تقديم

تقديم
يتضمّن هذا الكتاب المحاضرات التي تُليت في الأيام البيبليّة الثانية، كما يتضمّن عدداً من المقالات في إطار تأمّل حول وجه الإنسان على ضوء كلام الله. إن الشعلة التي أنارت دربنا هي عبارة المزمور الثامن: "ما الانسان حتى تذكره...؟ نقّصته عن الإله قليلاً؟ (آ 4- 5). ولكننا لم نتوقّف عندها بل جعلنا في أرجاء الكتب المقدّسة في العهدين القديم والجديد.
أما المحاضرات فتطرّقت إلى الغنى والفقر وما يحمل من تعليم في زماننا المعاصر، زمان العولمة، حيث تنسحق الدولُ الصغيرة أمام الدول الكبيرة، ويُداس الفقير فزداد فقراً، والغريب فيزداد غربة ليصبح في النهاية عبداً في بيت شخص يحسب أنه اشتراه. والجواب على هذا الوضع، وصيّة المحبة، والمحبّة الأخوية بشكل خاص كعلامة عن صدق محبتنا لله. غير أن هذه المحبّة تبقى ناقصة إن لم تلتقِ بالحقّ والعدالة. كل هذا يفترض مناخاً من الحريّة، نادراً ما نجده في الكتاب المقدّس. وتعرّفنا إلى وجه المرأة في العهد القديم بما فيه من واقع مؤلم وأمل مشرق. هذا ما جعلنا في قلب حقوق الإنسان، كل إنسان. ومع الكلام عن العنف في الكتاب المقدّس، وصلنا إلى البقيّة الباقية التي لا يمكن إلاّ أن تحمل الرجاء للبشر، في قلب اليأس الذي يسيطر على القلوب، والخوف الذي يحرّك المشاعر فيهرب الإنسان من واقعه كما من مسؤوليته، ويتخلّى عن الكثير من انسانيّته.
أما المقالات فحاء تُلقي وجهاً آخر على موضوع الأيام البيبليّة الثانية وتشديدها على الإنسان الذي يتجدّد يوماً فيوماً على صورة خالقه. وهو نداء إلى الإنسان الذي خُلق حسناً في البدء، فترك هذا الحسن والجمال وغاص في عالم الخطيئة.
والصورة الأولى، صورة آدم، التي تحاول أن تشبه الله، ستكون تامة في شخص يسوع المسيح الذي هو الصورة الكاملة للآب اللامنظور. فإن أردنا أن نرى الآب، نتطلّع في وجه الابن الذي يقودنا إلى الآب أبينا وأبيه. وكان للعنف حصّته في مقالة أولى: جُعل العنف تجاه الرقّة والسلام. فكم يحتاج عالمنا اليوم إلى الحنان والرحمة، على مثال ما فعل السامريّ الصالح مع ذاك الجريح الذي وجده في طريقه، بعد أن أضاع هويّته وتقّلب بين الموت والحياة. وفي مقالة ثانية، توقّعنا عند العنف داخل البيت الزوجيّ، وما يمكن أن يقود إليه هذا العنف، حين ننفي الله من حياتنا، ونبحث عن المحاولات البشريّة إن لم تكن الحيل التي تنقلب في النهاية علينا. والمقالة الأخيرة. حاولت أن تقدّم لوحة عن العدالة والقضاء في الكتاب المقدّس، فرأت في كلام الله الذي كُتب منه ألفي سنة ونيّف، صورة عن عالمنا بما فيه من ظلم فادح، يجعل القضاء في خدمة مآرب سياسيّة ومصالح شخصيّة فتضيع القيم ويصبح النور ظلاماً والظلام نوراً. والحقّ كذباً والكذب حقاً.
ذاك هو الكتاب الذي نقدّمه في عالم يعرف القوّة والعنف والظلم والقتل والسحق. ولكنه عالم ما زال ينتظر كلمة الله التي تقدر أن تنير له طريقه. هذا العالم الذي أرسل الله إليه ابنه لكي يخلّصه، يحتاج إلى نور الله. فحاولنا أن نشعل هذا النور من ذاك الذي هو نور العالم، الذي يدعونا أن لا نمشي في الظلام. لهذا، نبدأ المشوار ولا نخاف التعب من أجل الإنسان الذي هو كريم في عينيّ الربّ، ويبقى كريماً بانتظار أن تكتمل كرامتُه في ذاك الذي نال اسماً يفوق كل الأسماء.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM