركوا الرب مع أبكار قطعانكم وبقركم، فتكونوا مباركي الربّ إلى الأبد. (4) لا تحيدوا عن الرب، ولا تعبدوا آلهة العدم التي لم تصنع السماء ولا الأرض، (5) ليثبّت الربُّ قلوبكم في خوفه. والآن يا ابنيّ، لا تبحثا عني، إلى أن يعيدني الرب إليكما.

صعود أخنوخ: السماء الأولى
3 (1) "وبعد أن كلّمت إبنيّ، دعاني الرجلان وأخذاني على أجنحتهما، وحملاني إلى السماء الأولى ووضعاني هناك.
4 (1) "وجاءا أمامي بأسياد نظم النجوم، وأرياني سيرها وتحرّكاتها من وقت إلى آخر. (2) وأرياني 200 ملاك يملكون على النجوم وعلى ترتيب السماوات. (3) وأرياني هناك بحراً كبيراً جداً، أكبر من بحر الأرض، وملائكة يطيرون بأجنحتهم.
5 (1) "وأرياني مستودعات الثلج والجليد والملائكة الشنيعة التي تحفظ هذه المستودعات.
6 (1) "وأرياني خزانات السحاب التي منها يرتفع ويخرج، وأرياني مستودعات الندى الشبيه بزيت الزيتون، والملائكة الذين يحفظون مستودعاتهم، وكان منظرهم شبيهاً بكل زهور الأرض.

السماء الثانية: ملائكة حُكم عليهم
7 (1) "وأخذني هذان الرجلان ووضعاني في السماء الثانية. وأرياني سجناء دينونة عظيمة، محفوظين. (2) رأيت هنا ملائكة حُكم عليهم يبكون، فقلت للرجلين اللذين معي: "لماذا يتعذّب هؤلاء؟" (3) فأجابني الرجلان: "هؤلاء جحدوا الرب، ما سمعوا صوت الرب، وما استشاروا إلا مشيئتهم". (4) فحزنت كثيراً عليهم. وانحنى الملائكة أمامي وقالوا لي: "يا رجل الله، صلّ لأجلنا لدى الرب". (5) فأجبت وقلت: "من أنا الانسان المائت، حتى أصلّي لأجل الملائكة، ومن يعرف إلى أين ذاهب وماذا يحصل لي، ومن يصلّي لأجلي"؟

السماء الثالثة: الفردوس وجهنم
8 (1) "وأخذني الرجلان من هناك وأصعداني إلى السماء الثالثة. (2) وكان منظر هذا الموضع جميلاً فلا نعرف (كيف نصفه): كل شجرة فيه مثمرة، وكل ثمرة ناضجة، وكل طعام وافر، وكل نسمة فيه معطّرة. (3) تجري أربع سواق من مجرى هادئ على طول حديقة تنتج كل خير يُؤكل. (4) شجرة الحياة هي في الموضع الذي يرتاح فيه الله بعد أن يعود إلى الفردوس، ولهذه الشجرة رائحة صالحة لا توصف. وهناك شجرة أخرى بقربها، هي زيتونة يسيل منها الزيت دوماً. (5) كل شجرة تحمل ثمراً صالحاً، وليس من شجرة عقيمة، والمكان كله مبارك. (6) يحرس الفردوس ملائكة مشعّون، وبصوت متواصل ونشيد عذب يخدمون الرب كل الأيام. فقلت: "ما أحسن هذا المكان"!

9 (1) "فأجابني الرجلان: "هذا المكان، يا أخنوخ، هيِّئ للأبرار الذين يتحمّلون المضايق في حياتهم ويُحزنون نفوسهم، ويميلون بعيونهم عن الجور ويقضون قضاء عادلاً: يعطون الخبز للجياع، ويكسون العراة بلباس، ويقيمون الساقطين، ويعينون المجروحين، يسلكون أمام وجه الربّ ويخدمونه وحده. لهم هيِّئ هذا المكان كميراث أبديّ".

10 (1) "وخطفني هذان الرجلان من هنا وأصعداني إلى شمال السماء، وهناك أرياني موضعاً مرعباً، (2) كلَّ عذاب هنا في هذا الموضع، والظلمة والضباب. فليس هناك نور بل نار مظلمة تشتعل دوماً ونهر نار يسير إلى كل هذا الموضع. هناك البرَد والجليد (3) وسجون وملائكة قساة وجلفون يحملون السلاح ويعذّبون بلا شفقة. (4) فقلت: "ما أرعب هذا المكان"! فأجابني الرجلان: "هذا المكان يا أخنوخ قد هيِّئ للاشرار الذين ينتهكون الأقداس على الأرض، يمارسون السحر والعرافة ويتبجّحون بأعمالهم، (5) الذين يسلبون نفوس البشر في الخفاء، الذين يحلّون النير الذي رُبطوا به، الذين يغتنون بالجور بمال الآخرين، الذين أهلكوا بالجوع جائعاً كان بإمكانهم أن يشبعوه، الذين جرّدوا العراة الذين كان بامكانهم أن يلبسوهم، الذين ما عرفوا خالقهم، بل عبدوا آلهة باطلة، فصنعوا صوراً وعبدوا عمل أيديهم. لكل هؤلاء هيّئ هذا الموضع كميراث أبديّ".

السماء الرابعة: الشمس والقمر
11 (1) "واختطفني الرجلان من هناك وحملاني إلى السماء الرابعة. وهناك أرياني كل دوران وتحرك، وكل أشعة نور الشمس والقمر. فقستُ سيرهما وقابلتُ ضوءهما. (2) ورأيت أن نور الشمس هو سبعة أضعاف نور القمر. ودائرتهما ومركبتهما، على أي شيء يصعد كل منهما ذاهباً كالريح ولا راحة لهما وهما يروحان ويجيئان ليلاً ونهاراً. (3) وتعلّقت أربع نجوم كبيرة بيمين مركبة الشمس واربع بشمالها، فسارت دوماً مع الشمس.

12 (1) "وسار ملائكة أمام مركبة الشمس، أرواح طائرة، وكان لكل ملاك اثني عشر جناحاً، يجرّون مركبة الشمس ويحملون الندى والحرارة حين يأمر الربّ بنزولهما على الأرض مع أشعّة الشمس.

13 (1) "وحملني الرجلان إلى شرق السماء. وأرياني الأبواب التي بها تشرق الشمس حسب الأزمنة المحدّدة، وحسب دوران القمر خلال السنة كلها، وحسب نقصان وطول الأيام والليالي: ستة أبواب كبيرة. منها واحد يُفتح على مسافة 30 غلوة. (2) حاولت أن أقدّر كبرها فما استطعت أن أعرف كبرها. بهذه الأبواب التي بها تشرق الشمس، تذهب إلى الغرب أيضاً. بالباب الأول تخرج خلال 42 يوماً، بالثاني خلال 35 يوماً، بالثالث خلال 35 يوماً، بالرابع خلال 35 يوماً، بالخامس خلال 35 يوماً، وبالسادس خلال 42 يوماً.
(3) وإذ تعود أيضاً بالباب السادس حسب دورة الأزمنة، تشرق بالباب الخامس خلال 35 يوماً. وبالباب الرابع خلال 35 يوماً. وبالباب الثالث خلال 35 يوماً. وبالباب الثاني خلال 35 يوماً. وتتمّ أيام السنة حسب عودة الأزمنة.

14 (1) "واختطفني الرجلان إلى مغرب السماء، وهناك أرياني ستة أبواب كبيرة مفتوحة، حسب دورة أبواب المشرق التي تجاهها والتي بها تغيب الشمس حسب شروقها بأبواب المشرق وحسب عدد الأيام (2) وهكذا تغيب بأبواب المغرب، وحين تخرج بأبواب المغرب، يأخذ أربعة ملائكة إكليلها ويحملونه إلى الربّ، فتدير الشمس مركبتها وتسير بدون نور، ويعيدون إليها هناك إكليلها.

15 (1) "هذا هو الحساب الذي أرياني عن الشمس والأبواب التي بها تدخل وتخرج. لأن الرب الذي صنع هذه الأبواب، جعل الشمس عدّاد الساعات في السنة.

16 (1) "وأرياني من القمر تعداداً آخر. أراني الرجلان كل حركاته ودوراته، وأرياني في أبوابه: بها يطلع القمر ويخرج حسب الأزمنة العاديّة: (2) بالباب الأول نحو الشرق خلال 31 يوماً أكيداً. وبالباب الثاني خلال 35 يوماً أكيدا. وبالباب الثالث خلال 31 يوماً بشكل شواذ. (3) وبالرابع خلال 30 يوماً أكيداً. وبالخامس خلال 31 يوماً بشكل غير عادي. وبالسادس خلال 31 يوماً أكيداً. (4) بالسابع خلال 31 يوماً أكيداً. بالثامن خلال 31 يوماً بشكل غير عاديّ. بالتاسع خلال 31 يوماً بالضبط. (5) بالعاشر خلال 35 يوماً أكيداً. بالحادي عشر خلال 31 يوماً بشكل شواذ. بالباب الثاني عشر خلال 22 يوماً أكيداً. (6) وهكذا أيضاً بأبواب المغرب حسب دورة وعدد أبواب المشرق. وهكذا يدخل (القمر) أيضاً بأبواب المغرب. ويتمّ سنة في 364 يوماً. (7) يسير في السنة مع أربعة أيام شواذ. لهذا تؤخذ من السماء ومن السنة ولا تحسب في عدد الأيام، لأنها تتجاوز أزمنة السنة: قمَران جديدان في خط ملء القمر (البدر)، واثنان آخران في خط النقص. (8) وحين ينهي أبواب المغرب يعود فيذهب إلى أبواب المشرق مع ضوئه. هكذا يسير ليلاً ونهاراً بشكل دائرة ومدارُه يشبه الشمس، والمركبة التي يصعد عليها كالريح. ويجرّ مركبتَه أرواح طائرة، مع ستة أجنحة لكل ملاك. هذا هو تعداد القمر.

17 (1) "في وسط السماء رأيتُ جيشاً يخدم الرب بالطبول والآلات، بصوت لا ينقطع. واستعددت للاستماع.

السماء الخامسة: الساهرون
18 (1) "وأخذني الرجلان وحملاني من هناك إلى السماء الخامسة. فرأيت هناك جيشاً عديداً هم الساهرون: كان منظرهم كمنظر رجال، ولم يكونوا كباراً كالجبابرة الكبار. كانت وجوههم حزينة وأفواههم صامتة، ولم يكن من خدْمة في السماء الخامسة. (2) فقلت للرجلين اللذين كانا معي: "لماذا هؤلاء حزانا جداً ووجوههم منهكة، ولماذا ليس من خدمة في السماء"؟ (3) فأجابني الرجلان: "هؤلاء هم الساهرون الذين انفصلوا بانفسهم. رئيسان يمشي في اثرهما مائتان. نزلوا على الأرض وتعاقدوا مع قمّة جبل حرمون ليتدنّسوا بنساء البشر، فتدنّسوا، فحكم الله عليهم. (4) وهؤلاء يبكون إخوتهم والمعاملة المشينة التي أصابتهم". فقلتُ أنا للساهرين: "رأيت إخوتكم، عرفت ما صنعوا وعلمت صلواتهم وصلّيت لأجلهم، (5) وها إن الرب قد حكم عليهم أن يذهبوا تحت الأرض حتّى نهاية السماء والأرض. فلماذا تنتظرون اخوتكم ولا تخدمون أمام الرب؟ (6) أعيدوا الخِدَم التي كانت، أخدموا أمام الرب لئلا تُغضبوا الربّ إلهكم فيطرحكم من هذا الموضع". سمعوا تحريضي، ووقفوا أربع جوقات في السماء. (7) وأمامي أخذوا اربعة أبواق وأخذوا يدقون معاً، وأخذ الساهرون يخدمون كما بصوت واحد، وصعد صوتهم أمام الرب.

السماء السادسة: الملائكة السبع الكبار
19 (1) "واقتادني الرجلان وحملاني من هناك إلى السماء السادسة. (2) فرأيت هناك مجموعة من سبعة ملائكة مشعّين ومجيدين. وكان وجههم مشرقاً مثل شعاع الشمس. ولم يكن من اختلاف في الوجه وقياسات الجسم، ولم يكن تبدّل في اللباس. (3) هم الذين يدبّرون ويعلّمون نظام العالم ومسير النجوم والشمس والقمر، لمدبّريها الملائكة وملائكة السماء، ويجعلون الوفاق في كل حياة السماء (4) وينظِّمون أيضاً الوصايا والتعليمات والصوت العذب في الأناشيد وفي كل مديح المجد. (5) وهناك ملائكة على الفصول والسنوات، وملائكة على الانهر والبحار، وملائكة على الثمار والعشب وكل ما ينمو، وملائكة جميع الشعوب. وهم أيضاً ينظّمون كل حياة ويكتبونها أمام وجه الربّ. (6) وفي وسطهم سبعة فينيقات وسبعة كروبيم وسبعة (سرافيم) باجنحتهم الستة. يهتفون معاً وينشدون معاً. نشيدهم لا يُوصف، والرب يفرح بموطئ قدميه.

السماء السابعة: الرب
20 (1) "وانتزعني الرجلان وأخذاني من هناك إلى السماء السابعة. فرأيت نوراً عظيماً وجميع جيوش النور اللاجسديّة من رؤساء ملائكة وملائكة وأوفانيم يقفون مشعين. فخفت وارتعبت. (2) فاقتادني الرجلان وسطهم وقالا لي: "تشجّع يا أخنوخ، لا تخف". وأرياني من بعيد الربّ جالساً على عرشه. (3) وكانت كل جيوش السماء المجتمعة درجات تتقدّم وتخضع أمام الرب، ثم تتراجع وتمضي إلى مواضعها بفرح وابتهاج وبنور لا يُقاس.
21 (1) "وكان المجيدون يخدمونه، فلا يبتعدون في الليل ولا يتراجعون في النهار. يقفون أمام وجه الرب ويصنعون مشيئته. (2) وكان كل جيم الكروبيم حول عرشه، لا يبتعد عنه، وذوو الاجنحة الستة يغطّون عرشه وينشدون أمام وجه الرب. (3) حين شاهدتُ كل هذا تركني الرجلان وما عدت رأيتهما. (4) تركاني عند طرف السماء وحدي، فخفت وسقطت على وجهي. (5) فأرسل الرب إليّ أحد المجيدين، جبرائيل، فقال لي: "تشجّع، يا أخنوخ. لا تخف! قم، تعال معي وقف أمام الرب على الدوام". (6) فأجبته وقلت: "آه، يا سيّدي، فالخوف جعل نفسي تنسحب مني. أدعُ لي الرجلين اللذين جاءا بي إلى هذا الموضع لأني وثقتُ بهما، ومعهما أذهب إلى أمام وجه الربّ". فاختطفني جبرائيل مثل ورقة تحملها الريح وجذبني ووضعني أمام وجه الربّ.

22 (1) "ورأيت الرب: وجهه القدير والمجيد والرهيب. (2) من أنا لأقول وسع جوهر الرب، ووجهه القدير والرهيب وجوقة ملائكته ذوي العيون الكثيرة والأصوات الكثيرة. وعرش الرب العظيم الذي لم تصنعه الأيدي، وأصوات جيش الكروبيم والسرافيم التي حوله، والخدمة المجيدة التي لا تصمت ولا تتحرك والتي هي أرفع من الوصف؟ وسقطتُ بوجهي إلى الأرض وسجدتُ للرب.

مسحة أخنوخ
(3) "وناداني الرب بفمه: "تشجّع، يا أخنوخ، لا تخف. قم وقف أمام وجهي على الدوام"! وأقامني مخائيل، رئيس الملائكة العظيم (أمام) الرب واقتادني إلى أمام وجه الربّ. (4) فامتحن الرب عبيده وقال لهم: "ليصعد أخنوخ ويقف أمام وجهي على الدوام"! فانحنى المجيدون وقالوا: "ليصعد". (5) فقال الرب لمخائيل: "خذ أخنوخ، جرّده من ملابسه الأرضيّة وامسحه بالزيت الصالح والبسه ملابس المجد". (6) فجرّدني مخائيل من ملابسي ومسحني بالزيت الصالح. وكان منظر الزيت يتجاوز منظر نور عظيم. ودهْنه كان كالندى الخيِّر، وعطره كالمرّ، وكان يزهو كنور الشمس. (7) ونظرت إلى نفسي فإذا أنا مثل المجيدين ولم يكن فرق في المظهر.
(8) ودعا الرب وارويل، أحد رؤساء ملائكته الذي كان ماهراً في كتابة كل أعمال الرب. وقال الرب لوارويل: "خذ كتب المستودعات واعطِ قصبة لأخنوخ، وأملِ عليه كتباً". فأسرع وارويل وحمل الكتب... وجعل في يدي قصبة الكتابة.

23 (1) "وقال لي كل أعمال السماء والأرض والبحر، ومسيرة وحياة جميع العناصر وتبدّل السنين ومسيرة الأيام وتحوّلاتها، ووصايا وتعليمات صوت الأناشيد العذب، وصعود الغيوم وخروج الرياح، وكل لسان يُنشد في الجيش (السماوي). (2) وكل ما يجب تعلّمه، عرضه وارويل عليّ خلال ثلاثين يوماً وثلاثين ليلة، فما صمت فمه عن الكلام. (3) وأنا ما ارتحت خلال أربعين يوماً وأربعين ليلة، وكنت أكتب الحروف. ولما انتهيت قال لي وارويل: "إجلس واكتب كلَّ ما عرضت عليك". فجلست ستين يوماً وستين ليلة وكتبت كل شيء بدقّة وألّفت 360 كتاباً.

الخلق، من العدم إلى الوجود
24 (1) "ودعاني الرب وجعلني عن يساره أقرب من جبرائيل. فسجدتُ للرب (2) وقال لي الرب: "كلُّ ما رأيته، يا أخنوخ، ما هو ثابت وما يتحرّك، أنا الذي حقّقته، وأنا سأشرح لك من البداية وقبل أن يُوجد كلُّ هذا، كل ما كوّنته من العدم إلى الوجود، من الخفي إلى المنظور. (3) ما شرحت سرّي حتى لملائكتي، وما قلت لهم كيف كوِّنوا، وما عرفوا خليقتي التي لا تحدّ ولا تُعرف. وأنت شرحتها لك اليوم. (4) قبل أن تصبح الأشياء كلها منظورة، انفتح النور، وأنا في وسط النور جلت في الفضاء كأحد اللامنظورين، كما الشمس تجول (في الفضاء من المشرق إلى المغرب ومن) المغرب إلى المشرق. (5) تجد الشمس الراحة، أما أنا فلم أجد راحة لأن كل شيء كان بلا شكل.
"وحين نويت أن أجعل اساساً لكي أصنع خليقة منظورة،

25 (1) "أمرت في الأعماق أن يصعد شيء غير منظور (فيصبح) منظوراً. فخرج يدوئيل عظيماً جداً، فتأمّلته فاذا هو في بطن الدهر العظيم (2) فقلت له: "تخلّص، يا يدوئيل، وليُرَ كل ما يُولد منك". فتخلّص وخرج منه الدهر العظيم الذي كان يحمل كل الخليقة التي أردت أن اصنعها. (3) ورأيت أن هذا كان حسناً، ونصبتُ عرشاً وجلست عليه. وقلت للنور: "إصعد أنت إلى أعلى وتثبّت وكن اساس العلويات". فليس شيء أعلى من النور.

26 (1) "لم ونظرت من على عرشي، فناديت أيضاً في الأسافل وقلت: "ليخرج من لا يُرى شيء ثابت يُرى". فخرج اروحاز قاسياً، ثقيلاً، أسود جداً. ورأيت أنه لائق، فقلت له: "أنت إنزل إلى تحت وتثبّت وكن أساس السفليّات". فنزل وتثبّت وكان أساس السفليات. وما كان شيء تحت الظلمة.

الخلق
27 (1) "أحطت الاثير بالنور وجعلته سميكاً وبسطته فوق الظلمة.

28 (1) "ومن المياه ثبتّ الحجارة الكبيرة وأمرت ضباب اللجة أن يجفّ عن اليابسة، وسمّيت اللجة "ما سقط". (2) وجمعتُ البحر في موضع واحد وربطته بنير: وجعلت بين الأرض والبحر حداً أبدياً، فلا تحطّمه المياه. (3) وثبتُّ الفلك ووضعت أساسه فوق المياه.

29 (1) "وكوّنت لكل جند السماء شمسَ النور العظيم وجعلتها في السماء لتشعّ على الأرض. (2) وأخرجت من الحجارة ناراً عظيمة، ومن النار صنعت كل جيش اللاجسديين وكل جيش النجوم والكواكب والسرافيم والاوفانيم. كل هذا أخرجته من النار.

30 (1) "وأمرت الأرض بأن تنمي كل شجرة وكل ثمرة وكل عشب الحبوب وكل زرع يُزرع: قبل أن أصنع الأنفس الحيّة هيّأت لها طعاماً. (2) وأمرت البحر أن يلد السمك وكل زحاف يزحف على الأرض وكل طائر يطير، وحين أنهيت كل شيء، أمرتُ حكمتي أن تصنع الانسان.

33 (1) "والآن، يا أخنوخ، كلُّ ما شرحته لك، وكل ما رأيته في السماء، وكل ما رأيتَه على الأرض، وكل ما كتبتَه في كتبك، هذا ما نويت بحكمتي أن أصنع. (2) صنعته من الأساس، من تحت إلى فوق وحتى الطرف. ليس من مشير وليس من يكمّل. أنا وحدي الازلي (صنعتُه) بدون عمل الايدي (البشريّة). (3) فكري اللامتبدّل هو مشيري وكلامي عملٌ، وعيناي شاهد: كل شيء يقوم إن وضعت نظري عليه، ولكن إن ملت وجهي، كل شيء يتدمّر. فأعمل فكرك، يا أخنوخ، واعرف من يكلّمك! (4) خذ الكتب التي كتبتَها، وانا أعطيك شمائيل ورصوئيل اللذين أصعداك إليّ، وانزل على الأرض واشرح لأبنائك كل ما قلتُ لك وكلَّ ما رأيتَ من السماء السفلى حتى عرشي: كل الجيوش أنا الذي صنعتُها، وليس من يقاومني أو يرفض الخضوع. بل كلهم يخضعون لسلطاني الملكي ويخدمون قدرتي وحدها.
(5) "وسلّمهم الكتب التي كتبتَها بيدك، فيقرأوها ويعرفوا خالق كل شيء، ويفهموا هم أيضاً أن لا أحد سواي. (6) ويوزّعون الكتب التي كتبتها يدُك على أبنائهم وأبناء أبنائهم، ومن قريب إلى قريب، ومن جيل إلى جيل. (7) فإني سأعطيك، يا أخنوخ، متشفعاً، مخائيل رئيس قوّادي، لأن ما كتبته يُدك وما كتبته يدُ أبويك آدم وشيت، لن يدمّرا حتى الدهر الأخير. (8) فأنا أمرت ملاكيّ أريوك ومريوك اللذين جعلتهما على الأرض ليحفظاها ويدبّرا الأرضيات، أن يحفظا ما كتبت يدُ ابويك فلا يهلك في الطوفان الذي سآتي به على نسلك.

شرّ البشر هو سبب الطوفان
34 (1) "أنا أعرف شرّ البشر، وأعلم أنهم لا يحتملون النير الذي وضعته عليهم، وأنهم لا يزرعون الزرع الذي أعطتهم، بل يرذلون نيري ويأخذون نيراً آخر، ويزرعون زرع العدم، ويعبدون آلهة باطلة، ويرفضون سلطاني الملكيّ، فتخرّ الأرض تحت الشرور والجور والزنى وعبدة الاصنام (2) فأجلب الطوفان على الأرض، فتغرق الأرض في وحل عظيم.

35 (1) "وأترك انساناً باراً من قبيلتك مع كل بنيه، فيصنع بحسب مشيئتي، ويخرج من زرعهم نسل آخر بعدهم، كبير العدد لا يشبع. (2) وفي مسيرة هذا النسل تظهر الكتب التي كتبتها يدك ويدُ ابويك، لأن حارسَي الأرض يرويانها لأهل الايمان ويشرحانها لهذا النسل فتشتهر بعد ذلك أكثر ممّا اشتهرت في الأزمنة الأولى.

عودة أخنوخ
36 (1) "والآن، يا أخنوخ، أعطيك مهلة انتظار من ثلاثين يوماً تقضيها في بيتك وتحدِّث من قبلي أبناءك وأهل بيتك، وكل الذين حفظوا قلوبهم وقرأوا وعرفوا أن ليس أحد سواي. (2) وبعد ثلاثين يوماً أرسل ملائكة يطلبونك، فيأخذونك من الأرض ومن عند أبنائك ليقودوك إليّ. (3) فقد هُيِّئ لك موضع فتكون أمام وجهي من الآن وعلى الدوام. وتكون ذاك الذي يعرف أسراري، وتكون كاتب عبيدي، لأنك ستكتب كل أعمال الأرض، وما هو على الأرض وما هو في السماء وتكون شاهداً لي في دينونة الدهر العظيم". (4) كل هذا قاله لي الرب، كما يكلّم انسانٌ قريبه.

39 (1) "والآن، يا أبنائي، إسمعوا صوت أبيكم، كل ما أوصيتكم به اليوم أن تسلكوا فيه أمام وجه الربّ، وكل ما هو بحسب مشيئة الربّ. (2) فأنا قد أعدت اليوم من فم الرب إليكم، لكي أقول لكم كل ما هو (الآن) وما سيكون حتى يوم الدين.

رؤية الله على عرشه
(3) "والآن، يا أبنائي، لا أكلّمكم اليوم بفمي، بل بفم الرب الذي أعادني إليكم. (4) أنتم تسمعون كلاماً من فمي أنا الانسان المخلوق والمساوي لكم، وأنا سمعت كلاماً من فم الرب الناري، لأن فم الرب أتون نار وكلامه شعلة تخرج (من فمه).
(5) "انتم يا أبنائي ترون وجهي أنا الانسان المخلوق الشبيه بكم. وأنا رأيت وجه الربّ كحديد محمَّى بالنار يرمي الشرر. (6) أنتما تنظرون عيني انسان مخلوق مساو لكم، وأنا نظرت عيني الرب كأشعة شمس تضيء وترهب عيون الانسان. (7) أنتم يا أبنائي تنظرون إليّ أشير لكم بيدي أنا الانسان المصنوع مثلكم. وأنا رأيت يد الرب تشير إليّ فتملأ السماء. (8) أنتم يا أبنائي تنظرون اتساع جسمي الشبيه بجسمكم. وأنا نظرت وسع الرب الذي لا قياس له ولا وسع ولا مقابل ولا نهاية. (9) أنتم تسمعون كلمات فمي، وأنا سمعت كلمات الرب كرعد عظيم في اضطراب للغيوم لا يتوقّف. (10) تسمعون الآن يا ابنائي حديث ملك على الأرض: ما أرهب وما أخطر أن يقف (الانسان) أمام وجه ملك على الأرض. تأتي الرهبة والخطر لأن الموت هو مشيئة الملك والحياة هي مشيئة الملك. ولكن الوقوف أمام وجه ملك الملوك! من يتحمّل الرعدة غير المحدودة أو الحرارة العظيمة المحرقة؟

37 (1) "ولكن الرب دعا واحداً من ملائكته المكلَّف بالبرْد، وجعله بقربي. وكان منظر هذا الملاك ثلجاً ويداه جليداً، فبرّد وجهي، لأني ما عدت أحتمل خوف حرارة النار. وهكذا قال لي الربّ جميع هذا الكلام.

دوران النجوم
40 (1) "فالآن، يا أبنائي، أنا أعرف كل الاشياء، بعضها من فم الرب، والبعض الآخر رأته عيناي من البداية حتى النهاية، ومن النهاية حتى عودتي. (2) أنا أعرف كل شيء وكتبتُ في كتبي أطراف السماء وما فيها، وقست تحرّكاتها وعرفت جيشها وعددتُ كل النجوم، وهي كثيرة لا تُحصى. (3) أي انسان يتصوّر مدار التقلبات وحركاتها وعودتها ومدبريها والذين يقودونها؟ (4) الملائكة أنفسهم لا يعرفون عددها. وأنا كتبت أسماءها. (5) وأنا قست دائرة الشمس واحصيت أشعّتها ومداخلها ومخارجها وكل تحركاتها وكتبت أسماءها. (6) وأنا قست دائرة القمر وحركاته اليوميّة، ونقصان نوره في كلل يوم وفي كل ساعة... وكتبتُ أسماءها. مواطن الغيوم وأفواهها وأجنحتها وأمطارها ورذاذها، أنا اكتشفته. (7) وكتبت صوت الرعد ومعجزة البرق وأُريت سجّانوها وصعودها الذي به تطلع بمقدار: ترتفع بقيد، وبقيد يتركونها تسقط لئلا تُسقط الغيوم بعنف وقساوة فتُهلك كل شيء على الأرض. (8) أنا كتبت مخازن الثلوج ومستودعات الجليد والهواء البارد. أنا نظرت كيف يملأ السجّانون في بعض الأزمنة الغيوم بحيث لا تفرغ الخزّانات. وأنا كتبت مخادع الرياح. (9) أنا لاحظت ورأيت كيف يحمل حرّاسها الموازين والمكاييل: يضعونها أولاً في الميزان، ثم في المكيال، وبقدر يفلتونها على كل الأرض لئلاّ تزعزع النسمةُ القاسية الأرضَ.

جهنّم والفردوس
(10) "من هناك أُخذت، فجئت إلى موضع الدينونة، ورأيت جهنم مفتوحة، وهناك رأيت سهلاً مثل السجن ودينونة عظيمة. ونزلت، وكتبت كل دينونة المدانين وعرفت جميع طلباتهم.

41 (1) "فتأوّهتُ وبكيت لهلاك الاشرار وقلت في قلبي: "طوبى للذين لم يُولدوا، وإذا وُلدوا لم يخطأوا أمام وجه الربّ، لئلاّ يأتوا إلى هذا المكان ويحملوا نير هذا المكان".

42 (1) "ورأيت حرّاس مفاتيح جهنّم واقفين قرب أبواب كبيرة، وكانت وجوههم تشبه الأفاعي الكبيرة، وعيونهم المصابيحَ المضيئة، وكانت اسنانهم مكشوفة حتى بطونهم. (2) فقلت لهم وجهاً لوجه: "يا ليتني ما رأيتكم ولا شاهدتُ أعمالكم، وما جاء أحد من نسلي إليكم".
(3) وصعدتُ من هناك إلى فردوس الأبرار وهناك رأيت مكاناً مباركاً، وكل خليقة (فيه) مباركة، وكلهم يعيشون فيه في الفرح والبهجة وبنور لا حدود له، في الحياة الابديّة.
(4) قلت: يا أبنائي، والآن أقول لكم: "طوبى للذي يخاف اسم الربّ ويخدمه دوماً أمام وجهه، ويرتّب العطايا وتقادم الحياة ويحيا حياته ويموت. (5) طوبى للذي يحكم حكماً عادلاً ويُلبس العريان لباسا ويعطي الخبز جائع. (6) طوبى للذي ينصف اليتيم والأرملة ويساعد كل ضحايا الجور. (7) طوبى للذي يحيد عن طريق التبدّل ويسلك في الطرق المستقيمة. (8) طوبى للذي يزرع زرع البرّ لأنه يحصده سبعة أضعاف. (9) طوبى للذي هو حقّ ويقول الحقيقة لقريبه. (10) طوبى للذي على شفتيه التقوى والوداعة. (11) طوبى للذي يفهم أعمال الرب ويمجّده ويتعرف على صانع (الكون) من أعماله.

حتميّة النجوم
43 (1) "تفحّصتُ يا أبنائي ما يُدار على الأرض فكتبته. (2) أنا نسّقت السنة كلها، ومن السنة استخرجت الأشهر، ومن الشهر عددت الأيام، ومن اليوم عددت الساعات. (3) أنا قست وحدّدت الساعات وميّزت كل زرع على الأرض، وكل مكيال وميزان صادق، قسته وتفحّصته كما أمرني الرب، فرأيت فيها اختلافاً. (4) هناك سنة أكرم من سنة، ويوم أكرم من يوم، وساعة أكرم من ساعة. (5) كما أن انساناً يكون أكرم من انسان، واحد بسبب غنى كبير، وآخر بسبب قلب حكيم، وثالث بسبب العقل والفطنة وصمت الشفتين. (6) ولكن ليس أعظم من الذي يخاف الرب. فالذين يخافون الرب يمجَّدون على الدوام.

44 (1) "خلق الرب الانسان بيديه، بشبه وجهه. الصغير والكبير الله صنعهما. (2) من احتقر وجه الانسان احتقر وجه الله. من ازدرى وجه الانسان ازدرى وجه الرب. من شتم وجه انسان شتم وجه الرب: فالغضب والدينونة العظمى لمن يبصق على وجه انسان. (3) وطوبى لمن يوجّه قلبه إلى كل إنسان فيعين من هو في القضاء، ويُسند المنكسر، ويعطي المحتاج، لأن كل عمل الانسان يُعاد إليه مكتوباً في يوم الدينونة العظيمة. (4) طوبى للذي مكياله صحيح وميزانه صحيح: ففي يوم الدينونة العظيمة سيُعرض كل مكيال وكل وزن وكل ميزان كما في سوق البيع، وكل واحد يعرف مكياله، وينال أجرته بحسب هذا المكيال.
(5) من يُسرع في تقدمته أمام وجه الرب، يسرع الرب في المواهب التي ينالها.

45 "من أكثر (زيت) المصباح أمام وجه الرب، يُنمي الرب أهراءه. (2) هل يحتاج الرب إلى الخبز أو السراج أو الخروف أو الثور؟ فهو مع ذلك يمتحن قلب الانسان. (3) عندئذ يرسل الرب نوره، وفي هذا النور تكون الدينونة، وهناك يختفي.

كتب أخنوخ
47 (1) "والآن، يا أبنائي، تعقّلوا في قلوبكم وضعوا في آذانكم أقوال أبيكم، كل ما اسمعكم من فم الربّ: (2) خذوا هذه الكتب. كتب دوّنتها يدُ أبيكم واقرأوها واعرفوا فيها أعمال الرب، وأن ليس سوى الربّ الواحد (3) الذي وضع الاساسات على اللامعروف، مدّ السماء على اللامنظور، جعل الأرض على المياه وأسّسها على اللاثابت، (4) الذي صنع وحده خلقاً لا يُحصى، الذي عدّ تراب الأرض أو رمل البحر أو نقاط الغيوم، الذي زوّج الأرض على البحر برباطات لا تحلّ، الذي فجّر من النار جمال النجوم الذي لا يُوصف وزيّن به السماء، الذي صنع المنظور من اللامنظور لأنه هو لامنظور.

48 (1) "وزّعوا هذه الكتب على أبنائكم وأبناء أبنائكم وعلى كل أقاربكم وفي كل أجيالكم، على الذين يملكون ويخافون الربّ (2) فيتقبّلونها فتسرّهم أكثر من طعام لذيذ، ويقرأونها ويتعلّقون بها. أما الجهّال الذين لا يعرفون الربّ فلا يتقبّلونها، بل يرذلونها لأن نيرها ثقيل عليهم. (3) طوبى لمن يحمل نيرها ويتعلّق به لأنه يجده في يوم الدينونة العظيمة.

49 (1) "أقسم لكم يا ابنائي، أنه قبل أن يكون الانسان، أعدَّ موضع دينونة له، وهناك أعدّ مسبقاً ميزان ومثقال بحسبهما يُمتحن الانسان.

50 (1) "وأنا سوف أكتب عمل كل انسان، فلا يستطيع أن يتهرّب. (2) إذن، يا أبنائي، حافظوا على الصبر وعلى الوداعة خلال أيامكم العديدة، لكي ترثوا الدهر الآتي الذي لا ينتهي. (3) وتحمّلوا كل ضربة وكل جرح وكل نار محرقة وكل كلمة سيّئة إذا جاءت من أجل الرب. وإذا استطعتم أن لا تردّوا على الشرّ بالشرّ لقريبكم فلا تردّوا، لأن الرب هو الذي يردّ وهو الذي ينتقم لكم في يوم الدينونة العظيمة. (4) ضحّوا بذهبكم وفضّتكم من أجل أخيكم لتنالوا كنزاً لا بشرياً في يوم الدينونة.

51 (1) "مدّوا يدكم لليتيم والأرملة، وبحسب قواكم أعينوا البائس، فيكونوا حمايتكم في وقت المحنة. (2) كل نير محزن وثقيل. إن سقط عليكم بسبب الربّ، فحلّوه تجدوا أجركم في يوم الدينونة. في صباح كل يوم وظهره ومسائه، يحسن بكم أن تؤمّوا بيت الرب لتمجّدوا صانع كل شيء.

مباركات ولعنات
52 (1) "طوبى لمن يفتح قلبه للمدائح ويمدح الله. ملعون من يفتح قلبه للشتيمة والافتراء على القريب. (2) طوبى لمن يفتح فمه ليبارك الرب ويمجّده. ملعون من يفتح فمه للعنة والتجديف على وجه الرب. (3) طوبى لمن يمجّد جميع أعمال الرب. ملعون من يجدّف على خليقة الرب. (4) طوبى لمن ينظر إلى أعمال يديه لكي ينميها. ملعون من ينظر إلى أعمال الغير لكي يمحوها. (5) طوبى لمن يحفظ أساسات آبائه الاولين. ملعون من يدمّر نظم الآباء وما وصلوا إليه. (6) مبارك من يزرع السلام. ملعون من يقتل المسالمين. (7) مبارك من يتكلّم بالسلام، ويمتلك السلام. ملعون من يتكلّم عن السلام وما في قلبه سلام. (8) كل هذا يكشفه الميزان والكتاب في يوم الدينونة العظيمة.

تحريضات مختلفة
(9) "فالآن، يا أبنائي، احفظوا قلوبكم من كل جور: ليجعلكم الميزان ترثون النور في الدهور.

53 (1) "لا تقولوا يا أبنائي: أبونا مع الرب وصلواته تنجّينا من الخطيئة. (2) ترون أني أكتب أعمال كل انسان، ولا يستطيع أحد أن يدمّر كتابة يدي، لأن الرب يرى كل شيء.

54 (1) "والآن يا أبنائي إجعلوا في آذانكم كل كلام أبيكم ليكون ما أقوله لكم ميراث راحة. (2) والكتب التي أعطيتكم لا تُخفوها، بل اشرحوها لكل من يريد فتروا هل يعرفون أعمال الرب.

55 (1) "يا أبنائي، لقد اقترب اليوم من الزمن المحدّد، والزمن المحدّد يلجّ عليّ، والملائكة الذين يمضون لكي يقفوا أمامي، وغداً أصعد إلى السماء العليا في ميراثي الأبديّ. (2) لهذا أوصيكم يا أبنائي بأن تكون لكم إرادة صالحة أمام الرب".

56 (1) فأجاب متوشالح أباه أخنوخ: "ما الذي يسرّ عينيك، يا أبي، فنهيِّئه لك طعاماً فتبارك بيوتنا وأبناءنا وكل أهل بيتنا؟ (2) تمجّد شعبك وبعد هذا تذهب". فأجاب أخنوخ ابنه وقال له: "اسمع يا ابني. منذ أن مسحني الرب بزيت المجد، لم يعد فيّ طعام، والطعام لا يسرّني ولست بحاجة إلى طعام أرضيّ".

57 (1) "ولكن أدعُ اخوتك وكل أهل بيتنا وشيوخ الشعب لكي أكلّمهم وأمضي!" (2) فأسرع متوشالح فدعا اخوته رجيم وأربيم واخازوخان وخَريميون وكل شيوخ الشعب، وجاء بهم أمام أبيه أخنوخ، فانحنوا أمامه. فاستقبلهم أخنوخ وباركهم، وأجابهم قائلاً:

تحريضات جديدة
58 (1) "اسمعوا يا ابنائي. في أيام أبيكم آدم نزل الرب على الأرض ليزورها، وكلَّ الخليقة التي صنعها بيده. (2) ودعا الرب جميع حيوان الأرض وكل زحافات الأرض وكل الطيور المجنّحة، وجاء بها إلى أبينا آدم لكي يعطي اسماً لكل ما على الأرض (3) وتركها الرب بقربه وأخضعها له كلها وجعلها أدنى منه. ثم جعلها خرساء لكي تخضع للانسان وتطيعه، (4) لأنه جعل الانسان سيّداً على كل خيراته: بالنسبة إلى الخلائق لا دينونة لكل نفس حيّة، بل للانسان وحده. (5) بالنسبة إلى نفوس الحيوانات، هناك في الدهر العظيم موضع واحد ومكان واحد وحظيرة واحدة (6) لأن نفس الانسان التي صنعها الله لا تُحفظ للدينونة. جميع النفوس تتهم الانسان.

59 (1) "من يسيء رعاية نفوس الحيوانات، يكون السوء على نفسه. ومن يحمل ذبيحة من الحيوانات الطاهرة يشفي نفسه شفاء. ومن يحمل ذبيحة من العصافير الطاهرة يشفي نفسه شفاء.
(2) "وكل ما لكم من طعام، أربطوه بقوائمه الاربع، تُشفى نفوسكم شفاء. من قتل حيواناً ولم يربطه، عمل الشرّ وجلب السوء لنفسه. (3) من أساء إلى حيوان سراً عمل الشرّ وجلب السوء لنفسه.

60 (1) "من أساء إلى نفس انسان، أسا إلى نفسه هو، ولن يكون له شفاء البتّة. (2) من دفع انساناً في الشبكة أُخذ هو فيها، ولن يكون له شفاء البتّة. ومن دفع انسان للحكم، يُحكم عليه إلى الأبد.

61 (1) "والآن، يا أبنائي، احفظوا قلوبكم من كل جور يمجّه الرب، وبالأخصّ تجاه كل نفس حيّة من النفوس التي خلقها الربّ. (2) ما يطلبه الانسان من الرب لنفسه، فليصنع هكذا لكل نفس حيّة. (3) ففي الدهر العظيم تُهيّأ ملاجئ عديدة للانسان، مساكن صالحة ومساكن رديئة لا عدّ لها. (4) طوبى لمن يذهب إلى المساكن الصالحة، لأن الرديئة ليست موضع إقامة.
(5) حين يلتزم انسان في قلبه بأن يقدّم تقدمة للرب، وما عملت يداه (ما وعد به)، يُبعد الربُ عنه تعب يده فلا ينال شيئاً. وإن عملت يداه، وتذمّر قلبه وما فتئ يتألم، فلا فائدة من التذمّر.

62 (1) "طوبى للانسان الذي في ثباته يحمل عطيّة للرب لأنه يجد الجزاء. (2) وإن حدّد فمُ انسان وقتاً ليحمل عطيّة أمام الرب وفعل، يجد جزاء. ولكن إن ترك الوقت المحدَّد ليتمّ قوله، لا تُقبل ندامته، لأن كل تأخّر سبب عثار.

63 (1) "وحين يغطّي الانسان عرياناً، ويعطي الخبز لجائع، يجد جزاء. ولكن إن تذمّر قلبه خسر كل شيء وما حصل على شيء. (2) وحين يُشبع المسكينَ، وكان قلبه محتقراً له، خسر كل عمله الصالح وما نال شيئاً، لأن الرب يمجّ كل انسان محتقِر".

الرب يدعو أخنوخ
64 (1) وحين كلّم أخنوخ أبناءه ورؤساء شعبه، سمع كل الشعب وكل الجيران أن الرب دعا أخنوخ. (2) فتشاوروا وقالوا: "لنذهب ونحيّي أخنوخ". واجتمع قرابة ألفي رجل وجاؤوا إلى ازوخان حيث كان اخنوخ مع أبنائه وشيوخ الشعب. (3) فحيّاهم أخنوخ، فقالوا له: "أنت يا مبارك الرب، الملك الأزلي. بارك الآن شعبك ومجّده أمام وجه الربّ، لأن الرب اختارك ووضعك لتزيل خطايانا".

الانباءات الاخيرة
65 (1) فأجاب أخنوخ الشعب وقال: "اسمعوا يا ابنائي. قبل أن يكون كل هذا، قبل أن تُوجد الخليقة، أقام الرب دهر الخليقة، وبعد ذلك صنع كل خليقة منظورة ولامنظورة. (2) وبعد كل هذا، خلق الانسان على صورته وجعل فيه عينين ليرى واذنين ليسمع وقلباً ليفكر وروحاً لينصح. (3) وخلّص الرب الدهر بسبب الانسان، وقسمه إلى أزمنة وساعات لكي يتأمّل الانسان تبدّلات الأزمنة ونهايتها، بدايات ونهايات السنين والاشهر والايام والساعات، ولكي يحسب موت حياته الخاصة. (4) وحين يتم كلُّ الخلق الذي صنعه الرب، ويذهب كل انسان إلى دينونة الرب العظيمة، تبيد الأزمنة ولن يعود من وجود للسنين، ولا تُعدّ الأشهر والأيام والساعات، بل يكون دهر واحد. (5) وكل الابرار الذين يفلتون من دينونة الرب العظيمة ينضمّون إلى الدهر العظيم، وفي الوقت عينه ينضمّ الدهر إلى الابرار فيكونون أبديين. (6) ولن يعود لهم تعب ولا ألم، لا حزن ولا تهديد بالعنف ولا إكراه، ولا ليل ولا ظلمة. بل يكون لهم نور عظيم على الدوام وسور لا يدمَّر. ويكون لهم فردوس عظيم وملجأ إقامة أبديّة. (7) طوبى للابرار الذين يفلتون من دينونة الرب العظيمة لأن وجوههم ستشّع كالشمس.

66 (1) "والآن، يا أبنائي، إحفظوا نفوسكم من كل جور، ومن كل ما يكرهه الربّ. (2) سيروا أمام وجه الربّ، واخدموه وحده، واحملوا كل تقدمة أمام الربّ. (3) فإن رفعتم النظر إلى السماء، فالرب هناك. وبما أن الرب صنع السماوات، فإن ألقيتم نظركم إلى الأرض والبحر فكّرتم بما تحت الأرض، فالربّ هو هناك أيضاً لأنه صنع كلَّ هذا (4) ولا تخفى خليقة عن وجه الربّ. (5) في الثبات، في الوداعة، في حزن ضيقاتكم، أخرجوا من هذا الدهر، دهر الألم".

اختطاف أخنوخ
67 (1) وحين كان يتحدّث أخنوخ مع شعبه، أرسل الرب الظلمة على الأرض، فكانت الظلمة، وغطّت الظلمة الرجال الذين كانوا مع أخنوخ. (2) فأسرع الملائكة وأخذوا أخنوخ واصعدوه إلى السماء العالية، فاستقبله الرب وجعله أمام وجهه على الدوام. (3) وانسحبت الظلمة عن الأرض وكان نور. ورأى الشعب وفهم كيف اختُطف أخنوخ. ومجدّوا الله، ومضوا إلى بيوتهم.
(4) فأسرع متوشالح واخوته، أبناء أخنوخ، فبنوا مذبحاً في الوضع المسمّى ازوخان حيث اختطف أخنوخ، واخذوا الغنم والبقر وذبحوا لوجه الربّ. (5) ودعوا جميع الشعب فجاؤوا معهم وفرحوا. وحمل الشعب تقادمهم لأبناء أخنوخ، واحتفلوا بعيد فرح خلال ثلاثة أيام.

متوشالح كاهن الشعب
68 (1) وفي اليوم الثالث عند المساء، كلّم شيوخ الشعب متوشالح وقالوا له: "تعال وقف امام الرب وأمام شعبك وأمام هيكل الرب فتمجَّد وسط شعبك". (2) فأجاب متوشالح شعبه: "الرب، إله أبي أخنوخ، هو الذي يقيم كاهناً لشعبه". (3) وانتظر الشعب كل تلك الليلة في الموضع المسمّى ازوخان، وظلّ متوشالح قرب المذبح وصلّى إلى الرب وقال: "يا رب الدهر كله، أنت الوحيد، أنت اخترت أبانا أخنوخ، يا رب، دُلّ على كاهن شعبك وأعطِ القلوب الفهم لتخاف مجدك وتصنع كل شيء بحسب مشيئتك". (4) ونام متوشالح، فظهر له الرب ليلاً في رؤية وقال له: "إسمع يا متوشالح، أنا الرب، إله أبيك أخنوخ، اسمع صوت شعبك وقف أمامه وأمام مذبحي وأنا امجّدك أمام هذا الشعب شعبي خلال جميع أيام حياتك". (5) فقام متوشالح من نومه وبارك ذاك الذي تجلّى له. (6) وجاء شيوخ الشعب صباحاً إلى متوشالح فأعدّ الرب قلب متوشالح ليسمع صوت الشعب، فقال لهم: "الرب هو الهنا. فليصنع لهذا الشعب شعبه ما هو حسن في عينيه".
(7) فاسرع سرسان وخرميس وزازا وشيوخ الشعب فالبسوا متوشالح لباساً مختاراً وجعلوا على رأسه تاجاً بهياً. (8) وأسرع الشعب فجاء بالغنم والبقر والطيور، بعد أن اختاره كله بدقّة، ليذبح منه متوشالح أمام وجه الرب وأمام الشعب. (9) وصعد متوشالح مذبح الرب، كنجمة الصبح الطالعة، وسار الشعب كله وراءه. (10) فوقف متوشالح على المذبح، وكل الشعب حول المذبح. (11) فأخذ شيوخ الشعب الغنم والبقر، وربطوا قوائمها الأربع ووضعوها على رأس المذبح، وقال الشعب لمتوشالح: "خذ سكينك وانحر هذه الضحايا المختارة بدقة أمام الرب". (12) فرفع متوشالح يديه إلى السماء ودعا الربّ فقال؟ "من أنا يا رب لأقف على رأس مذبحك وعلى رأس كل شعبك؟ (13) فالآن يا ربّ ألقِ بنظرك على عبدك وعلى كل شعبك وعلى كل ما حُمل إليك باهتمام، وامنح نعمتك لعبدك تجاه هذا الشعب ليفهم أنك أنت رسمتَ كاهناً لشعبك". (14) واذ كان متوشالح يصلّي، اهتزّ المذبح وانتصب السكين على المذبح وقفز إلى يدي متوشالح أمام كل الشعب. (15) فارتعد الشعب كله ومجّد الرب. وكرِّم متوشالح أمام الربّ وأمام كل شعبه منذ ذلك اليوم. (16) وأخذ متوشالح كل ما حمله الشعب فذبحه. وفرح الشعب وابتهج أمام الرب وأمام متوشالح في ذلك الوقت. ثم مضوا إلى بيوتهم.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM