الفصل العشرون
خطايا اللسان والفجور (22: 27 - 23: 27)
1- المقدّمة
هذه القطعة الأخيرة هي خاتمة القسم الثاني، وهي تقابل بوسعها وسموّها الأدبيّ المقدّمة (16: 24ي). فالحكيم يطلب من الله أن يحفظه من خطايا اللسان ومن الفجور (22: 27 - 23: 6): يهتمّ فيبتعد عن الأولى (23: 7 - 15): ويهرب كرهًا من الثانية (آ 16 - 17).
بداية صلاة يطلب فيها ابن سيراخ حماية ا؟ وحماية كلّ من يتلو هذه الصلاة من خطيئة اللسان. وفيها يطلب أيضًا تجنّب خطايا الفجور والشهوات الرديئة. ويعود الحكيم إلى تعليم حول الفهم، حول الشتم والتجديف واللعنة. وهكذا يعود إلى القسم الأوّل من الصلاة، ثمّ يعود إلى القسم الثاني مع تجنّب الشهوات الرديئة، وكلام عن نفسيّة الزانية. أجل، الزنى شرّ والعقاب ينتظره.
2 - نظرة إلى النصّ
آ 27. أهمّيّة السهر واليقظة لئلاّ يقع اللسان في ما لا تُحمد عقباه. إنّ الكاتب يتمنّى، ولهذا يتلو صلاته.
23: 1. الآب. قليلاً ما يُدعى الله أبًا في العهد القديم. فهذه الأبوّة ترتبط بالشعب أكثر ممّا ترتبط بالفرد (خر 4: 22؛ إر 31: 9؛ رج أم 9:4)، وترتكز على نظرة إلى الله الخالق والمخلّص، كما تعود إلى الملك المسيحانيّ (2 صم 7: 14). إعتبر بعضهم أنّ العبارة في الأصل كانت »يا إله أبي« (خر 15: 2). رج 51: 1 - 10. لا يمتلك النصّ العبريّ هذه الآية. أمّا في السريانيّ فنقرأ: ا ل هـ ا. أ ب ي: أيّها الإله أبي.
آ 2. »قضيب التعليم« في السريانيّ. في بعض المخطوطات: لا أمل في أن تشفق عليه.
آ 3. في اليونانيّ: لهم أبقى رجاء الرحمة.
آ 4. لسنا أمام الكبرياء، بل أمام نظرة شهوانيّة وقحة (26: 9). رج تك 39: 7 ونظرة امرأة فوطيفار إلى يوسف؛ مت 5: 28: من نظر إلى امرأة ليشتهيها.
آ 5. حرفيٌّا: رغبة البطن والمجامعة. في السريانيّ: اللحم.
آ 7. القسَم والحلف. في مخطوطات يونانيّة نجد عنوانًا: تعليم الفم. في السريانيّ نقرأ: »تعليم فمي. إسمعوا يا أبنائي«. لا يتعثّر. بل لا يؤخذ. لا يُعتبَر مذنبًا. رج خر 22: 9.
آ 9. القدّوس هو اسم الله الذي حرّم الأسيانيّون التلفّظ به، لا اليهود المعاصرون يسوع. رج أش 6:3؛ 40:25.
آ 10. كما يُضرَب العبد، كذلك يستحقّ الضرب والعقاب من يحلف باطلاً.
آ 11. ثلاثة أنواع من القسم: قسم باطل (بنيّة طيّبة). قسم لا نفي به. قسم ننوي تجاهله، يرافق الكذب عمدًا.
آ 12. لهذا نسهر على ما نقول. نتحاشى الكلام غير اللائق. في ميراث يعقوب. أي في فلسطين الأرض المقدّسة (أش 58:14). هنا يقابل الحكيم بين اليهود والوثنيّين. هو تجديف عقابه الموت. وهو من الخطورة بحيث لا يجسر الكاتب أن يتلفّظ باسمه.
آ 13. أو: كلمة خطيئة. خطيئة بالكلام. في السريانيّ: كلمات الكذب.
آ 14. السهر على اللسان مهمّ ولا سيّما مع أصحاب الشأن (8:8)، حين نتذكّر الآباء يكون سلوكنا نبيلاً. وإلاّ كان العار وصعوبات يتمنّى من تصيبه لو أنّه لم يأتِ إلى العالم.
آ 16. الزنى والدعارة. في السريانيّ: أبغضتْ نفسي نوعين (من الناس). هذا ما يُسمّى المثل العدديّ، المعروف في الأدب الحكميّ (25 :1 - 2، 7 - 11؛ 26: 5؛ 50: 25؛ أم 6: 16؛ 30: 15) لإبراز العنصر الأخير في اللائحة. هنا أبرز الكاتبُ خطورة الزنى والدعارة.
آ 17. السريانيّ: »رجل الشبق كلّ لحم لذيذ له«.
آ 21. العقاب هو الرجم. رج لا 20: 10؛ تث 22: 23. ولكن في زمن ابن سيراخ، سوف يحلّ الجلد محلّ الرجم.
آ 24. هي الجماعة تأخذ القرار، لا بالنسبة إلى المرأة فحسب، بل إلى الأولاد: هل هم شرعيّون أم لا؟ فإن كانوا لاشرعيّين يُستبَعدون من الجماعة (تث 23: 3). قال السريانيّ: تقع خطيئتها على أولادها. رج »ف ق د« في العبريّ.
آ 27أ. السريانيّ: »يعرف كلّ سكان الأرض، ويفهم كلّ المسخَّرين في المسكونة«. أضاف اليونانيّ: »اتّباع الربّ مجد عظيم، والحياة الطويلة لك إن هو تقبّلك«.
3 - شرح الآيات (22: 27- 23: 27)
أ - صلاة إلى الله (22: 27 - 23: 6)
هذا النداء الذي بدأ بنظرة إلى مخاطر الخطيئة وإلى ضرورة العون الإلهيّ لكي نتحفّظ منها (آ 27)، ينقسم قسمين: الأوّل، خطايا اللسان والعواطف التي هي ينبوعها (23: 1 - 3). ثمّ خطايا الدعارة (آ 4 - 6).
طُرح السؤال بشكل تقليديّ (28: 25؛ مز 39: 2؛ 141: 3)، فدلّ على رغبة الحكيم بما فيها من عظمة وصدق (آ 27). أن نتحفّظ بكلامنا فطنين (لا الصمت المطبق) عطيّة من الله الذي هو سيّد اللسان (أم 16: 1؛ يع 3: 9). إذن الصلاة أكثر ضرورة من التعليم والخبرة لكي نقاوم التجربة.
والدعاء إلى الله، الآب والسيّد (آ 1 - 6) يدلّ على ثقة بنويّة تجاهه (4: 10) وعلى عزم بأن نخضع لشرائعه. نحن أمام دلالة على تطوّر العالم اليهوديّ نحو ديانة شخصيّة. كان الله أبًا للشعب (1 أخ 29:10). صار هنا أبًا لليهوديّ التقيّ (آ 4؛ 51: 10). وباسم هذه الأبوّة، تدخّل من أجله كينبوع حياة خلقيّة (مز 36: 10؛ إر 2: 13؛ 17: 13). ولكنّ النصّ لا يحدّد كيف يتمّ تدخّل الله هذا بشكل إيجابيّ.
بما أنّ خطايا اللسان هي نتيجة أفكار لا نسيطر عليها وقلب غير متنبِّه، فهنا تكون تربية الحكمة، والتأديب الذي يرمز إليه »السوط«. وإلاّ تكاثرت الخطايا من كلّ نوع (آ 3). فشمت بنا الأعداء وسخروا (12: 18؛ مز 38: 17). فيطلب الحكيم طلبًا خاصٌّا من الله أن ينجو من الأهواء النجسة، من شرّ النظر الذي يغذّي الشهوة الرديئة. نحدّق في الأشخاص مع نيّة سيّئة. هي نظرة وقحة. وترد الألفاظ حول الزنى والدعارة اللذين يحاول المؤمن أن يبتعد عنهما.
ب - السيطرة على اللسان (23 :7 - 15)
إذا كان لا بدّ من العون الإلهيّ لكي نحفظ شفاهنا، فعلى كلّ واحد أن يقوم بمجهود (آ 7 - 8؛ 20: 18 - 26) ليتجنبّ قسَمًا يُفلت من فمنا (آ 9 - 11) والتجديف (آ 12) والكلام البذيء (آ 13 - 15).
تربية الفم الخلقيّة (آ 7 - 11) مهمّة لأنّها تعفينا من مشاكل خاصّة ومن الخطايا. وهي تطلب أن لا نتلفّظ باسم الله بخفّة. فعادة الحلف (هوركوس، آ 9؛ مت 5: 34؛ 23: 20؛ يع 5: 12)، أي دعوة الله القدّوس (4: 14؛ 43: 10؛ 47: 8) ليكون شاهدًا، تقود حتمًا إلى الخطيئة، مثل عبد لا يمكن أن يُضرَب إلاّ وتَترك الضرباتُ أثرًا في جسمه (آ 10).
هنا نميّز ثلاثة أنواع من الخطايا: نحلف دون ضرورة، دون أن نعي ما نفعل. هكذا ندنّس اسم الله، وعملنا لا ينجو من العقاب (خر 20 :7؛ لا 19: 12؛ تث 5: 11). يُضرب الخاطئ، تعاقبه السماء (أم 17: 13). ولكن إن احتفظ عمدًا بعادة الحلف دون الاهتمام بما وعد به مع حلف (لا 5 :4)، يكون كمن احتقر الشريعة وازدرى بها (2: 10؛ 38: 16). هنا تزداد مسؤوليّته. وأخيرًا إن حلف وحنث. إن دعا اسم الله للباطل، ليكفل كذبًا (حك 14:28 - 29)، تصبح خطيئته خطيرة والانتقام الإلهيّ قاسيًا (أباغوغي. رج 2:2؛ 3: 28؛ 5: 8؛ 10: 13). فالأمراض الزمنيّة هي عقابات يرسلها الله. غير أنّ نداء ابن سيراخ لم يسمعه اليهود، فصاغوا الفتاوى لكي يحلفوا، ممّا جعل الوثنيّين يهزأون منهم. نحلف بالسماء. بالمذبح. بالذهب الذي على المذبح...
ونصل إلى آ 12 - 15. يبدو أنّ آ 12 تلمّح إلى التجديف (لا 24: 11، 16) الذي هو ثقيل دائمًا بحيث لا تكون خطورته خفيفة في أيّ حال. هو يستحقّ الموت. عقاب »يليق« به. وابن سيراخ لا يذكره باسمه. ويجب أن يحرَّم تحريمًا كاملاً لدى الذين يخافون الله بحيث لا يتمرّغون في وحل الخطيئة. فالمؤمن يحفظ نفسه من كلام غير لائق فيدلّ على أنّه غير مهذَّب (أبابايدوسيان، لم يمرّ في التربية)، وهذا ما يجعله مذنبًا أمام الله.
وهذا السهر على اللسان مهمّ جدٌّا حين نكون مع العظماء (آ 14). الخطر، نحمّل العار لأجلنا الذين ربّونا التربية الصالحة، ويغطّينا الخجل فنلعن نفوسنا. في الحقيقة، عادة الكلام السيّئ (ب ط ل ت ا. الباطل في السريانيّ) الذي يستحقّ اللوم، الذي يجلب الخزي، هذه العادة قويّة جدٌّا بحيث لا نستطيع أن نصلح ذواتنا. من أجل هذا نطلب الحكمة لئلاّ نأخذ بهذه العادة.
ج - زنى الرجل والمرأة (23 :26 - 27)
إنتقل الكاتب من خطايا اللسان إلى خطايا اللحم، فشدّد على الزنى وما يُحفَظ له من عقاب.
في آ 16 نقرأ مثلاً عدديٌّا حول النجاسة في كلّ أشكالها. كلّها خطيئة. وأخطرها الزنى الذي يعاقبه الله عقابًا قاسيًا. وهوى (برسيخي) الفجور (آ 17 - 21) يشبه نارًا لا تنطفئ حين تأكل (كاتابينو، التهم، افترى) الإنسان الذي يقع فيها، وهو يأخذ ثلاثة أشكال: الرذيلة الفرديّة. في جسد لحمه (ساركس، ب س ر ا في السريانيّ). أي في لحمه الخاصّ. هو يتسلّط باستمرار ولا يني يُشعل رغباته كالحطب في النار فيزيدها اشتعالاً. الثاني: الزنى بحسب الصدف. مثل هذا الزاني يرضى بأيّ شيء. كلّ لحم طيّب. هو لا يتعب من ملاحقة النساء حتّى الموت. وأخيرًا الفاسق الذي يخون امرأته ويتّخذ كلّ الاحتياطات لكي لا يراه أحد في فلتانه (آ 18 - 19). رج أي 24: 15. ولكن كيف يُفلت من نظر الله (آ 19) الذي يرى كلَّ شيء (17:19، 20؛ أش 29:15)، ويعرفنا قبل أن نُوجَد (آ 20)؟ لهذا فالزنى الذي تعاقبه العدالة الإلهيّة لن يُخفى دومًا. يُكشَف وينال صاحبه العقاب.
والمرأة الزانية (آ 22 - 27) تُعاقَب أيضًا. وتعظُم خطيئتُها حين تعطيه نسلاً لا يكون منه. وتعدّد آ 23 جميع الخطايا المقترفة في مثل هذه الخطيئة: عصيان لشريعة الله. ظلم الرجل. معاطاة لاشرعيّة مع غريب. نسل زنًى وعار. هي تستحقّ العقاب. وهي تعاقَب في أبنائها (آ 24). والجماعة تحكم عليها. ونسلها يعرف الموت المبكّر والعقم في الزواج. ويلطَّخ ذكرُها على الدوام (مز 109: 14). يبقى على المؤمن أن يستخلص النتائج من هذا التعليم: لا سعادة إلاّ في العمل بشريعة الله (46: 10).