الفصل الثامن: الحكمة ومخافة الربّ

الفصل الثامن
الحكمة ومخافة الربّ
3: 1 – 35

نجد في هذا الفصل نداء إلى تأديب الرب (آ 1- 12)، ومديحًا للحكمة (آ 13- 20)، ومديحًا للفطنة والتمييز (آ 21- 26)، ونصائح من أجل العلاقات الاجتماعيّة (آ 27-35).

1- نداء إلى تأديب الرب (3: 1- 12)
أ- المضمون
أولاً: أهم الاختلافات هي التي نجدها في النصّ اليونانيّ. تكلّمت آ 9 ب عن "بواكير جميع غلالك " فذكّرت بوصيّة العشور. ولكن هذه الوصيّة زالت في الشتات اليونانيّ، لهذا وجبت روحنتها ونقلها من مستوى إلى آخر. كانت السبعينيّة قد خفّفت من قوّة آ 12 فحجّرت فكرة الحكيم. أما القبطيّة فعادت إلى فكرة الأبوّة الإلهيّة وإلى حبّ الله الفاعل دوماً. ما تمّ هنا هو اهتمام بأن تصبح هذه النصوص "قراءة روحيّة" حيث يسعى المترجم إلى بناء الجماعة. قرأت السبعينية آ 12 ب: "ويضرب " أي ويعاقب لا "كأب "، لا مثل أب. أما القبطيّة الصعيدية فاتبعت السبعينية وزادت: يحزنك ثم يعزّيك.
ثانيًا: يبدو هنا هذا القسم بشكل تنبيه أبويّ مع نداء إلى الاصغاء (آ 1) وإيقاظ الفائدة من نتائج ممارسة الفضائل (آ 12). كل هذا يبدو كمقدّمة لعرض بعض مواضيع الحكمة الدينيّة في خمسة مقاطع (يتألف كلّ مقطع من دبتيكين أي بيتين متكامليَنْ في المعنى).
المقطع الأول (آ 1- 2) هو المقدمة التي تحدّثنا عنها. تبدو الحكمة خضوعًا للفرائض، وتتوّجُها حياة طويلة وسعيدة كما في سفر التثنية (4: 40؛ 2:6) وكما في أم 2: 20- 22.
في المقطع الثاني (آ 3- 4) يسمَّى الله "الوهيم " لا يهوه. أما الصفات المطلوبة فهي الأمانة والرحمة وفضائل أخرى بشريّة اعتبرتها التوراة دينيّة (تث 7: 9 ؛ هو 2: 21- 22 ؛ 6: 6). هذه الفضائل تدلّ على موقف الله تجاه البشر (خر 34: 6؛ مز 25: 10) أو موقف الإنسان تجاه الله (هو 4: 2). هذه الفضائل نعلّقها كقلادة في عنقنا. يرتبط هذا النصّ بتث 4:6-9.
والمقاطع الأربعة الأخرى ترتبط بيهوه. فهي تشدّد على الثقة بيهوه (آ 5- 6)، على الخوف من يهوه (آ 7- 8)، على واجب العشور (رج الشريعة على القرابين في تث 26: 10- 11؛ خر 28:22؛ 19:23؛ عد 17:15- 21)، على القبول بتأديب يهوه (آ 11-12).
يعود هذا القسم إلى ديانة العهد وإن لم تُلفظ الكلمة عند الحكماء. فالحكمة هي "تورة" (شريعة) "مصوة" (وصية) كما في تك 26: 5؛ خر 28:16؛ يش 22: 5؛ 2 مل 8:22 ؛ 2 أخ 3:14 ؛ 31: 21؛ 15:34؛ نح 9: 14. فالرحمة والامانة تتعلّقان بالإنسان كفرائض (تث 6: 4- 9). كلّ هذا يدلّ على الطبيعة الحميمة لعلاقاتها المتبادلة (تث 9:7؛ مز 11:40).
إنّ هذه الحكمة تجرّد الإنسان من نفسه (آ 5 ب، 7 ب؛ رج 16: 2؛ 26: 11)، وتقوده إلى الربّ من أجل لقاء هو معرفة (آ 6 أ؛ رج متطلبات هو 2:4) وثقة (آ 15) وتقوى تحفظ من الشرّ (16: 6). وهي تذكّر الإنسان بتقديم عشور خيراته للربّ كما تفرضه الشريعة (تث 12: 6، 17- 19؛ 14: 22) ويذكّرنا به الأنبياء (أش 43: 22- 23؛ ملا 1 :8- 9). وهي تدعوه ليقبل من يدها التأديب (عا 6:4- 11؛ مز 119: 71- 75 ؛ أي 5: 17؛ 33: 14- 25) كشهادة حبّ أبويّ (تث 8: 5- 6).
ونستشفّ المجازاة حسب المقولات الواردة في سفر التثنية: طول الأيام (تث 5: 16، 33؛ 11: 9، 21؛ 7:22؛ أم 2: 16؛ 4: 10؛ 9: 11؛ 10: 27؛ سي 1: 12؛ 20: 3)، الحياة (أم 19:11، 30؛ 12: 28 ؛ 19: 23؛ 21: 21)، النجاح في عين الله وعين البشر (آ 11، رج 1 صم 26:2، قض 13:9 ؛ سي 10: 7؛ 25: 1؛ حك 4: 1؛ لو 2: 52؛ أع 24: 16 ؛ روم 18:14)، استقامة السلوك (آ 6 ب)، الصحّة (آ 8)، وهي تعتبر برودة تجاه الحمى المنشّفة (رج مز 16:22؛ 8:28؛ 4:32؛ إر 5: 24 ؛ هو 23:2- 24؛ إر 31: 12- 14) ووعدًا اسكاتولوجيا (رج عا 13:9- 15 ؛ يوء18:4- 19).

ب- تفسير الآيات
(3: 1- 2) يتحدّث هذا القسم عن الحكمة ومخافة الله. فمعلّم الحكمة يتابع تحريضاته (الألفاظ عينها 1: 8؛ 2: 1) التي تمنح السعادة في طول الأيام (أو الحياة الطويلة. يرادفها امتلاك الأرض، خر 20: 12؛ تث 4: 40) وحياة سعيدة (أو سنوات حياة، أش 38: 19 ؛ تث 30: 20؛ مز 21: 5) والسلام الذي ينتظره كل يهودي يهمّه أمر الشريعة (مز 90). تبدو المواعيد بشكل فردي واخلاقي لا بوجه سياسيّ ووطنيّ (آ 4).
(آ 3- 4) الرحمة والأمانة (أو الصلاة والحق) هما قاعدة الحكمة، وهما ترِدان مرارًا لتدلاّ على العلاقات بين البشر في العائلة (تك 49:24 ؛ 47: 29)، في المجتمع (هو 4: 1 ؛ 6:6 ؛ أم 20: 28)، بين الله والبشر (خر 6:34 ؛ تث 9:7؛ مز 25: 10 ؛ هو 6: 4). إنما تعبّران عن الكمال الاخلاقي، وأهميتهما بارزة بالصور (تث 6: 8؛ 11: 8؛ إر 17: 1؛ 31: 33) المحفورة أو المعلّقة كما كان يفعل الفريسيون. إن آ 3 ج تستعيد 7: 3 وهي في غير محلّها. تقرأ السبعينية آ 3 ب ج: "علّقها في عنقك فتجد نعمة". وتترك الباقي رغم وجوده في القبطية والسريانيّة. العبارة "تجد نعمة" نقرأها في آ 4 أ. ولقد ترجمت السبعينية القسم الثاني من آ 4 أ: "دبّر الأمور الصالحة". أما القبطية فتقول: "لا تتخلّ عن الصدقة والإيمان والحقيقة، إربطها بصدرك كالذهب... ".
(آ 5- 6) تعبّر هاتان الآيتان وما بعدهما عن صفات مخافة الله الحكيمة والخلاصيّة التي هي الحكمة والتي تشكّل أساس الاخلاق. فالثقة بالله المؤسسّة على قدرة الله (أي 24: 22)، تعارض الحكمة البشرية. يطبّق سفر الأمثال هذا المبدأ في النظام الاخلاقي (26:14 ؛ 18: 10 ؛ 23:19؛ 30: 1- 4) بحيث يصبح هدفَ تعليمه (19:22)، كما طبّقه الأنبياء في النظام السياسي (أش 5: 21؛ 10: 21؛ 31: 1؛ إر 22:9).
(آ 7- 8) التواضع الذي يمنع الإنسان من أن يضع ثقته في نفسه (26: 12) وفي حكمه الشخصي (جا 7: 16)، يساعده على الوصول إلى مخافة الله وبالتالي إلى العالم الاخلاقي. فالوعد بالصحة وتخفيف الألم (حرفيًا، تبريد عظامك) حاضر في النظام الزمني (30:15؛ 22:17 ؛ مز 16:22؛ 4:32؛ أي 24:21؛ 30: 30) وهو يرمز إلى النظام الروحي (مز 16: 9؛ 35: 10؛ 63: 1).
(آ 9- 10) نقرأ هنا المقطع الوحيد في سفر الأمثال الذي يوحي بعبادة يهوه. أما سائر النصوص فتشير إلى هذه العبادة عَرضاً (7: 14؛ 8:15، 29؛ 6:16؛ 20: 25؛ 21: 3، 27؛ 28: 9). فالحكمة تشدّد على الصلاة والاستقامة الخلقيّة، لا على التقدمات التي تفرضها الشريعة. هي لا تعارض هذه الممارسات، شأنها شأن سائر حكمات الشرق القديم التي تشير إلى هذه الواجبات. قرأت السبعينية آ 9 على الشكل التالي: "أكرم الرب بأعمالك الصالحة وقدّم له بواكير ثمار برّك ". لم تعد شعائر العبادة ممكنة، فروحنت الترجمة النصّ واعطته معنى يتعدّى إطار أورشليم والهيكل.
(آ 11- 12) أسمى شكل لمخافة الله وأقربه إلى المحبة هو السخاء في قبول المحن التي هي علامة صلاح الله. نجد هذه الفكرة أيضاً في أي 5: 17- 18؛ 33: 16- 18، 28- 30؛ عا 4: 6- 11؛ مز 119: 67، 71، 75، وهي تُبرز عملَ العناية كعمل أبويّ ينتزع الإنسان من الخطيئة ويقوده إلى الفضيلة. وإن تحليل مخافة الله (7:1، 29؛ 9: 10؛ 10: 27 ؛ 14: 2، 26؛ 15: 16، 33؛ 16: 6؛ 18: 10؛ 19: 23 ؛ 29: 25) الممزوجة بالثقة والتواضع والتقوى، يجعلنا نستشفّ نظرة دينية وأخلاقية سامية في العهد القديم. وهو يبيّن أن تعليم الحكمة يرتبط ارتباطاً وثيقًا وعميقًا بالله. لا شكّ في أن له علاقات كثيرة مع تعليم الحكمة الشرقية، ولكنه يتجاوزه، فلا يعود يتحدّث عن مخافة العبيد.

2- مديح الحكمة (3: 13- 20)
أ- المضمون
يتوسّع الكاتب هنا في موضوع رائج لدى الحكماء وهو قيمة الحكمة التي لا تُجارى. يبدأ النصّ بتهنئة، بتطويبة متواترة في الأسفار الحكمية (8: 32، 34؛ 14: 21 ؛ 16: 20؛ 7:20 ؛14:28 ؛18:29 ؛ سي 14: 1-2 ، 20، جا 10: 17، مز 1 : 1؛ 112: 1؛ 119: 1- 2؛ 128: 1). ويعلن أن الحكمة والفهم هما أثمن كنز (آ 13- 15؛ رج 8: 11؛ 20: 15؛ 31: 10). ويبرّر تقديره بالنظر إلى ثمارها التي تُسعد الإنسان (آ 16- 18): طول الأيام، الغنى، المجد، السلام. من الممكن أن تكون علاقة بين شجرة الحياة (آ 18 أ) وبين تك 2: 9؛ 3: 22، المتأثّر بتعليم الحكماء (رج11: 30؛ 13: 12؛ 15: 24). وقيمة الحكمة تبدو بسموّها أيضاً. كانت تعمل مع الله، الخالق ومنظّم الكون (آ 19- 20). نجد هنا استباقاً لما سنقرأه في ف 8. ونشير إلى أن الألفاظ المستعملة هنا ليست تلك المستعملة في تك 1. تذكرنا آ 19- 20 بما في مز 102: 26؛ 104: 5؛ رج 69:78؛ أش 13:48 ؛ 51: 13؛ رج أيضاً مز 27:8 (كوّن أو ثبّت السماوات) ؛ أي 26: 6- 8 (تفجّرت الينابيع أو الغمر)؛ أش 35: 6؛ 48: 21 ؛ 63: 12؛ رج أش 45: 8 عن الندى.

ب- تفسير الآيات
(آ 13- 14) يبدأ النصّ مع لفظة "هنيئا". وتعود اللفظة في آ 18؛ رج 32:8، 34؛ 14: 21؛ 16: 20 ؛ 20: 7؛ 28: 19؛ سي 14: 1.
(آ 15- 18) نجد مرّات عديدة التشابيه مع الحجارة الكريمة واللآلئ (8: 10، 19 ؛ 20: 15 ؛ 31: 10؛ أي 15:28-19 ؛ تث 44:33-46)، مع محاصيل الحقل (سي 19:6) لندلّ على قيمة الحكمة، على قيمة مخافة الله (22: 4) والشريعة (مز 19: 10، 11؛ 119: 72). والوعدُ بحياة طويلة (يشدّد عليه الكاتب مرارًا كنتيجة طبيعيّة للحكمة) يرتبط هنا بشجرة الحياة والوعد بالخلود (11: 30؛ 12:13 ؛ 4:15). لا شكّ في أن النظرة ماديّة زمنيّة. ولكن الاشارة إلى الموت والحياة المرتبطين بالسلوك الخلقي تجعلنا نستشفّ مسألة مصير الإنسان. تقرأ السبعينية في آ 16: البرّ يخرج من فمها، وهي تحمل في لسانها التعليم والرحمة (في 26:31 تُنسب هاتان الفضيلتان إلى المرأة العاقلة). وتقرأ السبعينية آ 18 ب: والذين يستندون إليها كما على الربّ، تكون لهم ثابتة.
(آ 19- 20) ويبيّن الكاتب قيمة الحكمة المتأصّلة في الله (18:8- 31؛ أي 28: 20- 28) والمشارِكة في خلق العالم وتنظيمه. تبدو الأرض في هذه الصورة مساحة مسطّحة ترتكز على الغمر، وتبدو السماء قبّة جامدة تعتمد على قمم الجبال.

3- مديح الفطنة والتمييز (3: 21- 26)
أ- المضمون
نحن هنا أمام تنبيه يعرض أمامنا وجهتين من وجهات الحكمة: الرأي والتدبير أو الفطنة والتمييز، الفنّ في تقييم ظروف الحياة. وتعطي آ 26 معنى دينيًا للمقطع. فالفطنة والتمييز لا تملكان في نفسها قوّة اعطاء الإنسان الطمأنينة والسلام والقوّة ضد الأشرار (3: 2- 6). كلّ هذا هو عمل الله (1: 26؛ تث 28: 65- 67: الوجه الثاني لمجازاة جماعيّة، مز 91: 1ي). في آ 22 الحياة الموعود بها هي حياة زمنيّة، ماديّة، إذا تكلّمنا عن الحَلَق والعُنق. وقد تكون العبارة أسمى من هذا، فتدلّ على سعادة داخلية. أما الترجمة السبعينية فتشدّد على الوجه الماديّ وتزيد: سيكون هذا شفاء للحمك واعتناء بعظامك.

ب- تفسير الآيات
(آ 21- 26) نكتشفه هنا ثمرة جديدة تمنحها الحكمة وهي الحماية ضد الشرّ: أخطار الظلمة (19:4؛ مز 91: 5)، خوف من الاحلام المقلقة (أي 7: 11- 15 ؛ سي 40: 5- 7)، خوف من مصيبة مفاجئة تصيب الأشرار (26:1؛ مز 3:91؛ أي 4: 19- 21)، خوف من تجاوز الشريعة في دقائقها (رج مز 91: 1ي؛ أش 8:47- 11). وتُنسب ثمرة الحكمة هذه إلى الربّ نفسه، وهذا ما يدلّ على ارتباطها بالله ويؤكّد أنّها عطيّة إلهيّة. أما في الأسفار التاريخيّة والنبويّة، فإن هذه التهديدات تصيب محتقري الشريعة على المستوى الوطني (تث 65:28-68؛ أش 8:47- 11)، وهي ترتبط هنا بالسلوك الفرديّ. قرأت السبعينية آ 26: يكون الرب في طرقك. والسريانيّة البسيطة: يكون الربّ معك.

4- نصائح من أجل العلاقات الاجتماعية (3: 27- 35)
أ- المضمون
تقدّم آ 27- 35 تشجيعًا لنتخذ مواقف اجتماعيّة ونمارس الفضائل، على طريقة الحكماء الأقدمين (راجع الكتيّب الخامس) ودون الرجوع إلى الحكمة. تتوقف آ 27- 29 عند الصديق (رع، أي المرتبط بالعرق والقرابة والعهد) الذي صار رفيقًا وجارًا. لم نصل بعد إلى اتّساع مفهوم لو 10: 25- 37؛ رج أم 27:18 ؛ 9:25؛ 17:27 وقابل مع "احر"، الآخر، رج أم 6: 1- 3، وقابل مع "زر" أجنبي. فإذا كان هذا القريب فقيرًا ومحتاجًا، أفلا يليق بك أن تؤدّي له خدمة إن استطعت (آ 27؛ رج 13:21)؟ بل لا يحقّ لك أن تتأخّر في مدّ يد العون له (آ 28؛ رج أي 16:31؛ سي 29: 2؛ لو 11: 5- 13 ؛ يع 2: 15- 16). وبالأحرى، لا تخنه ساعة تظهر له أنك أهل لثقته (آ 29). يستعيد هذا الموقف تنبيهات تلفّظ بها الأنبياء ضد الأصدقاء الكذبة الذين تصرّفوا بالسوء في ظروف ملموسة (إر 9: 1- 4؛ 18:11- 19 ؛ 6:12؛ 15: 10 ؛ مز 38 :12- 13؛ 55: 14). وتشير آ 30 إلى الخصومات والمحاكمات الباطلة والخطرة.
وتتوقف آ 31- 34 عند مواقف بشريّة اجتماعيّة ودينيّة. ونحن نجد هنا فئتين من الناس: أهل العنف والفساد والنجاة والسخرية، وأهل الاستقامة والبرّ والتواضع. والربّ يحكم بين هؤلاء وأولئك. فهو قاس مع الذين يمقتهم أو الذين يحبون ما يمقته هو (16:6 ؛ 9:28). إنّه يكرههم ويلعنهم (رج معنى اللعنة الملموس في زك 4:5 ؛ ملا 2:2؛ أم 26: 2) ويهزأ بهم. أما الآخرون، فيباركهم ويُظهر لهم رضاه، ويحدّثهم حديث الصديق لصديقه. إنّهم يؤلّفون مجلسه ويعيشون بقربه حياة حميمة. إنّهم متّحدون معه بفضل عهد ضمنيّ واختيار تفضيلي. نجد مثل هذا الوضع بين البشر (أي 19: 19)، ولكن الله يدعو البشر ليقاسموه حياته (أي 29: 4- 5؛ مز 25: 14؛ 55: 14- 15). وإرميا هو نموذج الصديق الحميم للربّ. إنّه من فئة الذين نعموا برضاه (7:3 ؛ 2:11 ؛ 6:25- 7؛ 23:29) والذين عارضوا المتكبّرين وأهل العنف (16: 19 ؛ 18: 12؛ 23:29). أما هنا، فأصدقاء الربّ الحميمون هم الحكماء الذين أسَّسوا حكمتهم على قواعد دينيّة لا بشريّة.
في هذا التوسيع نجد ذكر اسم الربّ في النهاية، وهكذا يسم الكاتب بسمة دينية فرائضَ يمكن أن تكون مجرّد قواعد حياه بشريّة ونفعيّة. من هنا جاءت النتيجة (آ 35): فالمجد الذي يقابل العار هو خير يفيض على الحكيم من عند الله. نحن ننتظر هذا المجد في مستقبل زمنيّ قد يكون بعيدًا أو قريبًا، وقد لا يصل الحكماء إلى هذا المجد الا بعد موتهم، أي بالشهرة التي تبقى لهم (سي 9:39- 11).

ب- تفسير الآيات
(آ 27- 30) المحبّة نحو القريب. كلمة "رع " تعني القريب والصديق كما تعني القريب بمعنى عام. أما وصيّة المحبّة المفروضة في هذه الظروف (تث 24: 10- 22)، فيذكّرنا بها الأنبياء (هو 5: 10- 12؛ 7: 1- 2) على مستوى المجتمع، وأسفار الحكمة على مستوى الفرد: الصدقة (11: 25- 26؛ 14: 21- 23؛ 17:19 ؛ 21: 26 ؛ 29:22 ؛ 27:28 ؛ 7:29- 14؛ 6:31- 8)، والشفقة على الفقير (10: 15 ؛ 8:12؛ 14: 20؛ 19: 4؛ 22: 7- 16)، والرحمة في الأحكام والعلاقات (20: 3 ؛ 24:22 ؛ 8:25- 10؛ رج أي 16:31-18؛ سي 8:28- 12؛ 2:29).
(آ 31- 35) لا تغرمن أهل العنف. تذكّرنا القرينة بـ 1: 16- 19؛ 21: 1- 9؛ 23: 17، مز 73: 1ي؛ سي 9: 11. أما البواعث فهي: هذا ما يعتبره الله رجسا (باعث متواتر في أم 16:6؛ 11: 1، 25 ؛ 22:12 ؛ 8:15، 26...) أي نجاسة قانونيّة تمنع صاحبها من المشاركة في شعائر العبادة (تك 43: 32؛ تث 3:14 ؛ حز 5: 9). ولكن الأدب الحكمي يشدّد على الناحية الخلقيّة. فما هو رجس عند الله يمقته الله، ويُبعده عن مجلسه وعن حياته الحميمة. وتبدو لعنةُ الله مبدأ هلاك يجلب على رافضي العهد الدمارَ (تث 27: 1ي) والموتَ والمصائب. أما البركة فتحقّق مواعيدَ الله لشعبه. تحقّق السلامَ والسعادة التي تعد بها الحكمة السامعين المؤمنين.
قرأت السبعينية آ 28: لا تقل: إرجع، عُد وغدًا أعطيك... وتزيد: لأنّك لا تعلم ما الذي يولّد اليوم التالي. وقرأت آ 32: لأنّ كلّ فاسد نجسه أمام الربّ، ولا يجلس مع الأبرار

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM