المداخل
جاءت المداخل في أربعة فصول:
1 - إبن سيراخ، الكاتب والكتاب
2 - تاريخ النصّ في أصله العبريّ وترجماته
3 - إبن سيراخ في دراسة أدبيّة
4 - الوجهات التعليمات في حكمة ابن سيراخ.
الفصل الأوّل
إبن سيراخ، الكتاب والكاتب
نبدأ فنتعرّف إلى عنوان ابن سيراخ، قبل أن نصل إلى الكاتب الذي ذُكر باسمه بواسطة حفيد له، نقل هذا السفر إلى اليونانيّة. وفي النهاية، نطرح السؤال: متى دُوّن هذا الكتاب ومتى نُقل إلى اليونانيّة؟.
1 - عنوان الكتاب
إنّ عنوان الكتاب يطرح سؤالاً خاصٌّا. فما من كتاب في البيبليا يجعلنا في مثل هذه الحيرة مع تنوّع التسميات. ففي المخطوطات العبريّة التي اكتُشفت حديثًا لا نجد العنوان، لأنّها تبدأ في 3: 6: »من أكرم أباه طالت حياته«. ونهايةُ الكتاب خاتمة مع »التوقيع«. غير أنّنا نستطيع أن نقتطف تسميتين أو ثلاث تسميات تشير إلى الكتاب.
l تعليم فهم وأمثال ظرفيّة: ش ك ل. و م و ش ل. م و س ر. ا و ف ن ي م.
l من سمعان بن يشوع (50: 27).
l كلمات سمعان بن يشوع: د ب ر ي. ش م ع و ن (51: 30).
l حكمة سمعان: ح ك م ت. ش م ع و ن (51: 30).
أمّا المعلّمون فدعوا الكتاب:
l تعليم بن سيرا: م و س ر. ب ن. س ي ر ا (الأدب اليهوديّ اللاحق).
l صاحب الأمثال قال: هـ م ش ل. أ م ر.
l سفر التعليم: س ف ر. م و س ر. لسعدية بن يوسف غاون، أو العظيم، القرن العاشر في بغداد.
في المقدّمة إلى أسفار سليمان، كان إيرونيموس صدًى لهذا التقليد، قال: كتاب باناراتوس، جميع فضائل يشوع بن سيراخ. حكمة سليمان المزعومة. لدى اللاتين: كتاب الكنيسة. نحن هنا أمام فنّ أدبيّ (م ش ل ي م)، سيكون نموذجه سفر الأمثال.
في السريانيّ: حكمة ابن سيراخ. هذا العنوان نجده في أكثريّة المخطوطات السبعينيّة: حكمة يسوع بن سيراخ (السينائيّ الإسكندرانيّ) أو: حكمة سيراخ (الفاتيكانيّ) هي عبارة: »التوقيع« في المخطوطات العبريّة وهكذا نكون ربّما أمام العنوان الأصيل لهذا الكتاب: حكمة يشوع بن سراخ.
في مخطوطات لاتينيّة قرأنا: كتاب يشوع بن سيراخ. ولكنّ الكنيسة اللاتينيّة دعته »حكمة سليمان... لدى سليمان« (قبريانس، أسقف قرطاجة). وذلك في توافق مع الاستعمال اليهوديّ، الذي يُعطي لكلّ كتاب سليمانيّ تسمية »سفر الحكمة«: س ف ر. هـ. ح ك م هـ...
عند الآباء اليونان، ورد الكتاب على أنّه »مجموع كلِّ الفضائل (باناراتوس سوفيا) رج أوسابيوس، التهيئة الإنجيليّة 8:2. واستعمل إيرونيموس لفظ »باناراتوس« في تفسير دا 9 (الآباء اللاتين 25: 545). ونقل اللاتين العنوان: مشتمِل كلّ الفضائل. ودعاه أكلمنضوس الإسكندرانيّ المربّي (بايداغوغوس20: 10) وأورد نصوصه فقال: قالت الحكمة (سوفيا). وكذا نقول عن أوريجانس في تفسير متّى (13: 4).
في المخطوط 248، ورد لفظ يونانيّ »إكليسياستيكوس« نسبة إلى »اكليسيا«، الكنيسة، وانتقل الاسم إلى اللاتينيّ: الكنسيّ أو كتاب الكنيسة. واعتبر أوغسطينس هذه التسمية تقليديّة، فقال: بعضهم يسمّيه ابن سيراخ وآخرون الكنسيّ (الآباء اللاتين 40: 125). قيل: استُعمل ككتاب قراءات في الكنيسة. هو يُفيد للوعظ، هو كتاب تعليم مسيحيّ يُعطَى للموعوظين الذين يستعدّون لقبول العماد المقدّس. مضمونُه كنسيّ، وكذلك استعماله. وهكذا ثبتت سلطتُه في الكنيسة بعد أن كانت مثار جدال: كتاب كنسيّ (يرتبط بالكنيسة) لا قانونيّ (حسب قانون أو لائحة الأسفار المقدّسة): حكمة سليمان. ثمّ حكمة من يُدعى ابن سيراخ.
فهذا الكتاب الذي دخل في الاستعمال الرسميّ في الكنيسة، من أجل التعليم الدينيّ، كان جزءًا من الأسفار الكنسيّة المميّزة عن الكتب القانونيّة، وكان أهمّ هذه الكتب الكنسيّة. أما كان هذا الكتاب قانونيٌّا في البداية؟ كان هناك بعض التردّد، ولا سيّما في الجدال مع اليهود. إبن سيراخ كتاب تقويّ يستحقّ أن يُقرأ في الكنيسة.
2 - إسم الكاتب وشخصيّته
أ - إسم الكاتب
إذا جعلنا الأسفار النبويّة جانبًا، ابن سيراخ هو الكتاب الوحيد في كلّ العهد القديم الذي يُذكر اسمُه بشكل أكيد. »تواقيع« المخطوطات اليونانيّة تدعوه: ياسوس سايراخ: يسوع سيراخ. أو: سيراخ. هكذا نُقل الاسم عن العبريّ »سِ ي را... قالوا عن الخاء هي خطأ ناسخ. بل هي تدلّ على أنّ الاسم لا يصرَّف. رج مثلاً: ح ق ل. د م ا. صار في اليونانيّ: »أكال داماخ« (أع 1: 19). ي و س ي (تصغير يوسف، لو 3: 26). في اليونانيّ: يوسيخ.
دعا العالم اليهوديّ الكاتب باسمه العبريّ: ب ن. س ي ر ا. وكذلك في المخطوطات السريانيّة: ب ر. س ي ر ا. هناك نصّ سريانيّ يقول: ب ر. ا س ي را: ابن الأسير هو صدًى لتقليد يهوديّ جعل من هذا الكاتب ابن أخي إرميا العائش في بابلونية، خلال السبي. إسم ابنه عزيئيل، وحفيده يوسف. ونستطيع أن نقارب »ا س ي ر« من 1 أخ 6: 22: »بن تحت، بن أسير، بن أبياساف، بن قورح«.
واقترح الشرّاح أن يتفرّع »س ي ر ا« من اللفظ الحوريّ »ش ر ي ن« الذي يعني »درع«، والذي انتقل إلى العبريّ. رج 1 صم 17: 5،38؛ 1 مل 22: 34؛ سي 43: 20. نتذكّر هنا أنّ الحوريّين هم الذين اكتشفوا الدرع المزرودة. وكان اقتراح ثانٍ يصل بنا إلى الآراميّ »ش ر ي ن« عبر الأشوريّ أو المصريّ.
دعا الكاتب نفسه في 50: 27: »أنا يشوع بن سيراخ الأورشليميّ«. نحن هنا أمام جديد في الأدب البيبليّ بتأثير من العالم اليونانيّ. ولكن إذا كانت العبارة كاملة، فهي تختلف في العبريّ واليونانيّ. في العبريّ: سمعان، بن يشوع، بن ألعازار، بن سيرا (عبارة مماثلة في 51: 30). في اليونانيّ: يشوع بن سيرا (بن) ألعازار الأورشليميّ. أغفل المخطوط 248 »ألعازار«. غير أنّ السريانيّة العواميديّة (الهكسبلة) قالت: »يشوع بن سيراخ بن ألعازار«.
»سمعان« هي حاشية جاءت، بلا شكّ، من 50: 1، لأنّ النصّ العبريّ في 50: 27 قد أعيدت صياغته. والسريانيّ قال: يشوع بن شمعون. هذا يعني أنّ إدراج الاسم ليس بأكيد. وأخيرًا، حفيدُ الكاتب يقول في المقدّمة إنّ يشوع هو اسم جدّه.
إسم يشوع (أو: يسوع) هو اختصار »ي هـ و ش ع«: الربّ هو الخلاص. الربّ يخلّص. يرد مرارًا في الكتاب المقدّس. إعتبره بعضهم واحدًا من السبعين مترجمًا الذين نقلوا العهد القديم إلى السبعينيّة. وأرستيس المزعوم أورد مترجمَين بهذا الاسم. وقد يكون الهلّينيّ »ياسون« الذي لعب دورًا شنيعًا في زمن أنطيوخس الرابع إبيفانيوس.
في الواقع، يشوع صاحب »الكنسيّ« هو ابن ألعازار الذي لا نعرف عنه شيئًا. وهي فرضيّة لا أساس لها، تجعله ألعازار عظيم الكهنة، شقيق سمعان البارّ وخلفه (310 - 291) الذي أَرسل إلى بطليموس فيلدلفس (285 - 247) سبعين رجلاً اختارهم ليترجموا الشريعة. لهذا، وحسب الاستعمال الذي لا يكون فيه الأب موضّحًا، يُجعل اسم الجدّ (أو أحد الأسلاف) مع لفظ »بن«، يشوع بن ألعازار دُعيَ حفيد سيراخ. ونحن لا نجد هذا الاسم في موضع آخر في الكتاب المقدّس.
بما أنّ هذه التسمية دقيقة، فلا حاجة بعدُ إلى قراءة حرفيّة لعبارات عديدة نجدها لدى القدماء، تنسب الكتاب إلى سليمان (أوريجانس، في سفر العدد 18: 3؛ سفر يشوع 11: 2). إن جُعل »الكنسيّ« مع كتب سليمان، فلأنّ هذا الملك كان الممثّل الرفيع للأدب الحكميّ، أو لأنّ مادّة هذا الكتاب تتوافق مع سائر أسفار سليمان، أو لأنّ الكتاب جُعل في اللائحة التي تضمّ سائر الكتب. هذا ما يقوله إيرونيموس: ضُمّ »الكنسيّ« إلى الجامعة ونشيد الأناشيد، بسبب المادّة الواحدة في هذه الأسفار. وقال أوغسطينس: كتابان حكميّان متشابهان، حكمة سليمان وحكمة ابن سيراخ.
ب - شخصيّة الكاتب
يقدّم لنا سي إشارات مباشرة وضمنيّة عديدة إلى شخصيّة صاحبه.
أصلُ ابن سيراخ من أورشليم (50: 27) حيث قضى القسم الأكبر من حياته. وهناك فكّرَ في كتابه ودوّنه. هو ابن المدينة، وينكشف طبعُه من خلال حبّه الكبير لحياة المجتمع، واهتمامه بالمهن والانشغالات الوظائفيّة (ف 29؛ 38). ومن خلال مجيئه المتواتر إلى الهيكل لممارسة شعائر العبادة (50: 5ي؛ 51: 14).
مارس في المدينة المقدّسة وظيفةَ الكاتب، أي الباحث المحترف ومعلّم الحكمة. هكذا صوِّر بشكل صريح في المقدّمة (أناغينوسكون)، وامتدح هو نفسه دعوته في 38: 24: »من يبغي الحكمة يتفرَّغ لها، ومن يحصل عليها يتحرّر من الأشغال الأخرى«. وقد جمع ابن سيراخ في مدرسته »في بيت الدرس« (51: 23)، في »أكّادميّته« (51: 29) حسب العبريّ، شباب الأرستوقراطيّة في أورشليم، فعلّمهم العبادة ؟، والتقاليد والشريعة (أو: الدين) والأخلاق والفتاوى.
دلّت هذه الوظيفة لدى ابن سيراخ، على امتلاك اللغة العبريّة، وعلى معرفته المعمَّقة للأدب الدينيّ في شعبه، على عروضه وما فيها من طريقة تعليميّة، وعلى المواضيع المتعدّدة التي عالجها، منطلِقًا من المبادئ الدينيّة ومن الخبرة المتكرّرة. هدفَ كلُّ هذا إلى إعطاء الشبّان التربية البشريّة والخلقيّة المطلوبة ليحيا الإنسان سعيدًا ويُرضي الله.
لهذا، نجد في سي عروضًا حول شعائر العبادة في الشريعة، حول مخالفة الله والرغبة في الحكمة، حول احترام الكهنوت وجمال العبادة وثمار الرحمة. حول السلطة الزوجيّة وتربية الأولاد وأخطار الافتراء والنميمة ووشاية المرائين. حول الجلوس إلى المائدة والصحّة ودفن الموتى والاقتراض والكفالة... ما أخطأ التقليد المسيحيّ الأوّل حين رأى في سي مجموعة معارف دينيّة وخلقيّة أوّليّة، تتكيّف كلَّ التكيّف مع حاجات المعمّدين الجدد. ما من قراءة تساوي هذه القراءة من أجل التربية علىالفطنة، والحكمة في الحياة اليوميّة.
كان ابن سيراخ رجل إيمان عميق. فتكرّس لدراسة الحكمة والشريعة منذ صباه (51: 13). أغنى خبرته بأسفار راقب فيها الأشخاص والأشياء (34: 11؛ 51: 13). وقد يكون دخل، وهو شابّ، في خدمة ملك غريب، حسب عادة الشبّان اليهود في ذلك المجتمع، ويمكن أن نفترض أنّه مارس وظيفة في بلاط بطليموس الرابع (220 - 204). وفي أيّ حال، عاشر وجهاء وثنيّين. »ماغستان« العظماء. في 8:8: »نتعلّم الأدب وخدمة العظماء«. ونقرأ في 11: 1: »حكمة المتواضع ترفع رأسه، وتُجلسه بين العظماء«. ويقدّم ابن سيراخ أمثالاً في هذا المجال: »الحكيم ينجح بكلامه، والفهيم يُرضي صاحب الشأن«. (20: 27). ثمّ: »الذي يفلح أرضه يزيد حصيده، والذي يُرضي صاحب الشأن يُصفح عنه« (آ 28). وأخيرًا: »تذكّر أباك وأمّك حين تكون مع أصحاب الشأن« (23: 14). هذا ما قاله ابن سيراخ عن الحكيم وكأنّه يتحدّث عن نفسه: »يدخل في خدمة أصحاب الشأن، ويحضر مجالس الرؤساء، ويجول في البلدان الغريبة، فيختبر في الناس الخير والشرّ« (39: 4). إتّصل بالعظماء فاتّسعت آفاقه، وفهم الحياة في واقعيّتها، وعرف الاعتدال في الأحكام.
وفي هذه الأسفار، وفي هذه الخبرات، صادف الأخطار العظيمة (34: 11 - 12) فقال عن نفسه: »في أسفاري رأيتُ أمورًا كثيرة، وتعلّمتُ ما يفوق قدرتي على التعبير. وكم مرّة أشرفتُ على الموت، فنجوتُ باعتمادي على خبرتي«. بل أصابه افتراء خطير هدّد حياته نفسها. فنجّاه الله نجاة شبه عجائبيّة. لهذا، أنشد شكره لمخلّصه (51: 2 - 12)، نضج في المحنة، وتعلّق يومًا بعد يوم بتقاليد آبائه وشريعة الله، فصار كفوءًا بأنّ يعلّم الآخرين ويدرّبهم في طرق الحكمة. وهو يصوّر أفضل تصوير ما تاق إليه في 24:30 - 34: »أنا كساقية من النهر سحبتُ الماء إلى الحديقة. فقلت: أسقي حديقتي وأروي تراب أزهاري. فإذا ساقيتي صارت نهرًا وبنهري صار بحرًا. والآن، أريد أن أنشرَ ما تعلّمت، وكالصباح أجعله يضيء إلى البعيد. أَمنحه بما يماثل النبوءة، وأُورثه إلى مدى الأجيال. تعبي لم يكن من أجلي أنا وحدي، بل لكلّ من يطلب الحكمة«.
حسب معطيات متفرّقة في سي، نتمثّل ابن سيراخ حين دوّن كتابه، شيخًا جليلاً بشيبته (51: 13). تزوّج وقدّر ثبات الحياة الزوجيّة حقّ قدرها (36: 24): »من تزوّج امرأة كهذه (فاضلة)، حصل على أحسن شيء ممكن، فهي له عون وسند«. وكان له بنات أعطينه بعض الهمّ، مع أنّه ربّاهنّ التربية القاسية (7: 24؛ 22 :6؛ 42: 9ي). نعمَ بوضعٍ اجتماعيّ عالٍ، وهو الملاّك الكبير، والعائش في العاصمة، والمالك ثروة كبيرة. إحترمه الجميعُ وإن حسدَه بعضهم أو عاداه آخرون. لهذا لبث متحفّظًا في علاقاته (6:7ي؛ 11:29ي)، ومتأنيٌّا في إعطاء ثقته.
كانت كلمته مسموعة في تدبير أمواله، فسادَ النظامُ في بيته (33: 20 - 33)، ودافع عن نفسه من المتطفّلين المتسرِّقين على الأبواب. غير أنّ أحشاءه تتحرّك حين يرى شقاء القريب. لهذا يتصدّق طوعًا ويعرف كيف ومتى يتصدّق. »إذا أحسنتَ فاعرف إلى من تحسن حتّى تنال الشكر على معروفك. أحسنْ إلى التقيّ فتُجازى خيرًا، إن لم يكن منه فمن العليّ« (12: 1 - 2).
كان ابن سيراخ رجلاً متبحِّرًا، مثقَّفًا، فضوليٌّا لا يترك شيئًا، ولكنّه اهتمَّ بشكل خاصّ بالسياسة والطبّ والمهن اليدويّة. كما كان شعوره عميقًا أمام جمالات الطبيعة. الحديث معه لذيذٌ حلو، ويبتهج بالولائم الفخمة حيث يشربون النبيذ العذب ويسمعون الموسيقى التي تشنّف الآذان. »فالموسيقى في جلسة الخمر، كحجر من ياقوت في خاتم من ذهب« (32:5). وقال ابن سيراخ: »الخمر والغناء يُسرّان القلب، لكنّ محبّة الحكمة فوق كلَيهما« (40: 20). وتحدّث بإعجاب عن داود الذي »أقام المغنّين أمام المذبح ليُنشدوا بأصواتهم ألحانًا عذبة« (47: 9).
أحبّ ابن سيراخ الغناء والموسيقى حبٌّا خاصٌّا (49: 1؛ 50: 18؛ المغنّون يسبّحون بأصواتهم العذبة)، كما اختار الجماعات التي فيها يُقال الشعر المبتكر. لا شيء من الحزن في شخص ابن سيراخ، ولا في عاداته. عرف الاعتدال في اللذّة كما في التعب، فوقف في الوسط بين البلادة التي لا تفكّر والبطولة المتهوّرة. نَعِمَ بصحّة قوّية حافظ عليها بفضل الوقاية والسهر. قال: »كن معتدلاً في اللذّة، وإلى الأطعمة لا تكن شرهًا. فكثرةُ الأكل تجلبُ المرض، والشراهةُ أوجاعُ البطن. كثيرون هلكوا من الشراهة، ومن يتجنّبها تطول حياته« (37: 29 - 31).
نفسُ هذا الحكيم قويّة هادئة، لا تُقنطها محنُ الحياة وشقاوات الأيّام. ولا يمكن أن تحملها إلى اليأس. في خطّ أيّوب أو صاحب سفر الجامعة. ترك العاطفة الجامحة، فما انتظر من زوجته سوى السلام، والموت مناسبةٌ لحزنٍ في غير محلّه.
ويمكن أن نقول إنّ ابن سيراخ كان كاتبًا ينتمي إلى حزب الصادوقيّين. أو هو يمثّل اتّجاهات دينيّة وسياسيّة بدأت تتكوّن لتصل بعد عشرات السنين إلى فئة الصادوقيّين التي تقابل الفرّيسيّين. فإن لم يكن من هؤلاء، فهو متعاطف معهم. وهذا ما نجده من خلال سمات نقرأها بشكل خاصّ في النصّ العبريّ. تعليم قليل عن الحياة الأخرى، ما عدا وجود الشيول ومثوى الأموات (14: 12 - 16؛ 30: 17؛ 41: 4؛ 48: 5) تجاه ما تقوله المزامير وسفر الحكمة والمكّابيّين. وقد عرفنا أنّ الصادوقيّين لم يؤمنوا بالحياة الأخرى، ولا بالمجازاة بعد الموت، ولا بقيامة الأجساد (مت 22: 23). هو شكّ وارتياب بتأثير من الفلسفة اليونانيّة بما فيها من تشاؤم ويأس.
والرجاء المسيحانيّ الذي اختفى في سي، وما وُجد إلاّ في بعض تذكّرات الآباء وأقوالهم (44: 21؛ 45: 25؛ 47: 11، 22؛ 48: 10؛ 49: 10؛ 50: 24؛ وفي العبريّ، 51: 8)، لم يأخذ حيِّزًا كبيرًا في تعليم الصادوقيّين. قال عنهم يوسيفوس في العاديّات (13/5: 9): شدّدوا على مبادرة حرّيّة الإنسان على حساب تدخّل الله. »نحن سبب الخير الذي يحصل لنا، ولافطنتُنا وحدها تجلب علينا الشرور«. وابن سيراخ شدّد على المسؤوليّة الخلقيّة. »كن حذرًا في جميع أعمالك، ففي ذلك تحفظ الوصايا« (32: 23). وقال ابن سيراخ: »الحكيم يحظى بثقة شعبه، واسمه يحيا إلى الأبد. امتحنْ نفسك، يا ابني، طول حياتك، وامنَعْها عن كلّ ما يضرّها« (37: 26 - 27).
والصادوقيّون الذين خرجوا من الطبقة الغنيّة، شكّلوا الأعضاء العديدين في الأرستوقراطيّة الكهنوتيّة: هم رؤساء الموظّفين في القيام بشعائر العبادة. هم وارثو تقليد الكهنة الذين تسلّموا في الماضي مهمّة تعليم الشريعة، فعرفوا معرفة تامّة مسيرة الليتورجيّا. هذا الأمر ينطبق انطباقًا تامٌّا على ابن سيراخ، ويفهمنا حبَّه المفرط للكهنوت، وهذا أمر لا نجده في أيّ سفر من الأسفار الحكميّة. ونلاحظ إدخال المزمور العبريّ بعد 51: 12: »هلّلوا لمن اختار بني صادوق كهنة«. بنو صادوق يقابلون هنا الصادوقيّين.
وبالرغم من ردّة الفعل من ابن سيراخ على العالم الوثنيّ، فموقفُه متحرّر يوافق الموقف السياسيّ لدى الصادوقيّين، ويعارض موقف الفرّيسيّين، »المنفصلين«. »الربّ الجالس على عرشه أوجدها (= الحكمة). تأمّلها، وقدّرها عبر كلّ أعماله، وعلى البشر أفاضها، وبكثرة على الذين يحبّونه« (1: 8 - 10). هذه الحكمة لا تنحصر في شعب إسرائيل، بل تصل إلى جميع البشر. وقال أيضًا: »كلّ حيوان يحبّ شبيهه، وكذلك الإنسان يحبّ مثيله. كلّ حيّ يخالط نوعه، والإنسان يلازم بني جنسه« (13: 15 - 16). خرج ابن سيراخ من إطار ضيّق، وانفتح على الآخرين واحترمهم كما هم، لا على أنّهم من شعب الله وحسب. »أفعال البشر أمامه كلَّ حين، فهي عن عينيه لا تخفى. على كلّ أمّة أقام رئيسًا... أعمال البشر كلّها كالشمس أمامه، ودائمًا يرى ما يفعلون« (17: 16 - 19). ويقابل الإنسان مع الله. فيقول: »يرحم الإنسان قريبه، أمّا الربّ فيرحم جميع البشر. يوبّخهم ويؤدّبهم ويعلّمهم، وإليه يُعيدهم كراعٍ يردّ قطيعه إليه. يرحم الذين يقبلون تأديبه، ويسارعون إلى العمل بوصاياه« (18: 13 - 14). وهكذا نلتقي مع بطرس في بيت كورنيليوس: »أرى أنّ الله في الحقيقة لا يفضّل أحدًا على أحد، فمن خافه من أيّة أمّة كانت وعمل الخير، كان مقبولاً عنده« (أع 10: 35).
بالإضافة إلى هذا، عرف ابن سيراخ اللطف والرحمة تجاه الصغار الذين تجاهلَهم الفرّيسيّون وحكموا عليهم بقساوة (الأعمى منذ مولده، يو 9: 20ي). وحبّه للراحة وطلبه للسعادة البشريّة، قرّباه ممّا قاله يوسيفوس عن الصادوقيّين الذين قاربهم من الإبيقوريّين، فلبثوا بعيدين عن »النسك« الفرّيسيّ (يصومون، لو 18: 9 - 12). ونضيف أخيرًا أنّ المكانة المميّزة التي اتّخذها البنتاتوكس، أو أسفار موسى الخمسة، في سي، على حساب الأنبياء وسائر الكتب، هي سمة تميّز التقوى لدى الصادوقيّين.
3 - متى دُوّنت حكمة ابن سيراخ
هناك معطيان في سي يُتيحان لنا أن نحدّد زمن تأليف هذا السفر بمعقوليّة كبيرة: هويّة الكاهن الأعظم سمعان الذي يقرّظه ف 50. وتسلسل الزمن الذي أشارت إليه مقدّمة المترجم.
في الحقيقة، الواقعُ الأوّل ليس بأكيد، لأنّ هناك حبرين حملا اسم سمعان في القرن 4 - 2 ق.م. سمعان الأوّل (300 - 270) ابن أونيّا الأوّل. وسمعان الثاني (225 - 200) ابن أونيّا الثاني. ووصفُ ابن سيراخ ينطبق على الأوّل والثاني، فلا بدّ من عناصر أخرى تساعدنا على التمييز بينهما. ومع ذلك، فالشرّاح يتوافقون على أنّ مديح سي هو ملموس ومندفع بحيث يفرض أنّ ابن سيراخ عاصر عظيم الكهنة سمعان الثاني، فرآه يخدم في الهيكل. أمّا أوسابيوس (التهيئة الإنجيليّة 8: 2) وإيرونيموس (في دانيال 9: 14) فرأيا في سمعان الثاني الشخص الذي امتدحه ابن سيراخ وعُرف في 3 مك 2: 1ي.
ونجد في مقدّمة الكتاب إشارة كرونولوجيّة دقيقة. أعلن المترجم أنّه جاء إلى مصر »في السنة الثامنة والثلاثين لملك أورجاتيس«. من الواضح أنّ هذا التاريخ لا يدلّ على عمر المترجم، الذي لا يهمّ القارئ. بل نحن أمام السنة 38 لحُكم الملك المذكور هنا.
ولكنّ هناك ملكَين من اللاجيّين (أو البطالسة) نالا لقب »المحسن« (أورجاتيس)؛ بطليموس الثالث أو أورجاتيس الأوّل (241 - 221)، ابن بطليموس فيلدلفس الثاني وخلفه. لكنّ هذا الملك يُستبعَد لأنّه لم يحكم سوى 25 سنة. ثمّ بطليموس السابع، أورجاتيس الثاني (170 - 116)، شقيق بطليموس السادس فيلوميتور الملقّب »فيسكون« صاحب البطن الكبير (تحدّث عنه يوستينوس). يكاد الشرّاح يُجمعون فيرون في أورجاتيس الثاني الملك المذكور في مقدّمة المترجم. في الواقع، حكم كملك مساعد سنة 170 - 145، ثمّ وحده، بعد موت أخيه، سنة 145، سنة زواجه بكليوبترا.
من المفيد أن نحدّد ولْيَ هذه الأحداث. ترك بطليموس الخامس إبيفانيوس (203 - 181) ولدَين قاصرين. البكر بطليموس السادس فيلوميتور (181 - 145). صعد العرش وهو ابن خمس سنوات بوصاية أمّه كليوبترا (+ 173). في ربيع سنة 170، وبعد حرب خاسرة (دا 11: 25 - 27: 1 مك 1: 17 - 20)، أخذه أسيرًا أنطيوخس الرابع إبيفانيوس، الملك السلوقيّ. حينئذٍ ملك شقيقه أورجاتيس الثاني في غيابه مدّة أربع سنوات. ولمّا عاد فيلوميتور، حكم الأخوان معًا حتّى موت البكر في حرب ضدّ الإسكندر بالا المطالب بالعرش السلوقيّ (145). حينئذٍ انتقلت كلُّ المقاطعات المرتبطة بتاج مصر إلى صولجان أورجاتيس الثاني، الذي كان يَعدّ سنوات حكمه، لا من سنة 145، بل من سنة 170. هذا ما يقوله بورفيريوس حسب كرونيكة أوسابيوس (1: 22): »دُعي أورجاتيس من قيريني وأعلن ملكًا، فسجَّل (أناغرافاي) سنواته من الوقت الذي كان فيه ملكًا للمرّة الأولى، بحيث إنّه حين مات أخوه، بدا وكأنّه ملك 25 سنة. وبالتالي تكون كلّ سنوات ملكه 54 سنة. ففي السنة 38 لفيلوميتور، أعلِن ملكًا، ولكنّه أمر بأن يحسبوا هذه السنة على أنّها السنة الخامسة والعشرون لملكه. وهكذا حكم الأخوان كلاهما 64 سنة«. حسب هذا الحساب، تكون السنة 38 لحكم أورجاتيس الثاني، سنة 132 ق.م. وهي السنة التي جاء فيها المترجم إلى مصر. ويمكن أن نفترض أنّه صرف عشر سنوات أو خمس عشرة سنة ليُنهي عمله.
ثمّ إنّ المترجم دعا مؤلِّف الأصل العبريّ »بابوس«: الجدّ. ومع الضمير: جدّي (لا أحد أسلافي). فإنّ أضفنا إلى سنة 132 العدد المتوسّط للسنوات التي تفصل الجدّ عن حفيده، أي ستّين سنة، نستطيع أن نحدّد ببعض الدقّة زمن تدوين سي في الربع الأوّل من القرن الثاني. بين سنة 200 وسنة 170. يبدو أنّ سنة 180 معقولة، ممّا يجعل ابن سيراخ معاصرًا لأرستيس. في أيّ حال، لا يمكن أن ننزل بعد سنة 170 ق.م.، ساعة بدأ اضطهادُ أنطيوخس الرابع إبيفانيوس واحتلالُ أورشليم وسلبُ الهيكل. يستحيل أن لا يكون ابن سيراخ صاحب الإيمان الدينيّ العميق، قد لمّح إلى هذه الأحداث المأساويّة لو أنّه عاصرها. ومع ذلك، حين نقرأ كتابه نستشفّ من بعيد تلك الأزمة الأخيرة. الربّ »لا يتجاهل اليتيم المتضرّع إليه، ولا شكوى الأرملة، فهو يرى دموعها على خدّيها، ويسمع صراخها الذي سبَّب هذه الدموع« (35: 17 - 19). ونقرأ في 41: 8 - 9: »الويل لكم أيّها الأشرار. وُلِدتم لتُلعنوا، ومتى تموتون ترافقكم اللعنة«.
وهكذا نستطيع القول إنّ عظيم الكهنة سمعان الذي ورد اسمُه في 50: 1 هو سمعان الثاني. عرفه ابن سيراخ في صباه، في أورشليم. والصورة التي قدّمها عنه توافق ما يُعلّمنا التاريخُ الدنيويّ. خلال كهنوت سمعان الثاني، ضمّ أنطيوخس الثالث (238 - 187) فلسطين إلى مملكته، بعد أن هزم الجيش المصريّ في بانياس، سنة 198 ق.م. حينئذٍ زار الأرض التي احتلّها ودخل إلى أورشليم حيث قدّم اليهود كلّ ما يحتاج إليه جيشه، (يوسيفوس، العاديّات 12/3:3). وأعرب الملك عن عرفانه في رسالة قال فيها: »أريد أن تُكمَّل أعمال الهيكل والأروقة وكلّ ما يجب أن يُعاد تشييده. يؤخذ الخشب من اليهوديّة أو لدى سائر الشعوب، ومن لبنان، ولا يخضع لأيّة ضريبة. وكذلك سائر المواد الضروريّة لتكون زينة الهيكل غنيّة« (المرجع السابق). هذه الشهادة تتوافق مع سي 50:1 - 4: »سمعان بن أونيّا الكاهن الأعظم هو الذي رمّم بيت (الربّ)، وفي أيّامه جدّد الهيكل. بيده وُضعت الأسّس للسور المزدوج حول القدس. في أيّامه، حُفر حوضٌ للمياه كان أشبه بالبحر اتّساعًا«.
وحين كتب سي 10:8: »تنتقل الممالك من أمّة إلى أمّة، بسبب المظالم والكبرياء والطمع«، لمّح إلى التزاحم بين السلوقيّين المحتاجين احتياجًا إلى المال، واللاجيّين. تحارب الفريقان في فلسطين (دا 11:11ي)، ولا سيّما في معركة رفح، ساعة تشامخَ بطليموس الرابع على أنطيوخس الثالث لأنّه انتصر عليه. ولكنّ ذاك الانتصار كان مؤقّتًا، كما قال دا 11:11 ي: »فغضب ملك الجنوب (مصر، بطليموس)، وخرج وحارب ملك الشمال (أنطيوخس السلوقيّ)، وجمع جيشًا كبيرًا، وكان هذا الجيش بإمرته. إنتصر الجيش فتشامخ قلبُه بأنّه صرع عشرات الألوف. ولكنّ نصره لم يكن نهائيٌّا«. فإنّ بطليموس، بعد معركة كويلي سيريا (البقاع، سورية المنخفضة) استسلم إلى المجون، كما قال يوليبيوس (التاريخ 14/12 :3)، فدمّر صحّته فمضى إلى القبر. وقدّم ابن سيراخ هذا الاعتبار الساخر: »المرض يطول، المريض يمزح، ومن هو ملكٌ اليوم يموتُ غدًا« (10:10).
بعد أن حدّدنا تاريخ تدوين سي (حوالي 180 ق.م.). يبقى أن نشير إلى رأيين يختلفان عن هذا الموقف. الأوّل يقول: لا يُصدَّق أن يكون يهوديّ زار مصر وأقام فيها مدّة طويلة ليعمل هناك في عهد أورجاتيس الثاني الذي كان معاديًا لليهود، ومعاديًا لجميع الغرباء (سترابون 17/1:11). لهذا، فالإشارة إلى السنة 38 لأورجاتيس، في المقدّمة، تدلّ على سنة مصريّة معروفة، تبدأ في مجيء الملك وتنتهي بموته. هذا ما ينطبق على أورجاتيس الأوّل الذي اعتلى العرش في السنة 38 لحكم سلفه، بطليموس الثاني فيلدلفس (284 - 247). وهكذا يكون المترجم وصل إلى مصر في سنة موت بطليموس فليدلفس وبداية حكم أورجاتيس الأوّل، ولبث هناك حتّى موت هذا الأخير سنة 224. هذا التقدير الذي يعود بتدوين الكتاب العبريّ إلى سنة 300 - 275، يستند إلى براهين لا تُقنع كثيرًا.
من جهة، لا نفرّط في الكلام عن عداوة أورجاتيس الثاني لليهود. فإن كانوا اضطُهدوا فبشكل محصور جدٌّا. ولأسباب سياسيّة، لا دينيّة. كما نعرف أنّه وُجد عددٌ كبير من الضبّاط اليهود في بلاط أورجاتيس الثاني، وأنّ اليهود تكاثروا وازدهروا في أيّامه. فلا شيء يمنع أن يكون إنسانٌ غريب قد جاء وأقام في مستوطنة الإسكندريّة اليهوديّة، في ذلك الوقت. ومن جهة ثانية، إنّ التفسير اللطيف للعبارة الكرونولوجيّة في المقدّمة، لا تُقنع كثيرًا. فإنْ أراد الكاتب أن يقول إنّه أتى إلى مصر، سنة 247، فلماذا لم يكتب: السنة 38 للملك فيلدلفس؛ أو: في السنة الأولى للملك أورجاتيس؟ وأخيرًا، إن جعلنا تدوين الكتاب في بداية القرن الثالث ق.م. لن نفهم وجود كلمات عبريّة جديدة، ولا تلميحات إلى عادات يونانيّة يتضمّنها الكتاب، ساعة لم تكن الهلّنيّة تسرَّبت بعدُ إلى فلسطين بما فيه الكفاية.
والرأي الثاني يرى أنّ 44: 16 الذي لا نجده في النسخة السريانيّة، يعود إلى فيلون (إبراهيم 4: 5) الذي يعاصرُه المترجم. وفي هذا الوقت وُجد ملك نستطيع أن ندعوه »الملك المحسن«، وقد حكم أقلّه 38 سنة. هذا اللقب أعطاه فيلون لأوغسطس الذي حكم 43 سنة، وكان إمبراطورًا منذ سنة 30 ق.م. وهكذا يكون المترجم وصل إلى مصر سنة 8 ب.م. ويكون الأصل العبريّ من القرن الأوّل ق.م. والترجمة اليونانيّة سنة 50 ب.م. ولكنّ مضمون الكتاب يعارض هذا الرأي الذي يبدو من عالم الخيال، لا من دراسة الواقع التاريخيّ(*).
خاتمة
حكمة ابن سيراخ كتاب متشعّب الوجهات. إسمه أكثر من اسم، وذلك في مختلف الترجمات. وكاتبه بدا صادوقيٌّا قبل أن تتنظّم الحركة الصادوقيّة. كما هو تأثّر بالحضارة الهلّنيّة وإن بدا في العمق يحارب تأثير هذه الحضارة المفرط على الشبيبة في أيّامه. فالحكمة عنده ترتبط بالشريعة، وشريعة موسى سبقت جميع الشرائع. إقترب سي من الفكر الرواقيّ حول كرامة الإنسان في حرّيّته (15: 11 - 17)، في سيادته على نفسه (22: 27ي)، في تجلّده أمام الحزن والموت (38: 16 - 23). ثمّ إنّ نظرة سي إلى الكون بشموليّته، تلتقي بالفكر الرواقيّ الذي اعتبر الكون مدينة صغيرة (36: 1 - 19): »إرحمنا يا ربّ يا إله الجميع«. هذا الذي تحدّث نادرًا عن الممارسات اليهوديّة، أفرد مقطعًا كبيرًا للكلام عن الوليمة، كما في العالم اليونانيّ (لا ننسَ وليمة أفلاطون مع مديح الحبّ). ومع ذلك أكّد على قيمة الحكمة البيبليّة (ف 24) تجاه الحكمة اليونانيّة. هي أمانة للمعطيات البيبليّة مع انفتاح على الحضارة اليونانيّة بقدر ما لا تتعارض مع مفهوم الكتاب المقدّس.