الفصل الحادي عشر: الحاجة إلى الحكمة.

 

الفصل الحادي عشر

الحاجة إلى الحكمة (6: 18 - 7: 36)

1-المقدّمة

هنا تبدأ المتتالية الثالثة (6: 18 - 14: 19) في إطار القسم الأوّل حول طبيعة الحكمة وحسناتها. أمّا العنوان فهو: الحكمة في العلاقات مع القريب. قبل أن يواصل ابن سيراخ، ذاك المربّي الفطن، تقديمَ نصائحه، أحسَّ بضرورة حثِّ تلميذه، فجعله يحبّ الهدف الذي يجب البلوغ إليه (14: 19 - 15: 10). وإذ نظر مسبّقًا إلى يأس يجعلنا نخسر كلّ عزيمة، ذكّرنا بأنّ طرق الحكمة صعبة صعبة في بدايتها، وبأنّنا لا نثبتُ فيها بدون تجرّد عن أمور عديدة. كما يجب أن تحرّكنا رغبةٌ حارّةٌ تُبعدنا عن كلّ فتور.

في هذا الفصل، نفهم الحاجة إلى الحكمة (6: 18 - 7: 36). ويبدأ الحكيم فيحثّنا على طلب الحكمة (6: 18 - 37). هذا الإرشاد الذي يوازي ما في 4: 11 - 19، يُقسَم ثلاثة مقاطع، وكلّ مقطع يبدأ مع التسمية: يا ابني (آ 18، 23، 32). كما تتكرّر الأفكار هنا في صور مختلفة: الحكمة هي في متناول (آ 18) الصبور (آ 19 - 22)، المطاوع (آ 23، 32 - 37)، المثابر في الصعوبات (آ 24 - 27). حينئذٍ يُكافأ أجمل مُكَافأة عن أتعابه (آ 28 - 31).

ويتوقّف الحكيم عند ما نستطيع أن نرتكب من أخطاء في هذا المجال (7: 1 - 17). فإذا كانت الحكمة تُحدَّد في جوهوها على أنّها مخافة الله (1:  16) والمحافظة على وصاياه (6: 37)، فهي تستبعد بالضرورة الخطيئة، وهذا ما يفيد الإنسان (آ 1 - 3). والفطنة تطلب من جهة، أن لا نثق بالأنا، وأن نهرب من الظروف التي تجعلنا نطلب مهمّة لا قِبَلَ لنا بها (آ 4 - 7؛ رج 1: 30؛ 2: 17 - 31). ومن جهة أخرى، أن لا نثق بالتكفير بالذبائح والصلاة وأعمال الرحمة (آ 8 - 11)، مستندين إلى نفوسنا، إلى بِرّنا، مثل الفرّيسيّ. وترد نصائحُ عمليّة (آ 12 - 16) ودعوة إلى التواضع والمخافة (آ 17).

وما قيل عن التواضع ومخافة الله، نطبّقه في علاقاتنا مع القريب، مع الأصدقاء وأفراد العائلة (آ 18 - 28)، مع الكهنة (آ 29 - 31)، مع البؤساء (آ 32 - 35)، وتنهي النظرةُ إلى الآخرة هذا الفصلَ (آ 36)، كما اعتاد الكاتب أن يفعل (2: 17، 18؛ 4: 19؛ 6: 16، 17؛ 7: 17).

2 - نظرة إلى النصّ

6:18. يبدأ النصّ هنا في الكلام عن وسائل اقتناء الحكمة، والخير الذي تمنحه. تأدّب (م و س ر). حتّى المشيب. يعني طوال أيّام حياتك تطلب الحكمة وتستمرّ في طلبها.

آ 21. كحجر. يُرفع في مسابقات ألعاب القوى. رج زك 12: 3.

آ 22. أضاف اللاتينيّ: »أمّا الذين عرفوها، فتظلّ في حضرة الله«.

آ 24 - 25. يُقابَل طالبُ الحكمة بعبدٍ مقيَّد يُفرَض عليه أن يحمل النير مثل حيوان. رج مت 11: 29 - 30.

آ 28. حين نمتلك الحكمة ننال الراحة والسعادة.

آ 29 - 31. يتبدّل ثوب العبوديّة فيصبح لباس المجد، لباس الملوك وعظماء الكهنة.

آ 32. هي طريق ملموسة تقود إلى اقتناء الحكمة.

آ 34. الشيوخ. أُستُودعوا الحكمة فينقلونها من جيل إلى جيل (8: 9؛ 25: 4 - 6؛ 32: 3؛ أي 8:8 - 10؛ 12:12؛ مز 119:100).

آ 35. حديث عن الله. أو: يلهمه الله. هذا ما يدلّ على الطابع الإلهيّ للحكمة. غاب لفظ »إلهيّ« من العبريّ: »احترصْ أن تسمع كلّ حديث«. وفي السريانيّة: »اطلبْ أن تسمع كلّ الأخبار«. هذا يدلّ على الاهتمام الذي يبرهن عنه التلميذ في طلب الحكمة. ثمّ هناك المثابرة.

أ 36. سحرًا. رج 4: 12.

آ 37. في العبريّة: تبيَّنْ مخافة العليّ. وفي السريانيّة: مخافة الله. مع العلم. ليكن العمل الشخصيّ في التفكير والتأمّل.

7: 1. عقاب لا يمكن تجنّبه يتبع الخطيئة بشكل آليّ. هو عنصر هامّ في التعليم عن المجازاة بحسب تعليم الحكماء. رج 27:  25 - 27؛ أم 26: 27؛ جا 10: 8 - 9.

آ 6 - 7. نرفض الطموح الباطل وأعمال الجور. لا نطلب أن نكون قاضيًا. لأنّنا لا نعرف إن كنّا نمتلك الشجاعة والاستقلاليّة الضروريّتين لكي نقضي بالعدل. وحين نخطئ، نأثم تجاه الجماعة ويلحقنا العار (أم 5: 14). كانت المحاباة والرشوة (منعتهما الشريعة، خر 23: 3 - 8؛ لا 19:  15) آفتين خطيرتين ندّد بهما الأنبياء مرارًا (أش 1:23؛ 5: 23؛ مي 3: 11؛ 7: 3؛ مز 22:12) والحكماء (أم 17: 15؛ 24: 3).

آ 9. إعتبر عدد من الناس أنّ الذبائح تكفي لنوال الخلاص (أش 1: 11 - 15؛ إر 7:  21 - 24؛ عا 5: 21 - 25). بل المهمّ: توبة الإنسان ورحمة الله. فيجب على الاستعدادات الخلقيّة والدينيّة أن ترافق هذه الذبائح.

آ 12. أو: لا تردّ لصديقك ما فعل لك من سوء.

آ 14. أهل الخبرة. أو: جماعة الشيوخ. يتكلّمون فتسمع لهم، لأنّهم أفضل الشهود عن حكمة الآباء (8:9).

آ 15. أهمّيّة العمل اليدويّ (أقوال الآباء 2:2). ولكن من يقوم بمثل هذا العمل لا يقدر أن يقتني الحكمة (36: 24 - 34). وهكذا يكون التوازن الذي اعتدنا عليه في سي.

آ 16. في العبريّ: »لا تحسبْ نفسك بين رجال الشعب«. أي لا تعطِ نفسك من الأهمّيّة أكثر ممّا هي.

آ 17. العبريّ: »ما ينتظر الإنسان هو الدود« (كذا في السريانيّة). أضاف اليونانيّ: النار. رج مر 9: 48.

آ 18. بأغلى الذهب. حرفيٌّا: ذهب أوفير (جاء من الهند، من عرابية، من الحبشة)، في اللاتينيّة: »لا تخُن صديقًا وعدك بالفضّة، ولا تحتقر أخًا عزيزًا بسبب الذهب«.

آ 21. فرضت الشريعة تحرير العبد العبريّ بعد ستّ سنوات من الخدمة (خر 21: 2؛ تث 15: 12؛ إر 34: 14).

آ 23. في العبريّ: »لك بنون فأدّبْهم، وخذ لهم نساء في صباهم« (وفي السريانيّة).

آ 24. سهر الآباء على بناتهم. وعاملهن بالقساوة. رج 30: 7 - 13؛ أم   13: 24.

آ 25. نجد هنا تلاعبًا على الكلام: أخرج بنتك فيخرج الهمّ (عبريّ، سريانيّ). هو خروج من أجل الزواج.

آ 31. في اللاتينيّ: »أكرم والديك بكلّ نفسك«. تُذكر هنا مختلف الذبائح والتقدمات.

آ 32. مع هذه الآية تُذكر أعمال الرحمة. والبركة هي التي يمنحها الله من ازدهار وكرامة وحياة طويلة والسعادة بكلّ أشكالها.

آ 33. تأمين دفنة لائقة للموتى. رج أش 31: 3؛ طو 1: 17 - 18؛ 12:12.

3 - شرح الآيات (6: 18 - 7: 36)

أ - طلب الحكمة (6: 18 - 37)

منذ الطفولة سعى الإنسان لدراسة الحكمة (آ 18 - 19). فيتأكّد أنّه نالها وامتلكها إلى زمن الشيخوخة. ولكن لا بدّ من المثابرة في الجهاد، والثقة بالنجاح على مثال الفلاّح والزارع، اللذين يسيران في الأثلام ولا يحصدان الغلّة في الحال، بل بعد وقت طويل. وهكذا تُشبَّه الحكمةُ بغرس يُوضع في أرض خصبة. نحسّ أنّنا نعمل بدون جدوى. ولكن لا بدّ من الانتصار المليء بالأمل.

شبّه الكاتب (آ 20 - 21) الحكمة بطريق صعبة وبحجر ثقيل. لهذا تبتعد عنها النفوس المتراخية التي تَحسب كلّ تأديب فوق طاقتها. هذا يُفهمنا أنّ اقتناء الحكمة يفترض العزم والثبات. إذن، لا نيأس إن فشلنا في محاولاتنا الأولى، كما نترك الحجر الثقيل فنخسر السباق، أو نستصعب الخطوة الأولى لأنّ الطريق صاعدة.

الحكمة صعبة. واسمها يدلّ عليها (آ 22 - 23)، إذا عدنا إلى العبريّة، نقابل »م و س ر« التأديب والدرس والعقاب والتنبيه. وهذا ما يقابل الحكمة. وقليلون هم الناس المستعدّون للقبول بهذه التربية. لهذا، يحثّ الحكيم التلميذ أيضًا على الطواعيّة والثقة، وإن تكن هذه التربية متطلِّبة، محيّرة.

وخدمة الحكمة قاسية جدٌّا، فتقابَل مع سيّدة نكون نحن عبيدها (آ 24 - 26). والتلميذ الذي يجعل قدميه في القيود، وعنقه في العقد ويحمل النير، لا يعود حرٌّا بتحرّكاته. هو يقبل طوعًا هذا الخضوع وهذا الإكراه، لأنّهما الوسيلة لكي يبقى في الطريق القويم. وبحرّيّة روحيّة تامّة يتوق بكلّ قواه لامتلاك الحكمة وحفظ وصاياها. إنّ مبادرة التلميذ مهمّة جدٌّا، وإلاّ يكون هو الخاسر.

مع صورة الصيد (آ 27 - 28) يعود الإرشاد السابق حول طلب الحكمة التي هي طريدة نحرّكها، نتبع أثرها، نمسكها. من جهة، هذه الملاحقة تتكلّل بالنجاح (6:18 - 19). ومن جهة ثانية، بدت الحكمة وكأنّها تتفلّت للوهلة الأولى، ولكنّها في النهاية تجيء إلى الصيّاد الماهر (4:11، 18؛ 15:2) من أجل غنجه (كما في العبريّة). هي سعادة داخليّة، روحيّة، تلبث بعد الصعوبات والجهاد التي تجد أجرها.

فالحكمة ملكة (آ 29 - 31) مجيدة، تلبس الأرجوان وعلى رأسها إكليل تضعه على رأس »عبيدها«. جمالُها ساحر، وتستطيع أن تحفظ المؤمنين في أشدّ المحن. في آ 30، »ع ل ي« هو النير (لا نقرأ: عليها). إكليلها إكليل البهجة، وهو يدلّ على النصر (1:11؛ 15:6؛ أم 4:9؛ 16:31؛ موشّحات سليمان 11:10)، وصورة اللباس الرامز إلى الصفات الأخلاقيّة (مز 8:6؛ أي 29:14؛ رج 1 كور 11:10 وغطاء رأس المرأة). عُرفت مصر بنسيجها. وفي أيّام السلوقيّين كان اللباس الملكيّ الإرجوان (كما في مدينة صور). وهو أيضًا لباس الانتصار. إذن، الحكمة تمنح طالبها صفات الملك والكاهن. »بورفيرا« (البرفير) هو لباس الملك (دا 5:7، 26، 29) والغنيّ (حز 27:6؛ لو 16:19) وشعائر العبادة (خر 25:4؛ 26:1، 30، 36).

وهذا المجد هو في متناول الأيدي (آ 32 - 33) رغم الصعوبات للوصول إليه. وترد شروط النجاح: نرغب، نريد، نخضع، فنحصل. لهذا، نأتي إلى مدرسة الشيوخ (آ 34 - 36) بخبرتهم الغنيّة ودورهم في نقل التقاليد (25:4 - 6). نقترب من الحكماء الذين فهموا الأمور الإلهيّة، لنذوق كلماتهم الباقية. وفوق كلّ شيء (آ 37)، نُعمل الفكر بطريقة شخصيّة (مز 1: 2؛ 119:97)، ونوافق حياتَنا وشريعة الله. ذاك هو الشرط الأساسيّ لكي ننال من الله موهبة الحكمة (1: 26؛ 15: 1)، والقلبَ الفهيم الذي يتبيّن (ي ب ي ن) الأمور. الثابت والمستمرّ. رج 22: 16؛ قض 19: 5.

ب - تجنّب الخطايا والأخطاء (7: 1 - 17)

الشرط الأوّل (آ 1 - 3) لاقتناء الحكمة وخدمة ا؟، هو الهرب من الشرّ بجميع أشكاله (كاكون، أديكون، أديكيا). ويشجّعنا على ذلك نتائج الخطيئة الكثيرة التي تحمل الموت (سبعة أضعاف. رج 20: 11؛ 40 :8؛ مز 119: 164). وهكذا، حين نهرب من الخطيئة، نحفظ نفوسنا من الشرّ (هو 8:7؛ أم 1:17 - 19؛ 22:8؛ غل 6:8 مع صورة الزرع). فلذّة الخاطئ عابرة. أمّا الشرور التي تصل إليه فلا تُعَدّ.

لا تطلب (آ 4 - 5). كان الجميع يطمحون إلى وظيفة (أمين سرّ، مربّي أولاد، سائس الخيل) في قصر السلوقيّين أو البطالسة (في إنطاكية أو مصر) يمكن أن تكون حُكمَ مقاطعة من المقاطعات. ولكن يجب أن نحذر من مثل هذا الطموح. فإن كان فيه بعض الكرامة، ففيه الصعوبة ويحمل الخطر (مت 20:21ي). وفي أيّ حال، يجب أن »نركع« لكي ننال، وقد لا نمتلك الصفات المطلوبة.

وحين نعتبر نفوسنا أكثر ممّا نحن (آ 6) نتعرّض للخطر. نكون في وظيفة، نقبل الهدايا فنخسر صدقنا وعلوَّ نفسنا، ونجور على الآخرين (لا 19:15؛ مي 7:3). فالقاضي معرّض للفساد ولبغض المتخاصمين وسحر الرشوة وعنف الأقوياء. يجب أن يكون سورًا من حديد يقف في وجه الظلم والترهيب والترغيب. فمن لم يحسّ نفسه كفوءًا، لا يقف على المنبر ولا يجلس »في وسط الآلهة«. هكذا قال القدماء. ونقرأ في 2 أخ 19:6: »أنتم لا تحكمون بسلطة من البشر، بل بسلطة من الربّ، وهو معكم في ما تعملون«.

والقاضي يحابي لا تملّقًا للعظماء وحسب (آ 7)، بل طلبًا لشعبيّة رخيصة، وهكذا لا يقضي بالحقّ للأشخاص (خر 23: 2؛ مز 82: 2 - 4) حين يقف »عند باب« المدينة حيث »المحكمة« (عا 5:   12). هكذا لا يعود الشعب يحترمه، كما قال اليونانيّ. وترذله الجماعة كما يقول العبريّ، بعد أن تحكم عليه، كما يقول السريانيّ. ذاك هو العقاب المرتبط بوظيفة القاضي الظالم.

إنّ الفعل »كاتاداسماناين« (آ 8) يقابل العبريّ »ق ش ر« الذي يعني ربط، تآمر، أخطأ مرّتين، مع أنّ لا عذر لك إن أخطأت مرّة واحدة. في السريانيّة: ت ن ا: خطئ مرّة ثانية. كرّر الخطيئة. صورة الخطيئة المرتبطة بالنفس تعود إلى ما كان يفعله اليهود حين يربطون وصايا الشريعة على جباههم أو بثيابهم، بحسب قراءة حرفيّة لما في تث 6: 8؛ 9: 18. إذا كانت كلّ خطيئة تستحقّ عقابها، فتكاثرُ الخطايا يزيد الدين. قد نفهم هذه الآية بالنسبة إلى القاضي الذي يسيء المرَّة بعد المرّة في حكمه. وربّما نفضّل أن تكون آ 8 مدخلاً إلى آ 9 - 11، فتحذِّر كلّ إنسان من تكرار الخطايا. برّرَنا الله مرّة أولى. أما فهمنا بعد؟ كلّ حكم جائر يحمل عقابه. وحين نرتفع في سلّم المسؤوليّة، يكثر عقابُنا كما يقول سفر الحكمة: »الحكم يكون أشدّ قساوة على الذين يحتلّون المناصب الرفيعة« (حك 6: 12).

ونحن نضلّ إن حسبنا أنّنا نستطيع أن نكفّر عن خطايانا بعددٍ من الذبائح (آ 9 - 11). فكأنّنا نرشي الله! يجب أن نبدّل عاطفة قلوبنا. والوسيلة الحقيقيّة للحصول على رحمة الله هي الصلاة الواثقة والصدقة والحياة البارّة (ص د ق هـ، 3: 30؛ مت 6: 1ي). والحنوّ على الأذلاّء، الذين تمرمرت حياتهم (في العبريّة: 21. روح، في السريانيّة: لا تضحك على من تمرمر). رج أي 3: 20؛ أم 31 :6. لا تحتقر المساكين، لا تهزأ منهم، فتعتبر أنّ ما يُعييهم هو نتيجة غضب الله (أش 53: 3 - 4). إن فعلنا أضفنا على الكبرياء خطيئة حين ننسى العناية التي ترفع وتضع (1 صم 2:7؛ لو 1:52، 53). وهكذا نتعرّف بدورنا إلى الحالة التي نحتقرها. اليوم أنا، وغدًا أنت. رج أم 3: 34.

ونستطيع أيضًا أن نقترف خطأ كبيرًا ضدّ القريب (آ 12 - 13). حرفيٌّا: لا تفلح (ح ر ش)، لا تزرع الكذب (أم 3:29). لا تخترع (هو 12:13). وهذا عيب تجاه أخ، أو صديق. وهنا أيضًا يُعاقَب الخاطئ بخطيئته. فعادة الكذب تقود إلى خزي الكاذب. ذاك كان وضع اليهود العائشين وسط اليونان، الذين تعلّموا من أفلاطون الكذب في بعض الظروف اتّقاء لشرِّ يصيبنا (الشرائع). في الواقع شجب أفلاطون كذبًا نلفظه بشفتين تكلّمان الإله. أمّا ابن سيراخ فما رأى صلاحًا في الكذب.

وإكثار الكلام (آ 14) كإنسان طائش وسط شيوخ لهم خبرتهم (أو بين الوجهاء كما في العبريّة) يدلّ على شخصٍ سطحيّ، لا فكر عنده ولا احترام لسامعيه. وبالأحرى نتجنّب هذا الموقف في كلامنا مع ا؟ (جا 5:1). لا يطلب سي أن نتجنّب تكرار العبارات عينها (رج مز 135؛ 148؛ 150 حيث التكرار واضح)، بل يشجب صلاة آليّة لا يفكّر فيها الإنسان بما يقول. بدلاً من ذلك، نشتغل، نتعب، نعمل في الحقل (آ 15). وأرض فلسطين تحمل الحبوب وتكثر فيها الثمار. أخذ اليهود يتهرّبون من مثل هذا العمل ليتكرّسوا للتجارة، وقرض الأموال بالربا، والعيش على حساب الغرباء. لهذا ذُكر الربّ الذي جعل الإنسان في الفردوس لكي يفلح الأرض (تك 2:15). فا؟ يحمي الفلاّح (تث 11:14 - 15؛ مز 104:10 - 15؛ 147: 8 - 9). هو من كوّن الخمر والطبّ والأدويّة، وكلَّ ما هو ضروريّ وصالح للإنسان. نحن هنا أمام أزمة زراعيّة بدلّت حياة اليهود، وجعلت الأخلاق في خطر بعد انتقال من عالم الزراعة إلى عالم التجارة وما فيه من خطر على المؤمن (26: 20 - 27:3: الكذب، الانحلال الخلقيّ). أما هكذا فعل الآباء (وصيّات، يساكر 3:4؛ 5:6)؟ فليخف الإنسان عدالة ا؟ (آ 16 - 17). فما ينتظر الإنسان هو الدود. هو القبر. وأضاف المترجم النار، ليدلّ على عقاب يصيب الوثنيّين في الزمن المسيحانيّ.

ج - علاقات خاصّة مع القريب (7:18 - 36)

بما أنّ امتلاك صديق (آ 18 - 19) يساوي كنزًا (6:14)، فلا نضحِّ بهذا الخير الإنسانيّ لقاء أشياء مادّيّة. لا نُضحِّ بأخ »كبير« لقاء الذهب الخالص. ولا نحتقر امرأة عاقلة (حسب العبريّ) تعطّر البيت بحنانها وجمالها. فهي أهمّ من الذهب والفضّة. وما تكون علاقة الإنسان مع العبيد والخدم والعمّال المياومين (آ 20 - 22)، سواء كانوا يهودًا أم لا؟ رج خر 21:2؛ لا 25:39 - 43؛ تث 15:12 - 15. كلّ هؤلاء مفيدون، ولا نستطيع أن نستغني عنهم. بل البهائم يفيدوننا في شغل الحقل. فيجب أن نسهر عليهم. هذا الاهتمام بكلّ شيء يدلّ على فطنة الحكيم.

وإن كان أثمن خير في الحياة (آ 23 - 25) أن يكون لنا أولاد، فالحكيم يسهر سهرًا خاصٌّا على تربيتهم وتعليمهم (ي س و ر، في العبريّة. ردي، في السريانيّة). نعلّم البنين الطاعة منذ الصغر (30:1 - 3؛ أم 23:13 - 14)، ساعة الطباع بعدُ مطواعة (تث 21:18 - 21؛ أحيقار 3:33). والأب مسؤول عن البنات وعن كرامتهنّ (26:10؛ 42:10 - 11). يربيهنّ بحزم، لا يتراخى معهنّ، ولا يعطيهنّ الكثير من الحرّيّة، وفي الوقت المحدد، يختار لابنته زوجًا صاحب فطنة وتنبّه. عندئذٍ تنتهي همومه.

ويعود الحكيم إلى الواجبات تجاه الزوجة (آ 26). إن أحببتَها فلا تطلّقها. وإن كانت صاحبة أخلاق صعبة، تعاملْ معها بفطنة. وفي أيّ حال، بتجنّب الطلاق. قال تلمود بابل (جتيم 90ب): »من طلّق امرأة شبابه ذرف عليه مذبحُ الربّ الدموع«. قد يكون هناك امرأة محبوبة وأخرى مكروهة. هناك الأولى وهناك الثانية (تث 21:15 - 17). فإذا أراد الرجل (صاحب المرأتين) أن يكون له السلام في بيته، يُعطي لكلّ واحدة رتبة. أمّا السلام السلام، فيكون له إن كان له امرأة واحدة.

وفي معرض الكلام عن الواجبات تجاه القريب (آ 27 - 28)، يشدّد الحكيم على الواجبات تجاه الوالدين: التقوى البنويّة، عرفان الجميل (3:2 - 16؛ طو 4:4). في حكمة أني (آ 37) نقرأ: »ضاعفْ خبزًا تعطيه لأمّك، واحملها كما حملتك. تعبتْ كثيرًا من أجلك وما استراحت عليّ (أنا والدك). حين وُلدتَ في الوقت المحدّد، حملتك على ظهرها، وكان ثديُها في فمك ثلاث سنوات. ما قرفت حين رأت أوساخك ولا اشمأزّت ولا قالت: ماذا أعمل«؟

وحبّنا ؟ واحترامنا (آ 29 - 31) يصل إلى الذين يخدمونه (مت 10:40 - 24). واللامبالاة تجاههم تُشجَب. هنا يذكر سي الفرائض الموسويّة المرتبطة بإعالة الكهنة (لا 2:3؛ تث 12:19؛ 18:1 - 5؛ 1 تم 5:17 - 18). هذا يعني أنّ اليهود أهملوا واجباتهم في هذا المضمار، ففترت تقواهم وخفّت غيرتُهم على الهيكل، بعد أن ضعف وهج الكهنوت في هذه الحقبة من الانحطاط.

والكهنة (آ 32 - 33) هم مع المساكين (تث 14:29) قريبون من ا؟ ومحبوبون إليه. وهو يبارك بركة واسعة من يُحسن إليهم. وهذه الصدقات لا تكون فقط للأحياء، بل للموتى أيضًا. مدفن لائق للمسكين (طو 1:2؛ 12:12). إهتمام باليتامى والأرامل (4:10). رأى بعض الشرّاح تلميحًا إلى طعام جنائزيّ يحتفلون فيه بتذكار الموتى (تث 26:14؛ إر 16:7؛ طو 4:18). وبالأحرى نرى صلوات وذبائح تقدَّم عن الموتى (2 مك 12:43 - 46). هذا يدلّ على تطوّر في التعليم حول العواقب الأخيرة في ذاك العصر (7:17، 36).

نقرأ »م ت ن« (عطيّة) مقابل »خاريس« (نعمة) في آ 33. ثمّ »ح س د« (11:17) الذي يعني في مدلوله الدنيويّ الأوّلانيّ تصرّفًا بين أشخاص اتّحدوا برباط الدم (تك 47:29) أو الزواج (تك 20:13) أو القرابة (تك 24:27) أو النسل (1 صم 15:6) أو ظروف الضيافة (تك 21:23). كما يعبّر عن حقوق وواجبات ناتجة عن ا؟ (1 صم 20:28، 14، 15؛ 2 صم 9:1، 3، 7)، عن موقف خيِّرٍ من صديق (2 صم 10:2؛ 1 أخ 19:2)، عن سلوك شخصين يتعاونان (تك 40:14؛ قض 1:24؛ 8:35). »ح س د« تفرض الصدق والأمانة وتنضمّ إلى »إمت« فتشير إلى تتمّة واجب خلقيّ. هي تقوى تنطبق على ا؟ وعلى البشر، فتضمّ الحبّ والعدل مع سيطرة لمفهوم الرحمة.

وأخيرًا (آ 34 - 36) يرحم الحكيم الحزانى، ويشاركهم في مصابهم (أي 30: 25؛ روم 12: 15). رج 22: 9؛ تك 50: 10. ولا ينسى المرضى الذين يزورهم، يخدمهم، يُعينهم. حينئذٍ يحبّه الله والبشر. والذي يضع أمامه منظر موته وجزائه لدى ا؟، في الآخرة، يقوم بهذه الوصايا ولا يخطأ. فالمخافة، كالرجاء، هي مبدأ الحكمة.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM