الفصل الثالث والعشرون: رسالة إرميا إلى المنفبين

الفصل الثالث والعشرون
رسالة إرميا إلى المنفبين
29: 1- 32

ذهب يكنيا وقسم من شعبه إلى المنفى. ولكن ما انقطعت الاتصالات بين يهوذا وما سيسمى الشتات. ومن هذه الاتصالات رسالة إرميا. ما هو الإطار الذي فيه دُوّنت هذه الرسالة؟ تجاذب المنفيّون بين اليأس بأنهم لا شكّ مائتون في أرض غريبة، وبين الأمل بعودة قريبة، وهو أمل حرّكه الأنبياء الذين أقاموا بينهم فحافظوا على الشعلة. أما إرميا فقال بأن المنفى سيكون طويلاً. فلينظّموا حياتهم حيث هم، وليتجاوزوا النظرة الوطنيّة الضيّقة إلى المستقبل بما فيه من عمل سياسيّ قصير النظر. لم يُلغِ إرميا فكرة عودة لاحقة (آ 10- 14، 32)، ولكنه دعا المنفيين أن لا يعتبروا إخوتهم الذين ظلّوا في البلاد أناساً مميّزين (آ 16-20). وهكذا أرسل إرميا رسالته إليهم بعد سبي سنة 597 بقليل، فدعاهم إلى أن يقيموا في وطنهم الجديد (آ 4- 7)، وأفهمهم أن كلمة الله تتوخه إليهم كما تتوجّه إلى إخوتهم الذين ما زالوا في أرض يهوذا (آ 20).
أ- قراءة النصّ
آ 1- مس 29= سب 36- إن "الواو" في بداية مس تربط ف 29 مع ف 28. نقرأ في مس: وهذه (واليك) كلمات الكتاب (الرسالة). في 51: 60 نجد إرميا يكتب كتاباً ويرسله إلى بابل. هنا نتذكر النبيّ إيليا الذي كتب إلى الملك يورام (2 أخ 21: 12- 15). قد لا تكون هذه الرسالة من يد إرميا ولكنها تعكس مرحلة ستتخذ فيها كلمة الله وضعاً "قانونياً". ستصبح قانون وقاعد الحياة. في مس: "بقيّة شيوخ الجلاء". لا نجد "بقية" في سب.
آ 2- نجد هنا معترضة مؤسّسة على 2 مل 24: 14- 16؛ رج إر 24: 1. الملكة هي أم الملك (كانت وصيّة عليه بعدُ). رج 18:13. "الخصيان". قد يكونون في حرم الملك، وقد يكونون موظّفين في القمر رج فوطيفار (تك 39: 1) الذي كان متزوجاً. رج إر 7:38. في مس: رؤساء يهوذا وأورشليم. في سب: كل الأحرار.
آ 3- "ب ي د"، على يد. تواصل آ 3 ما في آ 1 بعد أن قطعت الكلام آ 2. كيف أُرسلت الرسالة؟ ليس الأمر بواضح. هناك من قال "في الحقيبة الدبلوماسيّة" والأمر ممكن بسبب رضى البابليين على إرميا. رج 51: 6. ألعاسة هو أخو أحيقام (26: 24)، وجمريا (12:36) ابن يوشيا عظيم الكهنة (2 مل 4:22-8). لا نجد في سب "نبوخذ نصر".
آ 4- نجد في مس صيغة المتكلّم (أجليتهم أنا. الربّ يتكلّم). اقترحت بهس: أُجلوا، في صيغة المجهول. هذا ما يُسمّى المجهول الإلهي حيث لا نذكر أسم الربّ مع أنه هو الفاعل. نجد مضمون الرسالة في آ 4- 7.
آ 6- لا نجد في سب "ولدوا بنين وبنات". "ولا تقلّوا". رج 24:10.
آ 7- "المدينة". في سب: الأرض. غابت شرائع العبادة في هذه الأرض الغريبة، ولكن ما غابت السلطة. نحن هنا في بداية صلاة المجمع. الصلاة في أرض وثنيّة أمر فريد في التوراة العبريّة وإن تكن المصلحة العامة هي أساس مثل هذا النشاط (بسلامها يكون لكم سلام). فإن لم تكن هناك عودة من بابل (سب 27: 19- 22، مس 28)، فيكون معنى للصلاة من أجل السلام في أرض جديدة وموطن جديد.
آ 8- قرأت بهس آ 8- 9 بعد آ 5 1. لا مكان لهما في الرسالة، بل هما تنتميان إلى الناشر الذي فصل الرسالة عن الجواب (آ 24- 29). هذه الاضافة تنتمي إلى عالم بابل والأنبياء "الكذبة". في مس "أحلامكم". في سب: أحلامهم.
آ 10- رج 25: 11- 12 حيث تُذكر السبعون سنة. تبدو آ 10- 14 ثانوية بسبب الاختلاف في الحساب. ف 25- سنة 605. ف 29- سنة 597. أصلحت الاضافةُ هنا النظرة القائلة بأن المنفى في بابل يدوم (رج آ 4- 7).
آ 11- لا نجد في سب "أعلم الأفكار التي أنا". أنتقلت عين الكاتب من أول "ا ن ك ي"، أنما، إلى ثاني "ا ن و ك ي" في مس، فقفز ثلاث كلمات: لأني "أنا" عرفت الافكار التي "أنا". "بقيّة ورجاء" أو: نهاية أخيرة ورجاء. أي أمل من أجل المستقبل وهو الرجوع إلى أرض الميعاد (الغد الذي ترجون). في سب: هذه (لا يكفي لكم هذه).
آ 12- "تسيرون" (لا نجدها في سب، سر). إلى اين بسيرون؟ ربّما إلى الهيكل الثاني الذي سيُعاد بناؤه.
آ 13- رج تث 29:4. لا نجد في سب (السينائي) "وتلتمسونني فتجدونني".
آ 14- "أُوجَد لديكم". في سب: اتجلّى لكم. وغاب من سب ما تبقّى من الآية في مس (وأعيد...). لا علاقة لما تبقّى ببابل، بل يشير إلى الشتات وسط الأمم. كت: سبيكم، جلاءكم. قر: أعيد أموكم. رج 30: 3، 18؛ 31: 23؛ 32: 44 ؛ 33: 7، 11، 26؛ 47:48؛ 6:49، 39؛ مرا 2: 14؛ تث 3:30.
آ 15- رضي تث 18: 15، 18.
آ 16- لا نجد في حسب آ 16- 20 (ما عدا النسخة اللوقيانية حيث نجد الترتيب التالي: آ 14، 16- 20، 21- 23). هذه الآيات هي إضافة أخرى لا علاقة لها بجماعة بابل (رج 24: 8- 10، ذات العاطفة مع استعارة التين). نلاحظ أن آ 15، 20 تنتهيان بلفظة "ب ب ل هـ"، إلى بابل.
آ 17- "أجعلهم كبشع التين". رج 2:24، 03 ان رؤية سلّتي التين في ف 24 قد تكون جذّرت الاستعارة هنا. ولكن في آ 17، الربّ هو الذي يجعل الناس تيناً لا يؤكل. أما ف 24 فلا يقدّم شرحاً لتعادل الجماعة مع التين الرديء.
آ 18- رج 15: 2- 4 حيث تُستعمل الالفاظ عينها، ولاسيمّا المثلث "السيف، الجوع، الوباء" (في ترتيب معاكس). رج 8:27.
آ 19- "مبكراً ي الارسال". رج 13:7، 25.
آ 21- لا نجد في سب "بن قولايا" و "ابن معصي" و"نبوخذ نصر" و"يتنبآن لكم باسمي زوراً". فصارت الآية كما يلي: "هكذا قال الربّ على أخاب وعلى صدقيا. ها أنا أسلمهما إلى يدي ملك بابل فيقتلهما أمام عيونكم".
آ 22- "قلاهما" (في المقلاة). قد يكون تلاعب على الألفاظ مع "قولايا". "ق ل هـ" (قلى). أما اسم قولايا فيعود إلى "ق ل ل"، لعن.
آ 23- "صنعا فاحشة في اسرائيل". عمل سيّىء جداً يسيء إلى النظام في الجماعة. ويُستعمل الآن ليصور ما يحصل في بابل.
هناك أعمال شنيعة ارتبطت بهذه اللفظة: اغتصاب فتاة (تك 7:34). خسارة البتولية قبل الزواج (تث 22: 21). رج قض 20: 6، 10. وهناك تجاوز قوانين الحرب المقدسة (يش 7: 15). رج 2 صم 13: 12- 13. وهكذا نكون أمام تجاوزات حول الحياة الجنسيّة. ويمكن أن يكون هذان الرجلان قد زنيا مع الأرامل.
آ 24- هنا نصل إلى شمعيا النحلامي. نحلام مكان نجهل موقعه. قد نكون هنا في تلاعب على الكلام بين ارميا "العناتوتي" (نسبة إلى عناتوت، آ 27) وشمعيا النحلامي (نسبة إلى نحلام). هل يرتبط هذا الاسم "بالاحلام" (رج آ 8؛ 14: 14؛ 23: 17؛ 27 : 9)؟ قد يكون نموذجاً بعيداً لبر يشوع أو عليما الساحر في أع 13: 6- 12. في أي حال، شمعيا هو نبيّ يسير في عالم الأحلام.
آ 25- لا نجد في سب: "هكذا قال رب الجنود، إله اسرائيل قائلاً". نص سب أقصر من نص مس: "لم ارسلك باسمي" (لا يشير إلى الرسالة في هذه النقطة). في مس يتوسّع النصّ في الخبر ليجعله مطابقاً للقول النبريّ الذي قيل للكهنة وللشعب.
آ 26- "ولاة" (الجمع). سب: المفرد. في مس "ب ي ت" بدون حرف الجر. في سر مع حرف الجر: في بيت. قد تكون الباء قد سقطت. "على كل رجل مجنون ومتنبِّئ". أي يلعب دور النبيّ وما هو بنبيّ.
آ 27- "لم تبكّت" (المفرد). في سب: الجمع. اختلفت سب عن مس، لأن الكلام فيها يتوجّه على شخصين محدّدين، لا على إرميا. لهذا يُسألان لماذا يوبّخان ارميا (سب) بينما تسأل مس صفنيا (شقيق صدقيا في آ 21) عن طرد إرميا العناتوتي. "المتنبّئ" أي الذي يلعب دور النبي وما هو نبيّ (كما نقول في العامية "متفلسف" ونميّزه عن الفيلسوف).
آ 28- "فإنه أرسل إلينا". في سب (الفاتيكاني): خلال مسيرة الشهر (مضافة بدل الجلاء طويل).
آ 31- نلاحظ "لكم" هنا وفي آ 27 حيث تتقابل الجماعتان وأنبياؤهما. بالنسبة إلى "تعتمدون على الزور" (أي تجعلون الشعب يثق بما هو زور وكذب)، رج 15:28.
آ 32- "لا يرى". في سب: ليرى، سب: لكم. مس: شعبي. لا نجد في سب "لأنه تكلّم على الربّ بالعصيان". رج 28: 16؛ تث 6:13.
ب- التفسير
آ 1- أرسل ارميا رسالة إلى أول الذاهبين إلى المنفى. أي سنة 597. فهناك من ذهب سنة 587. ثم سنة 582. ثلاث مرات ذهب الشعب إلى المنفى. في الحصار الأول، مضوا مع يكنيا. في الحصار الثاني مع صدقيا. وفي المرّة الثالثة بعد مقتل جدليا، أخذِ بعضُ الناس. ولكن العدد الكبير هرب إلى مصر، وأخذوا معهم إرميا وباروك. إلى جلاء 597، أرسل إرميا رسالة. هناك الشيوخ، والكهنة، والأنبياء، والشعب.
آ 2- ويعطي النصّ لائحة ثانية بالذين مضوا إلى السبي: الملك يكنيا. الأمم الملكة. حاشية القصر الموظّفون الكبار في يهوذا وفي أورشليم. الصنّاع (في المعادن، يصنعون السلاح) مر ضبّاط الجيش. لم يترك ملك بابل سوى شعب الأرض بعد أن حرمه من المسؤولين. وهكذا لن يكون تمرّد على البابليين.
آ 3- سلم إرميا الرسالة إلى ألعاسة بن شافان (رج 26: 24، صديق إرميا) وجمريا بن حلقيا (حلقيا هو الكاهن الذي اكتشف كتاب الشريعة في الهيكل، سنة 622، رج 2 مل 22). هذان الرجلان أرسلهما صدقيا، ملك يهوذا، فحمّلهما إرميا رسالة إلى المنفيّين.
آ 4- هنا تبدأ الرسالة، وأول ما يقال فيها: أقيموا في الأرض التي سُبيتم إليها: إبنوا البيوت، إغرسوا الاشجار. فوقتُ السبي طويل. في 27: 7، يشير إرميا إلى الملك وابنه وابن ابنه. هذا يعني جيلين على الأقل. ويُعطى رقم سبعين سنة.
آ 5- تزوّجوا. زوّجوا أولادكم. أنموا وأكثروا. إعملوا وكأن هذه الأرض موطنكم الجديد.
آ 6- أطلبوا سلام المدينة (أو الأرض الي تقيمون فيها كما تقول اليونانية). إعملوا لخير المدينة. صفوا من أجل هذه المنطقة الوثنية، فخيرها خيركم وسلامها سلامكم (رج عز 10:6؛ با 1:11).
آ 8- ويأتي تحذير من الأنبياء الكذبة الذين ما زالوا يخدعون الشعب. فالربّ لم يرسلهم (13: 25؛ 27: 15 ؛ 28: 15؛ 29: 31).
آ 15- سيبقى المنفيّون هناك. ولكن الله لا ينساهم. يطول المنفى سبعين سنة (رج 25: 11)، ولكنه ينتهي والرب يهتمّ بإعادة شعبه (27: 22). فمشاريع الربّ جاهزة بعد الدمار الذي حل بمدينته وأرضه (آ 11).
آ 12- تدعونني. ترفعون إليّ الدعاء والصلاة من أرض الغربة. وتسيرون (ورائي) كالقطع وراء الراعي كما في حجّ إلى الأرض المقدّسة. يصفون فيسمع الربّ لهم.
آ 13- نجد هنا أفعال: اقل، طلب، وجد. لقد عاد الحوار بين الله وشعبه. رج تث 29:4 ؛ أش 6:55 ؛ 2 أخ 4:15؛ حك 13:6.
آ 14- لن يخفي الربّ وجهه. لن يختبئ عن شعبه بعد أن رأى رجاستهم. بسمح لهم بأن يجدوه. لهذا نجد صيغة المجهول "أوجد". ولكن وجود الربّ وحضوره يدلّ عليهما عمله. فالله هو أبعد ما يكون عن الأصنام البكاء التي لا تفيد ولا تضرّ. أول عمل يقوم به الربّ: يعيد سبيهم (في العبرية مفعول مطلق: ش ب ت ي. ش ب ت ك م). هذا يعني عودة الملك والملكة كل الذين رافقوهما. ويعني إعادة بناء المدينة. رج 30: 3، 18؛ 23:31؛ 32: 44، 33: 7، 11، 26؛ 48: 47 ؛ 49: 6، 39.
آ 15- هنا يبدأ قول يتواصل في آ 21- 27 بعنوان: إحفظوا نفوسكم من الأنبياء الكذبة، ولا تعتمدوا عليهم ولو رافقوكم إلى بابل. "الربّ أقامهم". بل هم قالوا إن الله أقامهم مع أن الله لم يكلّمهم (آ 23). هنا نرى مسؤوليّة المتكلّمين باسم الربّ من جهة لئلاّ يعتبروا نفوسهم أنبياء. ومن جهة ثانية، مسؤولية السامعين في تمييز النبيّ الكاذب من النبيّ الصادق. أما الكاذب فهو الذي بُلغي الصعوبات ويتحدّث عن "السلام والخير" ساعة الحرب تحيط بالبلاد.
آ 16- إن آ 16- 22 غير موجودة في اليونانية، وقد أقحمها النص الماسوري هنا فقطعت السياق بين آ 15 وآ 21. غير أن هذه القطعة (آ 16- 22) وإن أقحمت هنا، فلها دور تلعبه في براهين إرميا: لا يحسب المنفيّون أن الذين ظلّوا في البلاد هم أشخاص مميّزون. فستأتي أيام قاسية لم يعرفها أولئك الذين عاشوا حرب سنة 597. إن القول النبوي في آ 16- 22 يعالج موضوع سلّتي التين الذي قرأناه في ت 24. لذلك يرى الشرّاح أنه يعود إلى التاريخ عينه. توجّه النبيّ إذن إلى أهل يهوذا الذين لبثوا في البلاد، وهدّدهم بالعقاب القاسي: من الملك صدقيا حتى الشعب. كلام يتوخه إلى الذين في المنفى ليكونوا على بيّنة بالوضع بشكل عام، وقد يكون وصل إلى الذين لم يتركوا أرض يهوذا.
آ 17- نجد هنا المثلَّث الذي يأتي في عبارة مقولبة: السيف، الجوع، الولاء. كما نجد صورة التين الذي لا يؤكل كما في 8:24.
آ 18- نحن أمام صورة لما حصل سنة 587. "مثار رعب". يكفي أن يعرف الناس بما حصل لأورشليم لكي يحلّ الرعب فيهم. "لعنة". رج 6:26؛ 18:42 ؛ 12:44. تزول عنهم كل بركة. بإبراهيم تباركت الشعوب. وبسكّان يهوذا تُلعن الشعوب، وتكون لعنةٌ مماثلة لأورشليم والأمم. "هولاً وصفير هزء". رج 18: 16 "وعارًا". رج 24: 9. نقرأ هنا لائحة اعتدنا عليها، وهي تعبّر عن الكارثة التي يعيشها الشعب، من وجهة نظر الأشخاص الذين "يمرّون" من هنا.
آ 19- لم يسمعوا. في السريانية وبعض المخطوطات اليونانيّة والعبرية: لم تسمعوا. فكأني بالنبيّ يتوجّه مباشرة إلى أهل يهوذا وسكّان أورشليم.
آ 20- ويعود النص إلى المنفيّين في بابل، بعد أن كفم (أو تكلّم عن) الباقين في أورشليم.
آ 21- بعد هذه المعترضة التي قرأناها في آ 16- 20، نعود إلى رسالة إرميا إلى المنفيين، وفيها يحذّرهم من الأنبياء الكذبة، الذين يسفون نفوسهم أنبياء وما هم بأنبياء. ويذكر اسمين: أخاب بن قولايا، صدقيا ابن معسيا. جاءهما العقاب من نبوخذ نصر لماذا؟ هذا ما لا يقوله النصّ.
آ 23- ارتكبا فاحشة: زنى مع الأرامل. كلام كاذب باسم الربّ. رج 23: 10 وما قيل عن خطايا الأنبياء في الكلام الموجّه إلى الأنبياء.
آ 24- وعارض شمعيا النحلامي رسالة إرميا، فحلّت به اللعنة.
آ 25- صفنيا بن معسيا: مسؤول عن النظام في الهيكل. رج 6:20؛ 21: 1. يبدو أن الرسالة موجّهة بشكل شخص إلى صفنيا (رج آ 26- 29). في اليونانية لا نجد "كل الشعب الذي في أورشليم، وإلى جميع الكهنة". نشير هنا إلى أن صفنيا جاء في هذه الوظيفة بعد يوياداع. ويطب منه شمعيا بأن يوقف كل انسان يعتبر نفسه نبياً وما هو نبيّ (متنبّئ)، أي أن يوقف إرميا ويعاقبه (رج 2:20: يعلّق برجليه).
آ 27- فماذا ينتظر صفنيا ليوقف إرميا؟
آ 28- وقدّم ملخصاً لكلام إرميا: ابنوا بيوتاً.
آ 29- حمل صفنيا كتاب شمعيا إلى إرميا.
آ 35- فحلّت كلمة الربّ على إرميا الذي هدّد شمعيا النحلامي بالموت: فقد تكلّم بالزور (13: 25) ودعا الناس لكي يعصوا أوامر الربّ (28: 11).
ج- دراسة عامّة
نجد في ف 29 خبر تبادل رسائل بين أورشليم وبابل (آ 3- 7، 25- 29، 31- 32). إن مسبييّ سنة 597 قد أقاموا في موضع محدّد بحيث كان اتصال عاديّ بين جماعة أورشليم وجماعة بابل (آ 3). وظهر إرميا النبيّ كشخص له سلطة بأن يكتب إلى "رؤساء" المسبيّين في بابل دون أن ينسى الباقين في أورشليم إذن، هو "قائد" المجموعتين، فينصح، ويشجب، ويشجّع الناس هنا وهناك. ورغم المسافة، فهو يرسل كلمة الله إلى بابل (59:51- 64). فإرميا يكتب على ما فعل إيليا (2 أخ 12:21- 15)، فلا ينحصر تدخله في الكلام المباشر وهكذا يتميّز هذا القسم من إر "بالكتابة" (رج آ 1؛ 30: 2 ؛ 2:36؛ ق 51: 65). ويعكس توسّعاً يجعل من النبي "وجهاً قانونياً". أي سيكون كلامه قاعدة من أجل تصرّف الجماعة العائدة من المنفى. لم يكن إرميا وحده حين أرسل هذه الرسالة. فمعه ألعاسة وجمريا اللذان يشاركان في وفد أرسله صدقيا إلى بابل. فالنبيّ صاحب سلطة: يتحرّك من أورشليم من أجل السياسة "الخارجيّة" (ف 27)، ويتواجه مع نبيّ يناوىء البابليين (ف 28)، ويعلن تعاوناً بين اليهوذاويين والبابلونيين (ف 29).
مضمون الرسالة واضح (آ 5- 7): ستكون الإقامة طويلة في بابل. فابنوا بيوتاً واسكنوها، وازرعوا بساتين... وهذا يتوافق مع ف 28 الذي يتحدّث عن لا عودة من بابل. جاءت الرسالة بشكل قول نبويّ، بشكل قول إلهي. ووافقت على طريقة حياة اليهوذاويين مع الجماعات البابلونية. يجب أن يعتاد شعب الله على العيش خارج أرض الله (رج 1صم 19:26 ويأس داود بأن يُطرد من أرض الربّ). فصير المنفيين هو مصير الأرض التي يعيشون فيها.
في آ 24- 32، عبد تبادل رسائل بين بابل وأورشليم حول موضوع الأنبياء الكذبة. هنا يختلف النص الماسوري عن النصّ اليوناني. في العبرية، يُهاجَم الكاهن صفنيا ابن معسيا (رج 1 2: 1، 3:37، 52: 24) لأنه لا يلاحق إرميا الذي يدّعي النبوءة. في اليونانية، يوبّخ الكاهنُ لأنه هاجم إرميا. في الماسوريّة، أرسلت الرسائلُ من بابل حول تصرّف نبيّ مزعوم هو إرميا (2 مل 10: 1: يرسل رسائل يثير القلق). في اليونانية، نحن أمام قول نبويّ لا أمام رسالة. وتبدو هذه القطعة تبادل "شتائم" بين شمعيا (رج اوريا بن شمعيا، 26: 2) النحلامي وبين ارميا العناتوتي (هي المرة الوحيدة نجد هذه الصيغة، نسبة إلى عناتوت. رج 1 أخ 12: 3؛ 27: 12؛ 2 صم 27:23= 1 أخ 11: 28). كل نبيّ يتّهم الآخر بأنه نبيّ كاذب. ولكن النهاية ستدل على النبيّ الحقيقيّ.
د- الخلاصة
حين نقرأ الرسالة إلى المنفيّين، فهي تبدو للوهلة الأولى وكأنها تقدّم موضوعاً غير الموضوع الذي قرأناه في ف 27- 28. لكنَّ تفحّص الأمور، يفهمنا أننا ما زلنا في جوّ الجلاء إلى بابل. فقد أرسل إرميا إلى المنفيين الذاهبين إلى بابلونية، سنة 597، رسالة يدعوهم فيها إلى تنظيم حياتهم، لأنهم سيقيمون مدة طويلة في أرض غريبة (آ 4- 7). أجل، ظلّ النبيّ أميناً لسياسته التي هي سياسة الخضوع لنبوخذ نصر، لها اعتقد بأن الأحوال تنقلب سريعاً. هذا ما أراد أن يفهمه للنبييّ حننيا، ولكن عبثاً.
وفي هذه الرسالة (ف 29)، دعا المنفيين أن لا يضعوا ثقتهم بأنبياء يقيمون معهم. وأعلن باسم الله أن هؤلاء الأنبياء لم يُرسلوا (آ 8- 9؛ رج آ 15. هم أرسلوا أنفسهم). وهكذا هاجم إرميا مرة أخرى الأنبياء، وواصل كرازته بين أناس لا يفهمونه.
إذا وضعنا جانباً آ 16- 20 التي لا نقرأها في اليونانية، تقرّب آ 15 من آ 21. اعترض المنفيون فقالوا: "أقام الله لنا أنبياء في بابل" (آ 15). فجاء قول إلهي حول مصير نبييّن من يهوذا: اخاب وصدقيا. هما يتنبآن باسم الربّ (آ 21- 22)، فيُسلمان إلى ملك بابل الذي سيقتلهما أمام عيونكم.
وعلى أثر هذه الرسالة إلى المنفيين، جاء من يوبّخ إرميا. شخص اسمه شمعيا. يعيش في المنفى. وقد كتب إلى الكاهن صفنيا ليضع حداً لهذا النبيّ الذي ينصح المنفيين بأن يقيموا في بابلونية ولا يعتبروا نفوسمهم باقين لفترة قصيرة (آ 24- 28). قرأ الكاهن الرسالة لإرميا، فارسل إرميا بلاغاً إلى المنفيين في بابل بعلن لهم المصير الذي ينتظر شمعيا وبيته (آ 29- 32).
أجل، ما زال إرميا يجد المعارضة له حين يعلن كلمة الله. معارضة من قبل المنفيين. ومعارضة من قبل الذين لبثوا في أورشليم ولم يذهبوا مع المسبيّين.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM