الربّ ملك الكون

الربّ ملك الكون
المزمور التاسع والعشرون

1. المزمور التاسع والعشرون هو مزمور مديح وحمد، يجمع فيه المرتّل نشيد الكون ونشيد شعب الله لتمجيد الله المالك على الكون وفي شعبه. يستوحي أناشيد كنعانيّة للاله هدد، إله الرعد، وينقّيها من كل أثر شرك ثم يدخلها في صلاته، فلا يعود الرعد شخصًا يُعبد بل هو صوت الله القدير. وهكذا تمتزج الصورة الشعريّة باختبار حضور الله على جبل سيناء (خر 9: 16). رأى العبرانيون في الرعد صوت الله، وفي البرق لمعان وجهه، فخافوا من ناره الآكلة وفضّلوا أن يستمعوا إلى موسى ولا يسمعون صوت الله الرهيب.

2. الرب الملك يُظهر قوّته عبر العاصفة والبروق والرعود.
آ 1- 2: نداء إلى قوّات السماء: قدّموا للرب المديح، يا أبناء الله.
آ 3- 4: العاصفة فوق سطح البحر.
آ 5- 7: العاصفة فوق لبنان وحرمون (سريون هو الجبل المقدّس).
آ 8- 9: العاصفة فوق صحراء النقب (قادش هو المعبد المقدّس لقبائل الجنوب).
آ 10- 11: قدرة الله تحمي شعبه من خطر العاصفة، والطوفان يصبح على أرض الرب مطرًا خيّرًا.
دخل الربّ مجلس الآلهة، وجلس على عرشه. هو يعمل بقدرته في الكون، بينما يُنشد الشعب في الهيكل إلهَه الذي يعطيه البركة والسلام. ويبدأ نشيد مجد لصوت الله، وتتردّد كلمة صوت سبع مرّات. صوتُ الرب على المياه، مياه الشتاء والمياه الغزيرة التي تهدّد الكون كما في الطوفان. صوتُ الرب على لبنان يتخطّى جباله ويقطع أرزه، وذلك كان طموح الفاتحين الغزاة (أش 14: 8؛ 34: 24). لا حاجة إلى أن يتحرّك الرب ليقطع الأشجار، فصوته يكفي. كما أن الجبال ترقص رعدة لدى سماع صوته، كذلك تتعرّى أشجار البرّية وتلد غزلانها من الخوف. صوتُ الرب ينزع مجد الطبيعة عنها، فلا يبقى حاضرًا إلاّ الله الذي يجلس مجيدًا على عرشه ليحطّم القوّة المتكبّرة. وفي ذلك الوقت يُفيض على شعبه المسكين الضعيف السلام والبركة. تنطلق العاصفة من البحر وتدور حول أرض إسرائيل وتعود إلى البحر دون أن تؤذي أرض الميعاد. هذه هي صورة عن حماية الله لشعبه.

3. هذا المزمور نشيد ليتورجي في جوقتين. يتلو الكاهن العبارة الأولى، فتجيبه الجماعة بالعبارة الثانية: صوت الرب يحطّم الأرز، يحطّم الرب أرز لبنان. هذا في السماء. أمّا في الهيكل، فالشعب يهتف: المجد لله. وهكذا يمتزج مديح سكان الأرض بمديح سكان السماء، وتتجاوب ليتورجية الأرض مع ليتورجية السماء كما في سفر الرؤيا.
في هذا المزمور، الرعد هو تعبير عن قدرة الله: قدرته على أبناء الله، قدرته على المياه المعادية التي يروّضها ويجعلها مصدر حياة على الأرض، قدرته على الأرز، أكبر أشجار الطبيعة، قدرته على لبنان وحرمون يرفعهما كالعجل (عا 1: أيكون هناك هزة أرضية؟)، قدرته على قادش، ذلك المكان المقدّس الذي يقابله إلى الجنوب جبل سيناء. وهذه القدرة تصبح حضور الله على شعبه وسط البروق والرعود. كل ذلك هو نشيد قدرة الله، وهو يذكّرنا بالفصل الأول من سفر التكوين حيث تخلق كلمةُ الله كلَّ شيء. تذكّرنا المياهُ بحادثة الطوفان (تك 7- 8)، والبروق والرعود بجبل سيناء. وهكذا نرى أن المزمور يستوحي آياته أيضًا من الخلق والطوفان وسيناء. الله هو ملك على العالم الأرضي والعالم السفلي، وهو ملك على شعبه، ومُلكه يدوم إلى الأبد.

4. المسيح هو ملك العالم ونحن نقول له في آخر الأبانا: "لأن لك الملك والقوّة والمجد إلى الأبد. آمين" (مت 6: 13). وسيظهر ملكًا في نهاية العالم عندما يجلس على عرشه ليدين كل الأمم (مت 25: 31). له تجثو كل ركبة (فل 2: 10) حتى ملائكة السماء (عب 1: 4). وكلُّ الخلائق تنشد له وتقول (رؤ 5: 13): "للجالس على العرش والحمل الحمد والاكرام والمجد والجبروت إلى أبد الدهور. آمين".

5. الرب اله العاصفة
للعواصف مكانتها وأهميتها في الشعر والتاريخ الكتابي. يكفي لذلك أن نقرأ ما كُتب في سفر الخروج: "وحدث في اليوم الثالث عند الصباح أنها كانت أصوات وبروق وغمام كثيف على الجبل وصوت بوق شديد جدًا... (وكان) طور سيناء مدخّنا كلّه لأن الرب هبط عليه بالنار فسطع دخانه كدخان الأتون وارتجف الجبل كله" (خر 19: 16 ي؛ رج قض 5: 4 ي).
وترافقُ العاصفةَ هزّة أرضية ينظر إليها المؤمن بخوف ورهبة. ولكن لماذا أنشد بنو إسرائيل العاصفة وقد عرفت الشعوب القديمة عناصرها على أنها إلهيّة؟ إن العبراني لا يضطرب أمام العاصفة كالوثنيين، لأنه يعرف أنها قبل كل شيء صوت الله. فهذا الرب الذي وعد أن يحمي شعبه، سيكون صوته عاملَ خير لشعبه، والبروق والرعود هي بداية المطر المخصب للأرض. ولهذا يخاف بنو إسرائيل صمت الله أكثر من أقوى العواصف.
وعندما يتحدّث المؤمن عن العاصفة يتذكّر إله العاصفة، وقوّته تشمل الكون كله. هو متسلّط على أبناء الآلهة، ومتسلّط على المياه التي غالبًا ما تكون عدوّة الانسان، ولكن الربّ يدجّنها ويجعلها توفّر لشعبه الطعام والحياة. وهو متسلّط على جبابرة الطبيعة، فيحطّها الرب، ومتسلّط على لبنان وحرمون، هذين المكانين المقدّسين اللذين يجعلهما يثبان كالثور. وهو متسلّط على قادش ذلك المكان المقدّس في برية سيناء، ومتسلّط على سر الولادة والحياة.
كل هذا هو نشيد قدرة الله، يرفعه الانسان فيتذكّر تك 1 حيث تخلق كلمة الله كلَّ شيء. وأما لنا فهذه الكلمة صارت جسدًا في شخص يسوع الذي لم يأت إلينا في الرعد والضجيج، بل في صمت المغارة، فسكن بيننا وكان مملوءًا نعمة وحقًا.

 

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM