الفصل الثالث: الأمثال وأسفار التوراة

الفصل الثالث
الأمثال وأسفار التوراة

ليس أم كتابًا مستقلاً وسط سائر الأسفار المقدسة. إنه يرتبط بتلك التي دوّنت بعد السبي، كما نجد عددًا من أفكاره في أسفار الأنبياء وقد استقاها من هناك.

1- الوضع الإجمالي
يبدوا أم أصيلاً في التوراة. إلا إنّ علاقته واضحة بالفكر الدينيّ والأخلاقيّ في أرض إسرائيل. لن نتوقّف الآن على علاقاته مع سائر الأسفار الحكمية. ففي أقدم أقسامه، كان مادةَ تفكير لابن سيراخ ولسفر الجامعة. وفي أحدث أقسامه، إرتبط بمدارس الحكماء في الخطّ التقليدي.

أ- أم وسفر المزامير
يتصل أم بسفر المزامير: أولاً: على مستوى الأفكار: تأكيد يقيني بأن الرب يأتي إلى عون الأبرار. تأكيد على ثبات الأبرار بوجه الأشرار. وعيٌ لحضور حكمة الله الفاعلة في الكون. على الإنسان ان يكتشفه هذه الحكمة (تماثل بينها وبين مخافة الله، رج 1 :7) التي تساعده على السيادة على الكون. ثانيًا: على مستوى العبارات. مز 37 هو قريب جدًا من أم. ق مز 37: 1 وأم 17:23 ؛ 24: 1، 19؛ ق مز 16:37 وأم 15: 16؛ 16: 8؛ ق مز 37:37- 38 وأم 18:23؛ 24: 24 أ؛ ق مز 41: 2 وأم 14: 21 ؛ ق مز 8:94 وأم 8: 5؛ ق مز 111: 10 وأم 1 :7.
يلتقي أم مع سفر المزامير في تطويب بعض مواقف الإنسان وحالاته النفسيّة. تبدأ الآية بكلمة "اشري " أي طوبى، هنيئًا، ما أسعد الإنسان. يستعمل سفر المزامير كلمة "أشري " 25 مرّة، أما أم فتسع مرّات.

ب- تقارب بين أم وسائر أسفار التوراة
* أوّلاً: من ناحية المبنى: هناك استعمال لكلمة "مشل " في أماكن عديدة: إر 6: 7؛ 17: 5- 8؛ 9:17- 11. ونستطيع أن نقابل بين اسمع يا بني (أم 4: 10) واسمع يا إسرائيل (تث 6: 4). وبين: من يكن عاقلاً يحصد في الصيف (أم 10: 5) ومن ضرب إنسانًا فمات فليقتل قتلاً: رج مز 101: 5- 6 ؛ عا 7:5- 8؛ 6: 1. ونقابل أيضاً بين عبارات فتاوى تبدأ بالشرطية. إن جاع من يبغضك فأطعمه خبزًا، وإن عطش فاسقه ماء (أم 25: 21). وإن وقع ضرر على المرأة فنفس بنفس (خر 1 23:2). ونشير إلى وجود هذه الصورة في أش 3: 16- 24.
* ثانيًا: من ناحية المعنى. يبدو أم متصلاً بالخطوط الأساسيّة للفكر الدينيّ في أرض إسرائيل. لا شكّ في أنّ كلمة العهد والتوراة (أي الشريعة الموسوية) وغيرهما نادرة، ما عدا 17:2 ؛ 23:6؛ 28: 4، 7، 9؛ 18:29. ولكن التقوى وممارسة أخلاقيّة مؤسسة على العهد والشريعة هما حاضرَتان في رؤية أم. لا شكّ في أن تفسير التاريخ انطلاقًا من هذا الوحي الأساسيّ لا يدخل في مشروع أم، ولكن الإيمان اليهوي يساعد الكاتب على تفسير الخلق وبهذا يحفظ نفسه في إطار لاهوت العهد القديم.
إنّنا نجد في الكتيّب الأول (ف 1- 9) شهادة قلق روحي عند الحكماء في وقت خفّ فيه الإيمان والأخلاق في أرض إسرائيل (حوالي سنة 480 ق م). صمت الأنبياءُ الكبار. فقام الحكماء بعمل معلّم الأخلاق. هم لم يتكلّموا إلى الأمة كأمة، فشعب إسرائيل صار جماعة مكرّسة لا أمة. بل تكلّموا إلى الأفراد، وعادوا بهم إلى مبادئ الإيمان والأمانة لإله عادل ومجاز، هو إله الوصايا العشر وصار الانتظار المسيحاني رغبة في حضور الله وسط البشر دون الرجوع إلى داود. فالحكمة ورثت وظيفة الملك المسيح: دينونة الأشرار، تحقيق الكمال الخلقي، تحقيق سعادة الإنسان. من هنا كان التعليم منفتحًا على الكون، لا منغلقًا على شعب إسرائيل. ولكن هذا التعليم يستلهم مواده من معلّمين أتقياء، من معلمي المدرسة الاشتراعية والأنبياء (إرميا، أشعيا الثاني). وفي الوقت ذاته عبّر المرتل بطريقته الخاصة عن التعليم ذاته حين قدّم لنا المزامير.

2- المواضيع المشتركة بين أم والتوراة
ونعود إلى الكتيّب الثاني والكتيّب الخامس. نجد في هذين الكتيّبين يقينًا ثابتًا نكتشفه في سائر الكتابات اليهوية. فالحكماء يشهدون على إيمان عميق. إنّهم يحسّون نفوسهم تحت نظر يهوه، وهو بالنسبة إليهم الإله الحي.

أوّلاً: على مستوى الدين
إذا وقفنا على مستوى العلاقات بين الله وعالم البشر، نجد المقابلات التالية: أم 30: 4 وأش 40: 12 (دعوة الخليقة لتؤسس حقّ الله بأنّ يطاع)؛ أم27:14؛ 19: 23 ؛ مز 34: 12 (مخافة الرب طريق الحياة) ؛ أم 1 :7؛ 15: 33 ومز 111: 10 (مخافة الله مبدأ الحكمة). أم 3:17 ومز 7: 10؛ أم 2:21؛ 12:24 وإر 11: 20؛ 17: 10؛ 20: 12 (الله يسبر، يزن، يكيل الكلى والقلوب)؛ أم 3:17؛ 27: 21 أومز 66: 10؛ أم 3:15، 11 ؛ 24: 12، وإر 17:16؛ مز 11: 4؛ 13:33- 15 (الله يرى، يراقب حياة البشر)؛ أم 16: 20 ؛ وإر 7:17، مز 2: 12 د؛ 40: 5؛ 146: 5؛ أم 16: 3 ومز 37: 5؛ أم 22: 19 ؛ 29: 25 ومز 118: 8- 9؛ إر 17: 7- 8 (الثقة بالله)؛ أم 18: 10 ومز 61: 4 ؛ 8:124 (قدرة اسم الرب). أم 30: 5 ومز 7: 11؛ 115: 9- 11 (الله ترس). أم 21: 30 ومز 33: 10- 11 ؛ أش 8: 10 (إن مشورة البشر لا تقف أمام الله)، أم 21: 31 وتث 20: 1 ؛ هو 1 :7 ؛ مز 8:20 ؛ مي 9:5 (رفض الالتجاء إلى السلاح والخيل). أم 15: 8؛ 21: 3، 27 ومز 50: 8- 9؛ 18:51- 19، عا 5: 21- 25؛ أش 1: 11- 17 ؛ إر 6: 20 (ذبيحة الشرير باطلة). ونستطيع أن نقابل على مستوى التعابير: أم 25: 2 وتث 28:29؛ أم 30: 4 وتث 30: 2، وهناك النصوص التي تتحدّث عن طلب (أو رفض) الله والحكمة: هو 6:5، 15، عا 12:8 وأم 1 :24- 28.

ثانيًا: على مستوى الحياة الأخلاقية
نحن هنا أمام مقولة البار والشرير. ندّد الحكماء مع الأنبياء بالظلم في ممارسة العدالة. ق أم 17: 15 وعا 5: 12. وشجبوا الهدايا والرشوات (شحد في العبرية) التي تُعطى للقاضي حتى يحرمَ الفقراءَ حقهم. ق أم 15: 27؛ 23:17 وأش 1: 23؛ مي 3: 11؛ مز 22: 12؛ تث 16: 19 (لا يعود هذا النصّ إلى الله، ويتحدّث عن الحكماء أي الخبراء في القضاء)، 25:27؛ مز 15: 5 ؛ 26: 10؛ عا 5: 12 (يقدّم الفكرة عينها مع كلمة "كفر" التي تعني فدية وكفارة). ويحذّرنا الكتاب من المحاباة والتمييز بين الأشخاص. ق أم 23:24؛ 28: 21 وتث 1: 17؛ 19:16. ونجد الفكرة عينها في أش 2:10 ؛ مي 3: 9، إر 5 :28. ويتحزّب الأنبياء والحكماء مع الصغار، مع المساكين ضد العظماء الذين يؤثّرون على الحكم والسياسة، الذين هم "حكماء" (تث 19:16) من نوع آخر. ق أم 20: 10 وتث 13:25- 16 (احترام العدالة في التبادل الدولي). رج مي 6: 10- 11، عا 8: 5، هو 8:12.
وحين يصوّر الحكماء والأنبياء محاولات الأشرار، فهم يستعملون ألفاظاً وعبارات مشتركة: يفكّرون في الشر، يكمنون للبريء. ق أم 22:14 (رج 14:6، 18) ومز 36: 5 أ؛ مي 2: 1 أ؛ ق أم 15:24 ومز 10: 8- 10؛ إر 5 :6؛ هو 9:6. قال أم 21: 18: إنّ الشرير يعطى فدية عن البار. وقال أش 3:43- 4: إنّ مصر تُعطى فدية عن إسرائيل.

ثالثًا: على مستوى الحياة الاجتماعية
نحن هنا أمام مقولة الأغنياء والفقراء. وعى الحكماء الاقدمون، كما وعى الأنبياء، التعارض بين الأغنياء والفقراء، فجاءت أقوالهم تدافع عن الضعفاء ضد الابتزاز الذي يمارسه الأغنياء ضدّهم. قال أم 22:22: "لا تسلب الفقير لأنّه فقير، ولا تسحق المسكين في القضاء". وقال عا 5: 15: "أبغضوا الشرّ وأحبوا الخير ومارسوا العدالة في المحاكم ". ونحن نضع في هذا الاطار أم 24: 11 على ضوء مز 82: 4 ؛ وهناك أم 23: 10 (لا تزح المعالم القديمة ولا تدخل حقول الأيتام) وإيعاز زك 7: 10 بأنّ لا نشتهي حقل اليتيم. فالله يهتمّ بمصالح الارامل. هذا ما قاله أم 15: 25 وتث 24: 19 (ذكر الارملة واليتيم)؛ 26: 12 ؛ مز 68: 6 (الله هو أبو اليتامى ومنصف الارامل)؛ 146: 9 (التقارب هو على مستوى الفكرة لا على مستوى الألفاظ). ولكن المهم هو أن الحكماء اهتموا بفئات اجتماعيّة لم يقدّرها سي 38: 24- 34 (قدّر المسكين الحكيم والعاقل في سي 10: 30- 31 ؛ 11: 1 ونصح بالصدقة له، سي 30:3- 4: 40، 32:7؛ 8:29- 13).
وهنا تأتي نصائح تدعونا لمساعدة الفقير: ق أم 7:29 ومز 41: 2: فعلى الملك أن يعمل ليعيد إليه حقّه. ق أم 31 :8 والنصيحة المعطاة في مز 2:41 (طوبى لمن يراعي المسكين). ويطوّب النصّ ذاك الذي يشفق على الفقراء (أم 14: 1 ؛ مز 41: 2). من يتصرّف على هذا النحو يُبارَك. ق أم 17:19 (من يرحم الفقير يقرض الرب) ؛ 22: 9 ؛ 27:28 وأش 7:58- 8؛ تث 15: 9- 10 وإن المرأة القديرة تُمدح لأنّها تعتني بالفقراء (أم 31: 20).
أما الغني فهو شائن لا فائدة منه في يوم غضب الرب (أم 11: 4، 28؛ صف 1: 18)0 الغنى ينبوع تكبّر واعتداد بالنفس (أم 15:10؛ 18: 11 ؛ مز 7:49 ؛ 52: 9) وهو يعرّض الإنسان لأن يبتعد عن الله (أم 30: 9 ؛ تث 32: 15). كما أنه يقود إلى البخل. رج أم 11: 24 وتث 15: 10 (أعطه قرضاً من كل قلبك، فيباركك الله).
نشير هنا إلى أن الكتيّب الأول (ف 1- 9) يعتبر الغنى والعدالة امتدادًا للحكمة. ق أم 18:8 وتث 12:7-13؛ 13:11 - 14 ومز 3:112.
عالج الحكماء الغنى والفقر فالتقوا بأسفار الأنبياء والمزامير والتثنية. لسنا أمام تبعيّة بين كتاب وآخر، بل أمام اهتمامات واحدة واجهت الشعب العبراني على مدِّ عصوره.

رابعًا: مسألة المجازاة
ان الله يجازي كل واحد حسب أعماله: ق أم 24: 12 ومز 62: 13؛ إر 25: 014 الله يبارك البار (ق أم 10: 6 ؛ مز 24: 5) فيدوم، أما الشريّر فيزول (أم 7:12 ومز 27:73؛ رد36:37، 40). لا يتزعزع البار (أم 10: 30 ؛ مز 112: 6 أ؛ 125: 1). له يُشرق النور (أم 13: 19؛ مز 97: 11 ؛ أش 8:58، 10). لا شرّ يصيب البار لأن الرب ينجيّه (أم 12: 21 ؛ مز 39:37، 40 ؛ 91: 10). إنّه يحصل على ما يتمنّاه (أم 10: 24 ؛ مز 4:37). ذكرهُ بركة أبدية: ق أم 15: 24 ومز 112: 6 (دون كلمة بركة). قد يسقط البار، ولكنه ينهض سريعًا (أم 24: 16؛ مز 37: 24). وقول أم 11: 31 (إذا كان البار يُجازي على هذه الأرض، فكم بالأحرى الشرّير والخاطئ) يجد توسيعه في مز 37 (رج أش 3: 11 وقابله مع أم 11: 31 ب).
أما الشرير فيحطّم: ق أم 11: 21 ؛ 12: 7 (رج 6: 15) ومز 35:37- 38. الموت معدّ له: ق أم 10: 21 (البار والغبي) ومز 55: 24. موضوع انتظاره يبيد (أم 10: 28 ؛ 11: 7 ؛ مز 112: 10) واسمه يمحّى (أم 10: 7؛ مز 6:9). لهذا لا نحسد الخطأة، ولا نتشكّك من نجاحهم (أم 3: 31 ؛ 17:23؛ 24: 1، 19 ؛ إر 12: 1، مز 37: 1- 2؛ 73: 3).
وقد يتحدّث النصّ عن المجازاة بمعزل عن تدخّل الله وعن جزاء اخلاقي، بل كنتيجة طبيعيّة للأمور. ق أم 8:22 مع هو 7:8. ونجد عبارة أم 18:11 المميَّزة في هو 10: 12: يقال: ما نضمره من شرّ يعود علينا (أم 27:26 ؛ 28: 10؛ مز 16:7؛ 16:9).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM