الفصل الثاني عشر
الحكمة تحذّر من الزنى
7: 1 – 27
ويتابع ف 7 التعليم عينه بتصوير مثل ملموس: كيف تحاول الزانية أن تُوع في حبائلها شابًا لا خبرة له. يشكّل هذا الفصل وحدة. يبدأ مع "يا ابني " (آ 1). وينتهي مع "أيها الابناء" (آ 24). نجد فيه مقدمة وتصويرًا لمحاولات الزانية، وخاتمة يتلوها الحكيم فيتطرّق إلى خطر يُشير إليه مرارًا الكتيّب الأول من سفر الأمثال. ففي 9: 13- 18 تحتفظ صورة "السيدة حماقة" (أو: السيّدة جهالة) ببعض ملامح الزانية المذكورة هنا. إنّها تكن للعابرين الذين لا حسّ لهم، وتدعوهم لتقودهم في النهاية إلى الجحيم. تطرّق الكاتب إلى الموضوع من الزاوية الدينية في 2: 10- 19. وعاد إليه في ف 5 مع مديح المرأة الشرعيّة. أما في 6: 20- 35 فكانت الصورة أكثر واقعيّة.
أ- المضمون
أوّلاً: دعوة الحكمة (7: 1- 5)
هذه هي المقدّمة وهي تدعونا إلى حفظ الوصايا وإلى التعلّق بالحكمة. تبدأ الخطبة الموجّهة إلى الابن بنداء إلى الحكمة. يجب أن تكون وصاياها عزيزة عليه كحدقة العين (تث 32: 10؛ مز 17: 8؛ زك 2: 12). وأن تتَّحد اتحادًا حميمًا بالإنسان كاتحاد الخاتم بالأصبع والتميمة على الصدر (نش 8: 6؛ إر 22: 24؛ حج 2: 23؛ خر 13: 9، 16 ؛ تث 8:6؛ 18:11). وذكرُ الكتابة على "لوح القلب " يدلّ على متطّلبات باطنيّة (إر 17: 1؛ 33:31 حيث الشريعة في القلب تعارض الشريعة المكتوبة على ألواح من حجر). ونجد هنا أيضاً وجهتَي الحكمة (الداخلية والخارجية) بالموازاة بين الأعضاء والقلب (3: 3، 21؛ 4: 21- 23). أما آ 4 فتقدّم الحكمة كصديق حميم وقريب ورفيقة حياة كما سنرى في 9: 1- 6.
ثانيًا: تصوير محاولات الزانية (7: 6- 23)
راقب الحكيم شخصيًا مشهد اغراء: تطلعتُ (ضمير المتكلم في العبرية. أما في الترجمات فضمير الغائب) من كوّة بيتي... ويصور الضحيّة. قد يكون مضطربًا، ولكنه يسير إلى المرأة القاتلة (آ 8 ب)، ويسير في الظلام. ثم يصوّر المرأة بهندامها المثير (تك 38: 14، هو 2: 4 ي) ونواياها السيّئة وشهوتها الجامحة (آ 10- 12).
ويأتي مشهد الاغراء. فبعد المفاجأة (آ 13) تأتي الكلمات المعسولة والخبيثة. قدّمت المرأة ذبيحة شكر في أول القمر، فلتعتبر الضحيّة أن العناية أرسلتها. صلّت إلى السماء وهي التي ترسله (آ 14 ي). ومن دون تأخّر دعته إلى السرير وبدّدت مخاوفه من مجيء الزوج المظلوم. إنّه بعيد ولن يعود قبل زمان (آ 19 ي). إنّه رجل أعمال والترف يملأ بيته (آ 16 ي). هل هو غريب أم من بني إسرائيل؟ عُرف الفينيقيون (حز 27: 1ي)، والاسماعيليون (تك 37: 25) بأنّهم تجار دوليون، ولكن بني إسرائيل عرفوا التجارة أيضاً في أيام سليمان، وقبل المنفى، على أيام آخر ملوكهم (حز 26: 2).
وسقط المسكين في الفخّ (آ 22 ي). ويحدثنا الكاتب عن خطر الموت الذي يتعرّض له الشاب المتهوّر (18:2- 19 ؛ 5:5؛ 23:7؛ 22: 14). أجل، لن يتراجع الزوج عن غضبه وهو سينتقم.
ثالثًا: الخاتمة (7: 24- 27)
تُعلن الخاتمة أن بيت الزانية هو "طريق الجحيم " (آ 27). وهكذا نقول أيضاً عن بيت "السيدة حماقة" في 9: 18 (رج 2: 18 ي، 5: 5). لهذا يعود الحكيم إلى نصائح الحكمة.
يؤلّف هذا الفصل وحدة منظّمة، وهو يكمّل مقاطع أخرى تتطرّق إلى الموضوع نفسه. وإذ صوّر الحكيم المرأة الخطرة، قدّم امثولته بطريقة ملموسة، فكشف حيلها وأسقط القناع عنها وفضح كلماتها الخبيثة. وهكذا يستطيع الأبناء أن يبتعدوا عن تجربتها. فالخطر المحدق بهم يمنعهم من الاقتراب من بيت "السيدة حماقة".
ب- تفسير الآيات
(7: 1- 5) تحريض معلّم الحكمة. نقرأ مثله في 3:3، 6: 20. تشبّه الحكمة بحدقة العين التي تتطلّب كل عناية. تقول آ 3: أعقدها على اصابعك لئلا تضيع تعاليم الحكمة. هذا ما كان يفعله الفريسيون بطريقة مادّية (مت 23: 5، عصائب عريضة، أطراف ثياب طويلة). تبدو الحكمة هنا كقاعدة سلوك اخلاقي ومبدأ داخلي. ليست الحكمة معلّمة فقط، إنّها أيضاً الأخت والرفيقة التي نثق بها (سي 15: 2؛ أي 17: 14؛ نش 4: 9- 12؛ 5: 1). تزيد السبعينية في آ 1: أكرم الرب، يا ابني، فتكون قويًا، ولا تخف أحدًا سواه.
(آ 6- 9) الشاب الذي لا خبرة له. يقدّم الحكيمُ موضوعه في مشهد حيّ: يقف على شباكه ويراقب. يرى فتى يعوزه الفهم وينجرّ إلى الشرّ. وتأتي ظروف المكان (زاوية الشوارع)، والزمان (الظلمة) فتجعلنا نحسّ بالخطر (سي 9: 7). ونقرأ مشهدا مماثلا في أش 6:57-10.
(آ 10- 13) الزانية: يصوّر الكاتب الزانية بطريقة قريبة من المومس: تسيطر عليها الرغبة فتبحث عن ظروف تشبع فيها شهوتها.
تقول السبعينية في آ 10 ب: تشبه مومسا تقدر أن تجعل قلوب الشبان تقفز. وقالت السريانية: خرجت المرأة إلى لقائه بلباس الزانية (أو المومس) التي تذهب بقلوب الشبان.
(آ 14- 17) الدعوة: قدمت ذبيحة شكر وهي تدعوه إلى أن يشاركها فيها. إستعملت قماشا مصريًا لسريرها، وضمّخت فراشها بالعطور. هذا ما يُفعل في البيوت المترفة (نش 14:4). تتحدّث آ 14 عن فريضة أو ذبيحة سلام وشكر (رج لا 3: 1ي ؛ 11:7-18).
(آ 18- 21) الاغراء. ونتذكر هنا 5: 9، نش 1: 2؛ 5: 1 مع التشديد على لذائذ الجسد. وطمأنته أن زوجها غائب ولن يعود قبل نهاية الشهر، فاطمأنّ واعتبر القصاص بعيدًا.
(آ 22- 23) النهاية. يقدّم لنا الكاتب صورًا عن الشباب الذي يُقاد إلى الموت. إنه كالحيوانات التي لا عقل لها. قرأت السبعينية آ 23 على الشكل التالي: وتبعها بحماقة مثل ثور يذهب إلى الذبح، ومثل كلب في القيود، ومثل غزال أصيب كبدُه بسهم.
(آ 24- 27) الخاتمة. يستخلص المعلّم العبرة من المثل، ويتوجّه مباشرة إلى تلاميذه: بيتُ الزانية يقود إلى الموت المبكر، ويُحدر إلى الجحيم، بل يقود إلى أعماق العار.
وهكذا يعود الكتيّب الأول أربع مرات إلى الزنى. في المرة الأولى (2: 16- 19) يصوّر أخطاره. في المرة الثانية (ف 5) يشدّد على السعادة مع المرأة الشرعيّة. في المرة الثالثة (6: 20- 35) يعرض نتائج الزنى. وفي المرة الرابعة (7: 1- 27) يعطينا مثلاً حيًا، ويشدّد على كثرة الضحايا التي تُقاد باكرًا إلى الموت