الفصل الثالث والثلاثون: موآب وعمون وأدوم ودمشق

الفصل الثالث والثلاثون
موآب وعمون وأدوم ودمشق
48: 1 – 49: 39

بعد أن قرأنا أقوال إرميا على مصر والفلسطيين، نقترب إلى البلدان التي تحيط بيهوذا: موآب (48: 1- 47) التي لن يكون الكلام قاسياً عليها. ولكنها دخلت مع الأمم المجاورة التي يسودها الربّ كما يسود أمم الأرض كلها. ثم عمون (49: 1- 6) العدوّ التقليدي، وأدوم (49: 7- 22) أخ يعقوب، ودمشق موطن الاراميين (49: 23- 27)، والعرب (28:49- 39).
1- حكم الرب على موآب (48: 1- 47)
موآب بلد قريب من يهوذا. يقع شرق البحر الميت. أما التناقض بين موآب ويهوذا فيعود إلى بدايات تاريخ اسرائيل (عد 22- 24؛ رج تك 19: 30- 38 ؛ تث 23: 4 - 7). ولكن ظلّت العلاقات قائمة بين الشعبين (رج سفر راعوت). خلال أيام المنفى، لجأ بعض اليهوذاويين إلى موآب (40: 11). كان تاريخ موآب هادئاً بسبب موقعه الجغرافيّ (آ 11). أما القول النبويّ الذي نقرأه هنا فلا يرتبط بحدث خاص، بل برغبة النبيّ أن يتوسّعِ في نظراته اللاهوتيّة: الله يسود جميع الأمم. سوف نلاحظ أن ف 48 يتضمّن عدداً كبيراً من العبارات المأخوذة من أش 15- 16، كما يتضمّن تكرارات كثيرة.
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 48= سب 31 حيث لا نجد آ 45-47. في آ 1، لا نجد في سب "الجنود إله اسرائيل " ولا "أخزيت " (تكرّرت في مس). "أخزي العقل وارتعب " (مس): صيغة المؤنّث دلّت على أن "هـ. م ش ج ب " فُهمت كأنها اسم مكان. في 46: 24 استُعملت "هـ ب ي ش هـ " بشكل صحيح بعد أن شخصت مصروكأنها صبيّة.
آ 2- "فخر موآب ". رج 25:49؛ 51: 41. سب: شفاء موآب. تلاعب على الألفاظ مع حشبون حسبوا. سب: فخرفي حشبون. لا نجد في سب "هلموا" ( ل ك و). في مس: مدمين. موضع غير معروف. ولكن قد نكون أمام ديبون. رج أش 9:15 مع التلاعب على الألفاظ (ديمان، ديبون). في أش 25: 1 تستعمل "م دم ن هـ "، جبّ (دم ن، رج 8: 2؛ 9: 21؛ 16: 4؛25: 33) بالنسبة إلى موآب. هنا تلاعب على الألفاظ مع "دم م "، صمت. رج سب: وستصمت صمتاً (تاماً).
آ 3- حورونائيم. رج آ 5؛ أش 15: 5. بهس: من جبل عباريم. "خراب وانحطام ".
رج أش 7:59 ؛ 18:60. وترد لفظة انحطام (عظيم، كبير) في 6:4؛ 6: 1.
آ 4- "أسمعت صغارها صراخاً". رج 49: 20؛ رج 50: 45 بالنسبة إلى الصغار أي الذين لا معين لهم. "ص ع وري هـ " (كت). قر: ص ع ي ري هـ (صغارها). رج 3:14. سب: أعلن في صوغورا (كأنها موضع) بدون "صراخ ". رج أش 15: 5، ع د. ص وع ر.
آ 5- لوحيت. رج أش 15: 5 (ألواح؟) "يرتفع بكاء على بكاء". رج أش 15: 5 (أي يتصاعد). لا نجد في سب "ضيق " (ص ري).
آ 6- "مثل عرو عير في البرية". سب: مثل الحمار الوحشي (ع رود، أي 39: 5).
رج "ف رع " في 24:2. بهس: يقيم في البرية (يُلغي عروعير).
آ 7- مس: صنائعك كنوزك. سب: في عزّتك.
آ 8- لا نجد في سب (لا تنجو) "مدينة". الوادي والسهل. هذا ما يدلّ على موآب حسب البعض. بهس: الوادي هو ما يقع شرق الأردن وشمال البحر الميت (رج يش 27:13). والسهل هو الهضبة التي تقع إلى الشمال من أرنون إلى حشبون. مس: لأن الربّ قد تكلّم. فكأن النصّ يورد كلام الربّ في 33: 22.
آ 9- أعطوا موآب "ص ي ص ". سب: علامة.
آ 01- لا تكرّر مس "ملعون " في آ 10. رج 50: 25 ؛ قض 5: 23 من أجل عمل الله ومشاركة البشر في هذا العمل.
آ 11- "عكره " (ش م ري د). فالنبيذ غير مصفّى. رج آ 32- 33؛ رج أش 16: 11- 10 من أجل صورَ مأخوذة من زراعة الكرمة في موآب.
آ 12- تلاعب على الألفاظ: ص ع ي م. وص ع هـ و: مصفين يصفون. مخضعين يخضعون. رج 2: 20. مس: جراره. سب: جرارهم (الجمع). تعتبر بهس "لذلك ها إنها ستأتي أيام يقول الربّ "كإضافة، لأن إرميا ينتظر حدوث كارثة لموآب في القريب العاجل، لا في الأيام المقبلة.
آ 13- بيت ايل هو اسم إله هنا. نجد مقابلة بين إله موآب (كموش) وإله إسرائيل (بيت إيل). قد نكون أمام حاشية وُضعت قبل سنة 587. فسقوط أورشليم أبعد فكرة كل "برارة خاصة" من يهوذا تجاه اسرائيل. المملكتان خطئتا وكلتاهما نالتا العقاب. لقد صار كموش مثل بيت ايل (مملكة الشمال).
آ 15- "دُمِّر موآب ". رج آ 18 ب (صعد المدمِّر).
آ 16- "إي د" عطب. سب: يوم (= ي وم). أشير إلى دمار موآب مع لفظة "ق روب " (قرب في العربيّة). رج يوء 1 :5؛ 2: 1 ؛ 4: 14. وعبارة "وأسرع هلاكُه جدًا".
آ 18- نجد خطأ الناسخ: اقعدي. رج أش 47: 1 (انزلي وامتدي) حيث يقال عن بابل أنها نزلت عن عرشها. "ب ص م ا" (الظمأ)، الأرض الجافّة. سر: الأقذار. مس: الساكنة بنت ديبون، رج 19:46. لا نجد في سب "بنت ". بهس: نحن أمام تكرار "ب ت ": ي ش ب ت. ب ت ". تلغى "ب ت " فتصبح العبارة "ساكنة ديبون ". ديبون مدينة تقع شمالي نهر أرنون حيث وُجدت مدوّنة ميشاع (أو: الصخرة الموآبيّة). رج آ 15 أ بالنسبة إلى آ 18 ب. رج 13:21؛ 23:22 بالنسبة إلى "ساكنة" كصفة لمدينة أو موضع.
آ 20- رج آ 1؛ 24:46.
آ 25- لا نجد في سب "ن ام. ي هـ وهـ "، يقول الربّ. "ق رن " (القرن)، "زرع " (ذراع) يدلاّن على القوّة (رج مرا 2: 3). قد يكون هذا جواب اللاجئين على سؤال طُرح في آ 19 ب (قولي: ماذا جرى).
آ 26- السكر صورة عن غضب الله. رج 15:25- 29 ؛ أش 26:49؛ 51: 21- 23؛ 63: 6.
آ 27- لا نجد في سب "كلما تكلّمت عنه ".
آ 28- رج 13: 4؛ أش 2: 21 من أجل الاختباء بين الصخور. "في أطراف فم الهوّة". رج آ 43. أي في مكان مؤقت تجعل فيه الطيور أعشاشها.
آ 29- مس: سمعنا (نحن). سب: سمعتُ (أنا). هي المرة الوحيدة يرد المتكلّم الجمع في ف 48 (إن آ 14 هي إيراد خطبة). ق آ 29- 33 مع أش 16: 6- 10؛ 36 أ مع أش 16: 11؛ آ 35 مع أش 12:16؛ آ 34 مع أش 15: 4 أ، 5 أ، 6 أ ؛ آ 29 مع أش 16: 6 (بعض اختلافات).
آ 30- "صلفه ". سب: أعماله. لا نجد في سب "يقول الربّ ". مس: افتخار فارغ (ب دي د). سب: أما هو اكتفاؤه؟ أما يكفيه؟
آ 31- رج أش 7:16. مس: على رجاله قير حارس ينوح. رج 7:16 (أقراص الذبيب في قبر حارس)
آ 32- رج أش 16: 8- 9. إن آ 32 هي أقصر، وتستعمل بعض عناصر أش 16.
آ 33- رج أش 16: 1. نجد تلاعباً على الألفاظ. هـ ي د د. ل ا. هـ ي د د: هتاف
الدائسين.
آ 34- رج أش 15: 4- 6.
آ 35- رج أش 16: 2 بالنسبة إلى ممارسة شعائر العبادة في موآب.
آ 36- رج أش 16: 11؛ 15: 7. "هلكوا لكثرة ثروتهم ". مع أنهم جمعوا الثروة، فمع ذلك هلكوا.
آ 37- رج أش 15: 2 ب- 3. رج 16: 6؛ 41: 5؛ 47: 5 من أجل علامات الحداد.
آ 38- رج أش 3:15. لا نجد في سب "كلها ندب ". أي لا نجد إلاّ الندب. "كإناء لا رغبة فيه ". رج 28:22.
آ 39- رج آ20 . اعتبرت بهس آ 39 إضافة أخذت من آ20. رج آ 26 من أجل "صار موآب ضحكة" (ل ث ح ق). رج 17: 17 بالنسبة إلى الرعب. صار موآب موضوع رعب. من رآه ارتعب لما حدث له.
آ 40- لا نجد في سب آ 40 ما عدا " لأن هكذا قال الربّ ". رج 49: 22 بالنسبة إلى عناصر آ 40- 41. رج حز 17: 3 من أجل صورة النسر؛ أش 8: 8 ب من أجل موضوع الاجتياح (أو الحماية). ينقضّ النسرُ على العدوّ، أو هو ينزل ليحمي صغاره.
آ 41- رج 4: 31 بالنسبة إلى مخاض المرأة، و30: 6 بالنسبة إلى الرجال الذين تحولّوا إلى نساء في المخاض.
آ 42- رج آ 26 بالنسبة إلى "لأنه تعاظم على الربّ ".
آ 43- رج أش 24: 17 (نجد "الأرض " بدل "موآب "، وغابت "يقول الربّ "). لا نجد في سب "يقول الربّ ". نقرأ "ف ح د"، "وف ح ت "، "وف ح ". الرعب والحفرة والفخ. ولكن نلاحظ رنّة الحروف.
آ 44- رج أش 24: 18. إذا كان اش 24 يعود إلى ما بعد المنفى، فهذا يعني أن هذه القطعة (آ 40- 47) تعود إلى ما بعد سنة 0587 التوسّع في آ 44 أب نجده في عا 5: 19 .
آ 45- رج عد 28:21؛ 17:24 ب. لا نجد في سر آ 45 أ. يشخّص موآبُ بشكل رجل أكلت النار رأسه. رج عد 17:24 ب.
آ 46- رج عد 21: 19. "دُمِّر شعب كموش ". أو "دمِّر" (هو). في الترجمات: دمّرت (أنت).
آ 47- رج آ 30- 31 من أجل الكلام عن العودة من السبي وإعادة البناء. رج 29: 14. نجد الرحمة تجاه موآب في أش 16: 1- 5 (عكس صف 8:2- 11). " في آخر الأيام " أي في المستقبل، بعد أن يتمّ الدمار. لسنا هنا في إطار اسكاتولوجيّ. رج 23: 20؛ 30: 24؛ عد 24: 1. هذا ما يقابل "بعد ذلك " في 46: 26؛ 49: 6. "إلى هنا دينونة موآب ". رج 51: 64. بما أن هذا القول على موآب كان طويلاً، أجبر الناشر على إضافة حاشيّة تدلّ على النهاية.
ب- التفسير
آ 1- بدأ الكلام النبوي بالدمار. نبو: مدينة عند سفح جبل نبو في شرق الأردن. فريتائيم. رج يش 19:13 ؛ عد 17:32 ؛ نصّ نصب ميشاع. لا نعرف موقعها. "م ش ج ب "، المعقل. قد نكون هنا أمام مدينة ثالثة. ربما هي العاصمة التي هي القلعة.
آ 2- وتذكر مدن موآب: حشبون التي تبعد 30 كلم إلى الشرق من أريحا، وتقع على الطريق الملكية. ثم مدمين التي نجهل موقعها. قد تكون ديبون الواقعة في قلب موآب. رج أش 25: 1.
آ 3- حورونائيم. تقع في القسم الجنوبي من موآب. ذُكرت في مدوّنة ماشع.
آ 4- نلاحظ تكرار"موآب " في آ 1، 2، 4، 9، 11، 13، 15، 16... حسب شرّاح يهود "الصغار" هم الرؤساء. هم صغار تجاه الله.
آ 5- لوحيت. تقع هي أيضاً في جنوب موآب. رج أش 15: 5.
آ 6- عروعير مدينة في وسط موآب. هنا تُفهم الجملة في معنيين: كونوا أقوياء مثل هذه المدينة (هي تشرف على واد عميق). أو (إن دمّرت المدينة) تصيرون دماراً مثل عروعير.
آ 7- هنا يُعطى السبب اللاهوتي، ولا يُذكر الجوّ السياسيّ والحربيّ في المنطقة. اتكّل موآب على نفسه، على إلهه كموش، على قوّته كنوزه. لهذا ضاع كل شيء. مضى الاله كموش (الاله الوطنيّ في موآب والمذكور على مسلّة ميشاع) إلى السبي مع كهنته.
آ 8- لقد جاء المدمِّر (نبوخذ نصر. الوادي والسهل أي البلاد كلها بوديانها وسهولها. نشير هنا إلى أن السهل (ع م ق) (أو الهضبة السهلة)، يدلّ على المنطقة الرئيسيّة في أرض موآب.
آ 9- في العبرية: "أعطوا موآب جناحاً" أو "زهرة". ولكن حسب اليونانية: شاهدة، شيئاً يذكّرنا بما كانت عليه أرض موآب قبل أن تدمَّر.
آ 10- نقرأ هنا آية قاسية، وكأن الله تماهى مع "المدمّر". يريد من جيشه أن يضرب بحماس، أدن لا يتراخى، أن لا يعد عن الدمّ! أترى الكاتب يريد أن ينتقم من موآب بعد ما حدث لأورشليم سنة 587؟
آ 11- هنا عاد الكاتب إلى الماضي، ساعة كان موآب في سلام، ولم يذهب إلى المنفى. شبّه موآب بخمرة لم تحرّك، فظلّت طيبّة.
آ 12- أما المستقبل فسيكون قاتماً. اتكلوا على كموش، كما اتكلت مملكة اسرائيل على عجل بيت إيل. فكما راحت اسرائيل إلى السبي مع الاشوريين، هكذا يكون مصير موآب. فأي فرق بين الأصنام وهذا العجل؟ في أي حال، لا سيّد إلاّ الربّ، وجميع الآلهة باطلة لا نفع منها.
آ 14- وتبجّح موآب بملكه ورجاله. فجاء الجواب: جاء المدمّر نبوخذ نصر تدمّر المدنُ، يموت الشبّان. تلك هي في الواقع نتيجة الحروب. ما سيحصل لموآب قريب، بل هو حصل. فلا يبقى سوى تقدمة التعازي لموآب.
آ 17- فكما نظر جيران يهوذا إلى ما حلّ بأورشليم والمدن المحيطة بها، هكذا ينظر جيران موآب. نقرأ "كيف". هكذا بدأت مراثي إرميا. وها هو النبيّ أو تلاميذه يرثون موآب بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه. كل شيء سقط. هنا ترد الصور: صولجان العز، عصا السلطان، المجد.
آ 19- تطعّ إلى ديبون كأنها أنثى تبكي بنيها. وتطلّع إلى عروعير. فوصل إلى ارنون الذي هو سيل يعبر هضبة موآب في واد عميق قبل أن يصبّ في البحر الميت.
آ 21- بحر المدمّر (نبوخذ نصر) في آ 8، 15، 18،... (ش د د). وذُكر الفعل. مثلاً في آ 20: دمِّر موآب. فالصورة صورة خراب ودمار. فكأن هذا "الشاعر" مرّ في موآب بعد الحرب، فرأى ما حدث بالمدن، فبكى عليها وأعلن أن هذا حكم الله الذي هو سيّد التاريخ. نقول في لغتنا، لا شكّ في أن الحرب هي من صنع البشر، ولكن مع ذلك، فالرب يأخذ على عاتقه الشرّ كل الحروب فيجعله في صليبه، لا موضوع انتقام، بل غفران من أجل قيامة جديدة. ولكن في أي حال يبقى عالم القتل والدمار سراً لا يفهمه الانسان. نشير هنا إلى أن بعض هذه المدن الموآبيّة المذكورة في آ 21- 24 نقرأها على مسلّة ميشاع. وينتهي كل هذا بصورتين تدلاّن على القوة (آ 25): القرن والذراع. لم يبقَ لموآب قرن (وماذا ينفع الثور من دون قرنه)، ولا ذراع (ما نفع الجندي بدون ذراعه). رج حز 30: 21؛ مز 37: 17. فقد جاء وقت يهزأ فيه اسرائيل بموآب. هي شريعة المِثل على المستوى البشري. ولكن على المستوى اللاهوتي، الشعوب متساوية، ولا شعب أعظم من شعب. حين تمرّ الحرب لا يفلت أحد من دمارها.
آ 28- جاءت الحرب، فهرب الناس واختبأوا في الصخور والمغاور.
آ 29- لماذا فعل الربّ بموآب ما فعل؟ تكبّرُ موآب، تشامخه، تجبّره، ترفّعه... تتكدّس الألفاظ لتدلّ على أن هذا هو سبب كل هذا الانخفاض. يجب أن تخضع الشعوب لله، أو هو يُخضعها بالحروب والدمار.
آ 31- تُذكر قير حارس، أي مدينة الفخّار المحطّم، مدينة قطع الفخّار الباقية والتي تُرمى في زاوية. حسب اليوناني، كان الاسم، وهو اسم عاصمة موآب، ق ي ر. ح د ش، المدينة الحديثة، الجديدة. فصار هزءاً "ق ي ر. ح ر ث".
آ 32- سبمة: تقع بين حشبون ونبو (رج يش 13: 19). وقد اشتهرت (كما اشتهرت) موآب بكرومها وصخورها. يعزير: رج عد 21: 32؛ أش 8:16. مدينة موآبية. مهماً امتدّت أغصان الكروم حتّى وصلت إلى البحر (وهذا مستحيل)، فسيأتيها المدثر (آ 8، 15...). نجد هنا "بحر يعزير". ولكنه خطأ ناسخ. فنقول مع اليونانية وبعض المخطوطات وأش 16: 9: "أغصانك جازت البحر وبلغت يعزير".
آ 33- ويعود إلى الكروم والخمور (يوء 1: 16) التي هي مبعث فرح ولا سيمّا في عيد القطاف. كل هذا اختفى. وتنتهي الآية فتقابل ربّما بين هتاف دائسي العنب وهرج المهاجمين.
آ 34- وترتفع أصوات الاستغاثة من حشبون فتصل إلى إلعالة (تبعد 3 كلم إلى الشمال الشرقي من حشبون)، بل إلى باحص (تبعد 25 كلم إلى الجنوب). تقع صوعر وحورونائيم جنوبيّ غربي أرض موآب. عجلة شليشية (هي عجلة بنت ثلاث سنوات). أو هي لقب حورونائيم. أو اسم مدينة اعتادت تربية العجول. نمريم واحة تقع جنوبي شرقي البحر الميت.
آ 35- ويرد قول الربّ من خلال صوت النبيّ بسبب عبادة الاوثان. ويتألّم بسبب ما حدث.
آ 37- وتظهر علامات الحداد: الشعر، اللحى، الخدوش، المسوح.
آ 40- ونقرأ أيضاً قول الربّ الذي يبدو كنسر ينقضّ على فريسته. في العبرية "ق ري وت" (القرى والمدن). "م ص د وت" (الحصون). قد نكون أمام دمار عام يصيب المدن والحصون، وقد نكون أمام حصنين هما قريوت ومصدوت.
آ 43- ونعود إلى السبب: أراد موآب أن يرتفع فوق الربّ كما فعل بُناة بابل (تك 11).
آ 43- كل هذا له اسم: الرعب. كأنه شخص حيّ يلاحق الناس. رج عا 5: 19. ومع الربّ نجد الحفرة والفخ. من أفلت من شرّ وقع في شرّ آخر (آ 44).
آ 45- هرب الذين هربوا، والآخرون ذهبوا إلى السبي. ولكن الذين هربوا ماتوا أيضاً بالنار فكان مصيرهم مصير بني يهوذا الذين لجأوا إلى مصر نجد هنا صورتين. "ف ا هـ" الزاوية. "ق د ق د"، جمجمة. تشبّه أرض موآب برجل يصاب من الرجلين إلى الجمجمة. لهذا كانت الترجمة (بدل زاوية وهامة): سفوح وقمم موآب.
آ 47- ولكن سيكون خلاص لموآب كما ليهوذا في إطار ما قرأنا في 26:46 عن مصر.
ج- دراسة عامّة
يتألّف "القول على موآب" من سلسلة قصائد مع شروح نثريّة. نجد في أش 15- 16؛ عا 2: 1- 3، صف 8:2- 11، حز 8:25- 11 أقوالاً مشابهة على موآب. فماذا وضعنا جانباً القصائد على بابل (ف 50- 51)، لا نجد بطول ما قيل على موآب في ف 46- 51 (بل هذا القول أطول ممّا نجد عند سائر الأنبياء). أجل، لم يهتمّ إر بسائر الشعوب من فلسطين وعمونيين، كما اهتمّ بالموآبين. حتّى مصر لم يكن لها حصّة موآب. ما سبب هذا؟ أولاً، هناك علاقات خاصة بين يهوذا وموآب. لأن موآب تألّم كما تألم يهوذا خلال حقبة امتدت من سنة 605 حتّى سنة 482. ما نلاحظ في هذا الكلام على موآب هو أصماء المدن، بحيث صرنا أمام خارطة عن هذه الأرض الواقعة جنوبي يهوذا.
هناك من قسم ف 48 ثلاثة أقسام: آ 1- 13، 14- 27، 28: 47. وآخر، خمسة أقسام: آ 1- 10، 11- 17، 18- 28، 29- 39، 40- 47. وثالث عمل في بهس، ستة أقسام: آ 1- 10، 11- 17، 18- 28، 29- 39، 40- 42، 43 - 46. يمكن أن تكون العناصر النثريّة كالآتي: آ 10، 12- 13، 21- 24، 26- 27، 34- 39. ويتألّف الكلام من دعوة إلى الهرب، وإعلان الدينونة، ورثاء ونداء إلى الحزن والحداد، وكلام حُكم. يبدأ ف 48 بالعنوان: ل م و ا ب، لموآب أو على موآب. وتأتي مقدّمة أخرى (هكذا قال الربّ) فتدلّ على أننا أمام قول نبويّ: دمار موآب هو نشاط إلهي. الله هو الذي قال، والله هو الذي فعل. أما نحن فنأخذ بالتقسيم الثاني.
في آ 1- 9، نرى مدن موآب خراباً، فتُدعى سائر المدن للهرب من المدمِّر. فُتحت ثغره في خطّ دفاع موآب، فلم يعد من أمل بالهرب. لقد تكلّم الربّ، فوجب على موآب أن يذهب إلى المنفى مع إلهه كموش. في آ 10، يأتي شرح نثري يدعو إلى القتل كما في حرب مقدّسة. قد نكون أمام "هجوم" على يوشيا الذي لم يعرف أن يُنهي الحرب مع الموآبيين خلال الفراغ الذي تركه ضعف الاشوريين في المنطقة.
في القطعة الثانية (آ 11- 17) نجد عنصرين مختلفين. في آ 11- 12 نجد صوراً عن صنع الخمر (لم يحرَّك هذا الخمر كما لم يحرَّك موآب فظلّ آمنا). وفي آ 14- 17 نجد كبرياء موآب وسقوط مقاتليه وحصونه.
القطعة الثالثة حول سقوط موآب من عزّه (آ 18- 28) تجد توسيعاً لها في إيرادين نثريّين (آ 21- 24، 26- 27). في القصيدة، ينزل موآب عن عرشه (رج أش 47: 1). يجلس على قيئه. حُطّمت قوّة موآب وطُلب من السكّان أن يتركوا المدن ويختبئوا في الصخور (آ 28). ويتوقّف الشعر مرتين. في آ 21- 24 نجد لائحة المدن التي تقع تحت الدينونة. وتصوّر آ 26- 27 الوضع المتأزّم الذي يعيشه موآب بشكل قريب من آ 11- 12.
القطعة الرابعة (نستطيع أن نقسم ف 48 جزئين: 1- 28، 29- 47) نقرأها في آ 29- 39، وهي تبدأ الجزء الثاني من ف 48 (آ 29- 47). هذا الجزء يتضمّن أقوالاً نثرية وشعريّة (شأنه شأن الجزء الأول، 1- 27)، ويواصل اتهام موآب ويبكي على سقوطه. إن آ 29- 38 تستند إلى أش 15: 2- 7؛ 16: 6- 11، وآ 29- 47 هي توسّع ثانوي في آ 1- 28. تشدّد آ 29 على تبجّح موآب، والله نفسه يندّد بهذه الكبرياء.
القطعة الخامسة والأخيرة (آ 40- 47) تتألّف من سلسلة أقوال: آ 40- 42، 43 - 44، 45- 46، 47. في الواقع ينتهي القول على موآب في آ 42 مع تفسير لاهوتي لدمار موآب: لقد تكبّر على الله (آ 26).

2- حكم الربّ على بعض الشعوب (49: 1-38)
أولاً: الحكم على بني عمون (آ 1- 6)
أرض بني عمون تقع شردوا البحر الميت، وعاصمتها عفون (عمّان الحاليّة). العمونيون هم الأعداء التقليديون لاسرائيل (تك 19: 38؛ تث 2: 19). يلومهم النبيّ هنا بأنهم احتلّوا أرض جاد. وهذا ما حصل سنة 721. وكان موقف العمونيين عدائياً بشكل خاص حين سقطت مملكة يهوذا سنة 587 (رج 2 مل 2:24).
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 49: 1- 6= سب 30: 1- 5. نقرأ في مس "م ل ط ك م" (ملكهم). في سب، سر: ملكوم الذي هو مولك إله بني عمون، الذين احتلّوا أرض اسرائيل. مس: جاد. سب: جلعاد. رج عد 23: 29 من أجل ممتلكات جاد في جلعاد.
آ 2- لا نجد "بني عمون" في سب. ربّة (آ 3) هي العاصمة. رج 19:4 من أجل صراخ الحرب؛ 18:30 من أجل "تل ردم". مس: بناتها أي القرى التابعة لربّة. لا نجد في سب "يقول الربّ".
آ 3- ولولي يا حشبون. حشبون قريبة من الحدود وهي مدينة موآبيّة (2:28، 34، 45) لا عمونية. عيّ (أو عاي) مدينة عمونيّة وهي غير المذكورة في يش 7: 2. نجد حديثاً عن المسوح والندب، رج 6:16؛ 41: 5؛ 27:48. نجد في مس "م ل ك م ". رج آ 1 (سب: ملوك). رج 7:48 من أجل عبارة "كهنته ورؤسائه جميعاً". رج عا 1: 15.
آ 4- الاودية. سب: السهول. البنت العاصية. سب: بنت العار. "من (يجرؤ) أن يهجم عليّ "؟ اعتبرت أرض عمون نفسها منيعة لا تؤخذ.
آ 5- الرعب. رج 6: 25؛ 3:20، 10؛ 46: 5؛ 49: 29. مس: يقول السيد ربّ الجنود. سب: يقول السيّد. "ل. ن و د"، الشاردين (لا نجد هذه اللفظة في سب).
آ 6- لا نجد آ 6 في سب. رج 26:46 من أجل "بعد ذلك". رج 47:48؛ 49: 39 من أجل موضوع العودة وإعادة البناء. أجل، الربّ يعيد سبي بني عمون كما أعاد موآب ومصر.
ب- التفسير
آ 1- يبدأ النصّ كما في 48: 1: ل ب ن ي، ع م ون: لبني عمون. أو قول على بني عمّون. يحتجّ الربّ على شعب ملكوم (إله بني عمّون) لأنه ورث جاداً، وكأن جاد لا أولاد له. إن "جاد" يدلي على الأرض الواقعة شرقيّ الأردن، تجاه أريحا. هناك أقامت قبيلة جاد ساعة الدخول إلى أرض كنعان (عد 21: 24؛ 32: 34- 35؛ يش 13: 24- 28). وكانت هذه القبيلة مهدّدة دوماً بسبب جيرانها: هدّدها ميشاع في القرن التاسع (مسلّة ميشاع)، ثم حزائيل، ملك الاراميين، في القرن الثامن.
آ 2- بما أن العمونيين فعلوا ما فعلوا بجاد، فستدخل عليهم الحرب فتصبح عاصمتهم تلاً (ت ل في العبرية) من الردم (رج 30: 18؛ يش 8: 28) وهكذا يعود اسرائيل إلى ميراثه، إلى أرض جاد، التي أضاعها.
آ 3- حشبون مدينة موآبية. وقد يكون احتلّها العمونيون. ملكوم يذهب إلى الجلاء. حين يذهب إله بلد إلى الجلاء، فهذا يعني أن البلد كله قد مضى من الملك والرؤساء حتّى الشعب.
آ 4- افتخر العمونيون: من يصل إليهم؟
آ 5- سيأتي عليكم "الرعب" (ف ح د). إله اسحاق هو إله الرعب (تك 31: 42، 53). وهكذا صار الربّ شخصاً حياً يترادف مع إله اسرائيل.
آ 6- إنّ مشروع إعادة العمونيين إلى عزهم السابق يدخل في مشروع إر 46: 26.
ج- دراسة عامّة
بعد مجموعة الأقوال الطويلة على موآب، نجد سلسلة قطع قصيرة حول الشعوب المجاورة أو البعيدة. وأولهم العمونيون الذين هم موضوع العقاب الإلهي هنا وفي عا 1: 13 – 15؛ صف 8:2- 11 ؛ حز 21: 20، 28- 32؛ 25: 1-7. ربّة، عاصمة تلك الأرض، هي ما يركّز عليها القولُ النبويّ. فالعاصمة تلخّص البلاد. وحين تسقط العاصمة تسقط البلاد. أما المصير المحفوظ لهذا الشعب فهو: الدمار العظيم والحداد والحزن والمنفى. وهكذا ينقلب كبرياؤهم عاراً.
ثانياً: الحكم على أدوم (آ 7- 22)
نقرأ هنا قصيدة في ثلاث محطات: ضياع أدوم واضطرابه (آ 7- 13)0 الهجوم على أدوم (آ 14- 16). دمار أدوم (آ 17- 22). وما نلاحظه، هو أن لا نظرة إلى عودة شعب أدوم كما كان الأمر بالنسبة الى بني عمون وموآب ومصر.
أ- قراءة النصّ
آ 7- مس 7:49- 11= سب 8:29- 12. لا نجد في سب "الجنود". وصيغة الاستفهام في مس صارت اعلاناً بسيطاً. رج 28:7 بالنسبة إلى "هلكت المشورة".
آ 8- مس: عطب عيسو. سب: صنع (ع ث هـ) بغضب.
آ 9- رج عو 5. نجد صورة القاطفين في 6: 9. "يدثرون لغايتهم". أي يدمّرون كل ما لا يحتاجون أن يأخذوه. سب: يرخون أيديهم.
آ 10- رج عو 6. "عرّيت". رج 26:13. "لا يكون" (في مس) أي لا يبقى منهم أحد (في التقليد اليهوديّ). سب: لا يبقى من يتكلّم.
آ 12- سب أقصر: "لهذا قال الربّ: الذين لم يُدعوا ليشربوا الكأس قد شربوا. فلن تكون بريئاً". ا ي ن. م ش ف ط م". ليس ما يجبرهم. رج 28:25- 29. هذا ما يبعدنا عن 15:25- 27 حيث أجبرت يهوذا وأورشليم على شرب الكأس.
آ 13- رج 5:22؛ 26:44؛ 51: 14 من أجل حلف الله بنفسه. لا نجد في سب "خرابا". بصرة. رج آ 22. عاصمة أدوم. هي اليوم البصرية. سب: في وسطها (= ب ت و ك هـ). بصرة تدلّ على الأرض كلها (أش 34: 6 ب) كما هو الأمر بالنسبة إلى تيمان في آ 7.
آ 14- رج عو 1.
آ 15- رج عو 2.
آ 16- رج عو 3- 4. لا نجد في سب "يقول الربّ". رج 23:22 من أجل صورة العشّ.
آ 17- رج 8:19. إن عناصر آ 17- 22 مأخوذة من باب إربا
آ 18- رج 50: 40 مع بعض الاختلافات. سب: كيريوس بنتوكراتور (ي هـ وهـ): الربّ القدير. رج صف 2: 9 حيث صار موآب وعمون مثل سدوم وعمورة (تلميح في 16:20).
آ 19- رج 49: 19- 21= 50: 44- 46. "غور الأردن": رج 12: 5 ب. سب: من قلب الأردن (ج و ا في الاراميّة). رج بهس. مع أن المرعى دائم، فسينقضّ العدو كالأسد ويطرد القطيع (أي السكان).
آ 22- رج 48: 40- 41. مس: على بصرة. سب: على حصونها (م ب ص رهـ ا).
ب- التفسير
آ 7- إن آ 7- 16 نقرأها بشكل جزئي في عو 1- 6. أدوم هو شعب شقيق (رج تك 25: 30؛ إر 40: 11). تقع أرضه جنوبيّ شرقيّ فلسطين. كانت معارك عديدة بين أدوم واسرائيل (2 صم 8: 14؛ 1 مل 9: 26 ؛ 2 مل 8: 20- 22؛ 16: 6). أما القول النبويّ هنا فيشير إلى موقف أدوم ساعة سقوط أورشليم (عو 11). تيمان: مدينة أدوميّة مشهورة بحكمتها. رج عو 8 ؛ با 22:3.
آ 8- ددان: واحة في جنوبي بلاد موآب وشمالي غربي الجزيرة العربيّة. عيسو هو أدوم. "وقت افتقادي له" لكي أعاقبه. رج 23: 12 ؛ 50: 31.
آ 9- فعل أدوم ما فعل ساعة هاجم البابليون أورشليم فلم يترك شيئاً وراءه.
آ 10- ولكن الربّ كشف له الكنوز التي سرقها. نستطيع أن نتبع اليونانية التي تربط آ 10 وآ 11: "حتّى لا يبقى منهم أحد يقول: أترك أيتامك يا أدوم".
آ 12- ويقابل النبيّ بين من لا يستحقّ أن يشرب الكأس (أي اسرائيل)، ومع ذلك فقد شربها. وبين من يستحقّ أن يشربها، مثل أدوم. أتراه ينجو منها؟ فاسرائيل الشعب المبارك وبكر الله، شرب الكأس حين دمِّرت أورشليم، وبصرة (عاصمة أدوم. تبعد 30 كلم إلى الجنوب الشرقي من البحر الميت) ستصير مثار رعب وعار... (رج 24: 9؛ 25: 9). ولا تُدمّر وحدها، بل توابعها من المدن.
آ 14- هنا يبدأ الهجوم على أدوم. ستسلّم إلى العدو ولو اختبأت في شقوق الصخر وأعالي الجبال. وينتهي الكلام بعبارة: يقول الربّ. هو قال وهو يفعل. لم نعد أمام عمل سياسيّ وحربيّ، بل عمل الله نفسه.
آ 17- دُمّر موآب فصار مثل سدوم وعمورة (رج تك 18: 20- 19: 29).
آ 19- جاء (الله) كأسد، فمن يبقى في مكانه؟ مَن القائد (الراعي) الذي يجسر أن يقف في وجه الربّ أو في وجه من يدعوه الربّ إلى أدوم؟
آ 20- صغار القطيع هم، حسب التقليد اليهوديّ، الفُرس. هم أصغر أبناء يافث.
آ 21- بحر القصب يرتبط بالخروج حيث صرخ بنو اسرائيل فسمع الله صراخهم (خر 10: 19)0 اتراه يسمع صراخا أدوم؟
آ 22- بل هو يشبه النسر الذي ينقضّ على فريسته (48: 40). فيصبح قلب الرجالي راجفاً كقلب امرأة أخذها المخاض (4: 31؛ 48: 41).
ج- دراسة عامّة
بعد موآب وعمون، ها هو دور أدوم (ترتيب مختلف في 25: 21 وفي سب). يُجمع الثلاثة في النص الماسوري (القطعة حول دمشق تقطع مسيرة سب 29- 31). نجد عداوة بني اسرائيل لأدوم في عدد من النصوص البيبليّة ولا سمّا بمناسبة دمار يهوذا (رج مرا 4: 21-22؛ مز 137: 1؛ أش 14:11 ب؛ 21: 11-12؛ 63: 1-6...). يتحدّث القول النبوي عن الحكمة. أترى شعب أدوم لم يفهم بعد مخطّط الله؟ نقرأ في آ 11 قولاً غريباً فيه تُدعى الأمّة لكي تترك أيتامها واراملها للربّ. هو، إله يهوذا، سيحمي ضحايا أدوم من غضبه.
إن القول على أدوم (آ 7- 22) الذي تألّف في شكله الأصلي من آ 7- 8، 22 أ، 10- 11 أو 7- 8، 10- 11، 22، ثم توسّع فصار كما نقرأه الآن، عاد إلى عو 1- 4 وإلى إر 50: 44- 46 (وما فيها من عداء لأدوم)، كما عاد إلى 8:19؛ 25: 15- 29. فما أصاب يهوذا سنة 587 (18:25)، سيصيب بصرة (آ 13).
ثالثاً: الحكم كل دمشق (آ 23- 27)
يعود هذا القول إلى زمن انتصار نبوخذ نصر على المصريين والأشوريين في كركميش سنة 605. أو بعد ذلك الوقت بقليل. بدأ البابليّ يحتلّ المدن الأراميّة الواحدة بعد الأخرى.
أ- قراءة النصّ
آ 23- مس 49: 23- 27= سب 30: 12- 16. حماة وأرفاد: دولتان صغيرتان. حماة هي على العاصي. ارفاد: تبعد 30 كلم إلى الشمال من حلب. رج أش 10: 9؛ 36: 19؛ 37: 13. دمشق، عاصمة سوريا الحاليّة. كانت تمثل مجموعة الممالك الأرامية.
آ 24- لا نجد آ 24 ب (أخذتها الرعدة...) في سب. رج 6: 24؛ 43:50 ب بالنسبة إلى مخاض التي تلد.
آ 26- رج 50: 30 مع اضافة "صباؤوت" (التي لا نجدها في سب).
آ 27- رج عا 1: 14. آ 27 ب= عا 1: 4 ب. بن هدد يمثل السلالة في القرن 9 - 8. كما هو اللحم بعض الملوك.
ب- التفسير
آ 23- توجّه القول إلى دمشق: ل. دم ش ق. هي تمثّل سائر المدن الاراميّة. ذُكرت حماة وأرفاد مع دمشق، لأن هذين البلدين كانا مستقلّين.
آ 24- بعد أن ذكر حماة وارفاد، عاد إلى دمشق. فالمدينتان أقرب إلى بلاد الرافدين من دمشق. ولكن نبوخذ نصر بدأ فاحتلّ دمشق، فحلّ الذعر في سائر العواصم الأراميّة.
آ 25- "ق ري ت. م ش و ش ي". قرية (أو: مدينة) مسرّتي. في سر لا نجد الضمير. فتصبح العبارة: مدينة المسرّة والفرح. إنها ستتحوّل إلى مدينة الحزن.
آ 26- خيّم الموت والصمت على المدينة التي أحترقت يوم احترقت قصور بن هدد. قد يشير النصّ إلى أكثر من ملك.
ج- دراسة عامّة
أقصر قول نبوي في هذه المجموعة هو القول على دمشق. حين توجّه القول إلى دمشق، اعتبر أنه توجّه إلى المدن الاراميّة (عا 1:3- 5؛ أش 17: 1- 3؛ زك 9: 1) التي احتلّها نبوخذ نصر الواحدة بعد الأخرى، مع أنه يلمّح إلى حماة وأرفاد اللتين كانتا جزءاً من المملكة الأشوريّة. في الأصل، تألّفت القصيدة من آ 23، 24 أ، 25. ثم أضيفت آ 26 التي أخذت من 50: 30، وآ 27 التي هي خاتمة استقت عا 1: 4، 14.. هذه الآيات (آ 23- 27) تصوّر الرعب في هذه المدينة العظيمة التي تركها سكّانها. سمعت حماة وأرفاد ما حدث لدمشق فخافتا واضطربتا من عمل "الربّ" لا من عمل "المحتلّ" الذي هو نبوخذ نصر.
رابعاً: قبائل العرب (آ 28- 33)
سنة 599، قام نبوخذ نصر ببعض الغزوات على القبائل العربيّة. فجاء هذا القول النبوي صدى لهذا الواقع التاريخيّ الذي ستُشرف عليه كلمة الله.
أ- قراءة النصّ
آ 28- مس 49: 28- 33= سب 30: 6- 11. مس: وممالك حاصور. سب: وملكة الحاشية. ماذا تعني مس حين تذكر حاصور في قول على البدو في الصحراء الغربيّة (في آ 30، 33 صارت حاصور اسم مدينة)؟ رج 2: 10 بالنسبة إلى قيدار كمنطقة في الصحراء الغربيّة.
آ 29- رج 4: 20؛ 10: 20 حيث دمار مخيّمات البدو يقدّم صوراً من أجل الكلام عن دمار يهوذا. "م ج ور. م س ب ي ب"، الهول (الرعب) من كل جهة، رج 6: 25؛ 3:20، 10؛ 46: 5.
آ 30- آ 30 أ- آ 8 أ. لا نجد في سب "يقول الربٌ". "سكان حاصور". رج 28.
آ 31- رج حز 38: 10- 11. لا نجد في سب "يقول الربّ" (ألغتها بهس لأن نبوخذ نصر يتكلّم)
آ 32- "المقصوصي الزوايا" (زوايا الشعر). رج 9: 25؛ 23:25. هم بعض عرب الصحراء.
آ 33- "حاصور". سب: الحاشية. آ 33 ب= آ 18 ب: مأوى لبنات آوى. نحن هنا أمام خاتمة تدوينيّة من أجل القصيدة كلها.
ب- التفسير
آ 28- لسنا هنا أمام مملكة ولا أمام مدينة، بل أمام مجموعة من القبائل مثل قيدار التي تقيم في شمالي عرابية (رج 2: 10). في الأصل "ح ص ور" تعني الحظيرة (ص تقابل ظ). أنكون أمام عدّة قبائل من أنصاف البدو؟ الأمر معقول. "ق د م" هو المشرق. والمشرق بالنسبة إلى فلسطين يدلّ على الصحراء.
آ 29- لا بناء يهدم، ولا أرض تفرغ. ليس هناك سوى الخيام والجمال. هجم نبوخذ نصر، فهرب الرجال، فأخذ البابليّ كلّ شيء.
آ 31- أمّة مطمئنة ساكنة. هي تعيش في الصحراء، والفيافي مفتوحة أمامها. ومع ذلك لحق بها نبوخذ نصر، وبدّد الرجال، وأخذ القطعان. أما الحظائر (وقد تكون حاصور واحة جماعة تضمّ عدداً من الحظائر) فصارت مأوى لبنات آوى. رج 49: 18؛ 50: 40.
ج- دراسة عامّة
جمعت مقدّمة هذه القصيدة هذا القولَ النبوي إلى حملة نبوخذ نصر ضد قبائل قيدار العربيّة ومملكة حاصور (حسب مس). حاصور اسم معروف لمدن فلسطينيّة (يش 11: 1؛ 12: 19، 15: 23، 25؛ 19: 36). ولكننا في هذا السياق أمام مواقع عربيّة في الصحراء الغربيّة، أمام "حظائر". في هذا القول نجد اسم نبوخذ نصر الذي هو "المدمّر" الذي تحدّثت عنه الأقوال النبويّة السابقة.
خامساً: على عيلام (آ 34- 39)
عيلام أرض وتعت شرقي بابلونيّة فوُجدت منذ الألف الثالث. عاصمتها شوشن أو شوش أوسوس. ساعة قيل هذا القول النبويّ سنة 597، كان لعيلام ماضٍ مجيد بعد أن استعادت استقلالها من الاشوريين. ولكنها لم تكن تلعب دوراً كبيراً. ويُطرح السؤال: إذا كان دور عيلام بسيطاً، وإذا لم تكن من جيران يهوذا، فلماذا تكلّم عنها النبيّ؟ ليس السبب تاريخياً، بل لاهوتياً: إظهار سلطان الله على الكون كله وعلى جميع البشر من أي شعب كانوا.
أ- قراءة النصّ
آ 34- مس 49: 34= سب 26: 1. لا نجد في سب العنوان التدوينيّ (على عيلام) للقول النبويّ على عيلام. فإن سب تختتم هذه القطعة (25: 14- 19 حسب سب) بجزء من آ 34: "في بدء عهد صدقيا كانت كلمة الله إلى عيلام". إن الاختلاف في ترتيب الأقوال النبويّة على الأمم في سب يجعل عيلام في المركز الأول، لهذا يُجعل هنا 25: 13 (حسب مس) كعنوان: التي تنبّأ بها إرميا على الأمم، على عيلام (سب). نجد في آ 34 شكلاً خاصاً من عبارة تورد تقبّل القول الإلهي. رج 1: 2 ؛ 14: 1؛ 46: 1؛ 47: 1. جُعلت في قلب القول إشارة إلى "بدء عهد صدقيا" أي سنة اعتلائه العرش، وهي الحقبة التي تقع بين أخذ يوياكين إلى المنفى والأول من نيزان (آذار- نيسان).
آ 35- مس 35:49- 39= سب 14:25- 19. لا نجد في سب "الجنود". رج أش 22: 6 من أجل ذكر عيلام مع القوس. "رأس قدرتهم" (راشيت. ج ب ورت م، رأس جبارّيهم أو مصدر جبروتهم وقوّتهم). نجد "راش ي ت" هنا وفي الآية السابقة. أهكذا بدأت قوّة يهوذا مع صدقيا بعدما حصل لأورشليم ما حصل؟
آ 36- آ 36 ب هي إضافة نثريّة كما يقول الشرّاح. مس: هـ. ج و ي (الأمّة مع أل التعريف). ولكن تكرّر حرف "الهاء" الذي يدلّ على التعريف فحُذف في سب. سر: أمّة (بدون التعريف).
آ 37- لا تذكر سب "عيلام" في عبارة "وأحلّ بعيلام". رج 7:21؛ 44: 30 ؛ 26:46 من أجل موضوع "طالبي نفوسهم". لا نجد في سب "يقول الربّ" (ن أوم. ي هـ وهـ). "أطلق في إثرهم السيف"، رج 9: 15.
آ 38- مس: أهلك من هناك. سب: أطرد (حرفيا: أرسل) من هناك. لا نجد في سب "يقول الربّ".
آ 39- رج 48: 47. أعيد سبي. يجب ضم كت (ا ش و ب. ا ت. ش ب ي ت) إلى قر (أش ي ب).
ب- التفسير
آ 34- لا تأتي كلمة الله بشكل مجرَّد، بل هي تأخذ موقعها في التاريخ. هي تتوجّه إلى عيلام الأرض العالية، الأرض البعيدة، وتصل إليها. أجل كلمة الله تصل إلى كل مكان.
آ 35- أحطّم قوس عيلام. اشتهر العيلاميون برمي القوس. هذا يعني أن قوّتهم سوف تتحطّم.
آ 36- أما العقاب الذي ينتظر عيلام فهو التشتّت مع كل ريح. نتذكّر أن الرياح تأتمر بأمر الله (العدد أربعة يدلّ على الكون برياحه الأربع أو أقطاره الأربعة).
آ 37- كيف تفعل الرياح؟ بواسطة الأعداء وسيوفهم.
آ 38- هنا يأتي المعنى اللاهوتي: عرش الله هو في عيلام كما هو في اسرائيل. ليس الله إله اسرائيل ويهوذا فقط، بل هو إله جميع الممالك والبلدان.
آ 39- وينتهي القول النبويّ بكلمة الرجاء كما في 26:46 (بالنسبة إلى مصر)؛ 49: 6 (بالنسبة إلى عمون).

ج- دراسة عامّة
هي مقدّمة تدوينيّة (آ 34) تسبق القول النبويّ حول عيلام (آ 35- 38) وتربطه بالني إرميا في بداية حكم صدقيا، أي سنة 597. ق 46: 2، السنة الرابعة ليوياقيم. هناك من ينطلق من هذين التاريخين فيقسم الأقوال على الأمم قسمين: 46: 2- 49: 33 ينتمي إلى السنة الرابعة ليوياقيم. و 50: 1- 51: 64 يرتبط بالسنة الرابعة لصدقيا. ويكَوّن 49: 34- 38 انتقالة بين مجموعتين من الأقوال النبويّة.
لماذا ارتبط القول على عيلام ببدء حكم صدقيا؟ هذا ما لا نعرفه. هذا مع العلم أنه كان قتال بين العيلاميين والبابليين سنة 596- 5"59. فبعد صراع طويل مع أشورية، سقطت عيلام بيد أشور بانيبال سنة 645. غير أنها استعادت استقلالها سنة 625 ولعبت دوراً في هزيمة بابل سنة 540- 539. إن قول إرميا لا يتضمّن إشارة تاريخيّة، بل عبارة مقولبة جاءت بشكل عام، وهي تنطبق على أكثر من حالة.
سيقوم الله بحملة على عيلام، فيحطم قوّتها التي يرمز إليها القوس (أش 6:22). ستتشتت عيلام، ربّما بالسيف (في سب: سيفي، يقول الربّ، رج حز 32: 24- 25): التشتّت والقتل. مصيران عرفتما الشعوب خلال الحرب. وقد جُمعا هنا في ما يتعلّق بعيلام. لن يكون على عيلام "ملك" سوى الله وحده الذي لا يقف في وجهه سلطان. وبعد أن تتحطّم الكبرياء، يعود الربّ فيجمع عيلام، يعيد سبيها، كما أعاد سبي شعبه.
د- خلاصة
أشرنا فيما سبق إلى القراءة الجغرافيّة حيث الربّ سيّد الأرض، مهما ابتعدت عن عرشه في هيكل أورشليم. وإلى القراءة التاريخيّة التي ترى في الربّ الموجّه الأول للأحداث مهما قويت سلطة الممالك. ونصل إلى القراءة الدينيّة. هنا يُطرح سؤال: بماذا تُتّهم الأمم؟ في القول على عمون (49: 1- 6)، يُتّهم هذا الشعب بأنه أخذ أرض قبيلة جاد (آ 1)، فوضع يده بشكل غير شرعيّ على أرض أعطاها الله لشعبه. والقول على موآب (48: 29 - 30)، يندّد بكبرياء هذه الأمّة. وتتهم الأمم بشكل عام لأنها جعلت ثقتها بآلهتها. مثل هذا القول لا يُفهم إلاّ من وجهة يهوذا الذي يجب أن يجعل كامل ثقته في الربّ. إننا نجد في هذه الأقوال انتقاداً لهذه الآلهة التي لا تستطيع أن تخلّص شعوبها. ذاك هو الأمر بالنسبة إلى موآب. فكموش يذهب إلى السبي مع كهنته وعظمائه (7:48). ويحصل الشيء عينه لملكوم، إله العمونيين الذي سيمضي هو أيضاً إلى المنفى (3:49). وسخر النبيّ من مصر: "هرب أبيس، لم يثبت عجلكم". (46: 5). فأبيس الثور يرمز إلى القوّة، ويدلّ على الإله بتاح، معبود ممفيس. ومع ذلك فهذا "الإله" سقط إلى الأرض. في 50: 2 يعلن القول الأول على بابل سقوط المدينة ودمار أصنام آلهتها (بال، مردوك...). رج أش 46: 1 حيث تُحمَل أصنامُ الآلهة في هيكل بابل على مطايا وتؤخذ إلى السبي. إن انتقاد الآلهة هذا يتوخّى أن يُبرز قدرة إله اسرائيل، وهي قدرة تصل إلى جميع الشعوب. وحده إله اسرائيل له مخطّط ينفّذه في التاريخ (49: 20).

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM