الفصل السابع: من الموت إلى الحياة

الفصل السابع
من الموت إلى الحياة
2: 1- 3

يبدو ف 2 غنياً جداً بالتعليم، وهو يقدّم عناصر تدلّ على أننا أمام عظة. فهناك المخاطب الجمع (أنتم) يدلّ على السامعين. والمتكلّم الجمع (نحن) يدلّ على الواعظ مع الذين يقفون معه. لا يُذكر العماد بشكل صريح. ولكن هناك عبارات تلفح إليه مثل والخليقة الجديدة" (رج تي 3: 5). يبدأ 2: 1- 10 في ثلاث محطات: الوضع السابق: كنتم أموتاً (آ 1- 3). مبادرة الله: أحيانا الله (آ 4- 6). الارتباط بالخلق: "أنتم بالنعمة مخلّصون" (آ 7- 10).
سوف نتوقّف عند 2: 1- 3 وإن ظلّت الجملة في نهاية آ 3 معلّقة. فالقرار بالموت (وأنتم) سيعود في آ 5 (ونحن) مع "أحيانا مع المسيح... ومعه أقامنا، ومعه أجلسنا في السماوات".

1- "كنتم أمواتاً" (2: 1)
أنتم، أيها الأمميّون (الوثنيّون الذين صارو مسيحيّين. جاؤوا من الأمم) بشكل خاص. إفتتح بولس مقطعاً جديداً فأورد موضوعاً جديداً يرتبط بتأكيدات قرأناها في 1: 19- 23. وفي 2: 1- 6، سوف يشدّد على أنه ليس المسيح وحده الذي تام من بين الأموات وتمجَّد بقدرة الله الفريدة، بل نحن، بل أنتم: متنا، حيينا. لذلك فالألفاظ المستعملة في 2: 6 تشبه ما في 1: 20. في 1: 3- 14، بدت صيغة المخاطب الجمع وكأن الكلام يتوجّه إلى الوثنيين. في 2: 1- 3 نجد صورة عن انجراركم (أنتم) بالشر وعن سلوكنا (نحن) بحسب رغائب الجسد. وكل هذا يجد ذروته في قول حول تضامننا (نحن) مع سائر البشر، مع الآخرين، مع سائر الناس. سائر الناس (غيركم) هم في 1 تس 4: 13 شعب "لا رجاء لهم". وهذا في الواقع ما يميّز الأمم في أف 2: 11- 12. لهذا فوضع "الأمم" في آ 1، واليهود في آ 3 هو في مكانه. فبعد أن صُوّرت حالة اليهود وحالة الوثنيين كل على حدة، جاء قول يضمّ اليهود والوثنيين في صورة مشتركة.
إن آ 1 هي جملة خير كاملة. هي لا تتضمّن فعلاً ولا فاعلاً: أنتم الأموات بزلاّتكم وخطاياكم. وسوف ننتظر آ 5 لنرى ما أراد بولس أن يقوله: أنتم الأموات قد أحياكم الله. وتدخل آ 2- 4 فتصوّر سبب موت الناس وشكله ويقينه، وتدلّ على أن اليهود هم بين الأموات، كما تدلّ على الباعث الذي دفع الله لكي يقيمهم: رحمته، محبته.
"زلاّت، خطايا". إستعمل بولس لفظتين مختلفتين تدلاّن على الخطيئة، فهل أراد أن يدلّ على نوعين من السقوط؟ في 1: 7 (مغفرة الزلات) وفي كو 2: 13 (من جرى زلاّتكم) يتحدّث النصّ عن غفران الزلاّت، وفي كو 1: 14 عن "غفران الخطايا". في روم 5: 12- 21 تستعمل اللفظتان وكأنهما مترادفتان (رج روم 4: 25؛ 1 كور 15: 3).
الموت بسبب الخطايا والزلاّت المنسوب إلى "الأمم" هو نتيجة خطيئة آدم (1 كور 15: 21- 22، 44- 49). ويجب أن يميَّز عن موت اليهود الذي تسبّبه الشريعة. نقرأ في غل 2: 19: "إني بالناموس متّ (مات المسيح بعد أن حكموا عليه بالناموس، وأنا متّ معه في العماد) للناموس لكي أحيا لله". وفي 3: 21: "لو أعطي ناموس يستطيع أن يؤتي الحياة..." (رج 1 كور 15: 56؛ 2 كور 3: 6- 7؛ روم 7: 1، 4، 10- 11). وهناك موت الوثنيّين واليهود مع المسيح (غل 2: 19؛ روم 6: 5- 6، 8؛ 2 تم 2: 11: إن متنا معه فسنحيا معه). وتعرّض بولس كلّ يوم للموت (فل 1: 20- 21؛ 2 كور 4: 10- 12). وتشبّه بالرب الذي صُلب وقام. تمنّى بولس أن "يتصوّر المسيح" في الغلاطيين (غل 4: 19). وقال عن نفسه إنه "يحمل في جسده سمات الربّ يسوع" (غل 6: 17). وقال في معرض حديثه إلى كورنتوس: "وكما لبسنا صورة الترابيّ" (آدم الأول) فلنلبس أيضاً صورة السماوي" (آدم الثاني، يسوع المسيح) (1 كور 15: 49؛ رج روم 8: 29: "مشابهين لصورة ابنه"؛ فل 3: 10- 11، 21). وتتحدّث 1 تس 4: 16 عن وضعنا كأموات في المسيح.
نقرأ في روم 6: 2: "قمنا للخطيئة" (أي: تخلّصنا من الخطيئة). وفي كل 2: 19: "متنا للشريعة" أي تحرّرنا منها. أما هنا فنقرأ متنا في الزلاّت أو متنا بالزلاّت، بسبب الزلاّت. فالزلاّت والخطايا هي في الوقت عينه سبب الموت وأداته والتعبير عنه. هي مملكة الموت ونتيجته. هناك مَن قال: "عبر الزلاّت" ليفسّر "في الزلاّت". بل يجب أن نحافظ على معنى الأداة: بواسطة الزلاّت والخطايا.

2- خضوع للشر (2: 2)
نحن هنا كما في ملخّص عن بداية روم حيث يدلّ بولس على شموليّة الخطيئة في العالم، خطيئة الوثنيّين وخطيئة اليهود، قبل أن يصل إلى برّ الله في يسوع المسيح. لا تذكر أف البرّ، ولكنها تبرز "رئيس هذا العالم". هنا في آ 2 كما في آ 1 يكلّم الرسول الوثنيّين الذين حالتهم حالة الخطيئة والموت وخضوع لسلطان هذا العالم المقيم في الفضاء بين الأرض والسماء.
"سلكتم فيها قبلاً". إن الماضي تسيطر عليه القوّات التي تختلف عمّا في 1: 21 (فوق كل رئاسة وسلطان وقوة)، فلا تبدو كأنها قوى في الكون وحسب، بل كأنها دافعة إلى الشّر. لقد تبدّلت هويّتها وبان وجهها المرتبط بإبليس.
إختلفت أف عن سائر أسفار العهد الجديد فعكست نظرة انتشرت في العالم اليهودي المتأثّر بالحضارة اليونانية. أمّا الموضوع الأساسي فنجده في "صعود أشعيا" (كتاب منحول) حيث نشاهد المحطّات التي تتوزّع "الطريق" بين الأرض والسماء. بقدر ما نرتفع، بقدر ذلك ندخل في أثير ينيره المجد. ولكن يجب قبل ذلك أن نمرّ في منطقة مليئة بالأخطار. هناك الهواء الذي يشرف على الأرض ويغمرها بالظلمة، والكون (كوسموس) يصير هذا العالم لأنه انقطع عن الله وسار في طريقه الخاص" (نتذكّر "العالم" عند يوحنا). هذا ما يفسّر التسميات الثلاث لقوى الشرّ، وكل تسمية تقابل صورة الله، صورة المسيح، صورة الروح.
* "ايون" هذا العالم. كلمة "ايون" تعني الدهر، العالم، مسيرة الأجيال. بدت هنا شخصاً حياً، فدلّت على قوّة تتجاوز قوى البشر، قوّة ذات طابع مكاني وزمانيّ، تضمّ في داخلها كل الاتجاهات في عالم يعادي الله. لهذا ترجم البعض "إله هذا العالم".
لسنا فقط مع كلمة "ايون" يا زمان ومكان على مستوى الكون (كوسمولوجي). بل أمام قوّة "شخصيّة". ولكن هذا "الايون" ليس إلهياً ولا أزلياً. فحسب 1: 4 و3: 9، الله هو خالق كل شيء.
إنّ استعمال "ايون" في أف يعكس التنوّع في المعنى. في 1: 21، نحن أمام تعارض معروف بين هذا العالم والعالم الآتي. في 3: 21، كان لـ "ايون" معنى ليتورجي ورثه من المجمع ليدلّ به على الأبديّة (دهر الدهور). في 2: 7؛ 3: 9، 11، تُستعمل اللفظة في صيغة الجمع على مستوى الزمان أكثر منه على مستوى المكان. ولكننا لا نستطيع أن نفصل هذه الصورة (فكرة الوقت وشروطه) عن القوّة التي تمثّل. أما هنا (2: 2)، فصيغة المفرد والتوازي مع "القوات" (ارخونتا) ومع "الروح" (بنفما)، تدلّ على هذا الدهر والنشاط الذي فيه ليعارض عمل المسيح.
* "رئيس قوّات الهواء". يرى الأقدمون أن "الهواء" يمتدّ بين الأرض والقمر. وحسب أف، إنه موطن القوى المعادية التي تقف بين الله والبشر. نحن هنا قريبون من يو 12: 31؛ 14: 30 (رئيس هذا العالم؛ نقرأ عند اغناطيوس الأنطاكي: رئيس هذا "ايون"). فهذا "الهواء" هو موطن الشياطين مع أمير على رأسهم. أخذت أف الصورة من عالم الجليان، ولكنها لم تفرط في التوسّع كما فعلت أسفار الرؤى في العالم اليهودي.
* "الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية". قد نكون هنا أمام الهواء (الروح والريح: كلمة واحدة في العبرية) الموبوء. وقد يرتبط الروح (بنفما) ارتباطاً أفضل بـ "الرئيس" الذي ينبثق منه فيحرّك الخطأة. نتائجه هي حاليّة. هي الآن. كل هذا سيجد جوابه في المصالحة التي تتمّ هي أيضاً "الآن".
"أبناء المعصية". هذا تعبير ساميّ يدلّ على العصاة، على الخطأة، كما في الأدب القمراني. نتذكّر هنا المقطع الشهير عن "الروحين". "إن أمير النور يتسلّط على كلّ أبناء البرّ الذين يسيرون في طريق النور. أما ملاك الظلمة فيسيطر على أبناء الفساد الذي يعيشون في الظلمة. كل تمرّدات أعمالهم تقع تحت سلطانه". يجتمع المخيّمان الواحد تجاه الآخر: من جهة أبناء الظلمة، ومن الجهة الأخرى أبناء النور. يسمّى هؤلاء أبناء الحقّ (8 مرّات)، أبناء السماء والرضى والعهد والبرّ والفضيلة والجماعة الأبديّة. ويسمّى أولئك أبناء الفساد والهاوية والذنوب وبليعال، ولكنهم لا يسمّون أبناء المعصية.
وتتوقّف اللغة الكوسمولوجيّة (بالنظر إلى الكون) مع المخاطب الجمع (أنتم). مع آ 3 تبدأ اللغة الأخلاقيّة (خاصة بالقدّيس بولس) مع المتكلّم الجمع (نحن).

3- "ونحن أيضاً سلكنا" (2: 3)
إستعمل الكاتب صيغة المتكلّم الجمع (نحن) فجعل نفسه في الفئة الثانية، فئة مؤمني العهد الأول (= اليهود). إختلف اليهود عن الوثنيّين الذي خضعوا للقوى الشيطانيّة، فاعتبروا نفوسهم أنهم يخصّون الله. ومع ذلك، فليسوا أفضل من الآخرين: هم عبيد لشهواتهم. لهذا استحقّوا أن يسمّوا "أبناء الغضب". تلك هي حال البشريّة المتروكة لنفسها (روم 1: 24، 26، 28: أسلمهم الله". ولكن سيأتي تدخّل المسيح الحاسم.
ترتبط آ 3 مع "أبناء المعصية" لتوازي آ 1- 2 مع تحوّلين إثنين. الأول: عودة إلى "نحن" مع تقويتها بلفظة "جميعاً" (رج روم 3: 9- 20). الثاني: إنتقال من تغرّب تسبّبه القوّات الشّريرة (آ 2) إلى مستوى المسؤوليّة الخلقيّة. نحن لسنا في العالم على أثر قدر مأساويّ. فوضعُنا في العالم مع الموت في النهاية، ينتج من المعصية (رج تفسير أحداث الخروج في 1 كور 10). لقد انغلبنا وصرنا بجانب العدوّ.
"رغائب" (ابيتيميا). تبدو هنا في وجهها السلبيّ (في لو 22: 15، تبدو في وجه إيجابيّ: إشتهيت، رغبت) لا سيّما حين ارتبطت مع لفظة "الجسد" (البدن، اللحم والدم مع ما في هذا من ضعف وميل إلى الخطيئة؛ رج غل 5: 16، 24؛ روم 1: 24: شهوات قلوبهم). نحن نعمل عادة مشيئة الله (مت 7: 21؛ عب 10: 7؛ رج مز 40: 8- 9). أما هنا فالإنسان يخضع لأوامر الجسد. ولفظة "ديانويا" تدلّ على الفكرة، على النزعة (رج مت 22: 37: بكل ذهنك- وجه إيجابي). ولها معنى سلبي في هذا المقطع كما في كو 1: 21 (أعداء له بأفكاركم). كان المثلّث "الرغبة، الإرادة، الفكر" نداء مثلثاً لكي نحبّ الله، فصار في خدمة الجسد، وظهر في صيغة الجمع.
"وكنا بالطبيعة أبناء غضب كسائر الناس". بالطبيعة، يعني بالولادة (رج غل 2: 15 بالنسبة إلى اليهود). كيف نفسّر هذه الآية؟ نعود إلى بداية روم، فنجد نتيجتين: ندخل في النصّ فكرة الدينونة والحكم، بينما لا يحمل النصّ أي سمة قانونية. ثم إن التمييز بين اليهودي والوثني الذي يلوّن روم 1- 3 يطبع بطابعه التذكّر وتوالي صيغة المخاطب (أنتم) والجمع (نحن).
في الواقع تُبرز آ 3 التعارض بين مجمل الجماعة السماويّة (نحن) وسائر البشريّة. فالكلام ينتمي إلى فقاهة أخلاقية من التقليد البولسي، ستعود في 5: 6 (يحلّ غضب الله على أبناء المعصية) كما في 4: 17- 18 (على غرار الأمم). إن هذه الفقاهة تتوجّه قطعاً إلى مسيحيين جاؤوا من العالم الوثني.
إنّ عبارة "أبناء الغضب" هي عبارة ساميّة، وهي تعود بنا إلى روم 1: 18 (غضب الله يعتلن) أو 2: 5 (غضباً ليوم الغضب). إن غضب الله يرتبط ببرّ لله الخلاصّي، وهو حاضر في بشريّة خاطئة، ولا نستطيع تقدير أبعاده إلاّ في وحي الله كما أعلن في يسوع المسيح. ولكن العبارة (أبناء الغضب) تخلّصت من إطار دراماتيكي جمع في التقليد الجلياني الغضب والدينونة ويوم الربّ (مت 3: 7؛ 1 تس 1: 10؛ 5: 9). إن النظرة إلى الدينونة والشريعة والساعة لا مكان لها في الكرازة عن الحكم وعن الخلاص. ففي أف يرجع الغضب والرحمة والنعمة إلى ترتيبات الله نفسه.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM