الفصَلُ الثامن: حُرُوبُ يَهُوذَا المكابي في أيَّام دِيمِتريوَسَ الأوّل

الفصَلُ الثامن
حُرُوبُ يَهُوذَا المكابي
في أيَّام دِيمِتريوَسَ الأوّل
ف 14- 15

أ- المقدّمة
1- من أنطيوخس الرابع إلى أنطيوخس الخامس، ومن أنطيوخس الخامس إلى ديمتريوس الأوّل، تغيّر الملوك وظلّ يهوذا يقاوم. تبدّلت السياسة وظلّت أورشليم صامدة، وبقي الهيكل محطّ أنظار المؤمنين وغير المؤمنين. رحل ليسياس بعد أن أقنع الملك بالعدول عن محاربة اليهود، فعاد نكانور باسم الملك، وجاء معه الكيمس الكاهن الأعظم ولا همّ له إلاّ تحطيم يهوذا لتخلو الساحة له. ولكن سينتصر يهوذا على نكاتور، ويكون يوم الانتصار هذا عيدًا يحتفل به اليهود في الثالث عشر من شهر آذار من كل سنة.
2- لا يقدّم لنا 2 مك تاريخًا، بل سلسلة من اللوحات. فبعد موت سلوقس اعتلى أبيفانيوس العرش ثمّ أوباطور وديمتريوس. مرّت ثلاث سنوات على الأحداث المرويّة سابقًا: قُتل لوسياس وأوباطور، ودخل ديمتريوس على مسرح الأحداث. كان ابن سلوقس وكان من حقّه أن يعتلي العرش بعد والده. ولكنّ عمّه أبيفانيوس أزاحه. فهرب الفتى ديمتريوس إلى رومة وطلب حماية الرومانيين. ثمّ عاد في عهد أنطيوخس الخاسر إلى طرابلس بلبنان أوّلاً قبل أن يعود إلى إنطاكية.
3- تمرّ الرجال والحرب هي هي. لم يتبّدل شيء. فمن فصل إلى فصل نجد الظروف ذاتها والمواجهة ذاتها: مملكة السلوقيين ضدّ بلاد اليهود الضعيفة. هناك هدنة، هناك أوقات سلم، ولكنّ هذه الأوقات هي مقدِّمة للحرب ولصراع أكثر قساوة ودماء. أرسل ديمتريوس نكانور ليهاجم اليهود. لقد أراد الملك أن يقضي على هذا الشعب الذي يعارض مشاريع الملك ويضع الحواجز أمام توحيد البلدان التي تؤلّف الإمبراطورية السلوقية. ولكن سيدخل بعض اليهود في مشاريم الملك.
4- في البداية قام ياسون على أونيا، ثمّ قام منلاوس على ياسون. فبعد هذين الكاهنين الشرّيرين، المسؤولين عن الشرّ الذي حلّ ببلدهما، ها نحن نلتقي كاهنًا ثالثًا لا يفترق كثيرًا عن سابقيه حيلة وكذبًا. ما طلبه ياسون ومنلاوس هو ما يطلبه ألكيمس: رئاسة الكهنوت. ومن خلال رئاسة الكهنوت يتطلّبون السيطرة. يحاربون يهوذا وهم مقتنعون أنّهم لن يستطيعوا أن يملكوا ما دام حزب يهوذا مسيطرًا على البلاد. وهكذا خان هؤلاء الكهنة إلههم وسلّموا شعبهم إلى الملوك الوثنيين ليصلوا إلى مآربهم. ولكنّهم لم يصلوا. فأونيا الكاهن التتي يدافع عن شعبه في حياته وفي مماته.

ب- تفسير الآيات الكتابيّة
1- إفتراء الكيمس على يهوذا (14: 1- 14)
(آ 14: 1)، قابل آ 1- 4 مع 1 مك 7: 1- 25. وبعد ثلاث سنين، أي بعد 13: 1. هذا يعني أشا في سنة 161- 160. ديمتريوس: هو ديمتريوس الأوّل سوتر، بكر سلوقس الرابع فيلوباطرر (187-175)، والأخ البكر لأنطيوخس الرابع أبيفانيوس (175-164). إنطلق ديمتريوس بحفنة من الرجال (1 مك 7: 1) ما عتّمت أن صارت جيشًا قويًّا (1 مك 7: 2).
(آ 3)، الكيمس: رج 1 مك 7: 5 ح. يجب أن نميّز عنده مداخلتين. الأولى (آ 3- 4؛ 1 مك 7: 5- 7) انتهت باختيار بكيديس وبالحملة على أرض يهوذا (1 مك 7: 8- 25). الثانية (آ 5- 11. 1 مك 7: 25) انتهت بتعيين نكانورو حملته على يهوذا (آ 12- 22؛ 1 مك 7: 26- 32).
(آ 4)، سنة 151. رج آ 1. أهدى إليه إكليلاً من ذهب... وذلك بشكل جزية (1 مك 10: 20، 29، 11: 35؛ 13: 37، 39).
(آ 5)، وهنا تبدأ مداخلة ألكيمس الثانية.
(آ 6)، الحسيديم (رج 1 مك 2: 42): أناس ورعون متعلّقون بالشريعة والتقليد. بدأوا فاقتنعوا بوعود ألكيمس وبكيديس (1 مك 7: 12- 16). ولكنّهم لمّا عرفوا مكر بكديس أجبروا على حمل السلاح (1 مك 7: 16- 18).
(آ 9)، يعرف ألكيمس لغة البلاط وهو يحدّث الملك بما يرضيه. هكذا فعل ترتلوس أمام الحاكم (أع 24: 1 ي).
(آ 10)، وأنهى كلامه: ما دام يهوذا المكّابي حيًّا، فلا يمكن لشعبنا أن ينعم بالسلام.
(آ 11 ي)، إقتنع الملك بهذا الكلام واستدعى نكانور. وأمره أن يقتل يهوذا ويبدد أنصاره ويعين ألكيمس كاهنًا أعظم. وأنضمّ إلى نكانور كل الغرباء المقيمين في اليهودية (آ 14).
2- معاهدة نكانور مع يهذا (14: 15- 25)
(آ 15)، علم اليهود بقدوم نكانور فبدأوا الصلاة وأعمال التوبة إلى الله الذي اختار شعبه إلى الأبد. (آ 16)، وبعد الصلاة بدأت الحرب. دساو هي أداسة القريبة من كفر سلامة (1 مك 7: 31 خ).
(آ 18-19)، ولاحظ نكانور بسالة جنود يهوذا فاعاد يريد أن يحتكم إلى السلاح فأرسل من يفاوض لعقد الصلح.
(آ 20 ي)، وتباحثوا في الصلح... وعقدوا الاتّفاق بسلام.
(آ 23 ي)، وكانت صداقة بين نكانور ويهوذا.
3- نكانور يبدّل موجة من يهوذا (14: 26- 36)
(آ 26)، رأى ألكيمس الاتّفاق فطار صوابه وذهب إلى ديمتريوس يثيره على نكانور.
(آ 27)، ثار غضب الملك وطلب إلى نكانور أن يرسل إليه يهوذا مقيّدًا.
(آ 28 ي)، وصلت الرسالة إلى نكانور. ولكن ما العمل؟ لا يقدر أن يعصي الملك ولا يقدر أن يغدر بيهوذا... أحسّ يهوذا بالخطر فاختفى من نكانور.
(آ 31-36)، قابل هذه الآيات مع 1 مك 7: 33- 38. الحدث ذاته يُروى في المقطعين: المكان هو هو، والأشخاص، والمتطلّبات وصلاة الكهنة. نلاحظ أنّ الصلاة في 1 مك هي دعاء على نكانور، وفي 2 مك توسل من أجل الهيكل.
وهدَّد نكانور: إذا لم يسلّم إليه يهوذا سيهدم الهيكل ويبني مكانه معبدًا لديونيسوس، إله الخمر. صرخ الكهنة: حافظ على هذا الهيكل من الدنس إلى الأبد، يا رب.
4- موت رازيس (14: 37- 46)
(آ 37)، هذا الحادث (آ 37- 46) لا نقرأه في 1 مك وهو من نوع أخبار البطولة التي تعوّدناها في استشهاد العازار والإخوة السبعة مع أمّهم (6: 8- 7: 42).
(آ 38 ي)، عرف نكانور أنّ رازيس ليس بالرجل العادي فأرسل جنودًا ليقبضوا عليه.
(آ 21-42)، لجأ رازيس إلى برج وكادوا يقتحمون الباب فألقى بنفسه على سيفه: فضل أن يموت ولا يستسلم إلى أيدي الأشرار.
(آ 43-44)، ثمّ وقف على صخر وأخرج أمعاءه بيديه ورماها على الجنود ودعا رب الحياة والروح أن يعيدها إليه.
نحن أمام موت مأساوي. ولكن نتساءل عن شريعة الانتحار عندما يكاد الإنسان يقع أيدي العدوّ. لا شكّ أنّنا نعجب لهذه الشجاعة وهذا العنف، ولكنّنا لا نوافق على سلوكه وسلوك من يقتدي به.
5- خطة نكانور المجرمة (15: 1- 5)
(آ 15: 1)، وعم نكانور أنّ يهوذا ورجاله كانوا في نواحي السامرة فنوى أن يهاجمهم يوم السبت، فيموتون بدون قتال كما مات إخوتهم في السابق (1 مك 2: 29 ي).
(آ 2)، طلب منه اليهود الذين أنضمّوا إلى جيشه بالقوّة أن يحترم يوم السبت.
(آ 3-4)، وكان حوار بين نكانور وبين اليهود. هل في السماء من أمر بحفظ السبت؟ نعم في السماء ربّ حيّ قدير وهو الذي أمر بتقديس اليوم السابع.
(آ 5)، قال: أنا الحاكم في الأرض وأنا آمركم. ولكن لم تنجح خطّته.
6- يهوذا يشجعّ شعبه على القتال (15: 6-16)
(آ 6)، ويشير الكاتب إلى موقف التكبّر عند نكانور كما عند سادته: سيقيم نصبًا تذكاريًا لمعاركه.
(آ 7)، أمّا يهوذا فكان واثقًا بالرب.
(آ 8-9)، شجّعهم وذكرّهم أنّ الله نصرهم في الماضي وهو سينصرهم اليوم فأثار حماستهم.
(آ 10)، وشرح لهم كيف نقض الغرباء عهودهم فكان كلامه سلاحًا قوّيًا لهم.
(آ 11 ي)، وأخبرهم بما رآه في الحلم: رأى أونيا الكاهن الأعظم يصلّي لأجل شعب الله، وإرميا نبيّ الله الذي يحب إخوته ويكثر من الصلوات. وأعطى إرميا يهوذا سيفًا قال: به تحطم الأعداء. فأدخل هذا الكلام البهجة إلى قلوبهم وجعلهم يرجون الخير.
7- هزيمة نكانور وموته (15: 17- 36)
(آ 17)، فشدّد كلام يهوذا عزائمهم فعزموا على أن لا يعسكروا بل يهجموا بشجاعة.
(آ 18-19)، وكان خوفهم على الهيكل أكثر من خوفهم على النساء والأولاد والإخوة.
(آ 20)، وتركّز الأعداء يستعدّون للمعركة: الفيلة، الفرسان.
(آ 21-23)، رأى يهوذا جيش العدوّ فصلّى: أنت يا رب أرسلت ملاكك فقتل من جيش سنحاريب 185000 (2 مل 19: 35). فأرسل ملاكًا صالحًا ينشر الرعب والذعر في هذا الجيش الذي يهاجمنا.
(آ 24-27)، وهجم جيش نكانور وتصدّى له جيش يهوذا. وفيمَا كانوا يقاتلون بالأيدي كانوا يصلّون إلى الله بقلوبهم. قتلوا 35000.
(آ 28-29)، وجدوا نكانور بكامل سلاحه ملقى على الأرض فهتفوا فرحًا.
(آ 30)، وأمر يهوذا بقطع رأس نكاتور ويده من كتفه وبحملهما إلى أورشليم.
(آ 31-35)، أراهم يهوذا رأس الفاسق الفاجر ويده التي مدّها متجبّرًا على الرب القدير، ثمّ قطع لسانه... وعلّق يهوذا رأس نكانور على القلعة ليكون برهانًا واضحًا على معونة الله.
(آ 36)، وأقرّوا الاحتفال بيوم النصر هذا في الثالث عشر من آذار.
8- الخاتمة (15: 37- 39)
(آ 37)، هذا ما جرى لنكانور. أمّا أورشليم فبقيت في يد العبرانيين. وها أنا أختم الكلام على هذه الصورة المليئة بالرجاء.
(آ 38)، ويظهر الكاتب تواضعه واعتداله: إن كنت أحسنْتُ، فذلك ما كنت أتمنّى. وإن قصّرتُ فحسي أنّي بذلت جهدي.
(آ 39)، الكلام الجميل يفرِّح قارئيه (بصوت عال. رج أع 8: 28- 30) كما أنّ الخمرة الممزوجة بالماء تطيب وتلذّ لشاربيها.
وبهذا أختم كلامي.

ج- ملاحظات: الحياة حرب
الحياة حرب، حياة الأمّة، حياة الكنيسة وحياة كلّ منّا. فالأمّة وإن كانت ضعيفة لن تقهر إذا إتّكلت على الله. أمّا سلاحهما الوحيد فهو الصلاة والصلاة الدائمة. والحرب تبدو مثل ليتورجيا لأنّ الله يتدخَّل فيها.
وهناك سلم يصبح بعض المرّات اكثر خطرًا من الحرب. يستفيد نكانور من صداقته مع يهوذا ليقتله بسهولة. فاعتزل يهوذا واستعدّ للقتال. حينئذ ظهر وجه نكانور الحقيقي: عدوّ شعب الله الشرس الذي لا يريد أن يقاتل وحسب، بل أن يدمّر الشعب المقدّس وهيكل الرب.
ونجد تعليمًا ثالثًا: ليس من أمر انتهى، ليس من أمر وجد له حّلاً. حارب يهوذا، انتصر يهوذا ولكنّ عليه أن يحارب بعد، والطريق طويلة أمامه.
يقول 2 مك: وبهذا أختم كلامي، لا، ليس من خاتمة. 1 مك يتابع الخبر، والمعارك تتوالى. لا شكّ في أنّ أورشليم ظلّت في يد اليهود منذ تطهير الهيكل، وكان باستطاعة الكاتب أن يتوقّف هناك. ولكنّه لم يفعل. فالتاريخ يتوالى ولا نهاية له لأنّ الزمن لم ينتهِ بعد ومضمون الزمن هو التعارض الذي يتحدّث عنه الكتاب بين عالم الشرّ وعالم الخير، عالم الظلمة وعالم النور. هل يوجد تاريخ؟ نعم ولا. وسفر الجامعة يعلن بحق: لا جديد تحت الشمس. فبعد حروب المكَّابيين هناك حرب العالم اليهودي مع رومة. كانت رومة حليفة وستصبح موضوع بغض أكثر ممّا كانت عليه إنطاكية. وتتوالى الأحداث ولا نهاية لها.
الحياة صراع ولا نصر نهائيًّا فيها. فالنصر النهائي سيكون في نهاية الأزمنة. فعلينا أن نسهر ونبقى مستعدّين لأنّ العدوّ ينتصر بعض المرّات، وإن هُزم فهو لم يدحَّر بعد، فيظهر في وجوه أخرى. الصراع بين الخير والشر، بين الله والشيطان، هو مضمون الزمن إلى أن يعود يسوع، إلى النهاية.
الذين يتحزّبون لله يتَّحدون بالعالم الإلهي ويتَّحد العالم الإلهي بهم، وهذا يتمّ بالصلاة. نرى في كتابنا يهوذا المكّابي وحده من جهة ونكانور وحده من جهة أخرى، ويهوذا من جهة وليسياس من جهة أخرى. أو أونيا من جهة وياسون أو منلاوس من جهة أخرى. هذا في الظاهر. ولكن في الداخل الله يسند هذا ويقوده. أمّا ذاك فيرافقه الشرّير الذي يثير البغض ولا يسمح للتفاهم والسلام أن يقيما بين الشر. الله يتدخّل بالصلاة عندما ندعوه، يتدخّل في الرؤى، ويتدخّل خاصّة في قوّة الشهادة.
وينتهي الكتاب كما بدأ: في البداية كما في النهاية يطالعنا وجه أونيا، الكاهن الأعظم. ينتهي الكتاب بالرؤية التي حصل عليهها يهوذا وهي أحمى رؤى الكتاب. رأى يهوذا أونيا ورأى إرميا. أجل العاثشون في العالم ليسوا وحدهم، وهم لا يحاربون وحدهم. فشفاعة القدّيسين تسندهم وتقودهم حتى ولو لم يعرفوا ذلك. فالصلاة التي توحّد الناس بالله، توحّد أيضاً في الله الأحياء مع الأموات في رباط المحبّة الواحدة. هذا ما يقوله صاحب الرسالة إلى العبرانيين حين كتب أنّ يسوع حيّ دائمًا يتشفعّ من أجلنا في حضرة الآب. وهكذا نقول عن أونيا الذي هو صورة عن يسوع المسيح، في موته وفي تشفَّعه من أجل شعبه. فنصر يهوذا يرتبط بتشفعَّ أونيا، كما أنّ حياة الكنيسة وخلاص العائشين والمجاهدين من أجلها يتعلّقان بالمسيح.
الفاعل الأساسي في هذا الكتاب هو أونيا. نراه في الفصل الأوّلط أمام الله يصلّي من أجل شعبه. وتشفَّعه يقود الأحداث. ومع أونيا نجد الأنبياء القدماء. هنا يظهر إرميا أكثر بهاء من أونيا، فهو اكبر منه سنّاً وأرى منه موهبة نبويّة. أونيا مع إرميا. هذا هو حضور رمزي لكل آباء العالم اليهودي. القدّيسون يعيشون مع شعب الله. ليسوا بمائتين. فالذين هم مع الله يعيشون مع البشر في وحدة حيّة. أونيا يصلّي من أجل الأمّة، والإخوة السبعة يعرفون أنّ موتهم هو ثمن خلاص الشعب. ويهوذا يطلب صلاة من أجل الموتى. وهكذا يتوحّد الأحياء مع الموتى. فالموت لا يفصل الذين تجمعهم أمانة واحدة لشريعة الله. فالخطيئة نفسها لا تقطع هذا الرباط.
منذ ذلك الوقت بدت الحرب المكَّابية حربًا إسكاتولوجية تلتتي فيها قوى الشرّ وقوى الخير، قوى بليعال وشعب القدّيسين. إنّها كالحرب التي ستعرف بعد العهد المسيحاني زوال الخطيئة وحلول السلام النهائي بإنتصار الرب الشامل. هذه هي نظرة سفر دانيال وسفر يهوديت اللذين قدّما لنا أحداث سفري المكَّابيين في لغة سرية غامضة. فني هذين السفرين تبدو شخصية أنطيوخس وكأنّه عدو الله الذي يسمّيه التقليد "المعارض للمسيح" (إنتيكريست).
من يقف بوجه عدوّ الله؟ ليس يهوذا. فسفر المكَّابيين الأوّل الذي دوِّن في محيط الصادوقيين الكهنوتي ينتزع من الحرب طابعها الديني فيجعلها محاولة يقوم بها أبناء متتيا من أجل استقلال شعب الله والأمانة للشريعة. ولهذا فهو لا يبدو حاسمًا بالنسبة إلى تاريخ الخلاص مثل سفري دانيال ويهوديت. أمّا 2 مك فهو إليهما أقرب. إنّه يكتب تاريخ المكَّابيين بعد الأحداث بعشرات السنين ويعرف ما آل إليه حكم الحشمونيين. لهذا يرى في هذه الحرب مقدّمة للعهد المسيحاني. ليس أبناء متتيا هم الذين يتصدَّرون الخبر، بل أونيا الكاهن الأعظم. أجل، حضور أونيا، مهما كان خفيًا، يسود الأحداث، بل يوجهها بشفاعته عبر نصر حاسم من أول إسرائيل، دل من أول الأمم. لم يوقف الموت أونيا عن ممارسة وظيفته كقائد ومدافع عن المدينة. مات أنطيوخس أبيفانيوس فتطهر الهيكل، ولكنّ موت نكانور في المعركة يعلن اضمحلال أعداء الله وبداية الزمن المسيحاني

Copyright © 2017 BOULOS FEGHALI. SITE by OSITCOM ltd
Webmaster by P. Michel Rouhana OAM