الفصل التاسع عشر: متطلبات الحياة المسيحية

الفصل التاسع عشر
متطلبات الحياة المسيحية

بدأ هذا الموضوع في 4: 17 وهر يتوالى في ف 5، بل في ف 6. ولكننا نتوقّف هنا عند ف 5 فندرس النصّ ونحلّله كما اعتدنا أن نفعل في الفصول السابقة. ونتوقّف عند المقاطع التالية: الاقتداء بالله (5: 1- 5). أبناء النور (5: 6- 20). العلاقات الجديدة (5: 22- 33).

1- الاقتداء بالله (5: 1- 5)
يبدو هذا التحريض في إطار العماد. فالقرّاء هم أبناء الله الأحبّاء المدعوّون إلى أن يحبّوا بدورهم. سيسمّون في آ 3: القدّيسين. هذا ما يوافق كو 3: 12: مختاري الله، المقدّسين، المحبوبين.
إن النداء إلى الاقتداء بالله يرتبط بلاهوت العهد (منذ خلق الإنسان، تك 1: 29- 27). والتطابق مع الآب يتسجّل في قلب كرازة الملكوت (مت 5: 45: كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل هو).
المسيح أحبّنا وبذل ذاته عنا. يبقى علينا أن نسلك في هذه المحبّة عينها. والنداء إلى الاقتداء بالله يتبعه تحذير قاسٍ هو تعبير عن فقاهة أخلاقيّة تدعو المؤمنين لقطع كل علاقة بالعالم. ما الذي تركه المؤمن وراءه؟ ثلاثة أمور: الزنى (بورنيا). أي: فوضى جنسية. ثم كل زواج مع وثنى. النجاسة بكل وجوهها. والطمع بما فيه من طموح إلى الامتلاك وتكديس المال (رج 4: 19). أما كو 3: 5 فأطالت اللائحة فزادت: "الأهواء، الشهوة الرديئة".
وفي معرض الحديث عن "الكلام" نجد مثلّثاً آخر: كلام قبيح، كلام سخيف، هزل وسخرية... وتجاه كل هذا فعل الشكر... وتأتي عبارة الاستبعاد عن الجماعة كاستباق للدينونة. ليس للزاني... ميراث في ملكوت الله والمسيح.

2- أبناء النور (5: 6- 20)
أ- دراسة النصّ
في آ 9، وبتأثير من غل 5: 22 (ثمر الروح هو المحبة) كتبت برديّة 46 وغيرها "الروح" بدل "النور". ولكننا نحافظ على النصّ "ثمر النور" الذي يتوافق مع القرائن.
في آ 10، نقرأ: "ما هو مرضيّ للربّ" (رج كو 3: 20). ولكن التقليد البولسيّ (روم 12: 1؛ 14: 18) يتضمّن: "ما هو مرضي لله". لهذا قال النصّ الغربيّ وعدد من المخطوطات "ما هو مرضّي لدى الله".
في آ 14، نجد النشيد: "استيقظ، أيها النائم، قم من بين الأموات فيضيء لك المسيح". الفعل اليوناني المستعمل: بدأ يضيء (رج مت 28: 1 وز). ماهى التقليد بين المسيح والكوكب الطالع. ويستعمل البازي وبعض آباء الكنيسة فعلاً آخر يعني "لمس، لامس". فيصير النشيد: "قم من بين الأموات فتلامس المسيح". أو: "يلامسك المسيح". وهكذا نكون قريبين من الظهور لمريم المجدليّة. وهذا ما يجعلنا في مناخ فصحي. أما اكلمنضوس الاسكندراني فعرف نسخة موسّعة تزيد ثلاثة أشطار على الشطر الأخير: "المسيح يضيء. هو شمس القيامة. هو المولود قبل كوكب (نجمة) الصبح. هو الذي يحمل الحياة بشعاعه".
في آ 15، قلبت النسخة الغربيّة الظرفين (بانتباه، كيف)، فلا يعود يرتبط الأول بفعل "سهر، حرص"، بل بفعل "سلك". "انتبهوا كيف تسلكون جيداً" (أو: بانتباه). ويزيد الإسكندراني وغيره لفظة "اخوة" بعد "اسهروا" (انتبهوا، أيها الإخوة).
في آ 17، حلّ "الله" محلّ "الربّ" بعد كلمة "مشيئة"، وذلك بتأثير من أف 1: 1: "تفهموا ما مشيئة الله".
في آ 19، أغفلت برديّة 46 والفاتيكاني لفظة "روحيّة" التي نجدها في كو 3: 16. وقالت بعض المخطوطات: "في القلوب" (في قلوبكم). هذه الاختلافة تحوّل القلب من أداة (بكل قلوبكم) إلى مكان (أي: أن تجعلوا النشيد في داخل قلوبكم). قال ايرونيموس: ننشد له لا بالصوت، بل بالقلب. ثم إنّ كلمة "القلب" لا تجعل الصوت يزاحم القلب، بل يذكّرنا بأن المديح يصعد من أعماقنا بشكل شخصيّ أو جماعيّ، بالصمت أو بالنشيد.
في آ 20- 21. ترفع الصلاة إلى الله الآب، ثم تُذكر مخافة المسيح. هذا ما دفع بعض المخطوطات إلى القول: "مخافة الله".

ب- تحليل النصّ
رأى بعض المحلّلين هنا أننا أمام الفقاهة الثالثة، دهان لم تبرز بشكل واضح. فإن آ 6 (لا يغرّكم أحد بأقوال كاذبة) ترتبط بما سبق، وتنقل على المستوى التعليمي نداءً للانفصال عن الشّر. أما آ 7 فتبدأ مع "اون" (اذن) فتدلّ على بداية الفقاهة. ويجب أن ننتظر آ 8 لكي نرى موضوع هذا التعليم: الظلمة والنور. لكي نرى فعل "سلك" الذي يدلّ على توسّع جديد. إذن، تبدو آ 6- 7 بشكل انتقالة. وترد الفقاهة بحصر المعنى في آ 8- 14، وهي مبنيّة بشكل تصالب وتعاكس (أ ب ب أ): من قبل كنتم ظلمة (أ)، أما الآن فأنتم نور (ب) (آ 8). إن ثمر النور (ب) (آ 9- 10)- عقم الظلمة (أ) (آ 11). بعد هذا يتتابع النصّ مع الوجه السّري (أو الخفيّ) (آ 12) لينتهي عند ما هو ظاهر (جليّ، جهراً) (آ 13- 14) الذي هو نور.
وفي آ 15، ترد لفظة "إذن" و"سلك". وهذا ما يدلّ على تحريض يرتبط مباشرة بالنشيد في 5: 14 ب. أما هذا التحريض فيجد جذوره في كو 4: 5: "اسلكوا بحكمة". و3: 16: "رنّموا في قلوبكم بمزامير وتسابيح وأناشيد روحيّة".
قد ترتبط آ 21 على مستوى الصرف مع فعل "امتلئوا" في آ 18. ولكننا نعتبرها انتقالة تُعدّ الطريق لموضوع الخضوع الذي يتوسّع فيه النصّ على المستوى الاجتماعيّ (5: 22- 6: 9). إن آ 21 تنفصل عن التحريض بالمجدلة النهائيّة في آ 20: واشكروا الله الآب، باسم ربنا يسوع المسيح".
تبدو آ 15- 18 بشكل تعارض وتقابل، كما سبق وقلنا. فإن "بل" (ألا في اليونانية) تقسم كل آية (ما عدا آ 16) إلى سلسلة من التعارضات: لا حكماء/ حكماء. الغباوة (نقص في الحكم والفهم)/ والفهم. الامتلاء من الخمر/ الامتلاء من الروح. ونجد تكديساً في آ 19- 20 فنحسّ بملء نصل إليه مع آ 18: "إمتلئوا من الروح القدس".
تعود هذه الفقاهة ذات الجمل القصيرة إلى أصل حكميّ. أما قمّتها ففي آ 18 حيث النداء للامتلاء من الروح يربط البداية (الحكمة الملهَمة) والنهاية (نشيد الحكمة). فالحكمة الحقيقيّة تطبع فينا دفعاً مثلّثاً: إستغلّوا الوقت الحاضر (آ 16). تفهّموا ميشئة الربّ (آ 17). إمتلئوا من الروح فيملأكم بالأناشيد (آ 18- 19).

3- العلائق الجديدة (5: 22- 33)
أ- دراسة النصّ
في آ 22، تورد مجمل المخطوطات الفعل "إخضعن" أو "لتخضع". ولكن تغفله بردية 46 والفاتيكاني. "كونوا خاضعين بعضكم لبعض، والنساء لرجالهن".
في آ 23، تجعل المخطوطات حرف العطف (كاي) أمام "هو"، "وهو مخلّص جسده". هذا ما يؤكّد على الإعلان الكرستولوجيّ.
في آ 30، يورد السينائي والبازي... واللاتينيّة والسريانيّة البسيطة وايريناوس، تك 2: 23: نحن أعضاء جسده مأخوذين "من لحمه وعظامه". هذه الريادة تعطي وزناً للاستشهاد الذي يسند آ 29- 31.
في آ 31، تتمّ بعض التحوّلات البسيطة في إيراد تك 2: 24 في عدد كبير من المخطوطات. مثلاً في الفاتيكاني والبازي يُحذف أل التعريف من أمام "أباه وأمه". "ويلزم امرأته"، فتتبدّل الصيغة في اليونانية. في السينائي والإسكندراني...! "بروس تان". أما في عدد من الشهود فنقرأ "تي غينايكي" (صيغة الإضافة).
في آ 32، إلى المسيح والى الكنيسة. أما في الفاتيكاني وغيره من الشهود فتحذف "إلى" الثانية فيصبح النصّ: وبالنسبة إلى المسيح والكنيسة".

ب- تحليل النصّ
إنّ النداء الموجّه إلى "النساء" يفتح فصلاً آخر تقليدياً في عالم الفقاهة. فواقع البشريّة الجديدة يتسجّل في العلائق اليوميّة التي تكوّنه: فالمسيحيّة الفتيّة لا تستطيع أن تتجاهل هذا الواقع. ولقد افتتح التعليم الإنجيلي طريقه في مجالٍ مرّ فيه الرواقيون مثلاً. قد نسمّيه "دستور العائلة". نحن في المنزل وفيه نتطلَّع إلى جميع العلاقات حتى تلك التي بين الأسياد والعبيد. فإن أف لا تعالج وضع الجماعة المسيحيّة في العالم، ولا العلاقة مع غير المؤمنين أو مع السلطات. وربما سيعود بولس إلى هذه المواضيع بشكل خاص حين يدعو إلى الجهاد في 6: 10- 20: "تشدّدوا في الربّ وفي قوّة قدرته...".
ثلاث محطات في هذا المقطع: النساء (5: 22)، الأولاد (6: 1)، العبيد (6: 5). ويقابلها: الرجال، الآباء، الأسياد. تعود أف هنا إلى كو 3: 18- 4: 1. أما التعليمات الثلاث فتنبع من نموذج نجده مع اختلافات خاصة في 1 بط 3: 1- 7؛ كو 3: 18- 19؛ 1 تم 2: 9- 15؛ تي 2: 4- 5 (النساء والأرامل)؛ كو 3: 20- 21؛ 1 بط 5: 5 (تي 2: 6) (الأبناء، والآباء). 1 بط 2: 18- 25؛ كو 3: 22- 4: 1؛ 1 تم 6: 1- 2؛ تي 2: 9- 10 (العبيد والأسياد).
إن الرسمة التي قدّمت عنها كو النسخة الموجزة، عرفت في أف تحوّلاً يلامس قبل كل شيء العلاقة الزواجيّة. فهذه العلاقة هي مناسبة فريدة للعودة إلى علاقة المسيح بالكنيسة. وهذه العودة هي من الإتّساع بحيث نتساءل عن اهتمام النصّ: هل توخّى الحديث عن الزواج أو عن "سّر" الكنيسة؟
نلاحظ في هذا المقطع أدوات التشبيه. "كما للربّ" (آ 22) "كما للمسيح" (آ 23) كما الكنيسة كذلك النساء (آ 24). كما المسيح (آ 25). هكذا أيضاً الرجال... مثل أجادهم (آ 28). كما المسيح (آ 29). هكذا إذن (آ 33). تارة يستند بولس إلى العلاقة الزوجيّة لكي يلقي ضوءاً على علاقة المسيح بالكنيسة، وطوراً يستند إلى "سّر" هذه الوحدة ليتحدّث عن حبّ الرجل والمرأة.
ويعود النصّ إلى العهد القديم. إن 5: 31 يستفيد من تك 2: 24. و5: 33 يعود إلى لا 19: 18 (تحب قريبك لنفسك). أما 6: 2- 3 فيعود إلى خر 20: 12 (أكرم أباك وأمك).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM