الربّ خلاص أصفيائه

الربّ خلاص أصفيائه
المزمور الثلاثون

1. المزمور الثلاثون هو مزمور حمد يُنشده المرتّل ليشكر الله الذي نجّاه من خطر الموت بسبب المرض أو غيره. ويتوسّل في نشيده نصوصًا نبويّة ترتبط بشعب الله ليجعل من اختباره لخلاص شخصيّ، نموذجًا لمصير الشعب كله. وهذا ما جعل من هذه الصلاة الفرديّة نشيدًا في عيد تجديد الهيكل. أما موضوع هذا المزمور فمأخوذ من المزمور 6 و89: عندما يترك الله حبيبه يموت، فهو يخسر مرنمًا ينشد مجده، لأن الجحيم مكان السكوت، والتراب رمز الموت، فأي فائدة لله من موت عبيده، وهو الذي يهتمّ بحياتهم؟

2. الرب يخلّص صفيّه من خطر الموت، ويعيده إلى الحياة.
آ 2- 4: أسباب مديح المرتّل لله المخلّص: أصعده من عالم الموت، ولم يترك أعداءه يشمتون به.
آ 5- 6: يلتفت المرتّل نحو جماعة المؤمنين، ويدعوهم إلى أن يشاركوه فرحته وحمده للرب من أجل أنعامه. هكذا يعرفون أن هذه النعمة هي مَثَل عمّا يفعله الله من أجل الجماعة كلّها. غضبُ الرب يدوم لحظة، أما رضاه فيدوم مدى الحياة، هذه هي طريقة الغفران عند الرب.
آ 7- 9: يصوّر المرتّل حالة الضيق التي عاشها حين حجب الله وجهه عنه، فارتاع جدًا وصرخ إلى الرب طالبًا الرحمة. وها هو اليوم يحسّ بالطمأنينة، ولن يتزعزع بعد أن صعد من هوّة الموت. غيابُ الله جعله يحسّ بالخوف، أما الآن فهو ثابت كالجبل.
آ10- 11: يعد المرتّل بأنه سيكرّس حياته كلها لحمد الرب ومديحه. فإن هو مات وانحدر إلى الجحيم، فمن يا ترى يسبّح الله؟ استمع يا ربي وارحمني.
آ 12- 13: يشكر المرتّل الله: الرقص بعد الحزن (إر 3: 13)، وثياب العيد بعد لبس المسوح (35: 13؛ 69: 12)، وبعد الضيق الفرح والسرور. عادت إلى المرتّل كرامتُه، فتمكّن من أن ينشد للرب نشيدًا لا نهاية له.
3. ينظر المرتّل إلى خلاص شعب إسرائيل، فيمدح الرب لأجل عظمته منطلقًا من اختباره الشخصيّ مع الربّ الذي انتشله هو أيضًا من الوهدة العميق. أيكون قد مرض مرضًا خطيرًا، أو أن أعداءه أرادوا قتله؟ المهمّ أنه وصل إلى حافة القبر، فنجّاه الربّ من موت مؤكّد. فوجد في نجاته رمزًا لنجاة شعبه. يقول أشعيا (54: 8): "في سورة غضبي حجبت وجهي عنك لحظة، وبرحمة أبدية أرحمك". كما يقول في مكان آخر (51: 11): "الذين افتداهم الرب سيرجعون ويأتون إلى صهيون بترنيم ويتبعهم السرور والفرح".
يتحدّث هذا المزمور عن الموت، فيتذكّر الجحيم والجبّ والدم المسفوك، وفساد القبر والتراب الذي يصير إليه الانسان، والندب والمسح الذي يرافق الميت إلى مثواه الأخير. ولكن المرتّل لم يصل إلى الموت، بل كان له الخلاص وهو الذي أنعشه الرب، وشفاه، وأصعده من الجحيم، وأحياه. ولهذا فاض قلبه فرحًا، فأخذ ينشد ويرنّم للرب، وسوف يعترف بمراحمه إلى الأبد ولن يسكت.

4. موضوع هذا المزمور هو الخلاص الذي صنعه الله لنا بشخص المسيح. قبل آلامه صلَّى يسوع لتعبر عنه هذه الكأس (لو 22: 24). وعند موته قال: "إلهي إلهي، لماذا تركتني" (مر 15: 34)؟ ولكن قيامته أعطت معنى جديدًا للآية الرابعة من هذا المزمور: "أصعدت نفسي من الجحيم وأحييتني".
وعندما تنشد الكنيسة هذا المزمور، فهي تعيش آلام المسيح، فتنتظر القيامة، وتشكر الرب منذ الآن عما سيفعله في قدّيسيه كمقدّمة لقيامة البشريّة ولحياة دائمة لها مع المسيح، فلا يكون للموت الثاني من سلطان.

5. هدوء بعد العاصفة
إن مز 30 هو أول مزمور في مجموعة تتضمّن مز 30- 34 فتصوّر ثقة المرتّل وشكره بعد أن مرّ في المحنة والخطيئة. لا تُذكر الخطيئة بشكل واضح إلاّ في مز 32: "هنيئًا لمن نُسيت معصيته، وسُترت له خطيئته". ولكن هذه المزامير تشير إلى الغفران الذي ناله المؤمنون، وإلى عودة النعمة إليهم. في هذا المعنى يتحدّث مز 30 عن الشفاء، وشفاء النفس لا يفترق عن شفاء الجسد.
قلنا: هدوء بعد العاصفة. فإن مز 29 يصلح كمقدّمة لهذه المجموعة. جاء صوت الرب في العاصفة فحطّم المتكبّرين وهاجم الآلهة في الجبال "المقدّسة" وحتى في معبد قادش. أما شعبه فنعم بالسلام، فانشد "أعظّمك يا رب... استغثتُ بك فشفيتني".
دوّن مز 30 في وقت متأخّر، فجاء قريبًا ممّا نجد في إرميا وأيوب. ثم أخذ مكانه في ليتورجية تدشين الهيكل. أما موضوع التشكّي فقد أخذ من مز 6 (لا تعاتبني في غضبك) ومز 88 (إليك صرخت، فدع صلاتي تصل إليك). حين يترك الربّ "صديقه الأمين" يموت، فهو يحرم نفسه من شخص ينشد أمجاده. فالشيول هو عالم الصمت والسكوت (مز 115: 17). والتراب لا فم له يتكلّم. فماذا يربح الله من موت أحبّائه؟ هو يهتمّ بحياة مؤمنيه، بدمهم، فماذا ينتظر أن يفعل؟
ولكن الرب سيفعل فيتحوّل نواح المؤمن إلى رقص، والمسوح إلى ثياب الفرح.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM