الفصل السابع عشر: علاقة الله بالإنسان.

 

الفصل السابع عشر

علاقة الله بالإنسان (16: 24 - 18: 14)

1 - المقدّمة

الله خلق العالم (16: 24 - 30). وخلق الإنسان وغمره بعطاياه (17: 1 - 10). ونظر نظرة خاصّة إلى شعبه، وجازى الذين يخدمونه خيرًا (17: 11 - 24). لا بدّ من العودة إليه، لأنّ رحمته عظيمة كجلاله (17: 25 - 28: 14). كلّ هذا التوسّع يذكرنا بموضوعه ولهجته الاحتفاليّة، ما في 1:1 - 19.

أربع قصائد في هذا الفصل. تتحدّث عن الله الخالق وعن الإنسان الذي تقوم كرامته بأنّه مخلوق على صورة الله وتتحدّث عن علاقة الشعب المختار بالربّ. وقد سُمِّي »حصّة الربّ« (17:17). في القصيدة الأولى (16: 24 - 30) نكتشف حكمة الله التي نراها في النظام والجمال وعناية الله بالخلائق. والقصيدة الثانية (17: 1 - 24) تتحدّث عن خلق الإنسان، عن عطايا الله له، عن معرفة الله لأعمال البشر ومجازاته للفضيلة وللخطيئة. إستند الكاتب إلى تك 2: 7 و3: 19 فبيّن ضعف الإنسان المجبول من تراب والمعرَّض للخطيئة.

وتبدأ القصيدة الثالثة (17: 25 -32) بنداء نبويّ إلى التوبة. ما هي الأعمال التي يقوم بها الخاطئ والمواقف التي يقفها لكي تكون توبته صادقة؟ »عُدْ إلى الربّ واترك خطاياك« (17: 25). أمّا القصيدة الرابعة (18: 1 - 14) فمديح لله الديّان، المستقيم، والرحيم. هو الأزليّ الذي يعيش إلى الأبد تجاه الإنسان الذي هو تراب ورماد (17: 32). وبما أنّ الإنسان نقطة ماء وحبّة رمل (18: 10)، فالله يصبر عليه، ويفيض رحمته بغزارة.

2 - نظرة إلى النصّ

آ 24. هنا يلتقي ابن سيراخ مع أيّوب في كلام عن حكمة الله في الخلق. إسمعْ، يا ابني. ذاك هو الأسلوب الحكميّ حيث المعلّم يتوجّه إلى تلميذه.

آ 25. المعرفة. في العبريّ: أفيض روحي، كما في يوء 3: 1.

آ 27 - 28. الأعمال هي الكواكب والنجوم.

آ 29. بعد السماء الأرض. رافق الكاتب تك 1: 20 - 25، فأرانا كيف أنّ الله أعدّ الأرض لسكن الإنسان قبل أن يخلقه (17: 1؛ تك 1: 26 - 27).

17:1. من التراب. تك 3: 7؛ 3: 19؛ جا 3:20؛ 12: 7. أضافت بعض المخطوطات آ 5: »الربّ أعطى البشر الحواسّ الخمس، وحاسّة سادسة هي (الذكاء، نوس)، وسابعة هي اللوغوس (العقل) الذي يمكّنهم أن يفهموا ما يأتيهم بفضل الحواسّ الخمس...«. نلاحظ الإطار الرواقيّ في هذه الإضافة.

آ 6. وعقلاً يفكّر. حرفيٌّا: قلبًا. فالقلب هو مركز التفكير.

آ 8. عينه. هي التي تعين الإنسان ليرى عظائم ا؟. أو: مخافته. ونقرأ آ 9: »وأعطاهم أن يُعلنوا إلى الأبد عجائب أعماله«.

آ 10. إسمه القدّوس. حرفيٌّا: اسم قداسته. وهكذا ندلّ على الله باسمه ولا نقول »الله« أو الربّ (يهوه). فالاسم يعني الشخص.

آ 11. هو وحي سيناء (45: 2 - 5). تضيف بعض المخطوطات اليونانيّة: ليفكّروا الآن أنّهم مائتون. فالكلام في آ 11 - 14 يدور حول العهد والشريعة.

آ 15. الله يعرف كلّ شيء، لا يخفاه عملٌ من أعمالنا. نقرأ في آ 16 حسب اليونانيّ: »منذ الطفولة يميلون إلى الشرّ، ويعجزون عن تبديل قلوبهم الحجريّة بقلوب من لحم ودم«. هذه الإضافة تعود إلى تك 6: 5؛ حز 11: 9؛ 36: 26. هو تشاؤم يعارض ما قاله ابن سيراخ عن الحرّيّة البشريّة (15: 11 - 20) وعن التوبة (17: 24 - 26).

آ 17. أقام رئيسًا. أخِذ من الأرض. أو جاء من السماء، كما قال دا 10: 21: ملاك يحكم الأمّة بتفويض من الله. ويضيف اليونانيّ آ 18: »هو البكر الذي ربّاه ومنحه نور المحبّة ولم يهمله«.

آ 20. رج مز 90: 8. ونقرأ آ 21 في اليونانيّ: »لكنّ الربّ رؤوف ويعرف خليقته. فلا يتركهم ولا يهملهم، بل يعفو عنهم«.

آ 22. خاتم. يحمل الختم ويدلّ على صدق الوثيقة (49: 11؛ 2: 24). مثله تكون المحبّة فتدلّ على أمانتنا للعهد. ويضيف اليونانيّ: »يمنح أبناءه وبناته التوبة«.

آ 23. يعاقب. ولكن لا نعرف بأيّ شكل. رج مت 25: 31 - 46. ولكن تبقى الدعوة إلى التوبة حاضرة (آ 25 - 32).

آ 26أ. يضيف اليونانيّ: »فهو يقودك من الظلمة إلى نور الخلاص«.

آ 27 - 28. في الشيول ينسى الأموات كلَّ شيء. لا يقدرون بعدُ أن يحمدوا الله. فيبقى على الأحياء أن يقوموا بهذا العمل (أش 38: 19؛ مز 110: 18).

آ 30أ. حرفيا: كلّ شيء لا يمكن أن يكون في البشر. أمّا ا؟ فقادر على كلّ شيء (أي 42: 2؛ حك 7: 27؛ 11: 21). إحتفظ السريانيّ بالمعنى فقال: »فكرُ الله ليس كفكر أبناء البشر«.

آ 31. اللحم والدم يدلاّن على الطبيعة البشريّة بما فيها من ضعف وفساد وميل إلى الشرّ.

آ 32. الله يقود. أو: الشمس تقود. فالفعل لا فاعل له. ولكن من الأفضل أن نقول الله، الذي ستُذكر عظائمه في 18: 1 - 7 تجاه عدم الإنسان (آ 8 - 14).

18: 1. الحيّ الدائم. رج دا 4: 31؛ 6: 27؛ 12: 7.

آ 2. يُضيف اليونانيّ: لا إله غيره. آ 3: يدبّر الكون بإصبعه. وكلّ شيء رهن مشيئته. فهو ملك على الجميع وبقدرته يفصل الطاهر عن النجس (حز 22: 29).

آ 7. إن كان الإنسان يستطيع أن يعرف سلوك الله، إلاّ أنّ عظمته فوق متناوله. وكلّ ما نعرفه عنه هو »بداية«. رج 43: 27 - 32.

آ 8. ما الإنسان؟ هو صغير، ضعيف. رج مز 8: 5؛ 9: 3 - 10؛ 144: 3 - 4؛ أي 7: 17.

آ 9 ب. يضيف اليونانيّ: »زمن الراحة الأبديّة لا يتوقّعه أحد«.آ 13. رحمة الله تصل إلى جميع الخلائق، لا إلى فئة خاصّة أو شعب من الشعب. هي فكرة متأخّرة نقرأها في يون 4: 11؛ مز 145: 9. الربّ يقود البشريّة كلّها، فهو راعيها.

3 - شرح الآيات (16: 24 - 18: 14)

أ - القصيدة الأولى (16: 24 - 30)

تشكّل آ 24 - 25 مدخلاً إلى القسم الثاني. فابن سيراخ الذي شجب (آ 23) كلَّ من تحلّل من كلّ قيد، فأعلن أنّ الله لا يبالي بخلائقه، يحثّ تلميذه الآن على الطاعة قبل أن يعلّمه شيئًا عن تدخّل الله في العالم وفي حياة البشر. ومن أجل فهم دقيق لهذا التدخّل، لا بدّ للتلميذ من أن يفكّر، يتنبّه، يسمع بتواضعٍ معلّمَه وكأنّه يُنشد أسرار الله.

فالعالَم وُجد (آ 26 - 28) بإرادة الله. قال فكان كلّ شيء. بدأ ففصل النور عن الظلمة، والماء عن الماء، والأرض عن السماء (تك 1:4 - 9). هكذا تكوّن العالم وترتّب، وكلّ خليقة تعرف نشاطها الخاصّ. ففي سفر التكوين، أشرقت الشمس على النهار، والقمر على الليل (17: 32؛ تك 1: 16، 18)، منذ البداية حتّى الآن يدوم عمل الكواكب. قال أخنوخ (كتاب منحول) في 2: 1 - 2: »انظروا جميع الخلائق في السماء. كيف أنّ نيري السماء لا يبتعدان عن طريقهما. كيف أنّهما يُشرقان ويغيبان فينظّمان كلّ شيء في وقته ولا يتجاوزان نظامهما. أنظروا الأرض وتفحّصوا العمل الذي يُعَمل عليها منذ البداية إلى الآن. ما من عمل من أعمال الله يبدّل ظهوره«.

صارت أعمال الخليقة مشخَّصة وأتمّت عملها، وما توانت في خدمة الله (43: 10؛ أش 40: 26). هي تمنح النور باستمرار، وتدلّ على الفصول. كلّ واحد له حقل عمله المحدّد، حيث يلعب دوره دون أن يصطدم بالآخر أو يُعيقه. هذا النظام العجيب هو نظام الكون كلّه، وبالأخصّ نظام »جند السماء« الذين يطيعون أوامر ا؟. هذا التناسق الدقيق والثابت بين مختلف أقسام الكون، كان مثار دهشة لدى المعلّمين اليهود، كما لدى الفلاسفة اليونان وحكماء مصر، كما قال عنهم هيرودوتس (2: 4).

وبعد تكوين العالم وتنظيم الفلك (آ 29 - 30)، اهتمّ الله اهتمامًا خاصٌّا بالأرض التي ستصير مسكن الإنسان. فمنحتها حكمتُه ومحبّته كلّ ما هو ضروريّ من أجل الخليقة العاقلة، وذلك قبل أن تُخلق (17: 1). وهكذا كانت الأرض غرفة مؤونة تضمّ النبات والحيوان من أجل حاجة الإنسان.

ب - القصيدة الثانية (17: 1 - 24)

تحفة الخلق (آ 1 - 4) هو الإنسان (تك 2: 7). ولكنّه مائت هو أيضًا. حياته قصيرة، أيّامه قليلة، معدودة (م ن ي ن ا، في السريانيّ، أريخو) رج عد 9: 20؛ أي 16: 22. ويقابل: سنون لا معدودة. ومع ذلك، فهذا الإنسان المحدود يسود كلّ المخلوقات بسلطة روحيّة، لا ماديّة. وهذا ما يدلّ على كرامته. بما أنّه خُلق على صورة الله، فهو يستطيع أن يمارس سلطة شبيهة بسلطة الله (الفعل المشتقّ من »كيريوس«. رج تك 1: 28؛ مز 8: 7. ش ل ط. في السريانيّة. سلّط). فالكائنات تخافه وتخضع له (تك 9: 2؛ حك 9: 2 - 3).

وفي آ 6 - 10 تقرأ لائحة الامتيازات الخاصّة بالإنسان: التمييز أو الحكم الحرّ 015: 14). الكلام. »القلب« الذي هو مركز الفهم (1 مل 3: 9). إمكانيّة المعرفة الروحيّة (1: 19) بحيث يميّز بين الخير والشرّ. »عين الله« تدلّ على نور العقل الذي يُتيح للإنسان أن يتعرّف إلى عجائب الخلق (39: 19 - 35) ويمجّد صانعها واسمه القدّوس، المتعالي. أعطيت له وما زالت. فاسم الله هو علّة كلّ بركة، وحماية كلّ مؤمن. نعبده في هيكل أورشليم (3 مك 2: 9 - 14)، ندعوه، نسجد له. فالاسم هو الشخص، واسم الله هو الله بالذات.

والله ما علّم الإنسان فقط عبر مواهب طبيعيّة (آ 11 - 14)، بل كرّمه وأحبّه ومنحه أجمل نوره. فبالوحي عرّفه أحكام مشيئته. وهذه الأحكام تشكّل له شريعة حيّة (45: 5؛ با 4: 1). أشار الكاتب إلى تجلّيات الله للآباء. وبالأحرى إلى عطيّة الشريعة في سيناء، حيث رأى الشعبُ بهاء الله ومجده، وسمع الرعدَ وصوت الله (45: 5) الآتي من المجد (ك ب د) والظهور الإلهيّ (خر 19:16 - 20؛ 24:16 - 17). مقتت شريعة موسى كلّ ظلم، ودعت إلى ممارسة المحبّة المتبادلة. إعتبر سي ختام العهد كواقع تاريخيّ يُشرف على تاريخ العالم. وكعنصر رئيسيّ في مخطّط الله. فهو يشهد عبر الأجيال على اختيار شعب استُودع الوحي والمواعيد.

وترسم الوصايا (آ 15 - 24) للشعب، الطريقَ الواجب اتّباعها، ويبدو الله قائدًا يراقب شعبه، الذي هو حصّته بين جميع الشعوب. لا شكّ في أنّ الله لا يهمل الأمم الغريبة. فيعطي كلَّ واحدة رئيسًا زمنيٌّا أو سماويٌّا (ملاكًا). فعناية الله تسوس الأمم بواسطة الملائكة (تث 32: 8 حسب السبعينيّة؛ دا 10: 21؛ عب 2: 5) ولكنّها تسهر سهرًا شخصيٌّا على الأمّة التيوقراطيّة التي يسوسها الكهنة. ينتج عن ذلك حماية الله واهتمامه الساهر. وبالتالي، واجب الشعب بالأمانة لأوامر الله. فإذا كانت القاعدة الخلقيّة مشيئة الله، وإذا كانت لا تُعرَف إلاّ في التوراة، فالواجب الأساسيّ لبني العهد (ب ن ي. ب ر ي ت) وسرّ خلاصهم، يكمنان في حفظ الشريعة. وممارسة الوصايا تدلّ علىالمستوى الخلقيّ لدى الشعب، وبالتالي على الحكمة.

هنا يأتي الكلام على المجازاة. فالله الذي هو أب هو أيضًا إله ديّان لا يخفى عنه شيء: لا أعمال الشرّ ولا أعمال الصدقة والمحبّة. والخاتم (= الختم) هو هنا ويدلّ على أنّ هذه الأعمال تسجّلت ووقّع الله عليها. وعملُ المحبّة يكون أيضًا توقيع المؤمن على أنّه أمين للعهد فينال البركات المرتبطة بالعهد. والله يقوم في الوقت الذي يريد، ليدين ويحاسب كلَّ واحد بحسب أعماله. وترافق عدالتَه رحمتُه. ينال الأشرار (آ 20) الأجر العادل على ذنوبهم »على رأسهم« (يوء 4: 7، 7؛ مز 7: 17؛ أر 23: 19؛ حز 22: 31). ويعطي الله النفوسَ المستعدّة، الزمنَ والوسائل للعودة إليه ونوال نعمته. للانتقال من الشرّ إلى الخير. يعزّيهم في اليأس وفقدان الرجاء (2: 14؛ 41: 2). وهكذا نستعدّ لكلامٍ يحثّنا على ترك الخطيئة وعلى إنشاد الله (آ 25 - 32)، كما يدعونا إلى الثقة برحمة الله التي لا حدّ لها (18: 1 - 14).

ج - القصيدة الثالثة (17: 25 - 32)

ما هي أهمّ الأفعال (آ 25 - 26) التي نقوم بها في طريق العودة إلى الربّ (ملا 3: 7؛ مز مل 9: 19؛ 16: 11)لله نترك الخطيئة. نتوجّه إلى الله لنحصل على غفران الذنوب السابقة. نُزيل الحواجز التي تفصلنا عن الله، ولا سيّما الظلم والفجور اللذين سيطرا بفعل العادات الوثنيّة. وهناك سبب آخر يدعونا إلى التوبة (آ 27: 32): لن نستطيع أن نمدح الله في »هاديس«. في مثوى الأموات. فزمنُ التوبة محصور في هذه الحياة. وبعد أن نموت لن نقدر أن نعترف بالله. وإذا كانت رحمة الله عجيبة، فما يحرّكها هو حقارة الإنسان وسرعة عطبه. إنّ الله يعرف أنّ خليقته المائتة لا تستطيع أن تكون كاملة وبلا لوم. لهذا، يعمل من أجلها، ويأخذ هذا الوضع بعين الاعتبار. قالت السريانيّة: لا يستطيع الإنسان أن يفهم هذه الرأفة. فالربّ هو إله، لا إنسان، وطرقُه تختلف عن طرق الإنسان (أش 55: 8 - 9؛ يه 8: 16).

الشمس كوكب منير. ومع ذلك يغيب نوره. والإنسان الذي هو أعظم المخلوقات هو لحم ودم ويميل إلى الشرّ. والشمس تُشرف على الكواكب. والإنسان يشرف على الخلائق التي سلّطه الله عليها. تكسف الشمس. والإنسان المعمول من طين لا يدوم. تخسف الشمس أمام قداسة الله. وكذلك الإنسان المجبول من تراب الأرض (تك 18: 27) لهذا لا يستطيع الله أن يكون متشدّدًا في عدالته. سيعود هذا الموضوع في 18: 1 - 14.

إعتبر المعلّمون أن ما من إنسان معصوم من الخطيئة، حتّى الآباء وموسى وهرون. وكان موتهم عقاب ذنوبهم. لهذا، لا نستطيع أن نثق بقداسة أحد ما دام على قيد الحياة. فخاف عددٌ من الأبرار حين رأوا أنّهم لم يستطيعوا أن يتجنّبوا الخطايا، وأنّ الموت ينتظرهم والدينونة. فاهتمّ الأتقياء (حسيديم) بتقدمة الذبائح ليكفّروا خطايا يمكن أن يكونوا فعلوها، وباحتمال الأمراض التي يمكن أن تنقّيهم. وأعلن فيلون: الإنسان الكامل خليقة، فهو لا يقدر أنّ يتجنّب الخطيئة. فلو أراد الله أن يكون دقيقًا في الدينونة، لحكم على جميع البشر. فما من إنسان إلاّ وسقط سهوًا أو عمدًا. وتبدو الأسفار المنحولة أكثر تشاؤمًا، فتعلن أنّ هذا العالم شرّير وفاسد، بسبب الخطيئة، وأنّ الإنسان الذي من لحم ودم، يميل إلى الخطيئة. جميع البشر خطأة ومعدّون للهلاك.

د - القصيدة الرابعة (18: 1 - 14)

تجاه ضعف الإنسان الذي لا يساوي شيئًا (آ 1 - 7)، تحدّث ابن سيراخ عن جلالة الله العظيم في ذاته، العجيب في خلائقه. فالحيّ (زون) إلى الأبد (أيونا) خلق كلَّ شيء، لا بفعل واحد وفي وقت واحد (كما قالت الشعبيّة اللاتينيّة)، بل في الزمن الطويل. هذا يعني أنّ كلّ شيء ارتبط به في الماضي ويرتبط اليوم. هكذا يكون مختلفًا كلّ الاختلاف عن الأصنام التي لها يد ولا تفعل.

وحين يرى المؤمنون هذا الخلق العجيب، يهتفون كلّهم لقداسة الله وكماله. قالت السريانيّة البسيطة: زك ا. تبرّر، انتصر. أجل، انتصر الله فدلّ على سموّه. وما من مديح يكفي هذا العمل الذي لا ينقصه شيء. والإنسان عاجز عن الاحتفال به كما يليق، مهما كانت إمكاناته العقليّة. في أيّ حال، هناك عدد من المسائل الجديدة والعميقة تُطرَح عليه، ولن يجد لها حلاٌّ. سأل ملك حكيمًا لديه: من هو الله؟ طلب الحكيم يومين لكي يفكّر في الأمر. ثمّ أربعة أيّام. ثمّ أيّامًا كثيرة. تعجّب الملك وسأله عن السبب فأجاب الحكيم: بقدر ما أفكّر بقدر ذلك يبدو الأمر عميقًا ومظلمًا.

هذه النظرة إلى تسامي الله (آ 8 - 10) تفهمنا صِغَر الإنسان. فكلّ ما يعنيه من خير أو شرّ لا قيمة له. وحياته مهما طالت ليست بشيء تجاه يوم لا نهاية له في الأبديّة.

هذه الحدود (آ 11 - 14)، هذا الضعف والعطوبة لدى الإنسان، هذا المصير الحزين الذي ينتهي بالموت، كلّ هذا هو أساس طول أناة الله ورحمته للإنسان (وص زبولون 9: 7؛ روم 5: 20). ورحمة الله هذه تتجاوز كلَّ رحمة لدى الإنسان. يحصر الإنسان شفقته بالقريبين منه (السريانيّ: قريب لحمه). أمّا رحمة الله فتصل إلى البشريّة كلّها، ولا تتوقّف عند العظماء، كما هو الأمر بالنسبة إلى البشر، بل تصل حتّى إلى العبيد (كما في السريانيّة). وهي سخيّة فتهب الإنسان جميع الوسائل التي تساعده على حفظ الوصايا والتوبة والوصول إلى الهدف، فالله راعٍ يقود قطيعه إلى المراعي (أش 11:11؛ حز 34: 11ي؛ مز 80: 2). ويبدو أنّ البسيطة حافظت على المعنى الأساسيّ في آ 14: »طوباهم أولئك الذين انتظروا مراحمه، والذين فهموا أحكامه«.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM