تقديم.

حكمة يشوع بن سيراخ

الخوري بولس الفغالي

دُكتور في اللاهُوت والفَلسَفَة

دبلوم في الكِتَاب المقدّس واللّغَات الشَرقيّة

طبعة أولى 2005

 

تقديم

حكمة ابن سيراخ أو كتاب الكنيسة Ecclésiastique منذ زمن قبريانس، أسقف قرطاجة، في القرن الثالث. أُستُعمل في تعليم الموعوظين الذين يستعدّون خلال الصوم المبارك لقبول العماد ليلةَ عيد الفصح. كما استفاد منه المعمَّدون الجدد من أجل حياة أخلاقيّة تليق بالدعوة التي دُعوا إليها.

كتاب دوِّن في العبريّة سنة 190 - 180ق.م. ونُقل سريعًا إلى السريانيّة، مع ما نُقل من أسفار بيبليّة وصلت في اللغة العبريّة إلى كنيسة الرها. ضاع الكتاب في العبريّة حقبة طويلة من الزمن. ثمّ وُجد ثلثاه في مجمع الفسطاط في القاهرة، وفي قمران ومصعدة، في فلسطين. وإذا أردنا أن نكتشف الأصل للثلث المتبقّي الذي وصلنا في اليونانيّة واللاتينيّة وسائر اللغات القديمة، يجب علينا أن نعود إلى السريانيّة.

بعد ستّين سنةً تقريبًا، نُقلت هذه الحكمة إلى اليونانيّة. حوالي سنة 130، حمل حفيدُ الكاتب ما تركه جدُّه ونقله إلى اليهود العائشين في الإسكندريّة. ولكنّه سوف يصل إلى الشتات اليهوديّ المثقّف بالثقافة اليونانيّة. واليوم، النصّ القانونيّ الذي يطاله الإلهام بحسب الكنيستين الأرثوذكسيّة والكاثوليكيّة، هو النقل اليونانيّ. لا شكّ في أنّنا نجد بعض الغنى في العبريّ والسريانيّ والأرمنيّ، في اللاتينيّ، بل وفي العربيّ، ولكنّ نقطة الانطلاق ما تركه الحفيد من فكر عبريّ تطعَّم باليونانيّة، واغتنى بما وصل إليه الفكرُ اللاهوتيّ على مشارف القرن الأوّل ق.م.

حكمة ابن سيراخ تقف في خطّ العالم الحكميّ القديم. ولا سيّما سفر الأمثال، سواء بالشكل أو بالمضمون. هي تشتمل على سلسلة من النصائح والأقوال المأثورة التي تعود إلى ممارسة الحكمة المؤسَّسة على مخافة الله، بحسب القول المشهور: رأس الحكمة مخافة ا؟. ما اتّبع هذا »الحكيمُ« ترتيبًا خاصٌّا ظاهرًا، فتنوّعت مواضيعه وعالجت حياةَ الإنسان، في علاقته مع الآخرين، بعد أن سيطرت »المدينة« على المحيط الريفيّ، فخرج المؤمن من عزلة تجمعه ببعض الناس الذين اعتاد عليهم منذ الصغر. وتميّز ابن سيراخ عن الحكمة القديمة التي ارتبطت بحكمة مصر، بشكل خاصّ، وعرف نظرة شاملة، لا ضيّقة. تميّز بارتباطه الوثيق بالشريعة، بشعائر العبادة، بتاريخ شعب يهوذا وإسرائيل. ترك الكاتب الانفتاح الذي عُرف بشكل خاصّ منذ انفتحت المملكة على عالم مصر، ثمّ على عالم بلاد الرافدين، فبانت آثارُه بشكل خاصّ، في سفر أشعيا الثاني، وعاد إلى أرض يهوذا التي ستصبح الأرض اليهوديّة بشكل مميَّز. تجاه فلسفة اليونان، جعل شريعةَ موسى. وفي هذا الخطّ سيقول أدبُ ما بين العهدين إنّ ما كتبه اليونان، قد استقَوه من موسى. وسيأتي يوم يُقال إن هذا النبيّ هو الذي اخترع الأبجديّة، لا الفينيقيّون.

مواضيع متنوّعة تطرّق إليها الكاتب، فوجّهها إلى مختلف الفئات مهما تنوّعت أعمارُهم: أصل الكون والإنسان، الطبيعة وعالم الحكمة. واختلف ابن سيراخ عن سفر الأمثال، في ما تضمّن من صلوات ومدائح وأناشيد شكر. في النهاية، امتدح الكاتبُ الله المجيد، على حكمته التي تجلّت في الطبيعة، ثمّ في تاريخ الآباء، منذ البدء إلى عظيم الكهنة سمعان الثاني الذي توفّي سنة 195 ق.م.

كلّ هذا نقدّمه في كتاب عنونّاه: حكمة يشوع بن سيراخ. في خطوة أولى، كانت المداخل: الكتاب، نصوصه، لاهوته. في خطوة ثانية، قراءة متواصلة، قُسّم هذا السفر خمسة أقسام: طبيعة الحكمة وحسناتها. الله والخليقة. الحكمة في الأسرة والمجتمع. تدبير الحياة في الفضيلة. حكمة الله في العالم وفي التاريخ. وينتهي الكتاب ببعض التأمّلات التي تجعلنا نترك الدراسة العلميّة من أجل تذوّق كلمة الله. أمّا الدراسات التي هيّأناها، فسوف نتركها لكتاب آخر.

فيبقى علينا أن نفتح الكتاب المقدّس، فنترافق مع هذا الحكيم في كلام استقاه من التقليد وأغناه بخبرته اليوميّة. ويكون رفيقَنا هذا التفسيرُ الذي جاء يغني »المجموعة الكتابيّة«.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM