تقديم

تقديم

اعتادت الرابطة الكتابية أن تقدّم في سلسلة "محطات كتابية" مواضيع من الكتاب المقدس. بدأت مع "الانجيل قدرة الله" الذي هو دراسة لاهوتيّة حول الرسالة إلى رومة. ثم جاء موضوع الخلاص عند حزقيال. والايمان وسرّ الخلاص، والبدايات أو مسيرة الانسان إلى الله، والآيات والمعجزات في الكتاب المقدس.
وها هي تقدّم الآن "وجه الله في الكتاب المقدّس". كتاب في ثلاثة أقسام. في الأول، على مستوى التوراة مع إطلالة على الشرق القديم ولاسيّما في كنعان. في القسم الثاني، نرافق الأنبياء والحكماء. وفي القسم الثالث نصل إلى العهد الجديد. جاءت الدروس وجاءت النصوص فتكاملت لتعطينا فكرة أو أفكارًا عن الطريقة التي بها عبّر الكتّاب الملهمون عن خبرتهم مع الله.
هل استنفدنا كل شيء؟ كلا ثم كلا. بل هي محاولات في سفر التكوين والخروج والقضاة. لدى هوشع وعاموس وأشعيا. في عالم الحكماء مع أيوب وسفر الأمثال وسفر الحكمة. قبل أن نصل إلى العهد الجديد ولاسيّما مع القديس لوقا في إنجيله وفي أعمال الرسل. دراسات وتأمّلات عمرُ بعضها سنوات، أردنا أن نقدّمها للقارئ العربي فلا يكتفي بقراءة النصوص الكتابيّة وتردادها، بل يكتشف معناها. يكتشف اللاهوت الذي فيها، دون أن يفرض نفسه عليها.
ما نلاحظه في كنائسنا، بل حتّى في الشيع، هو أن "فكرنا اللاهوتي" يريد أن يسيطر على الكتاب المقدس، أن يفرض نفسه عليه. وهكذا نحوِّر النصّ الكتابي دون أن ندري. بدلاً من أن نكتشف كلام الله وندخل فيه بحياتنا وأقوالنا وأعمالنا، نريد أن يصبح هذا النصّ في خدمتنا بما فيها من أنانيّة، في خدمة أفكارنا المسبقة ونظراتنا المغرضة وتطلّعاتنا البشريّة العالميّة. لاشكّ في أن حياتنا تلقي ضوءًا على كلام الله لكي يصبح كلامًا حيًا لا حرفًا ميتًا محبوسًا في كتاب. ولكن الخطوة الأولى هي لله الذي يبادر ويكلّمنا من خلال الآباء والأنبياء، وفي النهاية من خلال يسوع المسيح. يبقى علينا أن نسمع بخشوع، ويكون موقفنا موقف الساجد على مثال أشعيا في الهيكل.
من أجل هذا قدّمنا هذه المحاولات حول وجه الله في الكتاب المقدّس، وما خفنا أن نقابل ما تقوله التوراة بما نعرف عن الشعب القديم ولاسيّما أرض كنعان. فالكتاب المقدّس هو عصارة حضارات الشرق والغرب. هو يأخذ ما وصل إليه الفكر القديم ويرفعه إلى الله. لاشكّ في أنه كانت بذور وحي وما تزال في عالم ليس بالمسيحيّ، ولكن كمال الوحي هو يسوع المسيح بعد أن هيّأ له الطريق العهد القديم، بل جميع الحضارات القديمة. واليوم حين تنطلق المسيحيّة حاملة الانجيل، فهي تنطلق ممّا وصل إليه الفكر الديني فتدخله في الانجيل وتدخل الانجيل فيه. هذا ما نسمّيه المثاقفة أو الانثقاف. ما جاء المسيح لينقض العهد القديم، ما جاء لينقض الحضارات والتقاليد البشرية، بل جاء يكمّلها، يرفعها إلى مستوى التجسّد.
ذاك هو تفكير الكنيسة، وتلك هي تطلّعاتها حين تقدّم الكتاب المقدس إلى كل إنسان مهما كان دينه وعرقه وثقافته. وبقدر ما تعود البشريّة إلى جذورها العميقة تستطيع أن تنطلق إلى الأمام لكي تبني عالمًا يكون الله هو الحيّ والحاضر في التاريخ والعالم. يبقى علينا أن نكتشف وجهه في الكتاب بانتظار أن نكتشفه في وجه كل انسان نلتقي به، وفي كل حضارة نعيش فيها.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM