الفصل الثاني عشر:خبرة الروح في رسائل القديس بولس

 

الفصل الثاني عشر
خبرة الروح في رسائل القديس بولس

حين نقرأ رسائل بولس، لا يبدو الروح موضوع تفكير، بل قوّة تحصل على نتائج. وقد اختبرت الجماعات البولسيّة الروح. فالروح يلعب دور اتصال حين يأخذ المسيحيون كلمة متعدّدة المعاني. ونكتشف عمله حين نتعرّف إلى الذين ينعمون بهذا العمل. أما نحن فنتوقّف عند القسم الأول تاركين إلى فصل لاحق الحديث عن المستفيدين من عمل الروح في رسائل القديس بولس.
نتوقّف أولاً عند دور الكلمة في الكرازة الرسوليّة، وثانيًا عند أشكال أخرى من الوحي.

1- دور الروح في الكرازة الرسوليّة
أ- الرسل والسامعون
يكوّن الروح اتصالاً ناجعًا بين الرسل وسامعيهم. أما البرهان الاقوى فهو ملاءمة تعليم الرسل لحاجات الانسان المعاصر. ففي 1 كور 2: 1- 5، يبيّن بولس طابع المفارقة في الكرازة الرسوليّة. وهي فاعلة وإن لم ترتبط بمقولات هذا العالم. ويبرّر بولس تأكيده مستندًا إلى تصرّفه الخاص في كورنتوس. لقد قدّم نفسه عكس "إنسان بليغ" ليُظهر بشكل أبلغ أسباب قوّة كلمته. وذكر في آ 4 كيف كانت كلمته فاعلة وتعليمه: "وكان كلامي وتبشيري لا يعتمدان على أساليب الحكمة البشريّة في الاقناع، بل على ما يظهره روح الله وقوّته".
وكان قد بدأ في آ 1 بعبارة سلبيّة تعبّر عن رفضه اللجوء إلى عبارات بلاغيّة تقود إلى اقتبال التعليم بالنظر إلى أساليب خارجيّة تعتمد على فن الكلام. فقال: "وأنا، عندما جئتكم أيها الأخوة، ما جئت ببليغ الكلام أو الحكمة لأبشّركم بسّر الله". هذا الكلام يعني التخلّي عن برهان يستند فقط إلى حكمة البشر. وماذا يقابل هذه الخطبة الحكميّة؟ برهان بقوّة الروح. "ما يظهره روح الله وقوّته". ماذا تعني هذه العبارة؟
إذا أردنا أن نفهمها نقابلها مع القسم الثاني من النقيضة. فاللجوء إلى البلاغة والحكمة يتوخّى إقناع السامعين بأساس التعليم الذي يُعلن. رفض بولس مثل هذه الوسائل. ومع ذلك فالكورنثيون اختبروا ملاءمة هذه الكلمة لأن الروح نفسه عمل في قلب السامعين. هكذا ظهرت قوّة الروح. هكذا ظهر الروح بقوّة تدلّ على ملاءمة الكرازة الرسوليّة. وهكذا نفهم آ 5: "حتى يستند إيمانكم إلى مدرة الله، لا إلى حكمة البشر".
لا يظهر هذا الروح كقوّة لاشخصيّة بسبب التوازي بين قوّة الروح وقوّة الله. فكما أن البشر يتصرّفون منطلقين من كلمات الحكمة المقنعة، ساعة يعلنون التعليم الرسولي، هكذا يفعل الله بقوّة الروح. فالروح يتيح بقوّته للمؤمن أن يختبر قدرة الله في ضعف الجماعة كما في ضعف الرسول. في هذا المجال، نقرأ 1 تس 1: 5: "لأن البشارة حملناها إليكم، لا بالكلام وحده. بل بقوّة الله، والروح القدس واليقين التام". أسّس بولس شكره على معرفة حدث سابق هو اختيار أهل تسالونيكي. وهذا الاختيار يترجم بتقبّل الانجيل في هذه المدينة. وها هو بولس يدعو القرّاء لكي يتذكّروا الاعلان الأول للانجيل في جماعتهم. وتأتي آ 6- 7 فتنظران إلى ما حدث لأهل تسالونيكي: تقبّلوا الكلمة في ضيقهم مع فرح الروح القدس، فصاروا مثالاً لجميع المؤمنين.
إن هذا التوضيح يعطي لكل عبارة في آ 5 ملء معناها. "في القوّة"، لأن الانجيل المعلن لم يكن فقط كلامًا، بل كان له في ذاته قوّة تعرّفنا إلى نتيجتها التي هي تقبّل الكلمة في الضيق. وارتبط بالروح القدس الفرحُ في قلب الضيق. أما "الوفرة" (أو: اليقين)، فقد ظهرت في إيمان عارم لدى التسالونيكيين. وهكذا دلّ تصرّفهم على أن الاعلان الرسولي لم يكن خطابًا لا نتيجة له.
ثلاث مرات نجد في 1 تس صفة "القدس" مع "الروح" (1: 5، 6؛ 4: 8). نحن نفهم هذه اللفظة في إطار التقديس الذي يدلّ على انتشار الكلمة في جماعة تسالونيكي. وما في 1: 5، 6 يدلّ على أن الانجيل قد وصل بشكل عمليّ إلى تسالونيكي. أجل، بدأت الأزمنة المسيحانية، وصار الانتظار واقعًا، وأعطى الله روحه كإمكانيّة توبة وارتداد. وسؤكّد بولس في روم 15: 19 دوره كخادم للمسيح، وقراره بأن يقف عند ما فعله المسيح فيه. كان نشاطه في "القول والعمل". نحن هنا أمام تصرّف بولس على مدّ نشاطه، كما أمام القدرة التي ظهرت بأشكال مختلفة. فالمسيح هو في أساس العمل، والمعجزات وأعمال الروح كانت وسائل دعت الوثنيين إلى الايمان. "المعجزات والآيات" (2 كور 12: 12) هي ظواهر خارجيّة. أما عبارة "في قوّة الروح" فتوجّهنا إلى القوّة الداخليّة التي تحرّك إيمان الوثنيين. لقد كانت خدمة بولس عمل قدرة ظهر عبر آيات خارجيّة وعمل الروح.

ب- الروح كعامل وحي
إن الروح كعامل وحي يكشف معنى الصليب ومجمل الخيرات التي يمنحها الله للجماعة. هنا نتوقّف عند 1 كور 2: 6- 16 الذي هو جزء من نصّ يمتدّ من 1: 10 إلى 4: 13. وجد بولس نفسه أمام جماعة تفهم الانجيل وكأنه فلسفة. وتعلّق أعضاء هذه الجماعة بالواعظ الذي هو معلّم حكمة أكثر منه بكلام الصليب. وهذه اللامعرفة لطبيعة الانجيل الحقيقيّة، أثارت الانقسامات داخل الجماعة. لهذا، جاء نص 1 كور 2: 6- 16 مع تفكير حول الانقسامات في جماعة كورنتوس.
في 1 كور 1: 10 نقرأ نداء، ثم كلامًا عن الوضع في كورنتوس (آ 11- 12)، ونقدًا لأقوال الكورنثيين (آ 13- 16). وجاءت آ 17 فشكّلت انتقالة تبرّر ممارسة بولس في كورنتوس وتعلن الموضوع الذي هو في قلب فكرة بولس، أي الخطر الذي تمثّله حكمةُ الكلام بالنسبة إلى صليب المسيح. فحكمة الكلام قد تُفرغ صليبَ المسيح من كل نتيجة. ويتواصل برهان بولس في زمنين. واحد سلبيّ (1: 18- 2: 5)، وآخر إيجابيّ (2: 6- 16).
هناك فكرة عامة حول لغة الصليب تستند إلى ملاحظتين: تأليف الجماعة في كورنتوس وتصرّف بولس في هذه الجماعة. وبعد أن أبرز مفارقة لغة الصليب، أوضح طبيعة الانجيل الحقيقيّة وطريق وصوله إلينا بشكل لا يربط الرسول بحكمة الخطاب (2: 6- 16). وهكذا تبدو هذه المقطوعة الوجهة الايجابيّة في نقيضة حول طبيعة الحكمة التي يعلّمها بولس والرسل، والطريقة التي بها تُكشف. وهي تنقسم قسمين، ويبدأ كل قسم بفعل "نتكلّم". وينتهي كل قسم بشكل مشابه. لقد نال بولس والفريق الرسوليّ الروح الذي يأتي من الله، وصار لهم روح المسيح. في هذا النصّ الذي يحدّد فيه بولس طبيعة الانجيل، وحسّ الواعظين، عادت صيغة المتكلّم الجمع (نحن طلبنا) إلى الوعّاظ الذين يتميّزون عن الكورنثيين بسلوكهم. حدّد القسم الأول (آ 6- 12) طبيعة الحكمة والعامل في انتقالها. والثاني (آ 13- 16)، فئات الناس تجاه انتقال هذه الحكمة.
بعد كلام عن طبيعة الحكمة التي يفتخر بها بولس، نصل إلى طريقة التعبير عنها. ونتوقّف عند وظيفة الوحي مع ثلاثة أفعال مختلفة تتحدّث عن المعرفة. في آ 8، 11، 14 يدلّ الفعل على المعرفة التي يستطيع البشر أن يحصلوا عليها، وهي معرفة تؤول إلى الفشل حين نكون أمام حكمة الله. وهناك فعل يرد في آ 12 فينطبق على نشاط بولس وفريقه الرسوليّ أو على معرفة بشريّة. وهناك فعل ثالث (آ 10) يرتبط بالوحي فيميّز نشاطًا يقوم به الله بروحه. إن فعل "كشف" يفترض تنشئة من عند الله ويعارض في هذا النصّ طريقة معرفة يمارسها رؤساء هذا العالم (آ 8). وهذا الكشف الذي يمسك الله المبادرة فيه، لا يمكن أن يكون إلاّ بقدر ما يتدخّل الروح فيه كعامل ناشط.
يكشف الروح ما يخصّ الله نفسه، "ما هيأه الله للذين يحبّونه". وهو يقود إلى معرفة إله المجد والخيرات التي يمنحها هذا الاله. وهو يظهر مصداقيّة كلام الصليب. فمن تقبّل الحكمة، من تقبّل الانجيل، تقبّل ربّ المجد. حين عرف الرسول مبادرة الله بفعل الروح، اقتنى معرفة تتجاوز الانسان. والكشف الذي يتمّ بواسطة الروح يتضمّن بعدًا سوتيريولوجيًا (على مستوى الخلاص). فالوحي يعني المجد (آ 8) والسعادة الآتية (آ 9) للذين ينعمون بها، والتعرّف إلى الخيرات التي يمنحها الله لنا. ووظيفة الوحي هذه تفرض أن الروح نفسه يعرف ما في الله لأنه يفحص كل شيء (آ 10). يدلّ هذا الفعل على العمق، كما يبيّن أن لا شيء يفلت من نظره.
والروح الذي يعمل في هذا الوحي يسمّى "روح الله". ففي آ 11 نقرأ: "ما من أحد يعرف ما في الله غير روح الله". وفي آ 10 كنا قد قرأنا عن الروح الذي يتفحّص أعماق الله. وفي آ 12: "الروح الذي من الله". ليس الروح هنا وسيطًا بل عطيّة ننالها. ونجد في آ 11 مقابلة بين معرفة روح الانسان لواقع الانسان ومعرفة روح الله لواقع الله.
في آ 14، تظهر عبارة جديدة (ما هو من روح الله) تقابل ما وجدناه في آ 11 (ما في الله، ما هو الله) وآ 12 (الروح الذي أرسله الله لنعرف ما وهبه الله لنا). وهكذا نفهم آ 14 على ضوء الوظيفة الاساسيّة التي يقوم بها الروح فيوصل إلينا خيرات تأتينا من الله بفعل الروح. هكذا بدا الروح عامل معرفة (آ 10) ولكننا نقتبله (آ 12) فيتيح لنا أن نعرف، لا "أعماق الله"، بل "الخيرات الآتية من الله بفعل الروح" أو كما تقول آ 9: "ما هيّأه الله للذين يحبّونه".
وهكذا نصل إلى الانسان الروحيّ الذي يستطيع أن يحكم على "ما يأتي من روح الله". هو يقدر أن يفهم أن كلام الصليب قدرة الله، وأن قد تمّ انقلاب في القيم. فالروحيّ (أو: الروحانيّ) هو الذي يكتشف ما تتطلّبه الحكمة الحقّة. هو يحكم على كل شيء، ولكنه لا يستطيع أن يفعل من دون "فكر" المسيح. فمن انتسب إلى المسيح كما يفعل أهل كورنتوس، يبقى انتسابه ناقصًا إن لم يمتلك "فكر" المسيح. الرجل الروحاني هو الرجل الذي حوّله تقبّل الروح بالنظر إلى فكر المسيح. أما الانسان "النفسانيّ" فينقصه فكر المسيح، ولهذا يكون حكمه ناقصًا إن لم يكن خاطئًا.
وهكذا يكون الروح عامل معرفة في معنيين. من جهة يكشف معنى كلام الصليب، والخيرات التي يمنحها الله للجماعة. ومن جهة ثانية، يساعد على نقل هذه الخيرات. وهو وسيط بالنظر إلى امكانيّة تفحّص أعماق الله. وهو أيضًا يُعطى لنا فنتقبَّله. أخيرًا، الروح هو عامل جوهريّ في مسيرة الوحي والكشف، ولا يأخذ كامل معناه إلاّ بالنظر إلى فكر المسيح. وهو يعمل فيقلب النشاط الرسوليّ.

2- مكانة الروح في عمل الوحي
إن النصوص التي درسناها أبرزت رباطات وثيقة بين كلمة الرسول والروح في رسائل القديس بولس. بين الوحي (بمعنى كشف الحكمة الحقّة والتعرّف إلى خيرات يمنحها الله للجماعة) والروح. فهل يكون الارتباط كما لو كنّا أمام موضوع معرفة محدودة؟ نتوقّف هنا عند حالات أربع: الرؤية، الوحي، النبوءة، كلمة الربّ.

أ- الروح والرؤية
نجد "الرؤية" مرة واحدة عند بولس الرسول. في 2 كور 12: 1: "أنتقل إلى رؤى الربّ". يتحدّث الرسول بتحفّظ عن ظواهر خاصة نعم بها. إن هو ذكرها في 2 كور 12: 1 ي، فبعد أن أكرهه الكورنثيون وهم الذين يوصون أنفسهم بأنفسهم (2 كور 10: 12- 18) ويقدّمون رؤاهم وإيحاءاتهم المزعومة. هناك من تحفّظ حول الخبرة الانخطافيّة لدى بولس. فعبارة "نكون في الروح" تقابل نكون في المسيح. وإن عرف بولس الحدث الانخطافي كأمر نادر، فالروح لا يعني امكانيّة اختبارات صوفيّة. وهناك من اعتبر أن هذه الخبرات الانخطافيّة لا تشكّل سمة ثانويّة في شخصه وخبرته الرسوليّة. ولكن الظروف قادت الرسول إلى أن لا يُبرز هذه الخبرات لئلا يدفع المؤمنين إلى التفكير بأنها أساس نشاطه الرئيسيّ.
هناك أمر أكيد وهو أن التماثل مع آلام المسيح أكثر أهميّة من المظاهر الخارقة. وفي 2 كور 12: 1- 4، التشديد ليس على فعل "رأى" بل على فعل "سمع". نقرأ في آ 4 عن الرسول الذي "سمع كلامًا لا يقدر بشر أن ينطق به ولا يجوز له أن يذكره". ويبدو أن الرؤية لا ترتبط هنا بالروح، بل بالمسيح.

ب- الروح والكشف
ورد الكشف 13 مرة في الرسائل البولسيّة. أما معناه فيختلف بين نصّ وآخر. فقد يكون المعنى اسكاتولوجيًا (روم 2: 5؛ 8: 18، 19). أو يدلّ على وحي الانجيل (أو الغضب المرتبط بالانجيل)، روم 1: 17، 18؛ 16: 25 (مجدلة)؛ غل 1: 12. وحي الابن (غل 1: 16). كشف الايمان (غل 3: 23). وقد نكون أمام الوحي في معنى محدود أو أمام نداء إلى الطاعة (1 كور 14: 6، 26، 30).
في هذه النصوص، لا يربط بولس كشف الانجيل، كشف الابن، بالروح إلاّ في 1 كور 2: 10 مع وجود قوّة مختلفة عن الحكمة للتعرّف إلى ملاءمة كلام الصليب والخيرات الممنوحة للجماعة. في 1 كور 14: 26، 30، قد يكون الوحي (أو: الكشف) نتاج نبوءة وضعها بولس مع الأمور الروحيّة. ولكننا أمام إيحاءات داخل الجماعة. إن الاشارة إلى الوحي لا ترتبط بالنبوءة بقدر ما تحاول أن تبيّن نسبيّة التكلّم بالألسن. وحين يتطرّق بولس إلى الايحاءات التي نعم بها، فهو لا يذكر الروح.

ج- الروح والنبوءة
النبوءة جزء من الخيرات التي يمنحها الروح (1 كور 12: 10)، وهي تقف منح الأمور الروحيّة (1 كور 14: 1 ي). ولكنها تُنسب أيضًا إلى الله (روم 11: 6) الذي أقام الأنبياء (1 كو 12: 8). في أف 4: 11، يعطي القائم من الموت الرسلَ، مع العلم أن هناك رباطًا بين نشاط الانبياء والروح في أف 20: 20 ي (لتصيروا مسكنًا للروح)؛ 3: 5 (كشفه الآن في الروح).
في 1 تس 5: 19- 22، نجد الروح بقرب النبوءات: "لا تعيقوا عمل الروح، لا تستهينوا بالنبوءات". هذا الكلام هو جزء من تحريض يوجّهه بولس إلى الجماعة في تسالونيكي. لاشكّ في أنه وُجد مسيحيون رذلوا كل شكل نبوءة بسبب البلبلة الاسكاتولوجية التي يحرّكها بعض الأنبياء. نجد في هذه الآيات توصيتين سلبيتين (آ 19، 20)، تخفّف من حدّتهما دعوة إلى التمييز تتجسّم في نصيحة إيجابية (امتحنوا كل شيء) وفي نصيحة سلبيّة (آ 22). لقد بدأ التسالونيكيون يطفئون الروح. يطفئون نتائج عمل الروح في الجماعة. فحين يتصرّفون بهذا الشكل لا يعترفون بقوّة الروح في مثل هذه الظواهر. وهكذا يكون الروح في 1 تس 5: 19 روح الله والواقع المسيحيّ المعاش أي الحالة التي يكون فيها المؤمنون حين يتكلّمون ويتصرّفون بقوّة الروح. وهكذا يدعو بولس المؤمنين أن لا يطفئوا الروح، فيعود بهم إلى مجمل الحياة المسيحيّة.

د- الروح وكلمة الربّ
أشار بولس خمس مرات إلى كلمة الربّ (1 كور 7: 10؛ 9: 14؛ 11: 23- 25؛ 1 تس 4: 2، الرب يسوع، 4: 15). ما نجده في 1 كور يرتبط بالتقليد الانجيليّ. أما الايرادان في 1 تس فيرتبطان بموضوعنا بشكل مباشر. في 4: 2 توجّه بولس إلى أهل تسالونيكي فقال لهم: "فأنتم تعرفون الوصايا التي أوصيناكم بها من الربّ يسوع". وتنتهي المقطوعة في آ 8 مع ذكر الروح القدس: "فمن رفض هذا التعليم لا يرفض انسانًا، بل الله الذي يمنحكم روحه القدوس". فالتذكيرات التي توضح دعوة الجماعة إلى القداسة (آ 3- 7)، يحيط بها تأكيد حول أصل الكلام وإشارة إلى الطاعة للكلمة الرسوليّة.
إن القواعد السلوكيّة التي يعطيها بولس تستند إلى الرب يسوع الذي يمارس اليوم سيادته في الجماعة. المسيح هو ينبوع الحياة الجديدة ووسيط إرادة الله وهو يتصرّف كالرب في الجماعة. ويُذكر الموضوع أيضًا في آ 8: رفض الله الذي أعطى الانسان امكانيّة التقديس. يبدو الروح القدس قوّة تُعطى لتحقيق هذه التعليمات التي ترتبط بنشاط المسيح. منذ الآن يعرف التسالونيكيون مشيئة الله. وقد حملها إليهم بولس باسم القائم من الموت. وذكرُ يسوع يعود بنا إلى التقليد. والصفة المعطاة للروح في آ 8 تحدّثنا عن قداسة تتحقّق. فالله يكون مرذولاً حين لا يُتمّ المسيحيون التقديس الذي يطلب منهم الروح أن يحقّقوه. ليس الروح هو من يوصل الكلمة، بل من يعطي قوّة التقديس الذي دُعي إليه أهل تسالونيكي.
ونقرأ 1 تس 4: 15: "ونقول لكم ما قاله الربّ، وهو أننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء ربّنا لن نتقدّم الذين رقدوا". كيف نقرأ هذه الآية؟ يرى البعض أن يسوع صوّر المجيء بتلك الصورة. ولكن كان ردّ يتساءل كيف لم يحتفظ التقليد الانجيلي بمثل هذا القول. وقال آخرون: جاءت هذه الكلمة في سياق تعزية وتعليم، وقد أوردها نبيّ مسيحيّ. فنسبها بولس إلى الربّ. هذا النبيّ يتكلّم باسم الربّ دون أن يماهي بينه وبين الرب. وكان رأي ثالث يرى في هذه العبارة وحيًا من الروح ناله بولس. وقابل بين 1 تس 4: 16 و1 كور 15: 52 وأعلن أن سرّ 1 كور 15: 52 هو تعليم محفوظ للمسيحيين ولا يُعرف إلاّ بوحي الروح كما يقول 1 كور 2: 6ب.

خاتمة
تلك كانت محاولة لاكتشاف خبرة الروح في رسائل القديس بولس من خلال نصوص حاولنا أن نمحّصها. ماذا عمل الروح في الجماعة، وما هي علاقته بمختلف الظواهر التي يمكن أن يعرفها الفرد والجماعة؟ وخلصنا إلى القول بأن عمل الروح هو بالاحرى عمل خفيّ لا يظهر دومًا من خلال الانخطافات. وهو يعمل أكثر ما يعمل على مستوى الكلمة: يفهمنا إياها ويساعدنا على نشرها. يبقى علينا أن نستنير بأنواره ونسير بهديه.

 

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM