الفصل الثالث عشر:الحكمة في العلاقات مع الرؤساء.

 

الفصل الثالث عشر

الحكمة في العلاقات مع الرؤساء (10: 1 - 11: 9)

1 - المقدّمة

بعد أن حدّد ابن سيراخ المبادئ الكبرى التي تنظِّم العلاقات بين البشر، تطلّع بشكل خاصّ إلى سلوك الوجهاء (8:8) الذين يمارسون وظيفة رسميّة يمكن أن تنفع الشعب. تحدّث عن بشاعة الكبرياء وعن أَصلها، وعن النتيجة التي يتبعها (10: 6 - 18). وقابلها مع المجد الحقيقيّ الذي يكمن، في جوهره، في مخافة الله (10: 19 - 11: 9). يتضمّن هذا المقطع تلميحات واضحة إلى مملكتَي السلوقيّين والبطالسة وما تحملان من عقليّة وثنيّة لا يمكن إلاّ أنّ تجلب الخطر إلى المؤمنين.

2 - نظرة إلى النصّ

10: 1. هنا يبدأ كلام عن الحكّام (آ 1 - 5). »ش و ف ط«، القاضي. من يقضي في الناس ويهتمّ بشؤونهم (د ي ن ا، في السريانيّة). هنا يعود ابن سيراخ إلى زمن القضاة، وكأنّي به يقفز فوق الملكيّة، فيشدّد لا على المؤسّسة، بل على موهبة (كارسما) خاصّة تجعل الواحد رئيسًا بسبب مواهب خاصّة نالها. لهذا نقرأ في آ 3 عن »الملك الجاهل«.

آ 5. معلّم الشريعة. كذا في العبريّة. أو المشترع. في اليونانيّة: الكاتب (حسب مصر) الذي هو موظّف كبير يقابل المشترع.

آ 6. هنا يبدأ الكلام عن الكبرياء التي يحذّرنا الحكيم منها.

آ 8. نجد هنا تلميحًا إلى الصراع بين السلوقيّين والبطالسة الذي أدمى أرض فلسطين سنوات عديدة. أضافت بعض المخطوطات اليونانيّة: »ما من جائر مثل محبّ الفضّة، لأنّه يَرشي حتّى نفسَه«.

آ 9. »تورم (ي و ر م) أحشاؤه وهو بعد حيّ« (عبريّ).

آ 10. في العبريّ: »ظاهر المرض يبهج الطبيب. هو اليوم ملك وغدًا يسقط«.

آ 11. كذا كان موت أنطيوخس الذي أكله الدود، رج 2 مك 9:9 - 12. وموت هيرودس (أع 12: 23). إختلفت أسماء الحيوانات بين العبريّ واليونانيّ واللاتينيّ. ولكنّ الدود (ت و ل ع ا) حاضر دومًا.

آ 13. الكبرياء هي الأولى. هي خاصّة الإنسان الوقح (عبرانيّ). وأعمالُهم تُخفي قلبهم (سريانيّ).

آ 14. الحكّام، أصحاب الجاه، في السريانيّ وفي العبريّ. الوجهاء. المتكبّرون في العبريّ. وتجاههم: الوضعاء أو الودعاء. نتذكّر نشيد مريم العذراء في لو 1: 46 - 55.

آ 18. مولود أو مولود امرأة (ا ش هـ). علامة الضعف والنجاسة.

آ 19. الإنسان يُكرَم أو يحتقر لا لأنّه إنسان وحسب، بل بالنظر إلى موقفه تجاه الله. في آ 19 - 25 تقابَل الكبرياء التي هي جهالة وجنون، مع المجد الحقيقيّ: يتضمّن وضعُ الإنسان الكرامة والاحتقار. والإنسان ليس ذاك الذي يؤمّن لنفسه المجد والكرامة. فإن هو عاش في مخافة الله (ترد العبارة خمس مرّات) كانت له الكرامة. وإن عاش في الخطيئة كان له العار. فلا مكانته بين الناس تنفع، ولا عواطفه الداخليّة بالنسبة إلى خيرات هذا العالم. أُفُق ابن سيراخ واسع. هو يتحدّث عن كلّ إنسان، لا عن اليهوديّ فقط. ولا يقصِّر كلامه على شعائر العبادة، بل يربط عظمة الإنسان بعيشه في مخافة الله.

آ 20. أضافت بعض المخطوطات اليونانيّة: »مخافة الله بداية قبول (الله) لنا، ومع القساوة والكبرياء بداية رفضنا« (آ 21).

آ 22. في العبريّ: جار أو غريب، أجنبيّ أو فقير.

آ 25. بالنسبة إلى ابن سير اخ، تبقى الأوضاع الاجتماعيّة ثانويّة. فالحكيم وحده هو الكبير الكبير. رج غل 3: 28؛ كو 3: 11؛ فلم 16.

آ 26. هنا يربط الحكيم (آ 26 - 31) بين التواضع والحقيقة. ويطلب من التلميذ أن يكتفي بعملٍ يفرِضه عليه وضعُه، بحيث لا »يفشخ« فشخة واسعة، وما عنده قليل.

آ 30 - 31. العالِم يتفوّق على الغنيَّ، لأنّ الفقير يُمجَّد لعلمه لا لغناه، وإن اغتنى يزداد مجده مجدًا. أمّا الغنيّ الذي يمجَّد لغناه، فحين يفتقر يخسر كلّ مجد. وأضاف اللاتينيّ: »من افتخر بالغنى ليخفِ الفقر«.

11: 1. الحكيم لا يثق بالمظاهر الخارجيّة. تعود آ 1 إلى خبر يوسف حيث الفرعون رفع رأس خادمه، فأعاد له كرامته (تك 40: 20).

11: 4. في العبريّ: لا تهزأَ بلابس الرقع، ولا تحتقر إنسانًا تمرمر حنكه (كذا في السريانيّ). خافية عن البشر. لا نستطيع أن نراه ولا آثار له نتبعها. فالأمور قد تتبدّل. رج 1 صم 2: 8؛ مز 113: 7 - 8؛ أي 12: 17 - 19.

11: 5. في العبريّ: متواضعون كثيرون جلسوا على العرش (السريانيّ). على كرسيّ الملك.

3 - شرح الآيات (10: 1 - 11: 9)

أ - رذيلة الكبرياء (10: 1 - 18)

في البداية، كانوا يختارون القضاة (آ 1 - 3) بين رؤساء القبائل (خر 18: 13ي). ثمّ صار القضاء وظيفة ملكيّة. لهذا، يتوازى الرئيس والملك والقاضي (هو 7:7؛ عا 2: 3؛ مز 2: 10؛ 72: 1ي). إذا كان »ش و ف ط« فطنًا، ربّى شعبه تربية خلقيّة وسياسيّة. يعاقبه إذا لزم الأمر، ويجعل النظام والسلام بسياسته الحكيمة. هو مثال لموظّفيه (أم 29: 12)، لعبيده. وهو غير الرئيس الضعيف والذي لا وجدان له. فهو يقود شعبه إلى الدمار. كما يكون الملك يكون الشعب، وكما يكون الراعي تكون الرعيّة.

فإذا كانت سعادة الناس (آ 4 - 6) ترتبط ارتباطًا خاصٌّا بحكمة الرؤساء، فسعادة الجميع تنبع في النهاية من عناية الله، التي توزّع الوظائف لمن هم أهل لها (1 صم 13: 14؛ دا 2: 21)، وتعطيهم النعمة لكي يقوموا بها. هكذا يكون الإنسان المناسب في المكان المناسب وفي الزمان المناسب. وفكرُ التوراة هو فكر الفلاسفة الهلّينيّين الذين قالوا بأنّ الملوك ينالون حكمة علويّة من الآلهة. وهكذا يؤمّن ا؟ خير الأمم. لا شكّ في أنّ سلطان الله هذا يُمارَس في دولة تيوقراطيّة (سلطة الكهنة)، كما يمارَس لدى الملوك الوثنيّين مثل كورش، لأنّ كلَّ سلطة هي من الله (حك 6: 1؛ روم 13: 1) الذي يمنح المشترع أيضًا (م ح ق ق) الكرامة والسلطة اللتين يرتديهما لدى البشر. في العالم العبريّ، »ح ق« يدلّ على الفرائض. وفي العالم المصريّ، »غراماتوس« هو الكاتب وسكرتير الملك الذي يمكن أن يمارس أكثر من وظيفة ترتبط بالملك.

نجد أنّ جميع الوجهاء (آ 6 - 8) يتعرّضون لأخطاء كبيرة. قد يغضبون وينتقمون بقساوة ممّن هم أدنى منهم حين يقترفون ذنبًا. ولكن لا نردّ على الشرّ بالشرّ (28: 2). هنا نقرأ سينيكا عن العفو (1: 18): »تحثّ الرئيس على أنّ يبقى سيّد عواطفه. وإن أُسيءَ إليه، يغضّ عن الذنب إن استطاع بدون خطر. وإلاّ يحافظ على الاعتدال ويكون طيِّعًا حين يُساءُ إليه. فما في العالم من عمل مجيد مثل عفو (عدم قصاص) عن جرم يكون الرئيس هو من أُسيءَ إليه«.

أمّا القساوة المفرطة لدى الرؤساء فجذرُها الكبرياء (ج ا و هـ، هيباريفانيا، غ ا ي و ت ا). نريد أن نكون فوق الآخرين. من هنا العجرفة (والتشامخ) التي تولِّد الجور والظلم. هذه العواطف والسلوك يمجُّها الله والبشر، وتدمِّر الممالك. فإن تحاربت الأمم بعضها مع بعض وبدّلت رؤساءها، فلأنّ هؤلاء يخضعون لعنف الكبرياء وللجشع (م م و ن، إله المال كما يقول السريانيّ). تطلّع ابن سيراخ إلى انتصار أنطيوخس الكبير (الثالث) على بطليموس في رفح (سنة 217 ق.م.) وبانياس (198)، فانتقلت فلسطين من يد البطالسة إلى يد السلوقيّين، وتأثّر اليهود بهذه الحروب الطويلة. ولكنّ نصر المنتصر يبقى موقّتًا، عابرًا (دا 11: 1ي). ونتذكّر حروب السلوقيّين بحثًا عن المال من أجل حاجاتهم العسكريّة وغيرها.

وتدلّ آ 9 - 11 على سلطة الملوك السلوقيّين الذين ألَّهوا نفوسهم، وعلى تكبّر المرازبة تجاه نظرة إلى السلطة في اليونان مؤسَّسة على الدستور. وعلى ملوك مصر الذين صاروا آلهة على الأرض وأسياد العالم. فكيف يتكبّر من هو تراب ورماد (هي مدوّنة على قبر)؟ فيجب على رؤساء الأمم أن يحفظوا نفوسهم من الكبرياء والجور، حين يفكّرون في طبيعتهم البشريّة الحقيرة، التي جُبلت من تراب الأرض (40: 3ي)، وبدأ الفسادُ يدبّ فيها حتّى قبل الموت. وجود سريع العطب. مرض بسيط يسقط بعده الإنسان ولا يقوم مهما قال الأطبّاء. فالإنسان وإن ارتفع إلى أعلى الكرامات، لا يستطيع أن يُفلت من هذا المصير الذي يشارك فيه جميعُ البشر. فلا يبقى له سوى الهريان والدود (7: 17؛ أش 14: 11؛ أي 17: 14). ما كان النصّ اليونانيّ هنا أمينًا للعبريّ، لأنّه توخّى أن يتحدّث عن ملكين شرّيرَين عظيمين ضايقا الشعب في هذه الأزمنة الأخيرة: أنطيوخس الثالث الكبير الذي تُوفِّي سنة 187 (ديودورس الصقلي 29؛ 1 مك 6: 9ي؛ 2 مك 1:13 - 6)، وأنطيوخس الرابع إبيفانيوس الذي دُعي المجنون الذي توفّي سنة 164 ق.م. (2 مك 9:9). كانت نهايتُهما مريعة، واعتُبرت عقابًا من الله. والكلام عن »ر ح ش« (ر ح ش ا، في السريانيّ) يدلّ على الزحّاف. قال بلّينوس في التاريخ الطبيعيّ (10: 86): هناك زحّافات تخرج من المخّ العصبيّ للميت، بسبب وجود مثل هذه الزحّافات في القبور.

أمّا أصل الكبرياء (آ 12 - 13) أو بدايتها (ت ح ل هـ. حلّ في العربيّة)، وأصل الخطيئة التي تنبع منها (م ق و هـ، في العبريّة، الينبوع، في السريانيّة: ر ي ش، رأس، ثمّ: م ب و ع ا: نبع)، فعملها أن تحيد بالإنسان عن الله الربّ والخالق. ذاك هو شرّ الكبرياء. ومن هذا العصيان لله تنبع الشرور كما ينبع الغضب الإلهيّ. وتصوّر الآياتُ اللاحقة نتائجَه وضرباته المذهلة، بحيث تجعل المتكبّرين يفكّرون (طو 4: 14). فبالكبرياء يرتفع الإنسان فوق الناس، بل فوق الله. وإذ يحتقر الناس يحتقر الديانة أيضًا، فيصل به هذا الاحتقار إلى الكفر. ولكنّ الله يقاوم المتكبّرين (أم 3: 34؛ يع 4: 16) فيحطّهم (1 صم 2: 7؛ مز 147: 6).

ولا يحتاج سي في آ 14 - 18 أن يصوِّر الشرور المتنوّعة والمأساويّة التي جلبتها الكبـريـاء عـلـى الـرؤساء والشعـوب. رج تـك 6: 8ي؛ 9: 1 - 9؛ 19: 24ي؛ خر 14: 26 - 29؛ تث 32: 26؛ 1 صم 2: 8؛ 13:13ي؛ 15: 24 - 29؛ أ س 13: 19؛ إر 4: 23ي. إذن، الكبرياء التي هي ثورة على ا؟، لا تُحتَمل لدى خليقة ترتبط بالله، وإن أحاطت بها هالة من المجد. فالإنسان مولود المرأة (أي 14: 1؛ 15: 14؛ 25: 4) هو سريع العطب، ونجاسته لا تقدر أن تقرب الله القدّوس.

ب - المجد الحقيقيّ (10: 19 - 11: 9)

وتجاه الكبرياء (آ 19 - 25) التي هي جهالة وجنون، بيّن سي المجد الحقيقيّ لدى الإنسان. وبدأ كلامه: في وضع الإنسان، كرامة وعار. وهو يأخذ ما يشاء ويرذل ما يشاء، لأنّ كرامته هي في مخافة الله وعاره في الخطيئة، بمعزلٍ عن مكانته بين البشر. فالكبير يتساوى مع سائر البشر. والغنيّ مع الفقير، وابن الشعب العبريّ مع الوثنيّ. وهكذا يتساوى الجميع على مستوى التقوى أو الكفر (آ 21؛ إر 9: 22 - 23). إذن، لا يحتقر الحكيم فقيرًا بسبب فقره، ولا يمجِّد غنيٌّا بسبب غناه، ولا سيّما إذا كان هذا خاطئًا وذاك فاضلاً بحسب النظرة اليهوديّة.

بل إنّ الحكيم يعتبر الخادم الذي يخشى الله مثل سيّده. فليست الولادة ولا الحالة، ما تجعلان الإنسان حرٌّا أو عبدًا، بل القلب، بل الروح. فصاحبُ النفس الكبيرة والفكر المتّزن والميول النبيلة، ولو كان وضيعًا، هو حرّ وأهل لأن يحكم الآخرين، فيُحتَرَم ويُعتَبَر في أيّ وضع كان. وسيّده يحترمه ويعطيه سلطة على بيته. أما هذا الذي حصل ليوسف في بيت فرعون وبيت فوطيفار؟ ودانيال كان »السيّد« لدى نبوخذ نصّر، فترأّس العظماء والأحرار مع أنّه كان عبدًا مسبيٌّا. ومن امتلك الفهم الذي تعطيه الحكمة، لا يتذمّر من هذا الانقلاب في المراتب الاجتماعيّة. فالله يتجاهل حواجز جعلتها عاداتُ البشر فاصلةً بين فئة وفئة.

وأوضحت آ 26 - 27 التعليم حول الكرامة الحقيقيّة التي لا تغشّ. فإن جعلت الحكمةُ تلميذَها في المقام الأوّل وسط البشر، فيجب أن نفهم أنّ هذه الرفعة هي روحيّة لا ماديّة. فالكرامة الحقّة تتوافق مع العمل الضروريّ للقيام بدورنا. إذن، لا نتظاهر بالحكمة (ح ك م) لنجد عذرًا للكسل والخنوع. بل نتحلّى بحسٍّ يدفعنا إلى الاهتمام بحياتنا اليوميّة.

فعمل اليدين (آ28 - 31) لا يحطّ من قيمة الإنسان ولا يُحقِّر الحكيم. فالمهمّ قبل كلّ شيء، هو القيم الروحيّة والداخليّة (لا الخارجيّة). وبرز هذا التعليم مع النداء »يا ابني«. نحترم نفوسنا كلَّ الاحترام. فهي كريمة. ولكن لا نترفّع ونتشامخ. ولفظ »ع ن و هـ« العبريّ يدلّ على التواضع (براوتيس، 1: 27؛ 3: 17؛ 4: 18)، ويقابل الكبرياء المتشامخة. ولكن إن احتقر الإنسان نفسه، فهو مخطئ. فأحكامُ البشر لا تردّ له كرامته التي لم يستحقّها، بل تحكم عليه. وإن حصل في الحياة أن يُكرَّم الفقير لعلمه مثل الغنيّ لثروته، فالفقر والغنى لا يزيدان شيئًا على الكرامة الحقّة التي هي بنت الفضيلة والحكمة. فمن امتلكهما استحقّ المديح مهما كان وضعُه في المجتمع. وهكذا يخسر الغنيّ الخاطئ كلَّ اعتبار حين يسقط في الشقاء، ويشعّ مجدُ الفقير الفاضل بضياء جديد في الغنى (7: 11 - 12). هذا ما نعود إليه في ما يلي.

لا شكّ في أنّ العظمة الحقيقيّة (11: 1) هي روحيّة. وأنّ الوضيع وصغير القوم ترفعه الحكمة، فيعتبره عظماءُ هذا العالم أيَّ اعتبار. »من اتّضع ارتفع« (مت 23: 12؛ سي 10: 13). وحياة المعلّمين صورة واضحة عن هذا التعليم كما نجده في تلمود أورشليم وفي تلمود بابل. لهذا يفهم الحكيم أن لا يثق بما يرى عند البشر من ظواهر خارجيّة، ولا بما يسمع من كلام. والنتيجة: قيمة الإنسان روحيّة. وجمال بنت الملك في الداخل.

والحكيم (آ 2 - 3)، شأنه شأن الله (1 صم 16: 7)، لا يرتّب عواطفه ولا يختار إنسانًا قد يكون جميلاً أو قبيحًا، خفيف الدم أو ثقيله (ش ف ي ر، جميل، س ن ا، بغيض في السريانيّة). في العبريّة: م ر أ هـ: مرأى، منظر. فالممالقة التي هي خطيئة، تقوم في أن نمدح من ليس أهلاً للمديح. وتنقصنا الفطنة لأنّ الظواهر غشّاشة (2 كور 10:10). فالنحلة صغيرة، ولكنّها عاملة ومفيدة (أم 6:6 - 11). كان المصريّون يأكلون عسلها في عيد تحوت ويقولون: »الحقيقة هي كلّ شيء صالح« (بلوترخوس، إيزيس وأوزيريس 68).

وباطل أيضًا (آ 4 - 6) أن ندين الناس على لباسهم (ل ب ي ش، في السريانيّ)، ونهزأ بهم حين يكونون فقراء. فالازدهار الزمنيّ عابر، والله يقلب الأوضاع فيدمِّر الثروات التي تُعتبر ثابتة عقابًا على الكبرياء والكفر، فنرى أمراء على الحضيض ومجهولين يمتلكون السلطة. هذه الانقلابات في الممالك كانت عديدة بعد موت الإسكندر الكبير (313 ق.م.). برديكاس، قائد الحرس الملكيّ، الذي أمَّن تواصل الحكم، قتله جيشُه سنة 321. وانطيغون الذي احتلّ سورية، قُتل في معركة إبسوس سنة 301، فاحتلّ سلوقس الأوّل المملكة. ومات سلوقس الثالث خلال حملة على فريجية (تركيا) سنة 223. تعَاقبَ على عرش إنطاكية أربعة عشر ملكًا حتّى أنطيوخس السابع، فمات فقط اثنان في قصرهما، والباقون قُتلوا قتلاً. أنطيوخس الخامس وأنطيوخس السادس قُتلا صغيرين بيد متطلّعين إلى العرش. والعشرة الآخرون ماتوا في الحرب. وإذا أضفنا أنّ جميع الثورات قام بها الجيش أو الشعب كما كان الأمر بالنسبة إلى تريفون ليتولّى الملك شخصٌ مغمور، نفهم صحّة ملاحظة ابن سيراخ. ثمّ أما حلَّ داود الراعي محلّ شاول؟ وأما عُلّق هامان على الخشب بدل مردخاي (اس 7: 10)؟

يتعرّض الرؤساء أكثر من غيرهم (آ 7 - 8) لكي يلوموا الآخرين ويحكموا عليهم زورًا. لهذا فهم يحتاجون معلومة موضوعيّة وفاحمة وتحرّيًا عميقًا لكي يوجّهوا اللوم إلى آخرين. حكم داود على مفيبوش متسرّعًا (2 صم 16: 4). والأمبراطور قسطنطين قتل ابنه كرسيوس بعد أن صدّق اتّهامات لم يتحقّق منها. وتيودوسيوس الكبير حكم على تسالونيكي فندم على ما فعل وبكى. هذه الفطنة تفرض نفسها، وإلاّ دلّ الإنسان على تكبّر لا يمكن إلاّ أن يحمل الشرّ للملك ولشعبه.

والكرامة الحقيقيّة (آ 9) لا تفرض التدخّل في جدالات لا تخصّك. ولا أن تجعل نفسك حكَمًا بين شرّيرين أو وقحين متكبّرين. عندذاك تدفع الثمن. إنّ هذا النداء لكي نتحفّظ في تدخّلاتنا، ينقلنا إلى الفصل التالي مع النداء »يا ابني« (آ 10).

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM