الخاتمة

 

 

الخاتمة

 

في نهاية رفقتنا لأفرام السريانيّ، وقد أخذنا منه بعض الفتات، ساعة يبقى الكثير الكثير وفي مواضيع متنوّعة، نودّ أن نبقى عند مائدته، مائدة الربّ. فإليها يدعونا هذا الشاعر الكبير. مائدة الخبز أوّلاً وما يشبع جوعنا. فيسوع ولد في بيت لحم، مدينة الخبز كما قال أفرام مرارًا. ثمّ مائدة الإفخارستيّا. كلّ هذا يرتبط بالحبل الإلهيّ من مريم العذراء، التي أعطته جسدًا سيكون لنا الجسد الذي نأكله لئلاّ نموت. ووهبته دمًا هو شرابنا الحقيقيّ لكي نثبت فيه ويثبت فينا.

وبين مائدة الخبز اليوميّ، ومائدة خبز الحياة وقوت الأرواح، تبقى مائدة ثالثة تجمع الاثنين. هي مائدة الكلمة. كلمة نسمعها في ولائمنا اليوميّة، وكلمة نسمعها في الاحتفال بالإفخارستيّا، فتقودنا إلى من هو الكلمة القائم قرب الله والذي يشارك الآب والروح القدس في اللاهوت. والعلاقة بين المائدتين تعود إلى بداية المسيحيّة، حيث كان عشاء المحبّة يسبق عشاء الإفخارستيّا. عرفنا عن العشاء الأوّل وجهته السلبيّة كما ندّد بها بولس الرسول في كلامه عن عشاء يسوع الأخير، ولكنّ الوجهة الإيجابيّة تبقى حاضرة إذا شئنا فلا يكون موضع لمحاباة الوجوه، فنكرّم الغنيّ ونجعل الفقير عند أقدامنا، كما قال القدّيس يعقوب في رسالته.

تكثير الأرغفة الذي توسّع فيه أفرام حين فسَّر الإنجيل الرباعيّ أو الدياتسّارون، وأنشده مرّات عديدة، يمكن أن ينير طريقنا بعد، كما نقول بالنسبة إلى ما فعله يسوع ليلة آلامه.

فهذه الآلام استحوذت على فكر أفرام. فترك لنا أناشيد الفطير والصلب والقيامة. كان بالإمكان أن نورد هذا الميمر أو ذاك. ولكنّها جاءت في "ينابيع الإيمان" الكتاب الثامن: نستطيع أن نعود إلى الميامر حول الفطير كلّها، وبشكل خاصّ الثاني والتاسع والسابع عشر والتاسع عشر. وكذا نقول عن الميمرين الثاني والرابع في أناشيد الصلب، والنشيد الثالث في موضوع القيامة. خلال دراسة المواضيع، وردت نصوص عديدة أخذت من مختلف مؤلّفات أفرام. يمكن أن تكون هذه المقاطع نقطة انطلاق لقراءة الميمر كلّه للتعرّف إلى فكر أفرام الذي هو أبعد ما يكون عن البلاغة اليونانيّة. إنّه يقسم أفكاره "ثلاثة أقسام" مثلاً، فيوسّع قسمًا وينهيه قبل أن ينتقل إلى قسم آخر. الإيمان المسيحيّ واحد. وهو يستقي منه، فيأخذ من هنا وهناك كما النحلة تنتقل من زهرة إلى زهرة. هو لا يريد أوّلاً أن يُقنع العقل، بل أن يدخل إلى القلب الذي هو مركز الفهم في الشرق، وموضع القرار لاتّخاذ موقف بالنسبة إلى التيّارات الفكريّة المعاصرة له. عندئذ يفهم المؤمن معنى المائدة الأولى التي تدلّ على المحبّة الأخويّة، والمائدة الثانية التي تدلّ على محبّة الله لنا حين أرسل إلينا ابنه من أجل خلاصنا لا من أجل هلاكنا. فمائدة الخبز تقود إلى الإفخارستيّا، ومائدة جسد المسيح ودمه تفهمنا كيف نعيش الوصيّة الثانية التي هي محبّة القريب والتي هي الشهادة الحقّة لمحبّتنا لله.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM