الفصل العاشر: تحذير من الزنى

الفصل العاشر
تحذير من الزنى
5: 1 – 23

يتركّب ف 5 من توسّعات مطوّلة. ويمكن أن يُقسمِ على الشكل التالي: أولاً: دبتيك (آ 14) تبدأ كل درفة من درفتيه بكلمة "يا ابني" (في آ 7، الجمع: أيها البنون)، وينتهي باعتبار خُلقي (آ 12- 14). ثانيًا: مديح للزوجة الشرعيّة التي تقابل الزوجة الغريبة (آ 15: 20). كل هذا ينتهي بخاتمة اخلاقية (آ 21- 23).

1- تحذير من الغريبة (أو العاهرة) (5: 1- 14)
أ- المضمون
يتضمّن القسم الأول تحذيرين يوجّههما الأب لابنه (آ 1) أو لأبنائه (آ 7. بعد هذا، يعود النصّ في آ 8 ي إلى صيغة المفرد) لينبِّهه إلى تصرّفات المرأة الغريبة (أو العاهرة) (زره أو نكريه، آ 10، رج آ 20). في آ 20 تقول السبعينية إن الغريبة هي التي ليست امرأتك.
وهذا الموضوع محبَّب إلى قلب الكاتب (2: 16- 19؛ 6: 20- 35؛ 7: 1 ي). وهو يعتقد أن على الفهم والحكمة أن يدفعا عنّا النساء الشرّيرات. لا شكّ في أن هذا القسم الأول لا يشدّد على الوجهة الدينيّة لسوء السلوك. والرجوع إلى مثول أمام المجلس (آ 14) يذكّرنا بالتشريع الاشتراعي في هذا المضمار (تث 22: 22 ي). ولكن ذكر دينونة الله سيأتي في نهاية الدبتيك (آ 21).
يلاحظ الشرّاح أن هذا الموضوع لن يعود إلا قليلاً في سائر كتيّبات سفر الأمثال (22: 14؛ 26:23- 28؛ 3:29؛ 30: 20؛ 3:31). هل نستنتج أن مستوى الاخلاق كان أحط في العصور القديمة منه في العصور اللاحقة؟ لو كان الأمر كذلك، لتساءلنا عن سبب القساوة في العقوبات المنصوص عليها في تث 22:22-23؛ رج لا 20: 10، ولماذا تراخت كما تشهد بذلك الحالة الواردة هنا (آ 9- 11) و 6: 33؛ سي 23: 24؛ كانت التقوى مركّزة على قراءة الأنبياء (كما يشهد بذلك الكتيّب الأول من سفر الأمثال)، فأشار شجبُ الزنى إلى مطالبة بالأمانة الخلقيّة نحو الربّ الذي هو "الزوج" (2: 17). هذا لا يعني أن هذا المقطع هو استعارة. فواقعيّة الظروف الواردة تعارض هذه النظرة. ولكن الخيانة الزوجيّة كالأمانة والحبّ المتبادل بين الزوجين (5: 15- 20) أو بين الخطيبين (نشيد الأناشيد) كانت مناسبة توسّعات اخلاقيّة وغنائية دلّت على العلاقات مع الربّ دون أن تذكر اسمه.
وتظهر الحكمة والفهم كمانع ضد اغراءات الزنى. فهذه المرأة تسحرك بكلامها المعسول (رج مز 19: 11؛ 103:119؛ يشبّه حز 3:3 كلام الله بحلاوة العسل) وشفتيها (آ 3 ؛ رج 7: 14- 20) اللتين تقابلهما الشفتان اللتان تُنبتان المعرفة والعلم، شفتا الحكيم (آ 2). تجاه عسل الكلام، تقف مرارةُ الواقع. يرمز العلقم إلى الواقع الشرير أخلاقيًا. رج عا 5: 7 ؛ 6: 12؛ تث 29: 17. أو طبيعيا، رج إر 9: 14 ؛ 23: 15 0 المرأة "الجرّارة" تُبعد عن الحياة، وتقود إلى الموت (آ 5؛ رج 18:2؛ 27:7). في الواقع تتوسّع آ 9- 11 في هذا الموضوع، ولكنها لا تتكلّم بالضبط عن الموت، بل عن دمار وعار الرجل الذي وقع في اغراءاتها. وبسبب هذه "الغريبة" سيشبع الغرباءُ من غنى وقوى جسد (آ 11) هذا المسكين الفاقد اللب (آ 10 أ، 11 ب). من هو هذا الرجل (أو هؤلاء الرجال) الذي لا يرحم (آ 9 ب)؟ هو الزوج أو الذين اقرضوا المسكين ليدفع التعويضات المطلوبة (آ 9 ب). هذا المقطع هو واضح، وهو يقول لنا إن عقاب الزنى لم يعد بالضرورة الموت رجمًا كما تطلب الشريعة (تث 22:22 ي ؛ لا 20: 10). عاد بعضهم إلى أم 33:6 وسي 23: 24، فتحدّثوا عن الجلد. أما النصّ الذي نحن بصدده، فيشير إلى تعويض مالي (أو ما يقابله) يطلبه الزوج (وهذا يختلف عما نجده في 6: 34 ي). وفي 22:7- 27، الموت هو نتيجة حتميّة للزنى، ولكن مدلول الكلمة يبقى غير واضح.
ويتحسّر المسكين ويتأسّف (آ 12- 14) ولكنه تأخّر. أجل، لقد كان الحقّ بيد الحكيم.

ب- تفسير الآيات
(5: 1- 6) المفاتن الكاذبة عند الزانية (زونة لا زاره، رج 2: 16 ؛ 6: 26؛ 7: 10). يقابلُ الحكيمُ هذه المفاتن بالعسل والزيت (علامة الوفر). تجاه هذا، نجد العلقم والسيف المسنون الحدّين. لقد استعمل الأنبياء صورة الزوجة الخائنة ليتحدَّثوا عن خيانة الشعب للربّ. وشدّدوا أيضاً على طلب الشرّ عند الزوجة الخاطئة. ويعود الكاتب إلى تهديدات موت مفاجئ، ويعرض هذه العقوبات على أنها نتيجة السلوك الاخلاقي.
في آ 3 تزيد السبعينيّة: "لا تقترب من العاهرة"، لتفسّر وجود "لأن " التي تبدأ الآية. وتتابع: إنه عسل يسيل نقطة نقطة من شفتَي المرأة الفاسقة وهي تضع الحلاوة في حلقك لبعض الوقت. وتقرأ آ 4: أمرّ من العلقم... وأحدّ من السيف. وتقرا السبعينية آ 5: قدما الجنون تقودان إلى الأسفل أولئك الذين يعملون بالجنون، وهم بالموت يذهبون إلى الجحيمِ، وخطواتُهم غير ثابتة.
(آ 7- 14) أخطار الزنى. بعد تنبيه التلميذ إلى خطر سحر المرأة الكاذب، يقدّم الحكيم البواعث التي تجعل الشعب يتجنّب السقوط في فخاخها. هناك التهديد أولاً: سيتحمَّل الزاني عاقبة خطيئته. وهو مهدّد في كرامته. وعليه أن يعوّض الظلم الذي سبّبه إلى زوج غاضب، وإلاّ اتّهم أمام المحكمة. لهذا وجب عليه أن يكرّس حياته كلها ليدفع المال الذي استقرضه من أجل التعويض.
في آ 7، قرأت السبعينية المفرد (يا ابني) فكانت منطقيّة معِ ما يلي من كلام. أما النصّ الماسوري فيقول: يا ابنائي في الجمع ثم يعود إلى المفرد. في آ 9 أ نقرأ كلمة "هود" التي تدل على الوقار والسطوع، لا على الكرامة والاخلاق. ولهذا بدَّل الترجوم والسريانية البسيطة الكلمة إلى "حيل " (أي القوة)، والسبعينية إلى "هون " (أي الخيرات والغنى). يشير النصّ إلى قوة الشاب لا إلى سمعته، وهذا ما نفهمه من القسم الثاني من الآية: سنين حياتك. قال النصّ الماسوري في آ 11 أ: ناح، زأر. أما السريانية والسبعينية: تأسّف وندم.

2- امرأة شبابك (5: 15- 23)
أ- المضمون
يتوسّع 15:5- 20 في موضوع مديح "امرأة شبابك " (آ 18 ب). ففيها يرضى زوجها. إنها البئر المباركة والينبوع الذي لا يسيل إلاّ للزوج الامين (آ 15: 18). ونحن نجد هذه الصورة في نش 4: 12- 15. وإذ أراد الحكيم أن يكتشف افراح الحياة المشتركة مع الزوجة الشرعية، عاد إلى الشعر كما في نش 7:2، 9، 17؛ 3: 5 ؛ 4: 5 ؛ 7: 4، 8، 14. وتستثمر السبعينية فكرة الحياة الزوجية الحميمة (رج نش 7: 9؛ 2:8) وتشدّد على الصور أكثر مما يجب.
وإن مجمل موضوع الأمانة والهرب من الزنى يعود في 22: 14؛ 27:23؛ 30: 20. ونجد مقابلة بين الزانية والمومس في 6: 26 ؛ 23: 27. أما في 3:29 و 3:31 فالكاتب يتحدّث عن الموسم فقط. إهتم ابن سيراخ (23: 22- 27) بالزنى، فتوقّف عند المرأة التي تحمل لعنة الله وتنقلها إلى أولادها لأنها تعدّت شريعة العلي. وهكذا أظهر أنه رجل قانونيّ. هو لا يهتمّ بالرجل أو بالشاب الذي وقع في الفخ (ما عدا في سي 9:9؛ 41: 33). وهو يتحدّث عن المومسات في قرينة أخرى يبدو فيها الشاب الذي لا خبرة له، فيحذّره من سحر النساء (سي 3:9- 6؛ 19: 2؛ 41: 22). أما سفر الجامعة فلم يهتمّ بهذه المسألة التي تطرّق إليها الحكماء. فيكتفي بأن يقابل بين الجوانب الخيّرة والرديئة من الحياة البشريّة، فيشير إلى الفرح الذي تعطيه المرأة المحبوبة حبًا شرعيًا (جا 9: 9).
وهكذا يُعنى أم 5 بمسألة الزواج ومتطّلباته (ولاسيّما الزواج الواحد)، واحترام زوجة القريب، والأفراح التي ينالها الزوجان في حياتهما الحميمة. هو لا يُعنى الآن بدور الأم والزوجة النشيطة والمرأة في بيتها. سننتظر 31: 10 ي لنرى عظمة وظيفة المرأة المتزوّجة.
ويبدو في هذا الفصل الذي يُعتبر ملخصاً لتعليم الحكماء على مسائل تطرح على الشاب في بدء حياته العاطفيّة، يبدو فيه أن الكاتب يتطرّق فقط إلى الوجهة البشريّة والشخصيّة من زاوية الفطنة. غير أن الخاتمة (آ 21- 23) تترك جانبًا النظرة النفعيّة إلى الأشياء. فمن ترك متطّلبات الحكمة في هذا المجال، أخطأ إلى الربّ الذي يهمّه تصرّف الإنسان (آ 21، رج سي 18:23- 21). ولن يكون سجن الخاطئ فقط ضيق عمل متعب (آ 8 ي)، بل الخطيئة (آ 22). والموت الوارد في آ 23 أ ليس فقط ذلك الذي يأتيه من حكم المحكمة، بل هو الموت الروحي والاخلاقي الذي جرّه إليه جنونه غير المضبوط (آ 23 ب؛ رج 1 :29- 32؛ 16: 22).

ب- تفسير الآيات
(آ 15- 20) سعادة الحب الزواجي. أشرنا في المقطع السابق إلى باعث التهديد، وها هو باعث آخر سيكولوجي، وهو يتعارض مع الأخطار السابقة. إنّه سحر الأفراح المسموح بها. يعرض الكاتب بطريقة واقعيّة سعادة الحبّ الزواجي في لغة قريبة من لغة نشيد الأناشيد: قابل الزوجة بالبئر والعين والظبية. أما رمز الينبوع المتواتر في التوراة، فهو يدلّ على خيرات الله لشعبه، بل خيرات العهد المسيحاني. تتحدّث عنها التوراة، فتوبّخ شعب إسرائيل على خياناته، لأنّه يبحث عن الخلاص في ذاته، في آبار فارغة (إر 2: 13)، أو عند الغرباء (شرب ماء النيل، إر 18:2). ويعبّر التشبيهُ عن وجهتين. الأولى: إرواء العطش أي اشباع الرغبة في السعادة والوفر. الثانية: مقابلة بين نبع لا ينضب (أي السعادة الحقة) والينابيع الكاذبة. وتتابع آ 10 الاستعارة: فالمياه غير المستعملة تذهب إلى خارج، وتفيد الآخرين. وكذلك الزوجة المتروكة تتعرّض للتجارب. فالأمانة الزوجية هي شرط من أجل بركة الله، والشريعة هي التي تنظّم الرباط الزواجي (2: 17). يشدّد النصّ على وحدة الزواج. ويُظهر اعتبارًا كبيرًا للمرأة (17:2؛ 11: 16؛ 31: 10).
هنا نقدّم قراءة مبتكرة للآية 15 مستندة إلى العربية. تقوله ترجمة فان دايك: اشرب مياهًا من جبك ومياهًا جارية من بئرك. وقال اليازجي: إشرب ماء من جبّك ومعينًا ممّا في بئرك. احتفظت الترجمة اليسوعية الجديدة بنصّ اليازجي. أما نحن فقرأنا: امرأتك (شته أو أنثى) مياه (ميم: أو مياه) مباركة (مبارك) نازلة (نزليم) في وسط بئرك (بئرك). وفي آ 19 تركنا كلمة "ثدياها" وأخذنا كلمة "ودادها". اعتاد المترجمون أن يصحّحوا النصّ من "دديها" إلى "ثدييها" فيصبح: يرويك ثدياها. أما نحن فتركنا النصّ العبري على حاله وقلنا: "يرويك ودادها كل حين، وبحبّها تهيم على الدوام ". وهكذا حافظنا على التوازي. أما السريانية فقالت: تتعلّم طرقها في كل حين، وتراعي محبتها.
قال اليونانيون (آ 15): إشرب الماء من أوعيتك، فاشاروا إلى عوائد مصر وقرأت السبعينية آ 18: ليكن ينبوع مياهك لك وحدك، فقرأت "بدك " (وحدك) بدل "بروك " (مبارك). وكررت ما قرأناه في آ 17. أما نحن فقلنا: هكذا يبارَك نسلك، موضحين معنى كلمة ينبوع.
وإليك كيف قرأت السبعينية آ 19: لتتحدّث الظبية المحبوبة والفلوة (ابنة المهر) الناعمة (أو الصبية الناعمة) معك. اعتبرها لك ولتكن معك على الدوام، لأنك تصبح شعبًا كبيرًا إن أحاط بك عون حبك. في آ 20 ب يوضح النصّ اليوناني: التي ليست زوجتك الخاصة.
(آ 21- 23) الخوف من دينونة الله. والباعث الأخير يستند إلى براهين عقلية. فيربطنا بالله الذي يعرف كل شيء ويدبّر كلّ شيء (أش 26: 7). يحسب الزاني أنه يقدر أن يفعل ما يشاء في الظلمة (أي 15:24؛ سي 18:23- 21)، ولكن الله يراه (15: 3- 11 ؛ 24: 12؛ أي 34: 21؛ مز 13:33- 15) ويجعل الخاطئ يشعر بنتائج خطيئته. وهذا ما تعبّر عنه الكلمة فتقول: تأديب الحكمة يقود إلى الحياة، ورفض التأديب يقود إلى الموت المبكر.
تقرأ السبعينية آ 23 على الشكل التالي: إنّه يموت مع البلهاء ويُستأصل من وفرة الحياة. إنّه يموت بسبب حماقته

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM