خاتمة

خاتمة
ذاك هو تفسير رسائل يوحنا الثلاث التي ارتبطت من بعيد أو من قريب بالانجيل الرابع. جاء الموضوع في الرسالة الأولى: المحبّة الأخوية مع توصيات ملموسة (3: 17) أو قول يتردّد أكثر من مرّة: "أحبّوا بعضكم بعضًا" (3: 11، 23...). وذكر الرسول تصرّف المسيح ودعا جماعته للاقتداء به (2: 6؛ 3: 16؛ 4: 17). وفي خطّ انجيل يوحنا، فهم التلاميذ أن عليهم أن يحذروا من العالم وممّا في العالم (2: 15). وهكذا نكون أمام ثنائيّة تفصل بين عالم وعالم، بين فئة وفئة. هناك عالم الحقّ وعالم الكذب. هناك الجماعة المؤمنة التي تعترف بأن يسوع جاء في الجسد. وتجاهها جماعة "المنشقين" الذين رفضوا هذا الموقف الايماني. هؤلاء هم أبناء إبليس. وأولئك هم أبناء الله (3: 1- 2، 8- 10؛ 5: 1، 12- 13). وفي هذه الرسالة قرأنا أقوالاً مشهورة: الله نور (1: 5). الله محبّة (4: 8، 16). لسنا أمام تحديد، وليس من تحديد يحصر الله. بل أمام إشارة تفهمنا عمل الله من أجلنا. ولا تتوقّف هذه الأقوال على مستوى المعرفة الدينية وحسحب، بل تصل إلى الموقف العمليّ، فتُفهم المؤمن أن كل كلام لا يصل بنا إلى الأفعال التي تدلّ على عاطفتنا تجاه القريب. يبقيه خارج النور، ولا يعتبر مولودًا من الله. فمن لم يحبّ أخاه، صار قاتلاً، وصار من حزب قايين، من حزب إبليس.
وتوجّهت 2 يو إلى السيّدة المختارة، إلى جماعة كنسيّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالجماعة التي يعيش فيها الشيخ، وذلك على مستوى العقيدة وعلى مستوى الممارسة. وتوجّهت 3 يو إلى رجل يعيش وحده في كنيسة منعزلة. هو غايس الذي يطلب منه أن لا يقتدي بمثل ديوتريفس، ذاك الرئيس المتسلّط الذي يرفض استضافة المرسلين المتجوّلين، فيدلّ على نقص في المحبّة الأخويّة.
ثلاث رسائل نسبها التقليد منذ ايريناوس، أسقف ليون، إلى يوحنا الرسول وأخي يعقوب، الذي هو التلميذ الذي كان يسوع يحبّه. ونسب إليه أيضًا الانجيل الرابع وسفر الرؤيا. وكانت أبحاث بشكل خاص حول الانجيل. وقدّمت لنا الرسائل شخص "الشيخ" الذي ذكره بابياس في نصّ احتفظ به اوسابيوس. فهذه الإشارة تتحدّث عن يوحنا الشيخ الذي عاش في آسية الصغرى (= تركيا) في نهاية القرن الأول.
أيكون هذا الشيخ هو يوحنا الرسول الذي يقول عنه التقليد بأنه عمّر طويلاً؟ لا شيء يؤكّد ذلك. وفي ظنّي أن الانجيل الرابع وسفر الرؤيا والرسائل الثلاث هي وليدة المدرسة اليوحناويّة التي كانت في آسية الصغرى وربما في سورية. تنوّع الكتّاب داخل هذه المدرسة الواسعة، وأخذ كل واحد منهم بأسلوب خاص به، فكانت لنا ثلاثة أنواع من الفنون الأدبيّة: الفن الانجيلي مع تعليم فيه جرأة واسعة بالنسبة إلى الأناجيل الإزائيّة. والفن الجلياني الذي ترك لنا سفر الرؤيا مع نظرة إلى الحمل الذبيح والقائم من الموت والمنتصر في المؤمنين خلال الاضطهاد. مع الفن الرسائليّ الذي تميّز هنا بتعليم موجّه إلي حقبة محدّدة في تاريخ الكنيسة. حقبة عرفت بشكل خاص الغنوصيّة التي رفضت أن يكون المسيح أخذ جسدًا واتّحد بالمادة، والتي اعتبرت أن الديانة تتوقّف عند معرفة باطنيّة تنسى التقليد الذي تقبلناه من الرسل، وننسى الصليب كعمل يسوع كفّارة عن خطايانا، وتنسى المحبّة الأخويّة التي تدلّ في النهاية أن الله محبّة وأن من لا يحبّ ليس من الله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM