الفصل السابع: على باب الهيكل

الفصل السابع
على باب الهيكل
7: 1- 34

بُنيت هذه العظة على باب الهيكل حول ألفاظ مثل "م ق و م" (مقام، هيكل، آ 12) أو "ا ر ص" (أرض، آ 7)، أو "ع ي ر" (المدينة، آ 14: قد تعود آ 3 إلى الهيكل أو إلى المدينة). رج آ 20 مع المدينة أو الأرض، كما في آ 17، لا الهيكل. هي موضوع التهديد الإلهيّ. أمّا آ 32 و 3:8 فتدلاّن على موضع غير محدّد. إن الخبر في ف 26 الذي يشبه بعض الشيء7: 1- 15، يضمّ "الهيكل" إلى "المدينة" (26: 2، 6، 9، 12؛ إن آ 11، 15 تدلاّن فقط على المدينة، وآ 20 تورد كلام أوريا على المدينة والأرض). إذا كان ف 26 يتركز على تهديد المدينة، فإنّ 7: 1- 15 يستعمل هذا التهديد ليتحدّث عن ممارسات عباديّة في الهيكل. لهذا فإن ف 7 هو عظة عن الهيكل أكثر من ف 26 الذي هو خبر. ويركّز النصّ على ردّة فعل الناس على عظة ضدّ الهيكل والمدينة، حيث يقدّم 7: 1- 15 عددًا من الأقوال حول دور السلوك الاجتماعيّ في علاقته بالهيكل (رج ف 26).
هذه الخطبة (7: 1- 8: 3) التي قيلت على باب الهيكل، قد قيلت في ظروف ونتائج يوردها ف 26. ولكن يبدو أنّ النصّ قد توسّع على يد "الناشر"، فجمع فيه كلّ مواضيع الكرازة الإرميائيّة: لا فائدة من ثقة عمياء بالهيكل والنظُم الدينيّة. هذه العبادات الظاهرة تحاول أن تحلّ محلّ الطاعة الحقيقيّة لوصايا الله (آ 1- 15). وقد مُنع النبيّ من أن يتشفّع من أجل الشعب المتعلّق بممارساته الدينيّة (آ 16-20). فالشعب قد رفض رفضًا مطلقًا أن يراعي مشيئة الله التي أوحيت في سيناء وبواسطة الأنبياء (آ 21- 28). من أجل هذا، سيكون العقاب قاسيًا (29:7- 3:8). نقسم هذا الفصل قسمين: سراب يعيشه الشعب (7: 1- 15). الربّ لا يسمع شعبًا لا يسمع (آ 16- 34). وقد تركنا 8: 1- 3 للفصل التالي.

1- سراب يعيشه الشعب (7: 1- 5)
أ- قراءة النصّ
آ 1- ينقص في اليونانيّ آ 1- 2 أو قسم كبير من آ 2 ب. كلّ ما نجده هو: "اسمعوا كلام الربّ يا كل يهوذا". هذا يعني أنّ الماسوري هو نسخة ثانية توسّعت في إطار تدوينيّ وقدّمت دور إرميا (11: 1؛ 14: 1؛ 18: 1؛ 30: 1).
آ 2- "قف بباب بيت الربّ". رج 2:26: "قف في دار بيت الربّ".
آ 3- أُسكنكم، أي أجعلكم تسكنون. ولكن نقرأ أيضًا: أسكن معكم (إذا وضعنا الحركات جانبًا).
آ 4- بعد "لا تتكلوا على قول الكذب" نجد في اليونانيّة: "لأنه لا يفيدكم أبدًا". نقرأ هيكل الربّ ثلاث مرّات، وكأن الكلام كلام سحر. رج 28:22 (يا أرض، يا أرض، يا أرض)، أش 6: 3 ؛ حز 21: 27. "هـ م ه" (في النهاية: هيكل يهوه "هم" أو هي في العربيّة). تدلّ على أبنية الهيكل. أو هي اختصار "هـ م ق و م. هـ زه ": المقام (الموضع) هذا.
آ 6- تسفك الدم الزكي. رخو3:22.
آ 7- أسكنكم في هذا الموضع، رج آ 3.
آ 10- "ل م ع ل. ع ث وت ". لكي تعملوا. لكي تواصلوا العمل.
آ 11- "هذا البيت" في اليونانيّة "بيتي". "رأيت ". أي: لستُ أعمى. اختبرتُ. نظرتُ إلى الأمور
آ 13- لا نجد في اليونانيّة "يقول الربّ". كما لا نجد "مبكّرًا في كلامي". فصار: "كلّمتكم ولم تسمعوا، دعوتكم ولم تجيبوا". هي عبارة عبريّة (هـ ش ك م. و. د ب ر). رج25:7؛ 11: 7 ؛ 4:25؛ 26: 5 ؛ 29: 19؛ 33:32؛ 35: 14، 15؛ 4:44.
ب- التفسير
آ 1- الكلمة. تبدو كأنّها شخص يرسلها الله إلى نبيّه. رج لفظة "الحكمة" في الأسفار الحكمية.
آ 2- استفاد إرميا من مجيء الناس إلى الهيكل، وقد يكون ذلك في أحد الأعياد، ليوصل كلمة الله.
آ 3- أتريدون أن أسكن معهم، أن أقيم في الهيكل؟ أصلحوا طرقكم وأعمالكم.
آ 4- قول الكذب. قول تخدعون به أنفسكم. رج آ 8؛ 25:13.
آ 5- هنا يبدأ النبيّ فيحدّد ما يجب أن يفعله الشعب: العدالة الاجتماعيّة (بين الإنسان وقريبه). عدم استغلال الغريب واليتيم والأرملة (آ 6). عدم سفك الدم البريء. عدم اتباع آلهة أخرى.
آ 7- هذا هو الشرط الذي يضعه الله لكي يقيم في أرضه مع شعبه. رج آ 3. ولكن الشعب يفضل أن يخدع نفسه (آ 8؛ رج آ 3).
آ 9- هنا ترد الوصايا العشر: لا تسرق، لا تقتل، لا تزنِ... لا يكن لك آلهة غيري. آلهة لم تعرفوها. أي لم تختبروا اهتمامها بكم، ولم تلتقوا بها كما التقيتم بالربّ في سيناء. رج 4:19 ؛ 3:44؛ تث 17:32.
آ 10- وبعد أن داس الشعب الوصايا، جاؤوا إلى الله! للربّ شروطه للذين يأتون إلى هيكله (مز 15).
آ 11- اللصوص يقترفون أعمالهم ويختبئون في مغارة لكي يكونوا في أمان من ملاحقة العدالة. هكذا يلجأ بنو إسرائيل ولا يراعون ذاك المقيم في الهيكل. "أنا رأيت". الله ليس كالأصنام التي لها عيون ولا ترى. رأى أعمال شعبه، فكيف يُخفون أعمال الظلم التي اقترفوها (6: 20)؟ هم يموّهون على البشر لا على الله (مز 139).
آ 12- دُمّر معبد شيلو حوالي سنة 1050 على يد الفلسطيّين. هكذا سيدمَّر هيكل أورشليم. واستُعملت العبارة (أسكنت اسمي فيه) التي كانت تستعمل للكلام عن الهيكل. تث 12: 11؛ 14: 23 ؛ 2:16، 6، 11؛ 2:26؛ نح 1: 9؛ رج تث 12: 5؛ 14: 24؛ 1 مل 3:9. نسب الله إلى نفسه تدمير شيلو الذي خدمه أجداد إرميا (مز 78: 56- 67)، وهو سيكون السبب في دمار هيكل أورشليم. "شرّ شعبي إسرائيل". نجد هنا إشارة إلى دمار السامرة وذهاب الشعب إلى السبي سنة 722- 721. هذا ما سيكون لأورشليم سنة 587- 586.
آ 13- نجد هنا ثلاث مراحل: اقترفتم هذه الأعمال. كلّمتكم فلم تسمعوا. دعوتكم فلم تجيبوا.
آ 14- النتيجة بالنسبة إلى الهيكل: كما فعلت بشيلو. هذا يعني أن هذا النصّ جاء في نسخته الأخيرة بعد دمار هيكل أورشليم.
آ 15- والنتيجة بالنسبة إلى الشعب: كما فعلت بأفرائيم، أي مملكة الشمال، أفعل بكم. نتذكّر هنا أنّه كان سي أؤل سنة 597 وسي ثانٍ سنة 587، بانتظار سبي ثالث سنة 582.
ج- دراسة عامّة
إنّ البنية التدوينيّة تجعل من هذه الخطبة كلامًا إلهيّا يُعلَن في الهيكل (رج 26: 1)، ويوجَّه إلى رجال يهوذا الذين يعبدون الربّ هناك. نجد في هذه الخطبة أربعة عناصر: تحذير أوّل (آ 2- 4)، تحذير ثانٍ (آ 5- 7)، كلام قاسٍ (آ 9- 11)، تهديد (آ 12- 15). تُدعى الأمّة لكي تتذكّر طرقها لكي يحق لها أن تقيم في الأرض (في المدينة، في الهيكل)، ولكي يقبل الله أن أن يظلّ معهم (في الهيكل). ما لا يجب عمله هو الاتكال على كلام الكذب الذي نجده في ترداد "هيكل الله". مثل هذا الاتكال ليس في محلّه. السلام يأتي حين يبدّل الشعب حياته.
ولكن كيف يبدّل الشعب حياته؟ هذا ما نجده في آ 5- 6: ممارسة العدالة، لا نضايق الغريب واليتيم والأرملة، لا نسفك الدم الزكي، لا نتعبّد لآلهة أخرى. نجد مثل هذه الشروط في تث، أش، عا، هو، مي... وتجاه هذا تأتي آ 9- 11 وفيها ما فيها من سخرية بل من تجديف. اتّهمت الجماعة بالتعدّي على الوصايا العشر ثمّ باللجوء إلى الهيكل لكي تكون في أمان. هي تنجو بيد الربّ لكي تعود من جديد فتتجاوز وصايا الربّ.
إنّ انتقاد طريقة العيش لدى الشعب الآتي إلى الهيكل، يقدَّم في لغة اشتراعيّة. قد يعكس الوصايا العشر (خر 20: 3- 17؛ تث 7:5- 21). هنا يُطرح السؤال: هل كان الدكالوغ (الوصايا العشر) في شكله الثابت حين دوّن 7: 1- 8: 3؟ كل ما نقدر أن نقوله هو أنّه كانت خطبة قبل الدخول إلى الهيكل (مز 15؛ 3:24- 6)، تستعمل عناصرَ كهنوتيّة وعناصرَ نبويّة.
ليست هذه الخطبة هجومًا على العبادة في الهيكل. فهذا ما لا يتوافق مع التقليد (17: 12). واستعمال لفظة "بيت" الذي دُعي عليه اسمي (آ 10- 11؛ رج آ 12، 14) حسب التقليد الاشتراعي، يدلّ على الإقرار بأنّ الهيكل يخصّ الله. ما ينتقده النبيّ هو علاقة سيّئة بين حياة خلقيّة تتنافى والوصايا وشعائر عبادة نؤدّيها في الهيكل. إنّ آ 11 تعلن أنّ الهيكل يكون هيكلاً يليق بالعابدين الحقيقيّين الذين يأتون إليه، وإلاّ يصبح مغارة للصوص.
ونقرأ في آ 13 موضوعًا اشتراعيًّا آخر هو موضوع إرسال كلمة سيرذلها الشعب دومًا. أرسلت الكلمة بوساطة الأنبياء، ولكنّها لم تُسمَع. أرسلت باكرًا. فالله لا ينام (مز 121: 3 - 4). أُرسلت منذ زمن الخروج وما زالت. لهذا يتبرّر الله حين يدمّر المدينة.
إنّ تاريخ عدم الاستماع وعدم التجاوب مع كلمة الله يأخذ حدّه في دمار الهيكل والمدينة (مع الأرض). ما أعطاه الله يستطيع أن يستردّه. فلا وعد إلهيًّا إلى الأبد. فإذا كانت الجماعة لا تتجاوب بشكل منتظم مع هذه الكلمة، تُلغى مواعيد الله السابقة (7:18- 9 ؛ أش 50: 2 ؛ 12:65؛ 4:66). وهكذا يُطرد يهوذا من أرضه كما طُرد افرائيم. وكما دُمّر هيكل شيلو، سيدمَّر الهيكل مع المدينة المقدّسة.

2- الربّ لا يسمع شعبًا لا يسمع (7: 16- 34)
ونصل إلى الموضوع الثاني الذي هو هجوم على مواقف خاطئة في شعائر العبادة، وممارسات غريبة تجاه ملكة السماء. هذا هو السبب الأساسيّ لتدمير أورشليم.
أ- قراءة النصّ
آ 16- رج 11: 14 ؛ 14: 11: لا تصل عن هذا الشعب. ستكون صلاتك بدون جدوى.
آ 18- رج 44: 17- 19 "أقراص" (ك و ن ي م. في الأكاديّة: كامانو). هي كعكة تُطبع عليها صورة الالاهة (44: 19). "ملكة السماء". في اليونانيّة: جنود السماء. ولكن في سائر الترجمات اليونانيّة (غير السبعينيّة) نجد: ملكة السماء.
آ 20- هكذا قال السيّد الربّ. سقطت في اليونانيّة لفظة "السيّد" (أدوناي).
آ 22- " هـ و ص ي ا" (كت). قر: أوصيتُ، أمرتُ.
آ 24- "في مشوراتهم، في إصرار قلوبهم الشرّيرة". في اليونانيّة: في تصوّرات قلوبهم. أضاف الماسوري "ب. م ع ص و ت" (مشورات) متأثّرًا بما في مز 81: 12.
آ 25- آباؤكم. في الترجمات: آباؤهم. وكذا الضمير مع إلى (إليكم، بل إليهم في السريانيّة). في الماسوري: اليوم. بل "يومًا بعد يوم". رج 25: 4 (في السريانيّة: يوم يوم).
آ 27- نقرأ في نهاية الآية: "تكلّمهم بهذا الكلام" (حسب اليونانيّة).
آ 28- لا نجد في اليونانيّة: فتقول لهم. لقد حلّ محلّها ما أضيف في آ 27.
آ 29- "ج ز ي. ن ز ر ك" أي جزي شعر نذرك. رج عد 6: 19. لم تعودي مكرّسة لله، فلماذا الشعر الذي هو علامة التكريس لله. ولا ننسى أن قصّ الشعر علامة الحزن.
آ 31- 33= 19: 5- 7. "و ب ن و" (سيبنون)، بل "و ي ب ن" (أي: بنوا) كما في 32: 35. "ب م و ت" (صيغة الجمع)، المشارف. في اليونانيّة: صيغة المفرد. فهناك موضع واحد يشرف على المدينة وهو "توفت" (في العبريّة: ت ف ت). وُضعت حركات "بوشِت" (أي الخزي)، لتدلّ على رفض هذا الموضع للعبادة. "أوصيت". في اليونانيّة: أوصيتهم.
آ 32- وادي القتلى (هـ. هـ ر ج ه). في اليونانيّة: وادي القتلى.
آ 34- "الأرض (في اليونانيةّ. كلّ الأرض) تكون خرابًا".
التفسير
آ 16- تشفّع ابراهيم من أجل سدوم فسمع الله له. ولكنّه لم يجد عشرة أبرار. أمّا هنا، فالربّ لن يسمع لإرميا إن هو تشفّع من أجل الشعب.
آ 18- ملكة السماء هي عشتار أو عشتاروت التي عُرفت في بلاد الرافدين. رج 17:44- 19.
آ 21- ولماذا لا يريد الربّ أن يسمع؟ لأنّ الشعب لا يريد أن يسمع. "المحرقة" تُحرق كلّها للربّ، فتختلف عن الذبيحة، التي يأكلها صاحبُها مع الأهل والأصحاب. أمّا الآن، فلا فرق بين الاثنين، والربّ يرفض المحرقات التي تقدّم عن الخطايا. كأني به لا يريد أن يغفر خطيئة شعبه.
آ 22- لم يطلب الربّ من شعبه ذبيحة ومحرقة حين أخرجهم من مصر (أش 1: 11؛ عا 25:5؛ مز 51 :18).
آ 23- كل ما طلب: أن يسمعوا له. ولكنّهم لم يسمعوا (آ 24). أداروا ظهرهم لا وجههم. وذلك منذ الخروج من مصر (آ 25). نلاحظ محاولات الربّ التي لم تنقطع لإعادة شعبه إليه.
آ 27- تكلّم الربّ، تكلّم النبيّ. لم يسمعوا فصار اسمهم: الأمّة التي لا تسمع.
آ 29- والآن ليقطفوا ثمار انحرافهم الدينيّ بما فيها من مرارة. "جزّي نذرك". لم تعد الأمّة مكرّسة للربّ (عد 6: 5، 9 ؛ فض 5:13، 7؛ 17:16؛ 1 صم 1- 11)، فلماذا تحتفظ بشعرها (رج آ 1- 15؛ 3:2).
آ 30- الأرجاس أو الأصنام الرجسة قد وُضعت في الهيكل إرضاء للحاكم الأجنبيّ. رج آ 10؛ 25: 29؛ 34: 37.
آ 31- المشارف أو المعابد المشرفة على المدينة. كان بنو إسرائيل يقدّمون عليها ذبائحهم في البداية (1 صم 12:9؛ 1 مل 3: 4). ولكن هذه المشارف ستُمنع منعًا باتًّا على يد الأنبياء لارتباطها بالديانة الكنعانيّة. توفة تعني المذبح (أش 30: 33) الذي كانت تحرق عليه الأطفال. وادي بن هنوم: يقع جنوبيّ أورشليم. رج 23:2.
آ 32- تجيء أيام. عبارة تتردّد عند الأنبياء فتدلّ على أنّ ما قيل هنا سوف يتحقّق بدون شكّ. في الواقع، ستُطرح الجثث في هذا الوادي فيخسر صفته كموضع مقدّس تقدَّم عليه الذبائح.
آ 33- ويذكر الكاتب ما سيحدث للمدينة حين تدمَّر: تتكدّس الجثث. وبسبب الموت، يزول صوت الطرب وصوت الفرح (آ 34).
ج- دراسة عامّة
هاجم الكاتب هنا عبادات بني إسرائيل، ولاسيّما تلك التي تقدّم لعشتار الرافدينيّة وملكة السماء. هي عبادة خاصّة داخل عبادة سائر الآلهة، تصوَّر في آ 17- 18 (رج 44: 15- 23). ورفضُ الصلاة من أجل الشعب، يدلّ على خطورة هذه الممارسة. مثل هذا الرفض نقرأه أيضًا في 11: 14 (لا تصلّ عن هذا الشعب) و 14: 11 (في سياق مختلف). فالأمّة لا تستحق المساعدة. ويبدو إرميا ذاك المتشفّع الذي لا يُسمح له بأن يلعب دوره. فالدور الأساسيّ للنبيّ هو التشفعّ (تك 20: 7؛ عا 7: 1- 6). ويكل بما أنّ الأمّة رفضت أن تسمع (آ 13)، فالربّ رفض أن يسمع كلّ تشفعّ من أجلها (آ 27).
فالصلاة والبكاء والتشفعّ والتوسّل، كلّ هذا لا نفع منه لأنّ الربّ لا يريد أن يسمع. السبب: عبادة على مستوى العائلة كلّها. كلّهم يشاركون: البنون يلتقطون الحطب. الآباء يُشعلون النار. النساء يعجنّ الدقيق. كلّ هذا يملأ يهوه غضبًا، كما يُذلّ العابدين، لأنّ الشعب يصبح مثل الصنم الذي يعبد (مز 115: 8؛ 18:135). وبما أنّ الصنم لا شيء صار الشعب كلا شيء. وهكذا ستحترق الأرض. فالجيش سيمرّ فيها. ونار الربّ تفعل.
إنّ آ 21- 26 هي كلام إلهيّ يتوجّه إلى الأمّة: "اجمعوا محرقاتكم إلى ذبائحكم". (آ 27- 28 إلى المتكلّم: "تحبهم بهذه الكلمات فلا يسمعون لك"). إن القول الجويّ في آ 21 أ يتوجّه ضدّ النظام الذبائحيّ. أتركوا ذبائحكم لكم. فهي لحم ولا شيء آخر فكلوها وحدكم (عا 4:4- 5). هذا لا يعني أمرًا بأن يصنع الشعب عملاً محرّمًا فيأكل لحم الذبائح، بل يعني أنّ لحم الذبائح صار كاللحم الذي جمله المؤمن في بيته. لا شيء يميّزه بعد أن نسي الشعب الطاعة لكلمة الله.
هذه الوحدة (آ 21- 26) مليئة بالعناصر الاشتراعيّة، وتسيطر عليها فكرة تعلن أنّ تاريخ الشعب كلّه كان تاريخ العصيان لكلمة الله (2: 5- 8). هناك تعارض بين الذبيحة والطاعة، مع أنّ الشرعة الاشتراعيّة لم تتحدّث مرارًا عن الذبائح. ولكن مكانة الذبائح تبقى أساسيّة في خر 19: 10- 25؛ 3:24-8؛ ف 25- 31؛ ف 35- 40؛ لا 1 - 16. لهذا قالت عب 9: 22: "إنّ الناموس يقضي أن يُطهَّر كل شيء تقريبًا بالدم، ولا مغفرة للخطايا بدون سفك دم". إذن، كيف يقول "النبيّ" إنّ الله لم يتكلّم مع الآباء عن ذبائح ومحرقات؟ أولاً، هناك موقف التيّار الاشتراعي من الذبائح. ثمّ، هناك نظرة تاريخيّة نقديّة تفهمنا أنّ تنظيم الذبائح في حياة الجماعة يعود إلى ما بعد المنفى. لهذا تقول آ 2 إنّ الربّ لم يأمر بمحرقة في البرّية. وهذا ما نجده أيضا في عا 5: 25 (هل قرّبتم لي ذبائح وتقادم أربعين سنة في البرّيّة؟).
إنّ تاريخ رفض كلمة الله في آ 13، سيعود ويوضَح في آ 25: "ما زلتُ مرسلاً إليكم جميع عبيدي الأنبياء". هي عبارة إرميائيّة. والحديث عن "عبيدي الأنبياء" يعود بنا إلى التقليد الاشتراعيّ. وهكذا يلتقي لاهوت الكلمة (اهتمام بحمل الكلمة ونشرها في التقليد النبويّ) الاشتراعيّ مع ما قاله إرميا. ولكن هناك معارضة للأنبياء (23: 9- 40) بسبب الذي حصل (لم يعرفوا أن يقودوا الشعب، رج مرا 2: 14). ولكن هناك من وبّخ الشعب لأنّه لم يسمع للأنبياء.
ويقدّم هذا التفسيرُ التدوينيّ (آ 27- 28) تعليمًا من أجل حمل الكلمة (تتميّز هذه الوحدة عن آ 21- 26)، وردّة فعل الشعب (رج 16: 10). لن يسمع الشعب لإرميا، كما لم يسمع لله، فلن يكون له جواب آخر. فرفْض الطاعة يقابل رفض التعليم والتأديب (17: 23 ؛ 33: 32؛ 13:35). وقد يعني التأديب (آ 28، م و س ر) التفسير الاشتراعيّ للتاريخ (تث 11: 2)، أي شرح الأحداث التي تحصل في حياة الجماعة، ومعاملة الربّ للأمّة معاملة إيجابيّة (بركة) أو سلبيّة (عقاب). رج 2: 30؛ 5: 3. غير أنّ النصّ لا يدلّ هنا على أي حدث محدّد. لهذا نكون أمام عبارة تتحدّث عن الشعب الذي لا يسمع كلمة الله.
وتأتي آ 29 (قصيدة صغيرة) بشكل خاتمة لما في آ 27- 28 وبداية لما في آ 30- 34. إنّ الجماعة التي رفضت تأديب الربّ سيُحكم عليها. والمجتمع الذي يتساهل مع عبادة كتلك المذكورة في آ 31 هو موضع الموت. فلا يبقى سوى طقوس الحزن والحداد.
تصوّر أورشليمُ كامرأة جُزّ شعرها حدادًا على موت أبنائها (آ 29؛ رج 6: 26؛ 31: 15). وسبب هذا الحداد هو أنّ الربّ رذل شعبه، وبغضبه دمّر جماعتَه.
هي المرثاة لا الصلاة في هذه الأمّة (آ 16، 29) في عدد من القطع. في القطعة الأولى (آ 30) يُتّهم أبناء يهوذا بأنّهم جعلوا الأرجاس (الأصنام) في الهيكل. رج لا 7: 21؛ 11: 10، 12؛ تث 26:7 ؛ حز 5: 11؛ 7: 20، دا 27:9؛ 11: 31؛ 12: 11 (قد ترتبط بمنسّى، 2 مل 21: 1- 15، التي دمّرها يوشيا، 2 مل 4:23- 20، فأعادها يوياقيم). القطعة الثانية (آ 31- 32) تركّز على ممارسات عباديّة تتمّ خارج أورشليم في وادي هنوم (19: 5- 7): كانوا هناك يحرقون بنيهم وبناتهم (للبعل حسب 19: 5؛ 32: 35). لقد صار هذا الموضع موضع الموتى بعد أن اجتاح العدوّ البلاد. والقطعة الثالثة (آ 33- 34) تصوّر مصير المدينة والأرض: جثث لا تُدفن فتصبح مأكلاً للوحوش والبهائم. ويتوقّف كلّ نشاط في أورشليم ويهوذا، وتصبح الأرض خرابًا.

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM